أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - زهير كاظم عبود - عناصر القوة والضعف في دولة الدستور















المزيد.....


عناصر القوة والضعف في دولة الدستور


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 2457 - 2008 / 11 / 6 - 08:55
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


أكدت جميع المعايير ووجهات النظر الدستورية على الإرادة العامة ، والتي تعني مجموع إرادات الإفراد وهم أصحاب السلطة ، ومهما كانت وجهات النظر تلك إلا أنها اتفقت تقريبا من أن الإرادة تعني تفويض الشعب للسلطات وفقا للمصلحة العامة للشعب ( وفقا لنظرية العقد الاجتماعي ) ، وهذه السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، قد يتم دمج بعضها في بعض النظم وقد يتم التأكيد على استقلاليتها في نظم أخرى ، والتي غالبا ما ينسحب معناها الى الحكومة والدولة .
ومن بين النظريات التي تعتمد على مبدأ الإرادة ، نظرية فصل السلطات ، وهذا الفصل لايعني بأي حال من الأحوال العزل الكامل أو الاستقلالية التامة ، لأن الفصل هنا من اجل أن لايحصل تداخل في أساليب العمل والاختصاص ، بل يكون الفصل مع وجود ترابط منهجي في العمل ، بالإضافة الى أعتبار المؤسسة العسكرية خارج أطار تلك السلطات ، باعتبارها المؤسسة العاملة لحماية تلك الدولة وكفالة ضمان عمل تلك السلطات وفق النصوص الدستورية ، مع إن هناك من يعتبر هذه المؤسسة جزء مهم من السلطة التنفيذية .
واتفق الفقهاء في القانون الدستوري أن الأمة هي صاحبة الإرادة الشعبية وهي مصدر السلطات وهي التي تخول أو تمنح الهيئة السياسية بعض أو كل من التصرفات التي تملكها والتي ينص عليها الدستور .
ومن خلال هذا التفويض والصلاحيات تتمتع الدولة بشخصية معنوية مستقلة ، تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص المعنوي لكن شخصيتها منفصلة تماماً عن شخصيات الأفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها ، والشخصية المعنوية هي شخصية افتراضية .
وتكون الدولة وحدة قانونية مستقلة عن شخصيات الهيئة المسيطرة على الحكم ، أذ يتمتع كل واحد منهم بشخصية حقيقية مستقلة وذمة مالية مستقلة لاعلاقة لها بذمة الدولة ، لاتمسها الشخصية المعنوية للدولة ولا تتداخل معها .
كما أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة مع هذه الدولة تبقى غير متأثرة بدخول أو خروج الأفراد ماداموا يحملون التخويل الشرعي والقانوني ، وأن هذا الأمر لا يؤثر على التبدل الحاصل في أسماء ووجوه العاملين في مؤسسة الدولة ، مثلما لايؤثر على العقود والاتفاقيات التي يعقدها الشخص المعنوي ( الدولة ) قبل ذاك .
ودور المؤسسة التشريعية التي يفترض بها إن تكون منتخبة من الشعب انتخابا مباشرا حتى يمكن إن تقوم بمهمة التشريع بشكل حقيقي ، دورا تمثيليا واعتباريا ، وباعتبارها تم تفويضها وتوكيلها من الشعب لتشريع القوانين وتطوير التشريعات بما يضمن المصلحة العامة للشعب .
وإذا كانت الإرادة العامة هي الأساس الذي تقوم عليه تلك السلطات ، فأن الأمر يعني إن هناك وعيا قانونيا يختلف بين مجتمع وآخر ، يدفع بتلك الجماهير الى أجراء العقد الاجتماعي وتفويض البرلمان أو مجلس النواب تلك المسؤولية الاعتبارية باعتباره ممثلا لشرائح المجتمع التي تجسدت في عملية الانتخاب .
ويتعلق الأمر بالوعي الانتخابي الذي تفترضه الإرادة الواعية التي انتخبت المؤسسة التشريعية والتي ستكون نائبا لمصالح تلك الشرائح التي انتخبتها بكامل إرادتها ووعيها .
