أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - يعقوب زامل الربيعي - مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية















المزيد.....


مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 756 - 2004 / 2 / 26 - 10:13
المحور: مقابلات و حوارات
    


المقدمة :
الابداع كلمة حية بقدر ما تعني المشروع في المعاملة الحقيقية ، بين صاحب الصوت ومكنون الهاجس . مقولة متفق على صحتها في جدلية المعرفة والواقع . فبقدر ما يأخذه الصوت من المجتمع نفسا وزادا ، سيعطيه ثمرا ناضجا ومفيدا لمستقبل الانسان والحياة.
وعند كل محطة من محطاتها ، تغدو الجوائز والنياشين مفردات لنضج عملية الابداع وتجذير غائية العلاقة الصادقة بين المجتمع وبين المبدعين ، اصحاب الوجوه البيض من فيلق الكلمة الحرة . هذه المحطات التي تشكل معا وحدة للانتقال الى ايقاع اسمى بين مرحلتين من مراحل المسيرة الطويلة.
بالامس البعيد تعرفت عليه انسانا وشاعرا ، كانت لنا خطوات في هذه المسيرة ، كل على قدر ما يعطي ، ثم افترقنا .. وانتهت العاصفة .. ومن جديد التقينا . وجدنا انفسنا ثانية نحث الخطى لمرحلة اخرى ، والى محطة اخرى . فكان لابد ان نفتح ملف “النهاية ـ البداية” شيء من الماضي ، وشيء من الحاضر. واشياء اكبر للمستقبل .. لعصر “لابد من مفض الى آخر” . قلت له:
* في ديوانك الاول: (العبور الى مدن الفرح) تساءلت:
اين ـ بيوت الخليفة ؟
قيل احترس ، انه يقف الان يحصي
القبائل انفاسها ..
والان ، سقط الخليفة .. وسقطت عناوين بيوته ، وبقي الشعب ، ما الذي يؤشره في وجدانك كشاعر وانسان؟
ـ عندما اعود الى قراءة قصائدي .. او مجموعاتي الشعرية ارى ان البعض منها يتوفر على رؤية متقدمة لما حصل لنا وللبلد من كوارث وعذابات على يد الدكتاتور .. اذ وعبر خمس وثلاثين سنة استنزف منا اجمل سنوات العمر وابهاها . وظل البلد يتقهقر متراجعا نحو ازمنة الظلام والعبودية والتخلف .. في الوقت الذي وصل فيه العالم الى مديات سحرية من التقدم والكشف العلمي والابداعي . اما نحن فكل ما كنا نراه ونعيشه ، لايعدو عن كونه حروبا عبثية ، او اعدادا لحروب تالية .. وسلسلة كبيرة من القصور الباذخة التي تتراجع امامها كل سحرية قصور عوالم الف ليلة وليلة الخيالية . لكني ورغم كل هذا الكم الهائل من الموت والخراب كنت ارى في الكثير من نصوصي ما يوحي بأن هذه الامبراطورية من البذخ والخوف لابد ان تنهار ذات يوم . وفعلا حدث هذا .. وبالرغم من ان يد اسياده هي التي فعلت هذا ، لكن الفعل الحقيقي كان لشعبنا ولجيشنا الذي رفض ان يدافع عن رمز عبوديته واذلاله . وانا اكيد من ان قوى الاحتلال الجديدة سترحل ، وان اهلنا سيصنعون مستقبلهم الجميل قريبا ، هذا المستقبل الذي يعد بولادة الانسان العراقي الذي سيسهم في بناء حضارة العالم .. كما بدأ بوضع الحرف الاول والاجرة الاولى لهذه الحضارة التي نريدها لصيقة بالانسان ، ومعبرة عن عصر نعمة الحرية والسلام والخبز.
