أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار الصفا - زيتونة شرقية















المزيد.....

زيتونة شرقية


أزهار الصفا

الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 04:48
المحور: الادب والفن
    



كانت تجلس على حافة سور عكا , تحمل بيديها بضعة أحجار صغيرة , كل برهة ترمي باحداها صوب مياه البحر , إلى أن يخترق الحجر عمق الماء , لتراقب تراشق الألماسات الشفافة من المياه حوله . وكان في الخلف شابا أعاد محاولات المرور من خلفها ذهابا وايابا , حتى التفتت إليه وبادلته ابتسامة غامض مغزاها , أزالت توتر الشاب وخجله قليلا , و تسلقها مقتربا بها إلى تلك الفتاة مكانيا و معرفيا . تقدم إليها وباستحياء قال :
_ أيمكن الجلوس ؟؟
أغمضت الفتاة عينيها وأعادت فتحهما بسرعة , كإشارة لقبول طلبه , مما أزال ستار الشك لديه بأن تكون تلك الفتاة من أصل عربي , و مسح عن ذهنه غبار سنين الإنغلاق بالبدء بالتحدث إليها قائلا :
_ ماإسمك ؟
_ منى رسلا ن ...وأنت ؟؟
_ سليم صبري
وبدآ يتحادثان عن امور حياتهما وما الذي ساق القدر لأن يعرف سليم الشاب الذي يقطن في مخيم الشاطئ في غزة , على منى الفتاة التي تقطن في مخيم الدهيشة في بيت لحم . مدينةعكا رائحة جذور والديهما , ومسقط رأس أجدادهما الأصلي ...
فمنى تقدم في كل عطلة صيفية إلى بيت شقيقتها الكبرى , المتزوجة في المدينة من أحد اقاربها الذين لم يتركوا المدينة إثر النكبة في العام 48 م . وتبقى في منزلها أسابيع عديدة . أما سليم : الذي يقدم إلى المدينة للعمل فيها في معمل سجاد يملكه أحد العرب الذين يسكنون المينة... وما سوى الدم العربي, والأصل المتوحد قاد كلا هما للتقرب من الآخر , حتى بات سليم ينتظر منى في مساء كل يوم لرؤيتها عند سور عكا القريب من البحر , و يجلسان معا ليتأمل لون عيونها المختلطة برائحة الأرض ولون البحر مع عبق السماء , أما منى التي باتت لا تقوى على الابتعاد عن عكا الفتي هي سبب معرفتها بسليم .
بدأت منى تتجول معه في أنحاء مدينة عكا , دونما اكتراث بانتقادات من الآخرين . فبعد أن البست عمرها سوارا يربطها بحب سليم أخذته _ وبلا قصد_ إلى مكان استنطق التراب مرات عديدة عن صموده ضد التغيير , وأنطق الحجر و أخرجه من صمته إباء للإحتلال . إلى أرض واسعة من أراضي المدينة , أرض لا تدخل في بلدية المدينة , و بالتحديد عند شجرة زيتون تعانق السماء أغصانه , و تحتضن التراب جذورها , و يصاحب التاريخ عمرها . و قالت له وهي تضع يدها على الزيتونة :
_ هذه الزيتونة الآن ملك لأحد حاخامات المدينة .
لم يفهم سليم ما قالته منى , ولم يدرك عمق مغزى كلماته , ولم يجد سوى استفسار بسيط لقصدها قائلا :
_ و ما الغريب بالموضوع ؟؟
جلست منى على صخرة أسفل الشجرة مزروعة , و قالت :
_ هذه الشجرة زرعتها أيادي عربية قبل أعوام عديدة . وهذه الأيادي هي : يد جدتي , مع يد "سالم" ابن جيرانها في الحي .
_ زيتونة شرقية لملاك غربيين .
_ كانت ثمرة طفولة صبيانية بينهما . فقد كانت جدتي في العاشرة من العمر , وكان سالم في الخامسة عشر من عمره , زرعا ثمرة حب طفولي في أرض لم تعد لهم .. وأضاع كل منهما مكان الآخر إلى الآن ...
نظر سليم إلى الأرض من حوله , وكانت قد ارتدت معطفا أخضر اللون رقيق السمك . و رمق السماء بعيون حائرة , ومشت مع الغيوم أنظاره . و قال بعد أن لبس رداء الماضي ذهنه . و غاص في أعماق المجهول خياله :
_ لماذا أشعر بأنني أعرف هذه القصة من قبل ؟
_ ربما لأنها كانت حديث المدينة قبل النكبة , و استمرت فضاء لذكرى الماضي بعدها ...
واختلط حديثهما عن الماضي وذكرياته , مع صمت الزوابع عن الزمان القادم بينهما طوال اليوم حتى اشرأب الدفء في جسد الشمس ...وعادا كل منهما إلى قواعده علم بلقاء الآخرمن جديد ... وباتت منى تعرف كل شيئ عن ماضي سليم وأنه يعيش مع جدته بعد إستشهاد والده خلال إنتفا ضة النفق كما بات سليم يعرف كل شيء عن منى و بعد اسابيع متواصلة من الصداقة بين سليم ومنى وفي يوم شرب إحساس سليم من عطر خدود منى أدرك شعوره تجاهها وبادرها بالحقيقة قائلا :
_أنا أحببتك وأريد الإرتباط منك . تسلح بالصمت لسانها وأشعلت كلما ته شكوكها نحو صدقية الموضوع . و بعد أن داعب خدها عطره حتى أزهرت ورودا خجولة اللون , وبعد صمت طويل قالت :
_ أنت من الشاطئ ... وأنا من الدهيشة ...
_ و ما الخطأ في ذلك ؟؟
جملة صادرت حريتها بالاختيار , و جنت عواصف فكرها , و تطايرت وسطها الأحلام , حتى قالت :
_ فعلا ... لا خطأ في ذلك ..
و بعد أن سار سليم في ركاب الأوامر لحب منى , أعطاها موعدا لزيارة تعارف بين عائلته وعائلتها , كمرحلة تمهيدية للخطوبة .

