أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مهدى بندق - قراءة يسارية في أزمة الرأسمالية العالمية















المزيد.....

قراءة يسارية في أزمة الرأسمالية العالمية


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 07:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ذات يوم سألت سيدة إنجليزية برنا رد شو : ما الرأسمالية ؟ وللتو جاءتها الإجابة : هي مثل لحيتي.. غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع!

هكذا وبخبطة واحدة استطاع الفيلسوف الأيرلندي الاشتراكي أن يشخص العلة , وأن ُيلمح إلى الدواء. فالرأسماليةCapitalism ليست مجرد تكديس للأموال في خزائن الأغنياء ، ذلك ما كان يفعله الإقطاعيون وأبناؤهم وأتباعهم، ومن قبلهم الأباطرة وقادة الجيوش وولاة الأقاليم والكهنة والتجار ..الخ لكن النظام الرأسمالي (الذي وُلد مع اكتشاف طاقة البخار واكتشاف قارة أمريكا، ومع المخترعات التي حولت الحرف والورش الصغيرة الى الإنتاج الصناعي الكثيف) إنما كان النظام الذي تمكن من توظيف المال الراكد stagnant money في صميم العملية الإنتاجية ، خالقاً به القيمة المضافة، ومستخرجاً، بفضله ، من قوى عماله الأجراء (الأحرار توهماً !) فائض قيمة أسماها الأرباح ، تلك التي كانت تزداد بقدر ما تقل الأجور عن قيمتها الحقيقية المتمثلة في الجهد المبذول لعملية الإنتاج المتزايد. وهذا بالضبط هو جوهر النظام الرأسمالي: غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع. دعونا إذا ًنرفع القبعات عن صلعاتنا ، نحن عديمي اللحى ، لهذا النظام الرأسماليّ العظيم جدا ً!

ما أوجزه برنا رد شو بسخريته المعهودة، سبق وأن فصّله المفكرون الاقتصاديون العظام أمثال آدم سميث ، وريكاردو ، كارل ماركس صاحب الكتاب الأشهر "رأس المال" .. وماركس – تحديداً – هو من كشف عن ثورية وجدارة الرأسمالية في بداياتها : مضاعفة الإنتاج العالمي بتحريرها المال من ركوده ، وتحريرها الأقنان من السخرة ، وتحريرها الطاقات البشرية من الكسل الموروث ، جنباً إلى هذا كشف ماركس عيوب تلك الرأسمالية وأخطرها : تناقضاتها الاقتصادية الداخلية البحتة فيما أسماه بنظرية "فيض الإنتاج" وخلاصتها أن الرأسماليين حين يوظفون أموالهم بتحويلها الى رأس مال، فإنهم يقسمونها الى قسمين ، الأول رأس مال ثابت، ويتضمن الأرض والمباني والآلات والخامات، وهذا القسم تظل قيمته ثابتة بالطبع. والثاني : رأس مال متغير هو الأجور المدفوعة للعمال. ولأن أرباح الرأسماليين لا تأتيهم من القسم الأول [ قيمته ثابتة ] بل من القسم الثاني المتغير[ حسب شطارة الرأسمالي في مواجهة العامل شارلي شابلن ] فلابد من أن تكون هذه الأجور ، في مجملها أقل من قيمة السلع الكلية التي تنزل الأسواق بعد تجنيب الأرباح طبعاً. وعليه فلا يمكن إطلاقاً للقوى الشرائية الكلية أن تعادل العرض الكلى (من أين للإجراء محدودي الدخل بنقود ليشتروا بها السلع المتزايدة ؟!) فيترتب على ذلك تزايد الكساد ، ثم انبجاسه كأزمة عامة، وهو عين ما حدث في القرن الماضي، وهاهو ذا الأمر يتكرر في أيامنا ، بغض النظر عن الشكل "المالي " الذي يغطرش على جوهر الأزمة في هيكليتها . فمع الكساد يضطر أصحاب المصانع الى تسريح بعض العمال، الأمر الذي يزيد الأزمة تفاقماً (من أين للعاطلين بنقود ليشتروا بها السلع المكدسة ؟! ) وتؤدي البطالة الى مزيد من الركود، فالبطالة فيما يشبه الدَوَر والتسلسل المنطقي.