* انت احد الذين حافظوا على وجههم الابيض ، حين سلم اخرون قيادهم لمزابل النعم الزائلة . مازلت اذكرك في قصيدة (اعتذار خطي الى مدلج بن سويد الطائي) تقول:
ـ وانا ماض اتطهر في ـ زمزم ـ سبعا
اخلعكم
اترك فرحي الكاذب ، واعاشر احراش الحزن
فلعلي اتعلم .. كيف امارس
كسر الاقفال ، وبوابات السجن
كيف استطعت ان تحافظ على نصاعة هذا الوجه؟
ـ ليس ممكنا ابدا ان يتخلى الانسان عن قيمة حياتية آمن بها مبكرا . ومبكرا جدا ادركت ان اهم ما يميز الانسان ان يكون مبدئيا في قيمه واخلاقياته وسلوكه . لقد ظل هذا الموقف ينمو مع نمو مراحل حياتي .. وعندما اصبح مدونا على الورق صرت النظر اليه كوثيقة وكعهد علي الا أحنث به. ومن اجل هذا تحملت مرارات شديدة القسوة... اعتقد انني والكثير من الاصدقاء النظيفين يعرفون شدة ما عانيته.. وكنت سعيدا جدا حين عدت الى بلدي ووجدت مبدعيه قد دونوا اسمي بين اصحاب الوجوه البيض، واحتفلوا بي في “المنتدى الثقافي الاسلامي” بطريقة جعلتني ابكي طيلة الاحتفالية فأنا وعندما اخترت طريقي الابيض، لم انتظر مكافأة من احد.. بل كنت اجد ان السير في هذا الطريق هو واجب كل مبدع يحب اهله ووطنه، حتى وان كان يشبه في قسوته طريق الآلام الذي سلكه سيدنا المسيح (ع) وهو في طريقه الى الصلب.
* بين الطبيعة والوعي والفن، وبين المادة والفكرة والعقل، علاقة جدلية.. لكنها معقدة . ورغم انها تطرح من القضايا الصعبة ما يعد مجالا لعلوم غاية في التنوع والاختصاص. كيف ساهمت هذه الجدلية في تكوين عيسى الياسري شاعرا؟
ـ هذه المسألة لا تتعلق بي وحدي.. بل انها تسهم في تشكيل المادة المبدعة لكل من يمارس عملية الخلق والابداع. الطبيعة هي السيدة الاولى في الخلق الشعري والابداعي.. وهي اول من يفرض حضوره على مساحة الوعي ، حتى وان كان هذا الوعي في مراحل ارتطامه الاولى معها. فهما، معا، يتبارزان على خلق المضغة الاولى للكتابة. اما دور المادة والفكرة والعقل، التي تحدثني عنها في سؤالك هذا، فهي تحضير لاحق يعمل على مساعدة الوعي يرسخ نظرة المبدع الى الحياة والعالم .. ليعمق من رؤيته للثيمات الحياتية والانسانية التي تمنحه كشفا متقدما .. وقراءة واضحة لما سيحدث . وهذا ما ينتقل بتجربة المبدع من حدودها الذاتية المكثفة الى العام الشمولي .. ومن هنا نجد ان اكثر انماط الابداع تأثيرا وقوة ، هو ذلك الذي يرتبط جدليا بكل ما هو انساني وكوني . واعتقد ان هذا هو الذي جعل العالم ينتبه الى كتاباتي المتواضعة والبسيطة والمحلية ، ويمنحني واحدة من جوائزه المهمة .
* القصة الشعرية التي الفتها دواوينك الستة ، تظهر جلية في نمط من الفنية المتميزة في علاقة الانسان والعالم ، والتكوين والوعي . هل تراها اليوم قيدا في ولوجك الى عوالم الميتافيزيقيا والتجريد واللاوعي الذي يعتبره الآخرون ضرورة لاكتشاف ادوار ابداعية اكثر اتساعا في الشعر ؟
ـ لكل مبدع عوالمه الذاتية والموضوعية التي تسهم في تشكيل اللبنة الاولى لمادته الابداعية فنيا . ولو ان كل مبدعينا ترسموا خطوات بعضهم البعض لكان ذلك يكفينا ان نقرأ واحدا منهم ، ونركن الآخرين جانبا . انا شخصيا لم اتخذ نمطا كتابيا مقصودا ، ان مادتي الشعرية هي تشكيل عوامل خاصة عشتها واثرت في صياغة انماطي الفنية . لذا فانا ، في لحظة الكتابة ، لا امارس اية سلطة “ ديكتاتورية “ على قصيدتي ، بل اترك لها حرية اختيار موضوعها وصورها وتشكيلاتها الفنية وغنائيتها . وحتى هذه اللحظة لا ارى انني صرت خاضعا لنمطي الكتابي ، بل ان هناك تجولات كتابية بين كل مجموعة مع ما سبقها .. بقدر ما تحرص على ابقاء علائق معقولة بين الفاصلتين وعيا وزمنا وبناءً .