في ساعات النزع الأخيرة من نهار يوم صاف من أيام شهر شباط , دخل سليم مع جده "سالم" ووالدته , بيت والد منى في مخيم الدهيشة ... وكانت هذه المرة الأولى التي يدخل بها سليم الضفة الغربية . أما جده سالم , الذي اصطدمت نظراته بنظرات منى , بعد أن سبقها إليه عطرها , وحرق احساسا قديما الشعر الأصفر الجعدي , و أعادت سنوات الصبا عيونها الشهل اللامعة ببريق صبا خاطف للأنظار, وردت عليبه قامتها القصيرة النحيلة ذكرى لم تمت في قلبه على مدى نصف قرن , بدأ سالم يتخبط جدار الماضي ذهنه , و يتأرجح في أوهام الخيال فكره . حتى التفتت عيناه نحو امرأة متقدمة في السن , لم توحي له بشيء على الاطلاق سوى أنها تقف على أعتاب الحادية و الستون . بلا ملامح فياضة بالذكرى ... أما هو الذي يجلس في أواسط الخامسة والستين , بدأ عقله الصبياني الساكن الماضي نحره , يستعيد ثورته وانفعاله الممتلئ بالحيوية والحب . فقد توهم أن منى الماثلة أمامه الآن هي ذاتها سامية , ابنة الحي التي عشقها صبا قلبه ,قبل أن يغربهما الاحتلال عن بعضهما قبل خمسين عاما . ولا زال صباها في قبضة ملامحها يقف , كما كانت قبل أعوام عديدة . و تخيل بأن الزمن أوقفها في مكانها ولف به وحده دروب الكبر والهرم . أما جدة منى فقد عرفت سالم جيدا , و كيف لا تعرفه وقد فاقت نظراتها على حبه و ترعرعت طفولتها بين أحضان أحلامه الطفولية قبل نصف قرن ؟؟ ولا زالت ترن تلك الذكرى في ميادين ذاكرتها , مع جرسامنياتها بالعودة الى منبتها الأصلي , في عكا؟؟
تقدم سامية نحو سالم و قالت بكل ثقة :
_ أنت سالم ابن الحي أليس كذلك ؟؟
ارتمت أفكار سالم بين أحضان كلمات سامية , واستعاد الماضي الذي لم يغادر دار ذهنه لحظة واحدة , قوته الأصلية القديمة , و ادرك بأن سامية كانت معه في مراكب التقدم بالسن . و ما منى سوى نسخة عن جدتها . و لم يعرف إن كان لقاءه بسامية هي مجرد صدفة اخترقت جدار الماضي لتسكن في قلب الحاضر ... أم هي قدر محتوم لفراق طال أمده بينهما ؟
وايتحالة زيارته لبيتها من زيارة تعارف إلى جلسة استذكار و قراءة لماض طال السير في دروبه الشائكة , ماض ينضح بالبهجة والسعادة ... ماض أعاد لكليهما ابتسامته من جديد . و أشرق عليهما أمل دافئ الملمس , بعيد المنال .


تتابعت الزيارات بين عائلة سليم ومنى , وقرر سليم أن يتزوج منى في نهاية العام , الاّ أنه فاق في صباح أحد أيام أيلول الساخنة على خبر أشد سخونة من يومه , فاقت عيونه على انتفاضة جديدة من انتفاضات الشعب المستمرة , فصلت بينه وبين أمله في الوصول إلى منى , كما والسبب هو نفسه "الاحتلال " الذي فصل بين أحفاذهما منذ زمن ...
فكر سليم كثيرا , هل يخترق اجراءات الاحتلال والقوانين الهمجية خاصتهم , و يدخل الضفة من جديد ؟ أم يجلس بلا حراك فكره و دونما أن يفعل شيء جسده ؟؟ كما فعل جده منذ زمن ... قادته عمليات التفكير المتواصلة وسط نيران و ضغوط الاحتلال إلى اجتياز هذه الضغوط , والدخول إلى الضفة و الوصول إلى منى .

و هناك ... رفض أهل منى تزويجها له , لسبب اجتماعي هذه المرة : وهو عدم تواجد أهله معه في مراسم مهمة كهذه ... عاد سليم إلى غزة يملأ ملامحه الكئب و الحزن . وقال لجده بلحظة غضب :
_ هل ياترى سيخترق أحفاذي و أحفاذ منى في المرة القادمة من اختراق العادات الاجتماعية ؟؟ و تعود شجرة الزيتون لملاك متوحدين , وليس متناثرين على بقاع الاحتلال منتشرين ؟؟
_ و لم لا ؟ مثلما استطعت اختراق جدار الاحتلال في زمنك الأشد صلابة منه في زمني ربما يستطيع حفيذك إرجاع شجرة الزيتون لنا.



#أزهار_الصفا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية غربة
- أقنعة و حقائق
- قسمة عادلة
- حياتي .. ورأس القلم
- ردة اعتبار
- الوهم القاتل


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار الصفا - زيتونة شرقية