ولهذا السبب فأن موقع الإرادة الشعبية مهما وأساسيا في عملية بناء دولة الدستور والقانون ، وعملية بناء الدولة الحديثة القائمة على أسس تلك المعايير الدستورية ، يجعل من تلك المؤسسات التي تشكل بمجموعها الحكومة أدوات منفذة للإرادة الشعبية ، وبذلك تتخلص من هيمنة شخص الحاكم أو المؤسسة الحاكمة ، كما يلغي عملية حصر السلطة في مؤسسة أو جهة واحدة .
وعليه فإذا كان الدستور هو الوثيقة التي تنص على القواعد العامة والمبادئ الأساسية التي تحدد شكل النظام السياسي، وتحدد الحقوق والحريات العامة للمواطن، وتتعرض الى واجبات رئيس الدولة وتكوين السلطات الثلاث ، فأنها أيضا ترسم و تحدد العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين مؤسسات الدولة.
وفي الوقت الذي تنص فيه مواد الدستور على تلك التفصيلات ، فان حماية مصالح الشعب في ترسيخ أسس القانون لايمكن التزام الناس بها وجعلها قواعد ملزمة مالم تقنن بقانون ملزم مع ما يتطلبه من ضوابط قانونية وقواعد تنظيمية وإجراءات بحق الخروقات والتجاوزات والتعديات تنظمها بشكل عام تلك القوانين .
ومسألة الوعي القانوني والدستوري غاية في الأهمية ، بل هو أهم أجزاء الوعي الجماهيري بشكل عام ، ولا يقتصر عدم توفر الوعي القانوني على الأميين من أفراد الشعب ، بل ويمتد الى قطاعات واسعة من المتخرجين المتعلِّمين. إن الوعي القانوني هو أن يعرف المواطن ما له من حقوق وما عليه من واجبات ، وأن يدرك حقوقه الدستورية ، وأن يتعرف على واجباته والتزاماته القانونية تجاه الدولة ، وأن يعرف ما يحكم علاقاته ومعاملاته مع الدولة ومع الغير من قواعد.
وتوفر الوعي القانوني بدرجاته منوط برغبة تلك الجماهير على تقبل مفاهيم القوانين ونصوص الدستور ، بالإضافة الى مساهمة فعالة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب .
وفي حال عدم توفر الوعي القانوني والدستوري يصار الى استغلال ذلك الظرف من قبل المرشحين والأحزاب التي تدخل العملية الديمقراطية التي يتم إفراغ جزء مهم منها في حال عدم توفر الوعي بين تلك الجماهير أو على الأقل تأهيلها لتعي مسألة الاختيار والحقوق .
لا يعود إهمال الوعي بالدستور إلى عدم توفر الأرضية والقواعد العامة للثقافة القانونية بشكل عام ، وإنما يعود إلى جيل قديم من السياسيين لا يقيم لتلك الثقافة ولايعير اهتماما للثقافة القانونية ، مع إن تلك الأحزاب والجيل الذي عاصرها كان واعيا من النواحي السياسية والثقافية ، بالإضافة الى إن الدستور العراقي ومنذ كتابته لأول مرة ( القانون الأساس ) وتغييره بعد حلول الجمهورية ونهاية الملكية ، وصيرورته ( دستورا مؤقتا ) ، لم تكن الجماهير تتعرف على أسباب كتابته بالشكل المؤقت والقواعد التي استند اليها في التشريع ، كما لم تكن الناس تعرف تلك النصوص التي تحدد حقوقها وواجباتها ، لأنها أصلا دون حقوق في ظل السلطات الدكتاتورية أو العسكرية أو الأنقلابية غير المشروعة ، كما لم تتعرف الناس على السلطة التي تضمن تلك الحقوق ، والمرجعية التي تحدد ماهية تلك الحقوق ، والجهة التي تعين الخروقات والتجاوزات الحاصلة عليها ، بالإضافة الى إن الدساتير المؤقتة كانت عرضة للتغيير أكثر من مرة مع تغير الحكومات سواء بالانقلابات أو بالمزاج والظروف التي تتحكم في شخوص تلك الحكومات .
ويبقى العراقي في حاجة إلى إعادة بناء الثقافة الدستورية من جديد ، بناء وعي جديد للمواطن العراقي بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في الدستور ، وتعريف المواطن ضمن تلك الثقافة بأهمية الممارسة الديمقراطية وأختيار ممثلي الشعب ، بالإضافة الى معرفة المواطن بالمرجعية التي يمكن الاحتكام اليها في حال الخرق أو التجاوز على الدستور أو على القوانين التي نص عليها الدستور ، وهذا لن يتأتى من دون نقاش حر ومسؤول ، من أجل أيجاد صيغ ثقافية شعبية تبسط التعابير القانونية ، وتساهم في أيصال تلك المعلومات الثقافية التي ظهر نقصها واضحا في مسألة الوعي وحرية التعبير والاختيار، ليفهمها المواطن العادي وتقع على عاتق منظمات المجتمع المدني تبسيط تلك المعاني والمفاهيم .