اما عن اشارتك الى عوالم الميتافيزيقيا والتجريد واللاوعي : فهي ايضا لها حضورها غير المباشر في النص الشعري ، اذ لا يوجد ابداع حقيقي من دون ان يكون له نظرة معمقة فكريا ووجوديا لما يدور حوله . لكن ان نفرض التجريد او غيره على القصيدة فرضا ، ونذهب اليه بكامل عدة وعينا بحجة ان نكون حداثيين او عصريين ، هذا في تصوري هو امر يسيء الى الابداع دون ان يرتفع به . اننا الآن نقف امام الكثير من النصوص الشعرية التي تتعكز على مفهوم “ الميتافيزيقيا “ و “ التجريد “ و “ اللاوعي “ دون ان تحولها الى معطى ابداعي فنشعر ازاءها بالاسف ، لانها ربما تسببت في وأد نص يمكن ان يكون له دورا مهما في منح عالمنا شيئا من الشفافية والحلم والبساطة .
* ( الغربة والحنين ) تجربة مريرة في عالم عيسى الياسري في النزوع الى الحرية واكتشاف الذات . ما الذي قدمته لك هذه التجربة ؟
ـ الغربة والحنين ، ليس ان تكون بعيدا عن الوطن والاهل والاصدقاء ومراتع الطفولة والاماكن التي نلتقي فيها بالاصدقاء المحبين .. انها نزوع قد ينتابنا ونحن نقف فوق الارض التي ولدنا فيها .. ويعذبنا ونحن محاطون بكل من نحبهم . انها احساس مرتبط بوجود الانسان .. هذا الوجود الذي يغادر مواقعه الانسانية ، ويحاصر بكل ما هو مأساوي وفاجع . ولو عدت الى تصفح مجموعاتي الشعرية لوجدت انني اتحدث في الكثير من قصائدها عن المنفى قبل ان اعيشه فعلا .. وعن الغربة قبل ان اكتوي بجحيمها.
اما وانني قد عشت الغربة فعلا فان الاحساس بالفجيعة يتضاعف . الغربة يا صاحبي هي الابنة الشرعية للجحيم ! ومهما كانت منافينا في تشكيلها الخارجي جميلة ومدهشة .. الا ان اكثر من سور شبيه بسور الصين يفصلنا عنها . هذا السور يتمثل بعذابات الوطن والاهل التي تلاحقنا حتى نهايات هذا العالم . لكن لعل اهم ما اضافته لي الغربة هو انها جعلتني اكثر اصرارا على التمسك بالحياة .. وتحمل الالم من اجل ان امسك بحلم انهيار امبراطورية الموت .. وقيامة عودة الانسان الى حظيرة الحياة البشرية .
* عوالم مثل : ( الكميت ، وابو بشوت ، وحسن الياسري ، والمرأة السرمدية التي تنام بين الطين والماء، وكشك الطوابع ) كلها مجتمعة ، قادتك الى جائزة “ الكلمة الحرة العالمية “ فاصبحت واحدا من اسرة عالمية محظوظة . كيف حصل هذا ؟ وهل هناك ما يمكن ان تضيفه لمثل هذه العوالم ؟
ـ هذه العوالم هي خاماتي الاولى التي شكلت الاعمدة الاساسية لتجربتي . “ الكميت “ هي المدينة الصغيرة القريبة من قريتي .. وابو بشوت : النهر الذي تقع عليه القرية.. حسن الياسري : والدي وصديقي واستاذي الذي علمني ابجدية الكتابة ، وحبب لي قراءة الشعر وحفظه .. كما وشجعني وانا اخطو اولى خطواتي في الكتابة . اما المرأة فهي تشكل مجموعة النساء اللواتي تعلمت بين احضانهن كيف احب .. وكيف احترق في محبتي حتى هذه اللحظة التي اجيب فيها على اسئلتك .