ذلك لاغرو ما حدث في عام 1929 فيما سُمّىَ بالأزمة العالمية الكبرى .. أغلقت المصانع أبوابها تباعاً ، و ُطرد العمال من المصانع ، والموظفون من المكاتب جماعات جماعات، وبالتوازي ألقيت آلاف الأطنان من السلع الغذائية في البحر، وأحرقت بالات القطن في مخازنها بأوامر مالكيها. بينما تضاعفت أعداد الجوعى والعراة بالملايين ، فانتحر رجال ولجأت نساء الى احتراف الدعارة، واضطر معظم العاطلين لامتهان السرقة والبلطجة، واحترف الأطفال التسول وانتشرت عصابات الإجرام في كل البقاع .
والحل يا سادة ؟ الحل هو الحرب ! دعوا الفاشية تدق طبلها، ودعوا الملايين يتقاتلون تحت شعارات "وطنية" زاعقة، فهذا أفضل لهم ولنا نحن الرأسماليين: يموتون هم بضمائر مستريحة ، بينما تنتعش لدينا نحن الأذكياء ، صناعة السلاح والذخائر، وأغذية الجنود وملابسهم الرسمية ، وخوذاتهم ، وأعضائهم الصناعية التعويضية. وبعد الحرب سيعاد إعمار المدن التي خُربت، والطرق التي دُمرت ، والمنازل التي نُسفت، وفي هذا وذاك إعادة تشغيل العاطلين ، لتعود لهم القدرة على الشراء [ انظر كم نحن رحماء بيننا ! ] حينها نخرج جميعاً من نفقنا المظلم الكئيب.

ليعد إلى كهفه من ليس في مقدوره أن يستنتج أن ما يحدث اليوم شبيه بما حدث في ثلاثينات القرن الماضي، يعاد إنتاجه في أيامنا هذه. فلقد بدأت بوادر الأزمة العالمية الجديدة بخروج أمريكا عام1971 ، الدولة الرأسمالية العالمية الأولى من اتفاقية بريتون وودز الموقعة عام 1946 والداعية الى ربط العملات بقاعدة الذهب. ولما كانت أمريكا تسعى الى إغراق العالم بالدولارات "الورقية" لكي يشتري الناس بضائعها المكدسة، تحرزاً من الكساد المتربص. فلقد زعمت – تبريرا لخروجها من الاتفاقية المشار إليها -أن الإنتاج الأمريكي الهائل هو الضامن لعملتها وليس الذهب. بيد أنه ما لبثت أوربا واليابان ثم الصين أخيراً أن لحقت بأمريكا ، بل وكاد تتفوق نسبياً عليها في مضمار العرض السلعي الكلى ، مما أدى الى انكماش متتال للاقتصاد الأمريكي. فكان منطقياً أن تلجأ أمريكا الى الاستدانة داخلياً وخارجياً (بلغ الدين العام الأمريكي هذا العام 70 ترليون دولار، وقارب عجز الموازنة العامة بها مبلغ 750 مليار دولار ) والحل ؟! الحل موجود يا سادة ، يجري العمل به على قدم وساق. فالحرب أفغانستان وفي العراق ، والحرب ضد ما تسميه أمريكا الإرهاب (وهو إرهاب فعلاً ولكن مختوم بختم صنع في أمريكا) رفعت جميعها قيمة الإنفاق العسكري الى 615 مليار دولار مرشحة للتضاعف في حالة بدء الحرب مع إيران. لكن هذا الإنفاق المجنون هو الذي يساهم في إخراج الرأسمالية الأمريكية – الممثل الأول للنظام العالمي – من أزمتها الخانقة ، وحتى تبقى الأوضاع الحالية قائمة : 15 % من سكان الكوكب يستحوذون على 80% من ثروة العالم.

دعنا إذن نقارن تلك الأرقام الفلكية ديوناً وإنفاقاً عسكرياً بأرقام أخرى أكثر رعباً. فعالم الرأسمالية المتوحشة الذي يحيا في ظله البشر اليوم يوجد به 3 مليار إنسان – نصف البشرية – يعيش الفرد منهم بأقل من 2 يورو في اليوم. وفي البلدان النامية ثمة مليار ونصف إنسان لا تصل إليهم مياه صالحة للشرب، ويعاني ملياران من الأنيميا بسبب سوء التغذية ، في حين أن مبلغ 13 مليار يورو كاف تماماً لإنقاذهم ، وهو ذات المبلغ الذي ينفقه الأمريكيون والأوربيون على عطورهم كل عام ! ضع هذا كله في جانب ، وتأمل تلك الحقيقة المأساوية المخزية والتي نشرتها اليونيسف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة) عام 1997 والتي تقول إن 250 مليون طفل تقل أعمارهم عن خمسة أعوام يدفع بهم سنوياً الى سوق العمل ! في أي مجال يعمل هؤلاء البؤساء ؟ خدم منازل ، بيع الخردوات والعاديات ، التسول ، الدعارة !!