أن من سلبيات عدم وجود هذا الوعي سهولة تمرير الحكام والمسؤولين في المؤسسات التنفيذية الخروقات الدستورية ومحاولات تطويع تلك النصوص لمصالحها ، وبالتالي تهميش قيمة العقد الاجتماعي مع الهيئة العامة ، بالأضافة الى سهولة التبرير وتبسيط قضية التعديل الدستوري بما يتعارض مع شكل الدستور الذي يتطلب آلية غير سهلة في التعديل .
ومن أجل بناء دولة المؤسسات وترسيخ سيادة القانون ينبغي ليس فقط في الفصل بين السلطات الثلاث "التشريعية والتنفيذية والقضائية" وإنما يقتضي تحقيق التوازنات بينها ، و تشجيع دور مؤسسات المجتمع المدني، و إصدار قوانين الحرية السياسية التي تؤمن عمل ونشاط الأحزاب الوطنية ، ووضع النصوص الدستور التي تمنع ظهور أحزاب تتبنى المناهج العنصرية أو الإرهابية أو التكفيرية أو الطائفية ، واحترام حقوق الإنسان من خلال التأكيد على الحقوق المدنية والسياسية بما ينسجم مع خصوصية الشخصية العراقية والمبادئ العامة لحقوق الإنسان .
كما يأتي مفهوم دين الدولة ليزيد نقاط الضعف والخلل المنطقي في المعايير الدستورية ومفهوم الدولة ، وكما نعرف جميعا أن الدولة شخص معنوي لاوجود له في الحقيقة ، وهي فكرة خيالية ابتدعها فقهاء الفسلفة القانونية لتسهيل عملية التقاضي والتعاطي مع الدولة بصفتها الاعتبارية ، لذا فأن الدولة كائن أفتراضي وليس له أحاسيس ومشاعر الأنسان الاعتيادي ، ومن اللافت للنظر أن البلدان الواقعة تحت سلطات الحكم الشمولي او ممن لاتعير أهمية لنصوصها الدستورية في التطبيق الحقيقي والفعلي تتمسك وحدها في أن تجعل دين معين تدين به الدولة .
فالشخص الطبيعي تبدأ شخصيته بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته ، والشخص المعنوي يتمتع بجميع الحقوق إلا ماكان منها ملازما لصفة الشخص الطبيعي وذلك في الحدود التي يقررها القانون .
الأشخاص المعنوية هي الدولة او الحكومة، والهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية، الأوقاف، الشركات التجارية والمدنية، والجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً للقانون، وقد عرف القانون المدني العراقي النافذ الشخصية المعنوية وحدد احكامها ، إذ تنقصها مقومات الشخص الحقيقي وأهمها الإدراك والإرادة، وأنها بطبيعتها غير قادرة على مباشرة أي نشاط قانوني، وغاية الأمر أن القانون منحها الشخصية القانونية كي يجعلها صالحة لأن تتعلق بها حقوق وواجبات نتيجة لنشاط أشخاص طبيعيين يزاولونه باسمها ولحسابها بموجب سلطات تخولهم ذلك، فلا يمكن أن ينسب للشخص المعنوي أي عمل إرادي، وبالتالي أي خطأ شخصي، ولذلك لا يمكن مساءلته مسؤولية شخصية.
غير ان بعض القائلين بنظرية الفرض القانوني في الشخصية المعنوية اضطروا - نزولاً على الضرورات العملية - الى القول بإمكان مسائلة الشخص المعنوي إما باعتبار ان القانون إذ افترض للشخص المعنوي وجوداً قانونياً يتمثل في اعترافه له بالشخصية القانونية قد افترض له بالتالي إرادة هي إرادة الشخص الطبيعي ذي الصفة في مباشرة نشاطه، وإما باعتبار الشخص المعنوي متبوعاً للأشخاص الطبيعية التي تباشر عنه نشاطه، فإذا ارتكب أحد هؤلاء الأشخاص خطأ سبب ضرراً للغير أمكن مساءلة الشخص المعنوي عن هذا الخطأ وفقاً لأحكام مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.

وعلى ذلك قالوا بإمكان مسائلة الشخص المعنوي أما مسؤولية شخصية حسب التكييف الأول، وأما مسؤولية تبعية حسب التكييف الثاني هي مسؤولية المتبوع على فعل تابعه.

غير ان التكييف الأول يرد عليه ما اعترض به على نظرية الفرض القانوني في أساسها، والتكييف الثاني اعترض عليه من جهة بأنه يقصر عن مساءلة الشخص المعنوي عن خطأ تابعه إذا لم يمكن تعيين شخص التابع الذي وقع منه الخطأ الذي أدى إلى حدوث الضرر، ومن جهة أخرى بأنه ينزل مديري الشخص المعنوي ومجالس إدارته منزلة التابعين في حين أنهم ليسوا كذلك بل أصحاب سلطة الأمر والتوجيه بالنيابة عن الشخص المعنوي، ومن جهة ثالثة بأن مسؤولية المتبوع إنما تقوم على أساس خطأ مفترض في جانبه في اختيار تابعه أو في رقابته ، وإذا كان الشخص المعنوي لا يتصور وقوع الخطأ منه، فمن باب أولى لا يصح افتراض الخطأ في جانبه. ( ابو بكر القاضي – القانون والمجتمع )
تعرف الدولة في العصر الحديث بأنها "جماعة من الناس منظمة سياسياً تبسط سيطرتها على إقليم محدد يتمتع بالسيادة." (هادي العلوي - قاموس الدولة والاقتصاد) ويعرفها فقهاء القانون الدستوري بأنها شعب يستقر في أرض معينة ويخضع لحكومة منظمة.
ومن التعريف يتضح أن للدولة أركان ثلاثة هي: الشعب والأرض والحكومة. فإذا توافرت العناصر الثلاثة وهي الشعب والإقليم والحكومة واجتمعت، قامت الدولة ككيان قانوني يجمع العناصر ويمثلها وأصبحت فرداً بين أفراد الدول التي تكون المجتمع الدولي، واكتسبت الشخصية المعنوية لتمييزها عن الشخصية الطبيعية الفردية أو لمجموعة من الأفراد، ولابد لهذه الشخصية المعنوية المجردة من أن يمثلها فرد طبيعي أو مجموعة أفراد يسمى أو يسمون (أصحاب السلطة)، ولا تتأثر هذه الشخصية المعنوية (الدولة) بموت أو تغيير ممثليها (د. سليمان الطماوي - النظم السياسية والقانون) ، فتبقى حقوق الدولة لها ومقيدة بالالتزامات التي تعهدت بها وتظل القوانين التي سنت فيها مطبقة حتى وإن تغير شكلها ما لم يتم إلغائها صراحة أو ضمناً، بالرغم من تبدل ممثلو تلك الدولة أو تغيير شكلها أو طريقة تعيين أو تسمية رأسها.

بينما يرى ابن خلدون أن الدولة بأنَّها « كائن حي له طبيعته الخاصة به، ويحكمها قانون السببية ، وهي مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية ، وهي أيضاً وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلاَّ بها.
فإذا أكدنا على ضرورة أن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات في الدستور ، وضرورة أن يُنص على حرية المعتقد وعلى المعاملة المتساوية للأديان.
نرى ذلك يتطلب فصلاً بين السياسة والدين بشكل يؤكد دولة المواطنة، بينما يرى البعض الآخر أن الدين عامل حيوي في توجيه الشؤون العامة، وأنه لا يتعارض مع حقوق المواطنة المتساوية في إطار الممارسة الديمقراطية طالما أن الأغلبية اختارت ذلك. ورأى فريق آخر أنه ينبغي تجنب الصيغ الفلسفية في تحديد علاقة الدين بالدولة كأن يقال بالعلمانية كمعيار، أو فصل الدين عن السياسة، بل وضع معايير موضوعية لتنظيم علاقة الدين بالدولة. واقترح هذا البعض أن تكون المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان هي المعيار لتنظيم علاقة الدين بالدولة .
وعلى هذا الأساس فأن إلزام الدولة بدين معين ينسحب على جميع التصرفات والقرارات التي يصدرها الشخص المعنوي بما يتفق مع الشريعة الإسلامية ، على أن لايغب عن بالنا أن التزام وتقييد الدولة بالدين الإسلام لايجعلها البتة تؤدي الفروض الإسلامية المترتبة على الأنسان أن يؤديها حال حياته ، بالنظر لكونها لاتملك الأحاسيس والمشاعر الموجودة لدى الأنسان الاعتيادي .
يترتب على فهم هذه العلاقة المترابطة والمتوازنة بين المجتمع والدولة وبين الدين والدولة أن ترعى الدولة ممارسة المجتمع لأديانه والشعائر والطقوس المنبثقة منها وأن تبقى حيادية . كما يترتب على المؤسسات الدينية في المجتمع أن تبقى متآلفة مع الدولة فتمتنع عن فرض عقائدها ومعاييرها عليها لئلا تتسبب في انحيازها إلى بعضها دون الآخر فتفقد حيادها بإزاء الجميع وتعطّل صفتها الجامعة ودورها الرعوي التكاملي.
ودولة مثل البحرين كانت المادة الأولى من دستورها تنص على ان البحرين دولـة عربية ( إسلامية ) ، فأن المادة الثانية أكدت على أن الأسلام دين الدولة ، وأن الشريعة الأسلامية مصدر رئيسي للتشريع ، لأن البحرين نفسها حينما أصدرت دستورها بعد أن صارت مملكة ، لم تتعد النصوص التي تخص علاقة الدولة بالدين سوى مانصت عليه المادة الخامسة - الفقرة ( د ) ، التي تنص على ان الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية .
كما اوردت المادة ( 6 ) من الدستور من ان الدولة تصون التراث العربي والإسلامي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية، وتعمل على تقوية الروابط بين البلاد الإسلامية .
ولم يصار الى تلبيس الدولة البحرينية ديناً ينص عليه دستورياً، وإنما جنحت الى التخصيص في اعتماد الشريعة الأسلامية في المواريث ، وصيانة التراث العربي والأسلامي .
أما الدستور اللبناني فقد أورد نص المادة التاسعة من الدستور :
حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن للآهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.
كما أن دستور دولة الكويت لم ينص على ربط الدين بالدولة ، وأن جاء بالنص المطابق لما أورده بعده الدستور البحريني حيث أوردت المادة الثانية منه : أن عين الدولة الأسلام وأن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع ، مثلما أوردت المادة 12 ، التي الزمت الدولة بصيانة التراث الإسلامي والعربي .
أما الأمارات العربية المتحدة فقد نحت منحى الدساتير التي تجعل للدولة دين فأوردت النص الذي يشير الى أن الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد ، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه ، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية ، وكذلك الدستور التونسي والجزائري .و
ويقينا أن بلداً متعدد القوميات والاديان والمذاهب مثل العراق لايمكن تلبيس دولته دين معين وإهمال بقية الأديان بحجة الأغلبية والأقلية ، ففي كل الأحوال أن الشخص المعنوي لن يتمسك بفرائض دين معين ، وأن على الدولة أن تحترم الأديان وتراعي خصوصياتها وتضمن لها ممارسة شعائرها وطقوسها .
يقول الكاتب الدكتور رشيد الخيون في أحدى مقالاته

(( هناك حقيقة أخرى وهي أن الدولة الدينية، مسيحية كانت أو يهودية أو إسلامية مبنية على فكرة المقدس، الذي لا نقاش حول تعليماتها. فإذا أُدخل النص الإلهي في دستور تحول هذا الدستور إلى دستور استبدادي، وهذا ما يسميه محمد حسين الطباطبائي (صاحب تفسير الميزان المشهور) بالثابت من القانون. قال: "فمن ناحية الجزء الثابت من القانون يذهب الإسلام إلى أن تعالى وحده هو الذي يصلح لوضع الدستور، وهو الذي يختص بتشريع أسس الحكم. وليس لأحد أن يتداخل في شأن من شؤون التشريع في هذا الجزء من النظام، حتى النبي ذاته .
لكن كيف أنزل الطباطبائي الله تعالى إلى مستوى وضع الدستور، وتأبيد القانون وهو يخلق يومياً ما يخلق من الجديد! وكيف يتحول الله وهو "العدل" إلى مستبد يفرض دستوراً أو قانوناً سياسياً، تتنازع حوله الأحزاب؟ وهل القائل "لا إكراه في الدين" يتبنى الدولة الدينية التي لم تنفذ غير الاستبداد في معاملة الرعية؟ وكيف يضع الله دستوراً إسلامياً والناس مختلفون، ليسوا كلهم مسلمين، وهو سبحانه لا يريدهم لهم المشابهة بل أراد لهم الاختلاف. جاء في القرآن: "لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء ربك لجعلكم أمة واحدة ، و"ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل مَنْ يشاء ويهدي مَنْ يشاء ، و"ولو شاء ربك لجعل الناس أُمة واحدة ولا يزالون مختلفين . وتوكد الآية التالية "وما كان الناس إلا أُمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقُضي بينهم فيما فيه يختلفون ، أن الله لا يريد إزالة الاختلاف بين الناس. فحسب المفسرين لو أراد جلالته ذلك لفصل بينهم وهلك العصاة وجعل الدنيا للمؤمنين. إذاً لماذا تريد الدولة الدينية الاستبداد على الناس بدستور وحكم أبدعه حزب سياسي، قائم على فكرة "لا حكم إلا لله" رغم أن الهالكين تحت ظلال سيوفه هم المسلمون أنفسهم؟
هناك تعارض كبير بين العقل واختيار الإنسان وبين النص الثابت، وهذا ما تفرضه مستجدات الحياة. فلم تبق العقوبات القديمة صالحة لقوانين العقوبات اليوم، ولم تبق الممنوعات السابقة نافذة حتى اليوم. فإن حرمت الدولة الإيرانية اليوم في دستورها المستمد من الوحي، حسب تصورها، النساء من الوصول إلى رئاسة الجمهورية فغداً تتغير الأمور، وتظهر بإيران أنديرا غاندي إيرانية تكسر هذا الطوق، وإن شرع شرعها المقدس الحجاب فنساء إيران اليوم لم يلتزمن مثلما التزمن تحت حراب الحرس الثوري بالحجاب في أول أيام الثورة، ولم تعد ولاية الفقيه جذابة بين العديد من المتحمسين لها سابقاً. فكيف تحسب هذه المتغيرات، هل هي خروج عن الشرع المقدس ، أم هي تجاوب مع المستجدات؟ ))
ولهذا فأن تلبيس الدولة للدين الإسلامي مجرد كلام لذر الرماد في العيون ، او مجرد كلام تقليدي في غير محلة المنطقي والواقعي وتقليداً جامداً لماورد من نصوص دستورية مشابهة ، حيث أن التمسك بالديانات من أختصاص البشر وليس من اختصاص الأشخاص المعنوية .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يتستر على الجرائم المرتكبة بحق المسيحيين في الموصل ؟
- ليس بالسيف والدم يقوم الدين
- الأديان العراقية القديمة وقانون انتخابات مجالس المحافظات وال ...
- عفك ... المدينة الطيبة المظلومة
- من قتل كامل شياع ؟
- المطالبة بالكشف عن مصير الدكتور أحمد الموسوي
- الطاقات العراقية الوطنية .. البروفسور كاظم حبيب أنموذجا
- الأطار الديمقراطي لقوانين ثورة 14 تموز 1958
- الحكم الذاتي أو الأدارة المحلية للكلدان الآشوريين السريان
- ملف الكورد الفيليين .. الى متى ؟
- وداعا وداعا .. كامل العامري
- حق الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة سياسة الأنكار من وجهة ن ...
- ناجي عقراوي .. باقيا في القلب دوما
- مكافحة إرهاب الأنترنيت
- البصرة التي كانت ثغر العراق الباسم
- الحصانة البرلمانية
- وردة نابتة في طين الحلة نضعها فوق قبر الشهيد قاسم عجام
- السيد وزير الداخلية .. المندائيون بحاجة الى موقف عراقي وطني
- صافية مثل قلب صافيناز كاظم
- شركة بلاك ووتر تستمر بالعمل رغم أنف القانون العراقي


المزيد.....




- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...
- العراق يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام المثليين


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - زهير كاظم عبود - عناصر القوة والضعف في دولة الدستور