اما كشك الطوابع .. فقد جعلني اكتشف الارادة الكامنة في اعماقي . فمن خلاله انتصرت على اكثر لحظات ضعفي شراسة .. فقد كنت وانا ارى اولادي يقفون على حافة الجوع اتأرجح بين قطبين كل منهما يجذبني اليه .. اولهما ان ارفع يدي مستسلما ، وانحني امام مائدة الطغاة الشهية ، واضع “ كلمتي “ التي اقدسها تحت اقدامهم الهمجية . وثانيهما “ الكشك “ الذي ابيع فيه الطوابع التي تسد الرمق وتحفظ ما وجه الكلمة والموقف ، بكل ما فيه من مرارة والم . وهكذا اخترت “ الكشك “ وكان ذلك الانتصار الكبير على ضعف النفس .. ولكنني اقول لك بكل صدق ، انني ومنذ بداياتي لم اتطلع الى شيء اسمه مجد او شهرة .. او حتى جائزة محلية وليست عالمية . كل ما كنت اقوم به هو ان اعبر عن حاجة ذاتية تعذبني .. وعندما كنت اطرحها على الورق اشعر بالتوازن . ولم اعرف انا الذي لم يُدْعَ مرة للوقوف على منصة مهرجان المربد طيلة سنوات انعقاده .. هذه المنصة التي صعد اليها كل من هب ودب من المرتزقة وخدم السلطة واشباه الشعراء .
لم اعرف انني سأكون في يوم من الايام جزءا من شعراء العالم ، وان اقف على المنصة التي وقف عليها شاعر اسبانيا الشهير( روفائيل البرتي ) والشاعر الجنوب افريقي (برايتن باخ ) والمغربي ( الطاهر بن جلون ) .
اعتقد ان محليتي وصدق تجربتي ، واصراري على ان تبقى كلمتي نظيفة ومعبرة عن احلام وعذابات الكادحين والمسحوقين والمضطهدين هي التي قادتني الى الحصول على هذه الجائزة العالمية التي يتنافس عليها الكثير من شعراء العالم .. كيف حصل هذا ؟ اعتقد انها الصدفة ، فقد تعرفت في “ وينيبك “ في كندا على صحفي سوداني كان يسكن ذات المبنى .. وقد زارني مع عائلته . وعندما عرف ان لديّ ست مجموعات شعرية مطبوعة وعددا من الكتب المعدة للطبع ، زودني بعنوان مؤسسة ثقافية في هولندا مهمتها مساعدة المغتربين على طبع كتبهم . عند مراسلتي المؤسسة تبين ان رئيسها عضو في لجنة الجائزة وان نصوصي مؤهلة لترشيحي للجائزة ، حيث تمت ترجمة مجموعة من قصائدي الى الهولندية ، وافقت لجنة الجائزة باعضائها الستة على منحي اياها .
ما الذي اضافه لي ؟ . الشيء الكثير .. اولا : انها عززت ثقة قرائي بي ، وكذلك من واكبوا تجربتي وكتبوا عنها بحب ، عززت ثقة من دافعوا عني وانا اكتب “ العرائض “ بشجاعة في الصحافة العراقية رغم القمع . اذكر منهم عدنان الصائغ وكرم نعمة وناظم السعود وهدية حسين وحسن العاني وعدوية الهلالي ، واولئك الذين كتبوا عني من دون اسماء . كما انها اظهرت مدى تقدم وعي طالب الدراسات العليا العراقي على بعض المدرسين الادعياء في جامعاتنا . فقد تقدم الطالب الشاعر عباس اليوسفي برسالة ماجستير ، موضوعها “ تجربتي الشعرية “ الى الجامعة المستنصرية ـ كلية الآداب ـ وقف في طريقها مدرس فلسطيني اسمه “خالد علي مصطفى “ كان معروفا بعدائه المكشوف للابداع العراقي الاصيل . وحوّل الطالب “ اليوسفي “ باتجاه شاعر فلسطيني من الذين يعلقون كتاباتهم على شماعة القضية الفلسطينية لا اكثر ، وهذه اهانة كبيرة للابداع العراقي .