كيف يمكن لمثقف يساري حقيقي ، وظيفته الأولى الدفاع عن حق الجنس البشري في الحياة الإنسانية الكريمة أن يداعب أطفاله أو أحفاده (قبل أن يمسك بالقلم ليكتب مقالته أو روايته أو قصيدته ) على حين يغفل (أو يتغافل عن) هذه الأوضاع كلها !

ذات يوم كتب هيجل يقول : إن الواقع حقيقي. ففهم أهل اليمين أن ما هو قائم لا سبيل الى تغييره. أما اليسار الهيجلى فقد قلب الآية ، أو بالأحرى عّدلها مرتئياً أن كل ما لا يتسق مع الحقيقة العقلية أمر لا يمكن قبوله كواقع ، من حيث هو شئ شاذ ، لابد للبشر أن يسعوا لتغييره حتى تصبح الحقيقة ( = إنسانية الإنسان) أمراً واقعاً . كيف ؟

أولاً : بفضح سمات تلك الرأسمالية المتوحشة بالأسلوب العلمي الرصين دون تشنجات أيديولوجية تزعم أن السلف الصالح في ثقافتنا أنتج نظاماً اقتصادياً مثالياً ، في حين تمثل ذلك النظام المثالي المزعوم في محض اقتصاد ريعي أساسه الفيء والخراج والجزية ، وعلى أحسن الأحوال عبر تجارة الترانسيت ، وكلها تنتمي لهياكل مجتمعات ما قبل الرأسمالية التي لا تزيد الثروة القائمة بل تعيد تدويرها حسب.

ثانياً : بتشمير الأكمام لتأسيس نظرية اقتصادية تتجاوز الرأسمالية الهرمة ، في ذات الوقت الذي لا تقع فيه في قبضة رأسمالية الدولة حسب النموذج السوفيتي والنموذج المصري الستيني، بإغواء مقولة المركز والأطراف (سمير أمين مثالاً لا حصراُ) فالعودة الى ما فات أشبه بنصيحة تقدم لرب الأسرة ذي المشاكل أن يعود الى الحضانة ليتخلص من مشكلات الزوجة والأبناء والغلاء .... الخ.

ثالثاً : بالتصدي الشجاع لكل دعاوى الحرب بين الأمم والدول والشعوب، حصاراً سلمياً لدوافع الرأسماليين، فلا يجد هؤلاء بدا ً من مواجهة أزمات نظامهم على أرضه هو ، دون تصديرها لغيرهم من الأبرياء. وفي هذا السياق تجوز الدعوة الى إلغاء التجنيد الإجباري تدريجياً إلا في الأوطان الواقعة تحت الاحتلال.
فهل ينهض اليسار العربي – وهو جدير بالنهوض – الى تلك المهمة ، مخلفاً وراء ظهره المنازعات الشكلية ، والمجادلات البليدة ، والتحالفات اللامبدئية الفظة مع أهل اليمين (الهيجلى) وأشباههم من الداعين للعودة المستحيلة الى مجتمعات ما قبل الرأسمالية ؟




#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط امبراطورية اليانكي
- التعديلات الدستورية القادمة في مصر
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 2
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 1/2
- هيا بنا نتفلسف x هيا بنا نغيّر العالم
- ثقافة الإرهاب الفكريّ : الجذور والثمار
- كتاب البلطة والسنبلة - نقد النقد
- مستقبل مصر ليس وراءها في الصحراء ، بل أمامها صوب البحر
- كيف يعرقل المثقف التقليدى مسيرة الديمقراطية
- هل هو محتوم أن ينجح النموذج الأيرلندي ويخفق لبنان العربي؟
- بيروت : طائر الفينيق أسطورة العصر
- ماذا أحجم حزب الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟
- الفاشيون قادمون إلي لبنان وغيره
- هل الفلسطينيون قادرون علي تجاوز عبثية الحياة ؟
- النقد الذاتي وسيلة المصريين لتخطي محنتهم التاريخية
- اليسار العربى في مفترق طرق
- كيف تصبح مصر دولة ثقافة ؟
- إعدام الراهب سافونا رولا : شفرة دافنشى الحقيقية
- عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-
- اضمحلال أمريكا وعلم المستقبليات


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مهدى بندق - قراءة يسارية في أزمة الرأسمالية العالمية