اما رسالة الماجستير الثانية والتي كان موضوعها تجربتي الشعرية ايضا ،،، فقد تقدم بها الطالب ( عبدالرضا علي متعب ) الى جامعة بغداد ـ كلية التربية ـ ووقف بوجه مشروعها المدرس “ محمد راضي جعفر “ المعروف بتبعيته المقيتة لمؤسسة قمع الثقافة العراقية والادباء العراقيين الذين لم يدنسوا كلمتهم بمدائح الدكتاتور، حيث هدد اللجنة التي وافقت على الرسالة بأنه سيرفع تقريرا الى “الجهات المختصة” مدعيا بأن (عيسى حسن الياسري) هو الآن خارج العراق وقد انضم الى المعارضة العراقية في الخارج. ما اتمناه على جامعاتنا الا تسمح لهؤلاء المدرسين وامثالهم، من الذين خانوا رسالتهم العلمية ان يستمروا في فرض سطوتهم وقمع طلبة الدراسات العليا في اختيار موضوعات رسائلهم.. انهم يمثلون اجهزة قمع تقف بوجه اية رسالة لا يتطابق موضوعاتها مع اذواقهم او اهوائهم الشخصية.. وقد دافع الشاعر (جواد الحطاب) بشجاعة في جريدة في جريدة (زمن) عن موضوع الرسائل الجامعية التي تتعلق بتجربتي الشعرية.
الجائزة ايضا جعلتني انحني اكبارا واجلالا امام استاذي الكبير (عبد الواحد محمد) الذين كانت اصابعه تنضح دما وهو ينكب على ترجمة قصائدي للغة الانكليزية. وبدونها على الآلة الكاتبة ليرسلها الى الشاعرة الاسترالية (آن فير بيرن) التي نشرت قسما منها في المجلات الاسترالية.
ولا انسى ما قدمه لي استاذي الناقد (محمد مبارك) حيث اهتم بتجربتي الشعرية منذ صدور ديواني الثاني “فصول من رحلة طائر الجنوب” كان وقتها رئيسا للقسم الثقافي في التلفزيون فأرسل من يسجل معي حلقة من برنامج “المجلة الثقافية” لتدير معي حوارا في بيتي .. وقام بنفس الشيء عند مجموعتي الثالثة “سماء جنوبية” وهذا تقليد لم يتبعه الا مع كبار المبدعين العراقيين، ترك اثرا مهما في نفسي.
واخيرا جعلتني الجائزة أوفي بجزء من ديون بلدي الذي رباني ، ووضع كلمته المقدسة على شفتي حيث كنت ابكي وانا اصغي الى اسم العراق وهو يتردد امام اكثر من الفي مشاهد، وقف معظمهم تحت امطار “روتردام” الربيعية الغزيرة، يصغون الى قرار لجنة الجائزة.. وقراءة قصائدي باللغتين العربية والهولندية.
* من من الشعراء وجدتهم في منزل الاسرة العالمية قبلك؟
ـ لقد وجدت شعراء كنت اتخذهم مثلا، وانبهر بهم في عطائهم الشعري.. ولم احلم في يوم من الايام ان اقف بمصافهم لكثرة ما تعرضت له من تهميش واستلاب داخل وطني من قبل “جستابو” السلطة الثقافية التي لا ترفع الا الذين يعلقون كتاباتهم الذليلة امام صمتها القشي.
في طليعة الشعراء الذين سبقوني الى هذه الجائزة الشاعر الاسباني الخالد (رافائيل البرتي) وكثيرون غيره.
* العراقيون وبعض الادباء والشعراء في هولندا سبقوك بالاحتفال بحصول على هذه الجائزة، قبل ان تسمع انت بالخبر، هل شعرت بالغبن والاسى عندما لم يحتف المعنيون بك عند عودتك الى العراق، علما ان الجائزة كانت ولازالت تخص الادب العراقي بالذات؟
ـ فعلا.. لقد احتفى بعض الشعراء العراقيين بجائزتي قبل ان اعرف شيئا عنها. اذكر منهم الشاعر (صلاح حسن) والشاعر (كريم النجار) وغيرهما من الادباء هذا شيء اسعدني. الشيء المؤلم ان اعداء الثقافة العراقية منعوا نشر اي اي شيء عنها ، حتى ولو كان خبرا صغيرا. وقد اعد الشاعر (جواد الحطاب) ملفا عن الجائزة، حاول نشره في مجلة “الف باء” ولكن رئيس تحريرها اوقف الملف.
لم اشعر بالغبن حين عدت الى بلدي .. ففي ليلة ممطرة وباردة، حضر الى داري الصديق ناظم السعود وكان بمعيته صديقي حسن حافظ. كان “السعود” يتوكأ على عصاه، متهدم الجسد ضعيفا لكنه كان يتفجر قوة من خلال فيض محبته الرائعة. دعاني بكل تواضع المبدعين ان اكون ضيف (المنتدىالثقافي الاسلامي) وقد احتفى بي حشد رائع من شعراء وادباء العراق، متحدثين عني بكلمات لا تترك لي فرصة الا ان ابكي. نقلوني الى منطقة سحرية اكثر من سحرية الحلم. لكن الا يأتي التلفزيون للقائي.. او لا تحضر الصحف لمقابلتي. مع هذا ، لا اعتقد ان هذا يشكل شيئا ذا بال بالنسبة لي. فربما كانت لديهم مشاغلهم الخاصة اذ لا اعتقد انهم يسيرون على طريقة اسلافهم سيئي الذكر في محاولات تهميشي، او تهميش الابداع العراقي.
افتخر انني عندما غادرت نحو العالم البعيد، لم اخذل وطني او اهلي يوما. فقد تركت لا فتة ولو صغيرة في اكثر من مدينة عالمية تحمل اسمي واسم العراق. وربما لاول مرة اقول بأن مكتبة الشعر العالمي في (فلوريدا) بالولايات المتحدة الاميركية قد جعلتني في طليعة المرشحين الى جائزتها العالمية. كما نشرت بعض قصائدي المترجمة الى الانكليزية في كتابها السنوي (صوت الشعر) الذي صدر في مطلع هذا العام.
* هل في تقديرك ان احدا من شعراء العراق كان اولى بالجائزة من العراقيين قبلك؟
ـ كثيرون هم الشعراء الذين يستحقون هذه الجائزة.. فمن دون اي تعصب اعتبر الشعر “عراقيا”. ولو قدر لهذا الشعر من يحرص على ترجمته فأنا اكيد بأن اكثر من شاعر مبدع في بلدي سينال هذه الجائزة، وربما ما هو اكبر منها، ان العالم ينظر الى نصوصنا المترجمة بدهشة واعجاب كبيرين.
* في الموضوع الآخر: هل تحل العلمانية اشكالية بناء مجتمع المؤسسات والعدالة الاجتماعية والابداع؟
ـ بالتأكيد.. فنحن بأمس الحاجة الى هذه المؤسسات بعد ان طمستها ازمنة القمع. اننا شعب مسيس وعلى قدر من الوعي والثقافة، ونرفض ان نكون عنصريين او طائفيين. ففوق ارض العراق يعيش الناس بكل دياناتهم ومذاهبهم واعراقهم اخوة متحابين ، وعلينا ان نسكت كل الاصوات التي تأتي من الداخل او الخارج لتجزئ شعبنا الذي نريده موحدا، وان يقيم دولة التعددية والقانون والحرية الملتزمة والديمقراطية الانتخابية. لقد عاش كل العراقيين عقودا عدة تحت وطأة الاضطهاد والكبت والتجويع، وكما حرمنا جميعا من الحرية علينا الا نكبت حرية اي فرد او حزب او مؤسسة اجتماعية . نريد للعراق الذي كان معسكرا كبيرا للعبودية والاذلال ان يتحول الى واحة تتفتح فيها الازهار بكل الوانها ويتجول فيها هواء الحرية العذب ليدخل كل بيت.
* كيف برأيكم يحل اشكال عزوف الادباء والفنانين وذوي الخبرة والاختصاص من العودة لبناء الوطن؟
ـ سيعودون.. قريبا جدا سيعودون. انها مسألة وقت والتزامات فرضتها الاقامة الطويلة في البلدان الاخرى.
* كيف السبيل للنهوض باتحاد الادباء والكتاب في العراق؟
ـ من خلال انضمام كافة ادبائنا اليه بكل انتماءاتهم السياسية واتجاهاتهم الابداعية والفكرية. وان يكون الانتخاب الحر لهيئته الادارية هو الركيزة التي يعتمدها الجميع. ولنبتعد عن اساليب السيطرة الفردية على هذه المؤسسة حتى يتصدر واجهتها مبدعونا الحقيقيون.

بغداد



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - يعقوب زامل الربيعي - مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية