أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد الأمير - اتفاقية الوضع القانوني للقوات الأمريكية الموجودة خارج الولايات المتحدة















المزيد.....



اتفاقية الوضع القانوني للقوات الأمريكية الموجودة خارج الولايات المتحدة


فؤاد الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 2446 - 2008 / 10 / 26 - 01:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصل الثالث

بعد نشر الدراسة الموسومة " ملاحظات في الاتفاقية المقترحة بين العراق والولايات المتحدة "، في 28 حزيران 2008، استلمت العديد من الاستفسارات حول ما يسمى اتفاقياتSOFA) ) سوفا أو صوفا، وعلاقتها بالمعاهدة أو الاتفاقية الأمنية طويلة الأمد المقترح عقدها مع الولايات المتحدة، إذ أنني لم أعط هذه المسألة حقها في تلك الدراسة، لذا ارتأيت أن أضيفها الى هذا الكتاب كجزء من الدراسة لاطلاع القارئ على بعض تفاصيل مثل هذه الاتفاقيات.

إن ما يسمى عالمياً باتفاقيات ( SOFAسوفا ) هي مختصر للاتفاقية المسماة: ( Status of Force Agreements )، ( اتفاقيات حالة القوات العسكرية )، وقد ترجمتها، كما أعلاه، حسب المعنى، " اتفاقية الوضع القانوني للقوات "، والمقصود بهذا ( القوات الأمريكية ) المتمركزة أو المنتشرة وقتياً أو لفترة طويلة خارج الولايات المتحدة. سنسميها في اثناء سياق الحديث، ( سوفا SOFA)، علماً أن سوفا لا تخص دائماً القوات الأمريكية فحسب، ولكن قد يقصد بها القوات الأجنبية الأخرى، وكما سنلاحظ ذلك.

لقد كُتب الكثير من المقالات والدراسات حول هذا النوع من الاتفاقيات، في مختلف الصحف والمجلات العالمية، في السنة الأخيرة،خصوصاً بعد أن طلبت الحكومة العراقية الحالية من مجلس الأمن الموافقة على تمديد بقاء القوات الأمريكية والأجنبية ، ( القوات متعددة الجنسيات ) ، في العراق لسنة أخرى، أي إلى 31 / 12 / 2007، وصدر قرار مجلس الأمن المرقم (1790) في 18 / 12 / 2008 بالموافقة على الطلب، ولكن بنفس الوقت فإن طلب حكومة المالكي في أواخر 2007 من مجلس الأمن بالتمديد اقترن بأن هذا الطلب سيكون " الأخير "!. إن الوضع القانوني لوجود القوات الأمريكية في العراق، وحسب تفسير وتعريف مجلس الأمن في قراره المرقم (1483) في 22 / 5 / 2003 حول العراق، هو وضع المحتل منذ بداية الاحتلال وإلى حين صدور القرار (1546) في 8 / 6 / 2004 ( في زمن حكومة علاوي )، حيث تحول التعريف إلى ( Mandate تفويض )، يجدد سنوياً، وبطلب من الحكومة العراقية، وهكذا طلبت الحكومات المتتابعة، برئاسة علاوي والجعفري والمالكي، سنوياً، من مجلس الأمن إبقاء القوات الأجنبية في العراق، ( وكما أوضحنا في الفقرة 2ج من الفصل الأول من هذه الدراسة ). ولكن السؤال المطروح هو ماذا سيحدث، من الناحية القانونية، لوضع القوات الأمريكية في العراق بعد 31 / 12 / 2008 في حالة بقاء الحكومة العراقية على رأيها الذي أرسلته لمجلس الأمن في أواخر 2007، بأن طلبها في التمديد هو الأخير. إن أحد أحسن الحلول بالنسبة لحكومة بوش كان ( الضغط ) على الحكومة العراقية للقبول باتفاقية أمنية طويلة الأمد تتضمن اتفاقية مشابهة لاتفاقيات سوفا. وهذا الأمر جرّ الجهات الوطنية والسياسية والقانونية المختلفة في العراق، وكذلك في الولايات المتحدة، إلى نشر المقالات والدراسات بين مؤيد ومعارض، خصوصاً وأن الاتفاقية التي طرحتها الولايات المتحدة، هي ( أكثر ) من سوفا بمراحل، وأن الجزء المشابه لسوفا فيها هو أكثر ضرراً للعراق من أسوأ سوفا، ( بالنسبة للشعوب الأخرى)، سبق أن وقعتها الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار ردود الفعل الغاضبة في العراق، والمناقشات الحامية في الولايات المتحدة، وكما سنوضح ذلك في هذا الفصل.

بعد أن قرأت أعداداً غفيرة من المقالات والدراسات حول هذا الموضوع، اعتمدت في كتابة هذا الفصل على ما أعتقده، أكثرها رصانة، وأقدرها على إعطاء الموضوع حقه، واخترتها جميعاً من المصادر الأمريكية. من هذه المصادر كانت دراسة ( جك مايسون Chuck Mason )، والتي قام بإلقائها أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي في 28 / 2 / 2007، وبطلب من الكونغرس، كتصريح – إفادة Statement ، بصفته المستشار القانوني لمركز دراسات وبحوث الكونغرس ( قسم القانون )، والتي كانت بعنوان: " اتفاقيات الوضع القانوني للقوات – سوفا-ن وتفويض مجلس الأمن، ماذا يقدمان إلى القوات الأمريكية من صلاحية وحماية" ؟. كذلك اعتمدت على مقالة ( كريك برونو Greg Bruno )، والتي نشرت في 6 / 6 / 2008 في المجلة السياسية الأمريكية الأكثر شهرة في العالم " الشؤون الخارجية Foreign Affairs "، وقام موقع ( المرصد العراقي ) بترجمتها، ونشرها في أوائل آب 2008 . إضافة لذلك اعتمدت على الإفادة التي قام بإلقائها البروفسور( ميخائيل ماثيسون Michael J. Matheson )، من مدرسة القانون في جامعة جورج واشنطن، في 28 / 2 / 2008، على لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس وبطلب منها. والمقالة التي نشرها القانوني ( جارلس شينر Charles Scheiner )، في أواخر 2008، تحت عنوان: ( تيمور الشرقية تضع الجنود الأمريكان فوق القانون )، حيث يتحدث عن أسوأ اتفاقيات سوفا إلى ذلك الحين، وهي التي كانت معقودة بين تيمور الشرقية والولايات المتحدة. كذلك على مقالة نشرت في: " كلوبال سيكيورتي Global Security "، في 6 / 7 / 2008، إضافة لذلك فقد تم الاطلاع على عدد من اتفاقيات سوفا، مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وتيمور الشرقية ومع حلف الناتو.

من أعلاه نستطيع قول بما يلي:



1- الوضع القانوني للقوات الأجنبية

إن الوضع القانوني للقوات الأجنبية المتواجدة في دولة أخرى، يكون إما من خلال الاحتلال، والحالات الموجودة حالياً محدودة جداً، ومنها ما تم في العراق وإلى سنة 2004، حسب تعريف مجلس الأمن، أما حسب تعريفي فإن الاحتلال لا يزال مستمراً في العراق!! وكذلك في فلسطين للسنوات الستين الماضية. أو أن يكون الوضع القانوني لهذه القوات من خلال تفويض من الأمم المتحدة ( مجلس الأمن ). أو أن يتم ذلك من خلال اتفاقيات ثنائية وجماعية مثل اتفاقيات سوفا.

إن وجود القوات الأجنبية في دولة أخرى من خلال احتلالها، يخضع لاتفاقيات عديدة، مثل اتفاقية جنيف 1949 وقواعد لاهاي في 1907، وعدد من قرارات وتوصيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنها القرار ( 1483 ) في 22 / 5 / 2003، تحت البند السابع، والمتعلق باحتلال العراق، حيث أكد القرار على أن العراق بلد محتل وجميع المسؤوليات المتعلقة بمساعدة وسلامة الشعب العراقي تقع على عاتق المحتل ( وكما موضح في الفصل الأول الفقرة 2ج من هذا الكتاب ).

أما ما يتعلق بوجود القوات الأجنبية بموجب " تفويض " من الأمم المتحدة United Nations Mandates فيمكن القول بأن هناك نوعين مختلفين في إرسال قوات عسكرية تقع تحت سلطة الأمم المتحدة : النوع الأول منها: هو قوات حفظ السلام الدولية، التي تعمل تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة وتحت قيادتها، حيث تتألف هذه القوات من وحدات دولية من أعضاء في هيئة الأمم. هذه القوات قد تكون مخولة من مجلس الأمن تحت البند السادس، والذي يتضمن موافقة الدولة، أو الدول، التي ترسل إليها هذه القوات، أو أن تكون تحت البند السابع بقرار من مجلس الأمن وذلك عند اقتناع المجلس بوجود اعتداء وتهديد للسلم العالمي، وفي هذه الحالة لا توجد حاجة إلى موافقة الدول التي ترسل إليها هذه القوات. في الوقت الحاضر توجد (17) حالة تجري على اراضيها عمليات حفظ السلام الدولية.

أما النوع الثاني من هذا " التفويض " : فهو في حالة عمل مجلس الأمن تحت البند السابع، اذ قد يخول( يفوض )، دولة، أو تحالف دول، أو منطقة إقليمية بأن ترسل قواتها تحت القيادة المباشرة للدولة أو الدول، التي أعطي لها هذا التفويض لمعالجة حالة تهديد للسلم العالمي أو إنهاء العدوان، وهذا ما حصل فعلاً في حرب الخليج، ( الحرب على العراق )، في 1990 – 1991، والتدخل في الصومال 1992 – 1993، والتدخل في هاييتي 1994. فإن الأمم المتحدة قد تكون لها، في هذه الحالة، تدخلات بسيطة، أو قد لا يكون لها أية سيطرة، ذلك بعد أن قام مجلس الأمن بتفويضها أصلاً، يكون دور مجلس الأمن هو متابعة النتائج. إن " تفويض Mandate " مجلس الأمن قد يكون مفتوحاً وغير محدد و"باستعمال كل ما هو مطلوب"، كما كان الحال في حرب الخليج / العراق في 1990 – 1991، أو قد يتضمن تفاصيل محددة عن نوع العمليات، أي لا يكون مفتوحاً. في حالات النوع الثاني من ( تفويض ) الأمم المتحدة، قد لا تكون هناك حاجة لموافقة ( الدولة ) المرسل إليها هذه القوات. ومن الممكن اعتبار وجود القوات الأجنبية في العراق، ومنذ قرارات مجلس الأمن الصادرة في 2004، بأنها ضمن هذا النوع، ولكن بموافقة وطلب من الحكومة العراقية، إذ أن الرسائل التي أرسلها علاوي والجعفري والمالكي إلى مجلس الأمن، واعتبرت جزء لا يتجزأ من قرارات مجلس الأمن الصادرة بخصوص بقاء القوات الأمريكية في العراق، أعطت الحصانة القانونية الكاملة للقوات المحتلة وللمرتزقة أيضاً وخولتها من الناحية العملية اتخاذ ما تراه مناسباً، فاستغل المحتل هذا التخويل أبشع استغلال انعكس على الشعب العراقي على مدى العصور، وبمساندة من القوات العراقية في غالبية الحالات!!. كذلك يفعل السودان حالياً، بالموافقة على ( تفويض ) الأمم المتحدة لدخول قوات من منظمة الدول الإفريقية الى دارفور.

اعتيادياً، لا يتضمن تفويض الأمم المتحدة للحالة القانونية Status للقوات الأجنبية، فقرار مجلس الأمن هو ( أمر قانوني ) بحد ذاته، كذلك قد لا يتضمن التفويض الميزات أو الحصانات المخولة لقواتها، وفيما إذا لديها حصانات منفصلة عن قوانين الدولة التي دخلتها القوات. هذا الأمر متروك إلى اتفاقيات منفصلة مع الدول أو الدولة المعنية. وفي العمليات الحربية Hostile Operation، والتي لا يمكن فيها توقيع مثل هذه الاتفاقيات الثنائية، فإن الأمر يترك إلى القانون الدولي في حروب الاحتلال. من هذا نرى أن لولا رسائل رؤساء الوزارات العراقية منذ 2004 إلى مجلس الأمن بالموافقة على إعطاء الحصانة ( أو الولاية ) القضائية إلى القوات الأجنبية ومرتزقتها (المتعاقدين )، لخضعت هذه القوات والشركات المتعاقدة لتجهيز المرتزقة إلى القوانين العراقية.

أما بالنسبة لاتفاقيات سوفا، فإننا نرى أن من المهم التوسع في مفهومها، لأنها متعلقة بصورة مباشرة بالاتفاقية المقترح توقيعها مع الولايات المتحدة، وكجزء بسيط منها، ونود أن نوضح ذلك في الفقرة (2) أدناه.



2- اتفاقية سوفا:

كان العمل قد بدأ باتفاقيات سوفا منذ انتهاء فترة احتلال القوات الأجنبية لدول المحور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقيام القوات الأمريكية بالتمركز أو الانتشار في أوربا وأسيا لمواجهة ما سمي في حينه ( الخطر الشيوعي )، وضد المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي. ثم انتشرت في دول أسيوية أخرى متحالفة مع أمريكا، في فترة الحرب الكورية والفيتنامية، وكذلك مع بعض الأقطار العربية والشرق الأوسط وإفريقيا في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وفي فترة ما قبل وما بعد الاحتلال العراقي للكويت. لقد انتشرت هذه الاتفاقيات بصورة مطردة بعد سقوط المعسكر الاشتراكي في تسعينيات القرن الماضي، إذ حتى سقوط الاتحاد السوفيتي كان هناك حوالي (40) اتفاقية معاهدة معظمها مع دول حلف ناتو ( حلف شمالي الاطلسي )، ولكن بعد السقوط بدأت المحاولات الأمريكية بالسيطرة على العالم، ومحاولة بناء ( الإمبراطورية الأمريكية ) ووصل عدد هذه الاتفاقيات إلى ما يزيد عن (90) اتفاقية، وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن عدد اتفاقيات (سوفا) مع الولايات المتحدة تصل حالياً إلى (115) اتفاقية، أي مع أكثر من نصف دول العالم، بضمنها عدد كبير جداً مع دول صغيرة جداً وضعيفة جداً، اضطرت لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات نتيجة الحروب الأهلية الطاحنة التي ازدادت أضعافاً بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وتفرد " القطب الواحد " الأمريكي في العالم، إذ أن رؤساء هذه الدول كانوا بحاجة إلى معونات خارجية عسكرية أو إنسانية لتثبيتهم في الحكم. إضافة لذلك اضطرت الأمم المتحدة للتدخل في عدد من الدول، وخصوصاً الإفريقية، لإيقاف الحروب الأهلية والإبادة الإثنية ( العنصرية ) الجماعية، وإن مشاركة أمريكا لا تتم إلاّ بعد توقيع مثل هذه الاتفاقيات مع الدول المعنية. نفس الشيء حدث في دول أمريكا اللاتينية، مضافاً في هذه الحالة، الى (حجة) محاربة تجارة المخدرات. و من الناحية العملية فإن هذا النوع من الاتفاقيات انتشر بانتشار وتوسع مآسي دول العالم الثالث بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وكذلك بنجاح تفكيك بعض الدول الأوربية مثل يوغسلافيا وجكوسلوفاكيا، وحروب البلقان، وتفكيك الاتحاد السوفيتي، ومحاولة تفكيك أندونوسيا، إذ في جميع هذه الحالات اضطرت الجهات الأضعف في هذه الدول إلى توقيع ( سوفا )، لسبب أو لآخر، وبضغوط عالية وإغراءات مستمرة من الولايات المتحدة.



أ‌- ما هي اتفاقيات سوفا:

يجب أن نوضح هنا أن ( سوفا ) ليست باتفاقيات أمنية، ولاهي اتفاقيات دفاع مشترك أو للمساعدة في صدّ أي عدوان، ولاهي اتفاقية أمنية إستراتيجية سواء كانت طويلة أم قصيرة الامد، ولهذا فهي لا تتحدث، بالمرة عن مثل هذه المواضيع. إن الاتفاقيات الأمنية أو الدفاع المشترك أو العدوان أو محاربة الإرهاب أو محاربة تهريب المخدرات يمكن ان تتحقق عبر اتفاقيات أخرى غير ما يسمى ( سوفا )، ولكن عندما توقع مثل هكذا اتفاقيات فإنها دائماً تقترن بتوقيع اتفاقيات ( سوفا )، سواء كاتفاقية منفصلة أو كملحق لاتفاقية امنية. ولهذا السبب نرى النقاش والمجادلات القانونية الحالية الدائرة في الولايات المتحدة، حول الاتفاقية الأمنية مع العراق. إذ ان ما كانت تريده حكومة بوش وجهات عديدة من السياسيين العراقيين الحاليين، معاهدة أو اتفاقية حسب ( اتفاق المبادئ ) الذي سبق أن وقع كل من المالكي وبوش في تشرين الثاني 2007، وهو أمر ليس له علاقة باتفاقيات سوفا، وقد تكون سوفا جزءا منه كما سنوضح لاحقاً. ولكن مثل هذا الأمر يحتاج إلى مصادقة الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي حسب فهم الغالبية العظمى من السياسيين والقانونيين الأمريكان، لهذا تراجع بوش ويحاول حالياً إقناع الحكومة الحالية على توقيع اتفاقية تشبه (سوفا)، مع إصراره المستمر على أن تكون من أسوأ الأشكال التي وقعت بالنسبة للدولة المضيفة ( المستقبلة للقوات )، وإدخال صلاحيته للعمل في العراق ضد ما يسميه (الإرهاب)، وذلك تجنباً لعرض الاتفاقية على الكونغرس لأن سبق وأن وافق الكونغرس، على اتفاقيات سوفا (كما سنوضحه لاحقاً) وعلى قانون محاربة الإرهاب، وبهذا يعتقد بوش أن لا حاجة عند ذاك لعرض الموضوع على السلطة التشريعية، ولو ان هناك الكثيرين ممن يخالفونه هذا الرأي.

إن اتفاقية سوفا هي الاتفاقية التي تحدد الوضع القانوني للقوات الأمريكية في الدول الأخرى. بالواقع – وكما سنرى – فإنها لا تعني القوات الأمريكية فحسب، وإنما القوات الأجنبية عموماً. في اتفاقيات (سوفا) يوجد ما يسمى بالدول المرسلة للقوات ( Sending States )، والدول المستلمة للقوات ( Receiving States )، وتسمى أحياناً ( بالدول المضيفة )!!، وسنطلق عليها في هذه الملاحظات الدول المضيفة. إن جميع الاتفاقيات تتحدث عن الوضع القانوني لقوات الدول المرسلة في الدول المستلمة المضيفة. إن هذه الاتفاقيات أيضاً تتحدث عن الإعفاءات الضريبية والكمركية لأفراد القوات المسلحة ولعوائلهم والمعدات المستعملة، كما تتحدث عن مدى إمكانية استعمال اللباس العسكري الخاص واستخدام السلاح والمركبات الخاصة بالدول المرسلة، سواء داخل المعسكرات الخاصة بها أو خارجها، وكذلك إمكانية الحصول على ذبذبات راديوية خاصة بها، وخدمات عامة أخرى. لا يوجد نص موحد لهذه الاتفاقيات، وإنما توجد هيكلية عامة لها، وهي قد تقع في صفحة واحدة ومن خلال خطوط عامة جداً، أو في (200) صفحة، من خلال وضع فقرات مفصلة جداً، كما في سوفا الموقعة مع كوريا الجنوبية في عام 1966 حيث كانت في (150) وثلاث ملاحق. وهذه الاتفاقيات قد تكون جماعية لعدة دول، أو ثنائية بين دولتين فقط، وقد تكون موادها متبادلة في التعامل ( أي تطبق في الدول المضيفة لقوات الدول المرسلة، وكذلك تطبق في الدولة المرسلة لقوات الدولة المضيفة عندما ترسل للتدريب أو للمناورات العسكرية)، وقد تكون أحادية التعامل ( أي فقط فيما يتعلق بقوات الدولة المرسلة المضيفة ). وهي قد تكون دائمية (أي لفترة طويلة جداً تزيد على العشر سنوات )، وذلك حينما تكون الدولة المرسلة متمركزة في قواعد في الدولة المضيفة، كما قد تكون لفترة وجيزة جداً، وذلك أثناء قيام الدولة المرسلة بإرسال عسكريين مختصين للتدريب، أو عند إجراء مناورات عسكرية مشتركة، أو أحياناً غير مشتركة ولكن تجري في منطقة الدولة المضيفة، مما يستوجب دخول البوارج والجنود إلى أراضيها أو مياهها أو أجواءها. وقد وقعت مثل هذه الاتفاقيات عندما استخدمت الولايا ت المتحدة طائراتها أو بواخرها الحربية في إيصال المساعدات الإنسانية المقدمة منها أو من دول أخرى، إلى المناطق المنكوبة نتيجة الحروب الداخلية أو الجفاف أو الظواهر الطبيعية القاسية، أو محاربة تجارة المخدرات. هذه الأمور تفسر قسما من أسباب انتشار مثل هذه الاتفاقيات على نطاق واسع. وكأمثلة على اتفاقيات سوفا ذات الفترة الوجيزة جداً هي الاتفاقية التي وقعتها الولايات المتحدة مع بنغلاديش في 1998، من خلال تبادل الرسائل ، ولحالة واحدة فقط لغرض إجراء مناورات عسكرية مشتركة في الأراضي والمياه البنغلاديشية، وكانت في صفحة واحدة وتتضمن خمس فقرات فقط. ووقعت الولايات المتحدة مع بوتسوانا في 2001، اتفاقية المساعدات الإنسانية، والتدريب والمناورات العسكرية، ولفترة وجيزة جداً.

إن الحالة الوحيدة التي وقعت فيها ( سوفا ) كمعاهدة، كانت بين دول حلف شمال الأطلسي ( الناتو NATO )، وسميت ( ناتوسوفا NATOSOFA ) أما البقية فكانت من خلال اتفاقيات، ( ليس معاهدات )، تمت من خلال مراسلات متبادلة، أو مفاوضات ثنائية مباشرة.



ب‌- الولاية القضائية أو "الولاية القانونية" Jurisdiction :

إن أهم ما تتضمنه اتفاقية سوفا، وهو الموضوع المثير للجدل دائماً، هو موضوع لمن ( الولاية القانونية / القضائية )، وبما يتعلق بالعسكريين المرسلين من الدولة المرسلة والمتواجدين في الدولة المضيفة. أي لقانون أية دولة سيخضع هؤلاء العسكريين في حالة قيامهم بعمل ينافي القوانين، وخصوصاً القوانين الجنائية أو المدنية Criminal or Civil Law. هل سيخضعون لقوانين الدولة المضيفة أو لقوانين الدولة المرسلة أو لكليهما، علماً أن القوانين الجنائية تشمل السرقة، القتل، الاغتصاب، الاعتداء. كذلك تتضمن سوفا الشروط اللازمة، في حالات وجود حصانة لقوات الدولة المرسلة في الدولة المضيفة، سيكون السؤال إلى مدى تصل حدود هذه الحصانة، أيضاً هل تشمل الحصانة المدنيين أو الشركات المتعاقدة. من الواضح في القوانين الدولية إن الجرائم التي تقع في بلد ما تخضع لقوانين ذلك البلد. إن اتفاقيات سوفا قد تؤكد هذا الأمر وعند ذلك تكون الولاية القانونية للدولة المضيفة، أو قد تعطي الدولة المضيفة هذه القوات "الحصانة" وعند ذلك تكون الولاية القانونية للدولة المرسلة. أو يكون الأمر لكليهما، وكما سنوضح ذلك.

من الملاحظ، أن اتفاقيات سوفا (سوفا)، تتحدث في الغالبية العظمى منها عن العسكريين فقط، وقد يضاف إليها العاملون المدنيون ضمن قوات الدولة المرسلة، ولا تتحدث مطلقاً عن " حماية " ما يسمى بالشركات المتعاقدة أو المتعاقدين. إن مسألة جيوش الشركات المتعاقدة، ( المتعاقدين المرتزقة )، هي مسألة حديثة أثيرت في أثناء حروب البلقان وتفكيك يوغسلافيا السابقة، حيث رفضت يوغسلافيا توقيع أي شكل من اتفاقية سوفا. كذلك أثيرت مسألة الشركات المتعاقدة في حرب الخليج سنة 1990 – 1991 وبنطاق ضيق، ورفض في حالات عديدة، إعطاء مثل هذه الحماية للشركات المتعاقدة. ولكن هذه المسألة بلغت مداها الأعظم في حرب احتلال العراق، حيث وصل أعداد أفراد الشركات المتعاقدة إلى أكثر من (190) ألف شخص حسب تقديرات المختصين في الولايات المتحدة وأوربا، وأصبحت جيوشاً تزيد أعدادها في بعض الأحيان عن أعداد جيوش المحتل، وتقوم في الغالب بالحمايات والتحقيق وبالأعمال ( القذرة )، والتي في حالة اكتشافها تضع الدولة المرسلة وجيشها في وضع محرج ومشين وهي قد تكون متعاقدة مع وزارة الدفاع أو وزارة الخارجية الأمريكتين أو مع وكالة المخابرات الأمريكية CIA، أو مع الموساد أو المخابرات البريطانية. والمرجح أن معظم ما يسمى ( فرق الموت )، هي بقيادة مثل هذه القوات " المدنية ". لقد حاولت الحكومة الأمريكية إعطاء نفس " الحصانة القانونية " لقوات المتعاقدين، مثل الحصانة المعطاة لجيوشها، ونجحت بذلك نجاحاً باهراً في العراق، إذ قامت حكومة علاوي بأمر لم يتوقعه أحد في حينه، ومن ضمنهم الأمريكان، وكررته أيضاً حكومتا الجعفري والمالكي، وذلك بإعطاء " الحصانة القانونية الكاملة " لهذه القوات التابعة للشركات المتعاقدة وأرسلتها في رسائل رسمية إلى رئاسة مجلس الأمن لتكون جزءا من القرارات الصادرة من مجلس الأمن بخصوص التفويض لبقاء القوات الأجنبية في العراق. وإن هذه الحكومات العراقية، وخصوصاً حكومة المالكي، وقعت في مواقف محرجة جداً أمام شعبها والعالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما حصل في ساحة النسور في بغداد وذلك عندما قامت شركة ( بلاك ووتر ) بقتل (18) مدنياً عراقياً وجرح العديد وبدم بارد، وبدون أي استفزاز مسبق، وكما أكدته جميع لجان التحقيق التي حققت في الحادث ولم تستطع الحكومة العراقية عمل أي شيء، ووافقت بعد ذلك ( صاغرة ) على تمديد بقاء هذه الشركة في العراق لسنة أخرى بناء على طلب كونداليزارايس، وزيرة الخارجية الأمريكية.

في جميع المصادر التي ذكرتها في بداية هذا الفصل، وبالواقع في كل ما قرأت عن الموضوع، فإن الجميع يؤكد أن أكثرية اتفاقيات " سوفا " توضح وتؤكد أن الأولوية في " الولاية القضائية " هي للحكومة المستلمة / المضيفة، بمعنى أن الدولة المضيفة تطبق سيادتها القانونية على كل فرد من أفراد القوات المسلحة الأمريكية الموجود على أراضيها، سواء كانت في القواعد والمخيمات أو خارجها. وكما سنرى في المادة التالية، إن مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين يؤيدان هذا الأمر مع تحفظات يمكن اعتبارها مقبولة. اعتياديا قد يكون هناك استثناءات ، ولكن هذا الأمر ليس شرطاً يجب الأخذ به، الاستثناء الأول هو في حالة اعتداء عسكري أمريكي على عسكري أمريكي آخر داخل الدولة المضيفة، والاستثناء الثاني عندما يتم الاعتداء أثناء قيام العسكري الأمريكي بمهمة رسمية تعلم بها الدولة المضيفة، على شرط أن لا يكون الاعتداء لخطأ منه، أو عدم تعرض الأمريكي لخطر جسيم وأمور مشابهة، والاستثناء الثالث في حالة الخيانة العظمى، عند ذاك تكون أولوية " الولاية القضائية " للقيادة الأمريكية في الدولة المضيفة. ومما يؤيد هذا الأمر وكمثال، فإن في سنة 1998 قامت الحكومات المستلمة / المضيفة بمحاكمات وصلت إلى (5092) محاكمة على جنود أمريكان وبوجود اتفاقيات سوفا. كما أن في حزيران 1999، كان هناك (41) أمريكي في سجون الدول المضيفة الموقعة على اتفاقيات سوفا مع أمريكا. ولو كانت في العراق هكذا " سوفا "، لكنا رأينا سجن أبو غريب ومعسكر بوكا وغيرها مملؤة بالعسكريين والمتعاقدين الأمريكان، بدلاً من تكون مملؤة الآن بالعراقيين. ولرأينا أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد تقدر بالمئات للجرائم التي ارتكبت بحق العراقيين وبدم بارد، منها ما جرى في أبي غريب والمحمودية وحديثة والفلوجة ومدينة الصدر وساحة النسور وغيرها وغيرها.

يجب أن نلاحظ هنا، إن مدى ونوع الإعفاءات والحمايات القانونية لقوات الدول المرسلة في الدول المضيفة يعتمد اعتماداً كبيراً على إرادة الدولة المضيفة ومدى استعدادها لذلك واحترامها لسيادتها، ومدى استعداد قادتها لأن يكونوا تابعين أو مؤيدين للإمبريالية الأمريكية، سواء كان ذلك نتيجة تفكيرهم العقائدي لضرورة التعاون أو التبعية المطلقة للولايات المتحدة، أو نتيجة استعدادهم لقبول ما يؤول إليهم من منافع من عوائد نتيجة الفساد المالي والإداري الكبير، أو لضمان بقائهم في السلطة تحت حماية الأمريكان. كما أن من الواجب ذكر أن هناك قوى تعتبر وطنية قد تقبل بشروط المحتل لفهمها الخاطئ للوضع العراقي والوضع العالمي الحاليين، ولا تزال تعتقد أن أمريكا سيدة العالم ولذا ما علينا إلاّ القبول بما تريده " حماية " للشعب العراقي من النتائج في حالة رفض الاتفاقية، رغم المآسي الجسام التي سببتها الولايات المتحدة للعراق. ومن المفروض إن حوادث السنتين الماضيتين تريهم العكس، فصمود الشعب العراقي بوجه محاولة تمرير قانون النفط المعيب والجائر أدّى إلى عدم تمريره بالرغم من أن الولايات المتحدة أرادت وضغطت لوضع جدول زمني لتمريره قبل نهاية أيار 2007 ولم يمرر لحد الآن. كما أن الولايات المتحدة اتخذت جميع الإجراءات لتمرير الاتفاقية الأمنية قبل نهاية تموز ولن تستطيع ذلك لحد الآن، ولا تستطيع ذلك، إذ أن رفض هذه الاتفاقية كان من القوة والشدة والشعبية بحيث أدى بالحكومة العراقية أن تثق أكبر بنفسها وأن تجاري جزئياً ما يريده الشعب العراقي، رغم وجود بعضها ، الذي لا يزال يلح في تمريرها وبصورة مهينة، الأمر الذي أدى إلى نتائج عكسية وزاد من رفض الشعب العراقي لها. لقد أرادت الحكومة في الشهور آذار- أيار 2008 إن تمرر الاتفاقية كما كانت معروضة سابقاً، وعلى أساس أن ما جاء بها يمثل الحد الأعلى للتنازلات الأمريكية. ولكن عندما ظهرت المعارضة الشعبية العارمة بوضوح، اضطرت الحكومة لإعادة المفاوضات، وصدرت مسودات لاحقة عديدة لها، (تنازل) فيها الجانب الأمريكي أكثر فأكثر، ولا يزال الرفض قائما. ولا يزال الجانب الأمريكي مستعد للتنازل أكثر فأكثر. يجب أن أوضح للقارئ أن الرأي الذي أحمله شخصياً وكررته عدة مرات في هذا الكتاب، وهو رأي غالبية الجماهير العراقية، هو رأي يرفض أية اتفاقية أمنية أو"سوفا" مع الجانب الأمريكي مهما كان شكلها، إذ في كل الأحوال ستكون ضد مصالح الشعب العراقي. على المحتل أن يخرج بدون قيد أو شرط، وأن تطالب الحكومة العراقية من خلال مجلس الأمن أو من خلال المحاكم الدولية، بتعويض الشعب العراقي عن كل الخسائر التي تكبدها، وأن تتم محاكمة القائمين بالاحتلال كمجرمي حرب، لشنهم حرباً على العراق أحرقت الأخضر واليابس دون أي غطاء دولي شرعي و قانوني .

* * *

من خلال الأمثلة عن اتفاقيات سوفا، والتي سنذكرها في المواد التالية، سنرى مدى الاختلافات الكبيرة فيما بيننا وبالأخص فيما يتعلق بـ " الولاية القانونية ".



3-أمثلة على اتفاقيات سوفا



سنذكر هنا أمثلة على جميع اتفاقيات سوفا، إذ كما ذكرنا سابقاً، أن سوفا ليست شكلاً محدداً، وسنركز على "الولاية القضائية" في هذه الاتفاقيات:



أ- اتفاقية سوفا متعددة الأطراف بين دول الحلف الأطلسي

كما ذكرنا سابقاً أن ( ناتوسوفا Natosofa )، هي الوحيدة التي تمت من خلال معاهدة متعددة الأطراف، أما البقية فكلها تمت من خلال اتفاقيات ثنائية، اشتركت في صياغتها وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكتان. ولقد صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على معاهدة (ناتوسوفا Natosofa)، في 19 / 3 / 1970، مع وضع أربعة تحفظات عليها، وهي: (1) عند محاكمة العسكري الأمريكي من قبل السلطات الدولة الأجنبية المضيفة، فإن على القائد الأمريكي العام في الدول المضيفة أن يراجع قوانين تلك الدولة، ليتأكد فيما يتعلق بالأمور الجنائية، بعدم وجود تناقض مع الدستور الأمريكي بهذا الخصوص. (2) إذا اعتقد القائد العام الأمريكي في الدولة المضيفة من أن العسكري الأمريكي المحاكم لا يمكن حماية حقوقه بسبب غياب أو إنكار حقوقه الدستورية التي يكفلها له الدستور الأمريكي، فإن على القائد الأمريكي العام أن يطلب من الدولة المضيفة التخلي عن حقوقها القضائية، ( أي ولايتها القانونية )، في محاكمة هذا العسكري. (3) يتم تعيين ممثل عن الولايات المتحدة ليحضر محاكمة العسكري الأمريكي من قبل محاكم الدولة المضيفة، ويعمل هذا الممثل على حماية حقوق المتهم الأمريكي الدستورية. (4) إن الموافقة على المواد المتعلقة بالقانون الجنائي الموجودة في هذه المعاهدة لا تعني إمكانية شمولها باتفاقيات مقبلة.

ولو أن ما جاء أعلاه هو أمر مقبول ولحد ما، إذ أن حقوق المواطنين في المحاكمات التي تجري بطريقة صحيحة، هي مضمونة ومتشابهة في كل دساتير العالم ومستقاة من ( وثيقة حقوق الإنسان )، ولكن يجب الانتباه، إلى أن الحقوق والواجبات في هذه المعاهدة هو أمر متبادل، فإن تحفظ مجلس الشيوخ الأمريكي يعني إمكانية تطبيق نفس هذا التحفظ عندما تكون الولايات المتحدة هي الدولة المضيفة.

لقد جاء أمر وزارة الدفاع الأمريكية المرقم (5525-1 )، ليوضح السياسات والمعلومات المتعلقة بمعاهدة (ناتوسوفا)، وبالأخص فيما يتعلق بالولاية القضائية حسب تحفظات مجلس الشيوخ، إذ يقول هذا الأمر أن على وزارة الدفاع ( أن تحمي إلى الحد الممكن حقوق العسكري الأمريكي، والذي يتعرض إلى محاكمة جنائية من قبل المحاكم الأجنبية أو السجن في السجون الأجنبية ). والتطبيق العملي الذي يتم هو أن يتأكد القائد الأعلى للجيش الأمريكي في البلد المضيف من أن العسكري الأمريكي سيستمتع بمحاكمة عادلة ( أو حسب تعبير وزارة الدفاع الأمريكية Fair Trial )، وحددت وزارة الدفاع شروط المحاكمة العادلة، وأضافت أن وزارة الدفاع سوف لا تعتبر المحاكمة غير عادلة لأنها، مثلاً، لا تتطابق مع شكل المحاكمات في الولايات المتحدة. كذلك ذكرت أن على القائد الأمريكي أن يأخذ بنظر الاعتبار عند تقييمه للمحاكمة الثقافة والتقاليد المحلية، إذ أن قسم من الاعتداءات التي تعتبر جريمة كبرى في الدول المضيفة قد لا تعتبر كذلك في الولايات المتحدة.

في اتفاقية (ناتوسوفا Natosofa )، يكون لكلا الدولتين ( المرسلة والمستلمة / المضيفة )، الولاية القانونية على المتهم، مع إعطاء الأولوية للولاية القضائية إلى الدولة المضيفة في كل الأحوال، عدا حالتين، الأولى في حالة " الخيانة العظمى "، والثانية في حالة تعرض الدولة المرسلة للخطر، فعند ذلك تعطى اولوية الولاية القضائية إلى الدولة المرسلة، ( أو بالأحرى تتنازل الدولة المضيفة عن حقها في الولاية القضائية إلى الدولة المرسلة ). إن هذه الاتفاقية تقول أيضاً، إذا كانت القوانين في إحدى الدولتين لا تعتبر الفعل جريمة، بينما قانون الدولة الأخرى يعتبره جريمة، فعند ذلك يحاكم المتهم وفق القانون الذي يعتبر الفعل جريمة.

في حزيران 2007 حدث تطور على اتفاقية (ناتوسوفا Natosofa )، إذ كانت لحد ذلك الوقت تشمل (26) دولة أعضاءا في حلف شمال الأطلسي (ناتو Nato )، ولكن في التاريخ أعلاه ثم إضافة (21) دولة أخرى لتشملها معاهدة (ناتوسوفا)، وذلك من خلال ما يسمى " منهاج المشاركة للسلام لحلف شمال الأطلسي Nato Partnership of Peace Program "، ويختصر إلى ( بي أف بي pfp ). وهذا المنهاج يشتمل على اتفاقيات تعاون ثنائية بين أحدى الدول وبين حلف الناتو. كما يوجد عدد آخر من الدول لها اتفاقيات تشبه (ناتوسوفا)، وحالياً لدى الولايات المتحدة (58) اتفاقية (ناتوسوفا) مع (58) دولة من أصل (115) مجموع اتفاقيات سوفا مع الولايات المتحدة، أي أكثر من النصف. علماً ان ( جك مايسون ) ذكر في إفادته أمام الكونغرس في 28 / 2 / 2007، والتي سبق أن أشرنا إليها، من أن هذه الأرقام تتضمن (10) اتفاقيات سوفا لم يستطع الاطلاع عليها لأنها تعتبر ( سرية جداً Classified )، وذلك لأسباب أمنية لذلك لا يستطيع التعليق عليها. أن الرقم (115) لعدد اتفاقيات سوفا مع الولايات المتحدة، جاء من مقالة مشتركة لوزيرة الخارجية رايس وكيتس وزير الدفاع نُشر في الواشنطن بوست في 13 / 2 / 2008، بينما ذكر السفير الأمريكي كروكر لدى العراق في إفادته في نيسان 2008 أن عدد اتفاقيات سوفا مع الولايات المتحدة هو (80) اتفاقية!!.



ب- اتفاقية سوفا مع تيمور الشرقية

إن تيمور الشرقية، ( وتسمى رسمياً تيمور – ليست الديمقراطية – Timor – Leste )، هي من الدول الحديثة، وقد يكون من المفيد إعطاء بعض المعلومات عنها و عن المشاكل التي حدثت فيها، قبل التحدث عن اتفاقية سوفا معها، التي ارتبط توقيعها مع الولايات المتحدة بسبب هذه المشاكل.

احتل البرتغاليون في القرن السادس عشر جزيرة تيمور، في الأرخبيل الأندونوسي، ولكن عندما سقطت تحت الاحتلال الهولندي لإندونوسيا في القرن السابع عشر، تم طرد البرتغاليين من الجزء الغربي من تيمور وأصبح ذلك الجزء تابعا للمستعمرات الهولندية في أندونوسيا. وحددت اتفاقية لاهاي في 1916 الحدود بين تيمور الشرقية ( التي بقيت تحت الاستعمار البرتغالي )، وتيمور الغربية ( التي بقيت تحت الاستعمار الهولندي ). لقد استقلت أندونوسيا عن الاستعمار الهولندي بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تيمور الغربية جزءاً من أندونوسيا، التي استمرت بمطالبتها بالجزء الشرقي من الجزيرة الذي كان تحت الاستعمار البرتغالي، باعتبارها جزيرة أندونوسية. ثم سقطت الحكومة الدكتاتورية في البرتغال سنة 1974، وتركت البرتغال من الناحية العملية تيمور الشرقية. علماً كان قد نشأت ومنذ الحرب العالمية الثانية حركة تحرر قوية في تيمور الشرقية، بدأت بحرب عصابات ضد اليابان التي احتلت هذا الجزء من الجزيرة أثناء الحرب العالمية الثانية.

لقد كان الحكم الأندونوسي في سنة 1974 وما بعدها حكماً عسكرياً دكتاتورياً دموياً فاسداً تحت قيادة سوهارتو. وعندما انسحبت البرتغال من الجزيرة أعلنت القوى الوطنية في تيمور الشرقية، ولوحدها، استقلال تيمور الشرقية في 28 / 11 / 1975، ولم تستطع أن تحصل على أي اعتراف بها مطلقا، إذ بعد تسعة أيام فقط من إعلان الاستقلال، تم غزوها من قبل النظام الأندونوسي الذي كان مدعوماً دعماً كاملاً من الغرب، وخصوصاً من الولايات المتحدة وأستراليا. لقد اتهمت الحكومة الأندونوسية قادة وحكومة تيمور الشرقية بأنها " شيوعية "، ومن أجل ذلك لقيت كل الدعم لهذا الغزو، وبهذا أعلنت تيمور الشرقية المقاطعة (27) من أندونوسيا، وذلك في تموز من عام 1976. وبقيت المقاومة شديدة ضد الحكم الأندونوسي، حيث استمرت حرب العصابات من سنة 1975 إلى سنة 1999. في هذه الفترة وبعد انتصار الثورة الفيتنامية، قلّ اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، ثم سقط النظام الدكتاتوري في أندونوسيا في تسعينات القرن الماضي، وجاء حكم " ديمقراطي ". وبعد سقوط المعسكر الاشتراكي، ومحاولة محاصرة الصين، رجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، من خلال أستراليا، فعملت على محاولة تفكيك وإضعاف أندونوسيا، من الناحية الاقتصادية أولاً، وذلك ضمن إسقاط " النمور الآسيوية السبعة " اقتصادياً، وثانياً من خلال دعم حركات المقاومة في تيمور الشرقية، وخصوصاً تلك التي كانت تؤيد الغرب. في النتيجة وافقت أندونوسيا على مقترح الأمم المتحدة لإجراء استفتاء شعبي يقرر فيه شعب تيمور الشرقية بين حكم ذاتي ضمن الدولة الأندونوسية وبين الاستقلال، وأيد الجمهور في استفتاء 30 / 8 / 1999 الاستقلال بنسبة 78%. ولكن الاقتتال الداخلي استمر بين القوى المختلفة داخل تيمور الشرقية، وخاصة بين مؤيدي ومعارضي الاستقلال اللذين كانوا مدعومين من الجيش الأندونوسي وعبر الحدود مع تيمور الغربية. تدخل مجلس الأمن والغرب بقيادة أستراليا وأمريكا، وأدى الأمر إلى إعلان " جمهورية تيمور الشرقية الديمقراطية "، وتم الاعتراف بها دولياً في 27 / 9 / 2002 ودخلت الأمم المتحدة. وسوف أتوقف هنا لما له علاقة باتفاقية سوفا، واترك الكلام عن الحرب الأهلية بين القوى التي شكلت الدولة، والتي نشبت في 2006، وأدت إلى دخول قوات دولية بقيادة أستراليا لفك النزاع.

إن تيمور الشرقية تعتبر من أفقر دول العالم، ولم تقم الطغمة العسكرية الأندونوسية بأي تطوير فيها منذ ضمها لأندونوسيا في 1976، ولا تزال كذلك من أفقر الدول في العالم، لذا كان هناك من يعتقد عند إنشائها في 2002، لو أنها اعتمدت وساندت الغرب لكانت تسلمت مساعدات كثيرة واستثمارات لتطويرها، وهؤلاء هم الأكثرية، وكان هناك أيضاً من يعتقد أن البقاء مع أندونونسيا، بعد تحولها إلى النظام "الديمقراطي"، سيساعد في التنمية وأنها سوف لا تحصل شيء مهم من الغرب، ولهذا استمرت الصراعات في هذا البلد الصغير الفقير!!. لقد استلمت تيمور الشرقية في حينه، مساعدات إنسانية من مختلف الدول، ولكن لم تحصل على الاستثمارات التي تطورها.

في هذا الجو السياسي والأمني المضطرب، سافر رئيس جمهورية تيمور الشرقية ورئيس وزرائها ووزير خارجيتها إلى واشنطن في تشرين الأول 2002، لمقابلة الرئيس بوش ووزير الخارجية كولن باول، ونتج عن المحادثات واللقاءات المشتركة، أن تم التوقيع على اتفاقية سوفا بين وزيري الخارجية. لقد لاقت هذه الاتفاقية معارضة واستهجانا من معظم شعب تيمور الشرقية، حيث تمت الاتفاقية في غفلة من الزمن وسرية تامة ولم تناقش مسبقاً، كما لم يناقشها أو يصادق عليها البرلمان، ولم يصادق عليها مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية ( بالرغم من حضور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مراسيم التوقيع ). لقد علمت الولايات المتحدة، في حينه، بوجود مثل هذه المعارضة، لذا لم تطلب مصادقة الجهات أعلاه، واشترطت في الاتفاقية عدم تبديل أي بند فيها إلى نيسان 2004، وبشرط إعطاء مهلة (6) أشهر قبل طلب التعديل. في الواقع كان باعتقاد حكومة تيمور الشرقية أنه بتوقيع هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة ان الاخيرة ستتمكن من الدفاع عن أراضيها وحمايتها من أندونوسيا، التي كانت تعمل من خلال اعوانها في الجزيرة، ولكن لم يكن في هذه الاتفاقية أية فقرة تنص على الدفاع عن تيمور الشرقية، إذ أنها ليست اتفاقية أمنية. قد يعتبر اسم الولايات المتحدة لوحده رادعاً للاعتداء، أو أن باستطاعة القوات الأمريكية خلق مشاكل في أية لحظة، والدخول في القتال بحجة الدفاع عن النفس!!. على أية حال، لو كانت هذه الاتفاقية تتضمن أية فقرة أمنية أو مشاركة في القتال، لما استطاع وزير الخارجية الأمريكي توقيعها إلاّ بعد مصادقة مجلس الشيوخ. لهذا يجب التأكيد هنا، من أننا نتحدث عن اتفاقية سوفا، وليس اتفاقية أمنية. إضافة لذلك كانت حكومة تيمور الشرقية المؤقتة، قد وقعت في آب 2002، ( أي قبل تأسيس الدولة رسمياً واعتراف الأمم المتحدة بها )، اتفاقية مع الولايات المتحدة، " اتفاقية الحصانة من المادة 98. Article 98 Immunity Agreement "، حيث وافقت فيها على عدم إرسال أي عسكري أمريكي إلى " محكمة الجنايات الدولية International Criminal Court (ICC) ". وهذه الاتفاقية تختلف عن سوفا التي وقعت لاحقاً في تشرين الأول 2002، حيث أن سوفا تتحدث عن الجرائم الاعتيادية، بينما محكمة الجرائم الدولية تتحدث عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي محكمة ذات طابع سياسي، كما تعتقد الولايات المتحدة، ولم توافق أو تعترف بها وتعمل المستحيل بهدف إفشالها دولياً، منذ تشكيلها من قبل الأمم المتحدة حسب اتفاقية روما.

سأتحدث هنا عن "الولاية القضائية" لسوفا تيمور الشرقية. إن هذه الاتفاقية تعطي الحصانة القضائية للعسكريين الأمريكان من خلال نصوص تعامل هؤلاء العسكريين و كأنهم موظفون في السفارة الأمريكية، وذلك بتطبيق " اتفاقية فينا لسنة 1961 للعلاقات الدبلوماسية 1961 Vienna Convention on Diplomatic Relations "، وبهذا تعطيهم " الحصانة الدبلوماسية Diplomatic Immunity "، وشملت المدنيين العاملين لدى البنتاغون أيضاً، وكذلك شملت الشركات المتعاقدة. لهذا فإن أعضاء السفارة، والعسكريين الأمريكان والمدنيين العاملين لدى البنتاغون ومنتسبي الشركات المتعاقدة، لا يخضعون للضرائب ولا القانون الجنائي لدولة تيمور الشرقية. وأن السلطات التيمورية لا تستطيع أن تقبض على، أو تحتجز، أو تتهم، أو تحاكم أي عسكري بأية جريمة. كذلك لا تستطيع تسليمهم إلى حكومة ثالثة، أو تجبرهم على المثول امام المحاكم للشهادة، أو تجعلهم مسئولين عن أطفال من أمهات تيمور الشرقية قد يولدون من آباء أمريكان!!؟.

من اللطيف أن نذكر أن تيمور الشرقية حتى ذلك الوقت لم تكن قد وقعت على " اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 ". إذ أن اتفاقية فينا هذه يتم تنفيذها عندما يتم التبادل الدبلوماسي مع دولة أخرى، فهي اتفاقية مبنية على " تساوي سيادة الدول Sovereign Equality of States "، وأنها متبادلة، أي أن تعطي كل دولة ما تعطيه الدولة المتبادل معها نفس الحقوق. إن ديباجة Preamble اتفاقية فينا تقول: " إن الغرض من إعطاء هذه الميزات والحصانات ليس لمنفعة الأشخاص، ولكن للتأكيد على الأداء الكفوء للبعثات الدبلوماسية لأنها تمثل دولا ". إن تطبيق الحصانة الدبلوماسية على عسكريي الولايات المتحدة في تيمور الشرقية هو تحريف لاتفاقية فينا، إذ لا توجد صفة الحقوق المتبادلة في اتفاقية سوفا هذه، كما أن العسكريين في تيمور الشرقية الموجودين في الولايات المتحدة، ( إن وجدوا لغرض التدريب، أو المناورة، أو الاطلاع على معدات عسكرية تنوي تيمور شرائها، كما سيحدث بالتأكيد مع العراق )، سوف لا يحصلوا على نفس الميزات ومنها الحماية القضائية من القوانين الأمريكية. إن الحماية القضائية تشمل أفراد الولايات المتحدة والعسكريين، والمدنيين الأجانب العاملين معهم، وكذلك تشمل اعضاء المنظمات الأمريكية لغرض تقديم المساندة والمساعدة لتيمور الشرقية والمسماة " US Support East Timor (USGET) "، وتشمل أيضاً الشركة المتعاقدة سيئة الصيت ( داينكورب Dyn Corp ). علماً ان عدد أفراد هذه الشركة من المتعاقدين العاملين في تيمور الشرقية، لم يكن كثيراً ولم يتجاوز العشرات، للقيام بالأعمال ( القذرة ). إضافة لذلك فإن الاتفاقية شملت العسكريين التابعين للسفن الحربية الزائرة، والأشخاص التابعين للبنتاغون وعوائلهم. ومن اللطيف أيضاً أن نذكر بأن ديباجة سوفا تيمور الشرقية تذكر( أن الولايات المتحدة الأمريكية تحترم استقلال وسيادة جمهورية تيمور الشرقية الديمقراطية وتعتبره في أقصى الأهمية، وأن كلا الجانبين يؤكد مبادئ الاحترام المتبادل، والصداقة، وحسن النية، والمشاركة المتكافئة )، ولكن مواد سوفا التسعة لا ترينا أية مشاركة متكافئة، ولا احترام متبادل، ولا احترام لسيادة تيمور الشرقية، وإنما ترينا سطوة الدولة الكبيرة على الدولة الصغيرة، واستغلال بشع لظروف هذه الدولة الصغيرة الفقيرة. من الملاحظ أن وثيقة " إعلان المبادئ "، التي وقعت في تشرين الثاني 2007، بين الولايات المتحدة والعراق، تتضمن نفس صيغة الديباجة أعلاه باحترام سيادة العراق، وتعامل الند للند بين العراق والولايات المتحدة، ولكن البنود الفعلية لهذه الوثيقة جاءت مناقضة للديباجة. هذا ولو كان قد أضيف لاتفاقية سوفا من أن مواطني تيمور الشرقية لهم نفس الحقوق في الولايات المتحدة، لكان هناك نوع من التوازن في هذه الاتفاقية!!.

يجب أن نضيف هنا أيضاً، أن عسكريي الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، التي كانت ضمن قوات حفظ السلام الدولية في أثناء الفترة الانتقالية وقبل توقيع سوفا تيمور الشرقية، كانوا يعملون تحت مظلة "سوفا" المصادق عليها من الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1990، والتي تؤكد فيها الأمم المتحدة على التزامها " باحترام جميع القوانين والأنظمة المحلية ".

إن الولايات المتحدة كانت قد وقعت على اتفاقية سوفا مع منغوليا في 26 / 6 / 1996، لتعطي " الولاية القضائية " كاملة للأمريكان على قواتهم مع منغوليا، حيث تذكر " أن السلطات العسكرية الأمريكية لها الحق بأن تتصرف في منغوليا، بفرض ولايتها على جميع السلطات القضائية والمدنية للأشخاص الأمريكان وفق القوانين العسكرية الأمريكية "، مع إعطاء الحق للحكومة المنغولية في " الطلب " من الولايات المتحدة إلغاء ولايتها القانونية في حالة كون الجرم تم خارج العمل الرسمي، وهو " طلب " وليس " أمر "، وقد يؤخذ به من قبل الولايات المتحدة أو لا يؤخذ به. برغم وجود مثل هكذا اتفاقية سوفا، ولكن اتفاقية سوفا مع تيمور الشرقية أثارت استغراب و عجب الجهات القانونية الأمريكية لاستغلالها اتفاقيات فينا للعلاقات الدبلوماسية في غير محلها وضد مصالح وسيادة الدولة الضعيفة الفقيرة الحديثة، فإن روجر كلارك عضو أمناء مجلس أمناء البرفسورية في مدرسة ( ريدكيرز Rutgers ) للقانون في كامدن، بنيوجرسي، والخبير في القانون الدولي علق بتعجب على اتفاقية تيمور الشرقية لتجاوزها السيادة الوطنية، وتشويهها واستغلالها الاتفاقيات الدولية كاتفاقية فينا المشار إليها، في غير محلها بالقول : " بأنها ليست مثل أية اتفاقية سوفا اطلعت عليها فعلاً في حياتي!! ". واستغرب أحد الدبلوماسيين الغربيين العاملين في تيمور الشرقية " كيف استطاعت الولايات المتحدة بالفرار Get away بمثل هكذا اتفاقية!! ".









ج- حالة القوات الأمريكية والقوات الأجنبية في أفغانستان.

إن حالة Status القوات الأمريكية في أفغانستان قد تختلف بعض الشيء عن حالات اتفاقيات سوفا، وأكثر تعقيداً بسبب وجود قوتين عسكريتين منفصلتين عاملتين في أفغانستان. القوة الأولى هي " قوة المساعدة الأمنية الدولية ( إيساف ) International Security Assistance Forces (ISAF) " وهي قوة تعمل تحت قيادة الناتو، ( حلف شمال الأطلسي )، ومخولة من قبل مجلس الأمن تحت البند السابع. والقوة الثانية هي ما تسمى " قوة عملية استمرار الحرية Operation Enduring Freedom Forces (OEFF) "، وهي قوة أمريكية، وبقيادة أمريكية، قامت بعمليات عسكرية ضد القاعدة وطالبان منذ التدخل الأول بعد 11 أيلول 2001 مباشرة.

إن تخويل ISAF جاء بموجب قرار صادر من قبل مجلس الأمن في سنة 2001، لمساعدة حكومة أفغانستان الانتقالية في المحافظة على الأمن في العاصمة كابل والمناطق المحيطة بها، الأمر الذي " سيساعد في عمل الحكومة الانتقالية والأشخاص التابعين للأمم المتحدة للعمل في ظروف آمنة "، كما جاء في القرار (التخويل). وإن هذا التخويل ( Mandate ) كان قد تم توسيعه لاحقاً ليشمل مناطق أخرى في أفغانستان لحماية الأشخاص والمنظمات الدولية الأخرى، وإعطاء حماية أمنية للحكومة الأفغانية في كافة الأراضي الأفغانية، ولقد تم الإيعاز، من قبل مجلس الأمن، إلى قوات ISAF للتعاون مع قوات OEFF في تنفيذ هذا التخويل الأخير.

إن حالة قوات ISAF ( ISAF Status )، محكومة بـ " الاتفاقية الفنية العسكرية Military Technical Agreement "، التي تم توقيعها بين الحكومة الانتقالية الأفغانية وقوات ISAF ( قوات حلف الناتو ). من جملة الأمور الموجودة في هذه الاتفاقية، وفيما يتعلق بالولاية القانونية هي قيام قائد ISAF بكل ما يراه ضروريا ومناسبا، بضمنه استعمال القوة العسكرية لحماية وضمان أمن قوته، كذلك لهذه القوات مطلق الحرية، التي لا يعترض عليها، في حركتها في أراضي وسماء أفغانستان. وهناك ملاحق في هذه الاتفاقية، احدها ملحق يعمل كاتفاقية (سوفا) لقوات إيساف ISAF، وهذا الملحق أعطى هذه القوات حصانة من الاعتقال من قبل القوات الأفغانية، وحصانة من القوانين الجنائية الأفغانية وإعفائها من الضرائب. وهنا نلاحظ أن قرار مجلس الأمن هو للقتال من قبل قوات (إيساف)، التابعة لقوات حلف الناتو، وهذه بدورها وقعت اتفاقية أمنية مع الحكومة الأفغانية المؤقتة، تتضمن حق القتال والتحرك داخل أفغانستان، فهي إذاً ليست باتفاقية سوفا، ولكنها تضمنت ملحقا يعتبر كاتفاقية سوفا، يحدد الحالة القانونية لهذه القوات داخل أفغانستان.

أما قوة OEFF، فإنها محكومة بالاتفاقية أعلاه، بسبب قرار مجلس الأمن المشار إليه أعلاه باعتبارها تتعاون مع قوة إيساف، وكذلك محكومة بأداة أخرى، إذ وقع بوش وكارزاي ( عن أفغانستان )، في سنة 2005، على اتفاقية أمنية إستراتيجية سميت " الإعلان المشترك لشراكة إستراتيجية بين الولايات المتحدة وأفغانستان Joint Declaration of USA-Afghanistan Strategic Partnership "، والتي وضعت الخطوط العامة لنيات وأهداف البلدين. ومن جملة ما جاء في هذه الاتفاقية : " أن القوات الأمريكية، ستساعد القوى الأمنية الأفغانية في التنظيم والتدريب والتسليح والإدارة "، وإن هذه القوات ستشارك مع الحكومة الأفغانية لاتخاذ الإجراءات المناسبة، في حالة تعرض الأراضي الأفغانية وسيادتها إلى الخطر . . . وإنها ستسمر بالقيام بعمليات ضد الإرهاب بالتعاون مع الحكومة الأفغانية . . . ولغرض تحقيق هذه الأغراض فإن قوات الولايات المتحدة، مستمرة في حريتها في العمل لتنفيذ العمليات العسكرية المطلوبة معتمدة على التشاور ( مع الحكومة الأفغانية )، والاتفاق المسبق معها. ولقد رأينا خلال السنوات الماضية ماذا يعني " التشاور"، و" الاتفاق المسبق "!!!، فلقد عملت القوات الأمريكية لوحدها في قصف المدن والأحياء المدنية، وحفلات الأعراس، وأدى ذلك إلى قتل المدنيين والأبرياء والأطفال والنساء، وأثار حفيظة الأفغان وغضبهم، وبضمنهم عميل الأمريكان كارزاي، رئيس أفغانستان، الذي تنصل من هذه الأعمال الإجرامية للقوات الأمريكية وانتقدها وادّعى أن لا سلطة على أعمالها في الوقت الذي كان يجب " التشاور" مع حكومته في العمليات العسكرية كما يقول ( الإعلان المشترك ) الذي وقعه هو. هذا الأمر أدى إلى رجوع طالبان إلى الساحة الأفغانية وبقوة وبتأييد شعبي هذه المرة!!.

يستمر هذا (الإعلان المشترك)، ليقول إن حالة Status القوات الأمريكية وحصانتها Immunities من القوانين الأفغانية، تحكمها اتفاقية سوفا التي تم إتمامها بتبادل الوثائق، بين الولايات المتحدة وأفغانستان، في سنة 2003، والمسماة : " حالة القوات العسكرية، والمدنيين العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية، في أفغانستان ". من جملة الأمور الأخرى المشمولة بهذه الوثيقة، منح منتسبي السفارة الأمريكية من الإداريين والفنيين الإعفاءات من القانون الجنائي الأفغاني. وهنا أيضاً نرى أن الاتفاقية الأمنية و( الشراكة الإستراتيجية )، لم تكن سوفا، وإن سوفا كانت اتفاقية أخرى وقعتها الولايات المتحدة مع أفغانستان.



د- حالة القوات الأمريكية والأجنبية في العراق.

لا يزال المسؤولون العراقيون يتحدثون، ونحن في أواخر أيلول 2008، عن اتفاقية أمنية إستراتيجية طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة. هناك تناقضات في التصريحات الصحفية داخل الحكومة العراقية عن هذا الموضوع، وهذه التناقضات – كما يظهر – ليس من باب المناورات السياسية، كما قال عنها وزير الخارجية في حزيران الماضي، وإنما تعكس بصورة عامة، المواقف السياسية المتناقضة داخل الحكومة والقوى السياسية المؤلفة لها، حول شكل هذه الاتفاقية وشروطها وموعد توقيعها ومدتها، وهذا الأمر أوضحناه في الفصل السادس من هذا الكتاب وكذلك في سياقه.

ما نود أن نطرحه هنا هو علاقة هذه الاتفاقية، باتفاقية سوفا. إن أية اتفاقية تتحدث عن أمور ( أمنية ) أو ( دفاعية ) أو ( أعمال حربية مشتركة ) ضد أية جهة خارجية أو داخلية، أو تتحدث عن ( إستراتيجية مشتركة )، هي ليست باتفاقية سوفا، إذ أن اتفاقية سوفا شيء آخر كما ذكرنا في هذا الفصل. إن اتفاقية سوفا تصاحب نوع الاتفاقيات المذكورة أعلاه، وقد توقع بصورة منفصلة أو كملحق للاتفاقيات أعلاه أو كبنود منفصلة لها. إن الشعب العراقي رفض الاتفاقية الإستراتيجية الأمنية طويلة الأمد، والاحتمال الأكبر سوف لا يمكن تمريرها في مجلس النواب. ولكن إذا كان العراق سيشتري أسلحة أمريكية ( متطورة ) وبمبالغ عالية جداً، عندها قد يحتاج الأمر إلى تدريب عليها داخل العراق، وصيانتها بمساعدة أمريكية، ( على الأقل هذا ما سيؤكد عليه الجانب الأمريكي )، وعند ذاك يجب توقيع اتفاقية سوفا، لأن قوات عسكرية أمريكية ( دولة مرسلة )، ستعمل في العراق ( دولة مستقبلة / مضيفة )، فعند ذاك يجب أن توقع اتفاقية سوفا حسب طريقة عمل الولايات المتحدة، وذلك لتحديد ( الحالة القانونية ) للعسكريين الأمريكان اللذين سوف يتواجدون في العراق لأغراض التدريب والصيانة. وعند ذلك تبدأ المساومات على " الولاية القضائية " لحالة Status هؤلاء العسكريين، هل سيخضعون كاملاً للقوانين العراقية المدنية والجنائية ؟، ويكون الأمر ضمن الأعراف الدولية القانونية، أم سيخضعون للقوانين الأمريكية ؟، وهو أمر ليس ضمن الأعراف الدولية وينتهك السيادة العراقية !!. إن الجواب على حالة كهذه يعتمد على الوضع الداخلي في الدولة المضيفة، والدولة التي تحترم سيادتها وتؤكد على سيادة قوانينها، وإذا رفضت الولايات المتحدة ذلك يتم شراء الأسلحة من دولة أخرى. بالواقع – وبنظري – أن المخاطر الأساسية في الاتفاقية هي في حالة كون الاتفاقية "أمنية" أو " لمزاولة أعمال حربية "، أو " إستراتيجية "، وإن اتفاقية سوفا هي اتفاقية تنفيذية وأقل خطراً، وقد لا تشكل خطراً كبيراً في حالة عدم وجود اتفاقية أمنية أو إستراتيجية طويلة الأمد، وفي حالة اعتماد شكل اتفاقيات سوفا لحلف شمال الأطلسي (ناتوسوفا)، حيث ( الولاية القضائية ) للدولة المضيفة. هذا وبرأيي الخاص أن من المفضل للعراق عدم شراء الأسلحة الأمريكية واعتماد شراء السلاح من جهات أخرى في العالم يضاهي سلاحها السلاح الأمريكي وقد يفوقه. إن حاجة العراق للسلاح مرتبطة بالظروف الأمنية الداخلية، ومدى تدخل الجيش العراقي في الشؤون الداخلية وضربه للقوى المعارضة للاحتلال أو للقوى الداخلية المعارضة للحكومة، سواء بوجود الاحتلال أو عدمه، كذلك يعتمد على مدى تدخل القوى الأجنبية، على ضوء علاقات العراق الدولية والإقليمية، وهذا الأمر تم بحثه في مكان آخر من هذا الكتاب.

عند دراستنا للوضع أو ( الحالة القانونية ) للقوات الأمريكية ( والأجنبية ) العاملة في حالياً في العراق، نجد أن هذا الأمر إما " نكتة سمجة "، صيغت من قبل الاحتلال والقوى العراقية المتعاونة معه، أو ( مأساة حقيقية )، نتيجة الوضع المأساوي العام الحالي السائد في العراق، والأصح نتيجة كليهما. إن وجود القوات الأمريكية وعملها، وكما أوضحنا في الفصل الأول ( الفقرة ج )، وحسب قرارات مجلس الأمن، ( والتي تعتبر قوانين دولية )، كان يمثل " وضع المحتل "، الذي يعمل لوحده وحسب ما يريد، وكان العراق في وضع الدولة المحتلة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، وكما جاء في القرار (1483) في 22 / 5 / 2003، والذي حدد أيضاً شكل العلاقة بين دول الاحتلال والدولة المحتلة. تحول هذا الأمر( قانونياً )، في القرار المشؤوم ( 1546 ) في 8 / 6 / 2004، أي أن العراق " دولة ذات سيادة "!!، وأن القوات الأمريكية والأجنبية تعمل في العراق بموجب موافقة الحكومة العراقية وطلبها، وذلك حسب الرسالتين المرفقتين بالقرار وتعتبران جزء منه، وهما رسالتا كولن باول وإياد علاوي، واشترط القرار أن يجدد العراق سنوياً طلبه وموافقته على بناء هذه القوات، والذي يعني أن في حالة عدم التجديد على القوات الأجنبية أن ترحل، وإن بقيت – رغم عدم التجديد – فإنها ستكون احتلالاً "رسمياً"، حيث أنها حالياً احتلالاً فعلياً ( بطلب وموافقة الحكومة العراقية )!!. جددت حكومة الجعفري موافقتها، وجاء القرار (1637) في 8 / 11 / 2005 مشابهاً للقرار السابق، ثم جددت حكومة المالكي، الحكومة الدائمية التي جاءت نتيجة انتخابات وبوجود برلمان، تجديدها الأول وجاء قرار مجلس الأمن (1723) في 28 / 11 / 2006 مشابهاً للقرارين أعلاه، ثم جددت ثانية وجاء القرار (1790) في 18 / 12 / 2007 مشابهاً للقرارات أعلاه، وليمدد بقاء القوات الأجنبية إلى نهاية 2008. ولكن يوجد فرق في طلب الحكومة للتجديد، حيث ذكرت في رسالتها إلى رئيس مجلس الأمن، إن طلب التجديد هذا سيكون "التجديد الأخير"!!، إي على القوات الأجنبية أن ترحل قبل نهاية 2008!!. والسؤال الذي يطرح نفسه : هل كان في نية رئيس الوزراء أن ترحل القوات الأمريكية قبل نهاية 2008؟!، بالطبع : لا. لأن السيد المالكي لم يرسل كتابه إلى رئيس مجلس الأمن، بأن هذا التجديد سيكون الأخير، إلاّ بعد توقيع وثيقة مع بوش، في أواخر تشرين الثاني 2007، سميت ( إعلان المبادئ )،وكما سيأتي تفصيل لها في الفصل الرابع من هذا الكتاب، حيث سيتضح أن هذه المبادئ هي الخطوط العامة لاتفاقية "ستراتيجية"،أمنية، طويلة الأمد،ولو كان قد كتب النجاح لها، لكانت أسوأ اتفاقية في تاريخ العراق كله، وبمراحل!!. فالنية لم تكن إخراج المحتل قبل 2008، وإنما شرعنة الاحتلال باتفاقية تضر بالعراق أكبر الضرر، ويجب توقيعها قبل نهاية 2008 لتحل محل القرارات السنوية لمجلس الأمن!!.

هنا، علينا أن نلاحظ أمرين مهمين، الأمر الأول هو أن جميع طلبات الحكومات العراقية بالتجديد لم تمر على مجلس النواب أو تحض بموافقة، صحيح لم يكن هناك مجلس نواب في حكومتي علاوي والجعفري، ولكن في تجديدي حكومة المالكي كان هناك مجلس للنواب، إضافة لذلك أن حكومة علاوي والجعفري لم تستشيرا أي أحد من الشعب العراقي في طلبيهما لإبقاء وتمديد القوات الأجنبية، وبحصانة كاملة من القوانين العراقية لهذه القوات ولقوات المرتزقة ( المدنية ) المسماة بالمتعاقدين. والأدهى من ذلك، وكما ذكرنا في الفصل ( الفقرة 2ج )، وقبل التجديد الثاني لحكومة المالكي في كانون الأول 2007، وقع (144) نائباً، ( من أصل 275 نائب )، كتاباً موجهاً إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن، يعارضون التمديد، ويؤكدون أن هذا الأمر من صلاحية مجلس النواب، وسلموا الكتاب الموقع من قبلهم إلى ممثل الأمم المتحدة في العراق ( أشرف قاضي ) لتسليمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن، ولكن ممثل الأمم المتحدة ( نسى أو تناسى ) توصيله إلاّ بعد صدور قرار مجلس الأمن آنف الذكر!!؟، وبهذا لم يكن اسما على مسمى، لأن من الأرجح أنه لم يعط الرسالة متعمداً، وبتنسيق مع الولايات المتحدة وربما مع الحكومة العراقية أيضاً!!.وبنظري أن جميع رسائل رؤساء الوزراء السابقين غير دستورية، إذ أنها منحت إلى القوات الأجنبية " صلاحيات وحقوق "، لم يكن بإمكانهم ولا من صلاحياتهم إعطاء مثل هذه "الهبات السخية"، حيث لا توجد "اتفاقية"، مصادق عليها من البرلمان، أو من أية سلطة أخرى عراقية لديها مثل هذه الصلاحيات، بحيث تسمح ببقاء وعمل القوات الأجنبية. لقد ظهر ذلك جلياً بالتجديد الأخير، حين وقع (144) نائباً الكتاب إلى الأمم المتحدة، وهم الغالبية، بضرورة عرض الموضوع عليها. علماً أن أية اتفاقية يجب أن تحصل على موافقة (184) نائباً بتمريرها، وإذا ما افترضنا أن الباقين كلهم، والبالغ عددهم (131) نائباً يؤيدون الاتفاقية، لذا فإن مثل هكذا اتفاقية ستكون مرفوضة. لو كان مجلس الأمن قد استلم كتاب النواب المشار إليه في وقته، واعتبره وثيقة رسمية، لكان من المحتمل جداً أن يكون موقفه مختلفاً، إذ أن هناك تناقضات كبيرة داخل الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، وأن الولايات المتحدة لم تعد تتحكم فيه كالسابق.

أما الأمر الثاني الواجب ملاحظته، فهو الموقف الأمريكي نفسه، فالأمريكان كانوا في كانون الأول 2007 مقتنعين تماماً بأنه سيكون بالإمكان تمرير اتفاقية وبشروطهم، ولكن ومنذ أيار 2008 أصبح تمريرها أمراً يزداد صعوبة، ويمكن إيجاز هذا الموقف كما هو في تموز 2008، بعد تصريحات السيد رئيس الوزراء في حزيران برفض المسودة الأمريكية المقدمة آنذاك، ووجوب تحديد جدول زمني للانسحاب، الأمر الذي دعا ( آنا بيرنيو ) المتحدثة باسم البيت الأبيض أن تقول، نقلاً عن صحيفة الأخبار اللبنانية في 10 / 7 / 2008 : ( لقد عارضت واشنطن ولا تزال تعارض تحديد موقف تعسفي للانسحاب . . . وأن الولايات المتحدة تعتقد أن هذه القرارات ينبغي أن تستند على الأرض . . . نود أن يكون بإمكاننا الانتهاء من ذلك سريعاً، السبب الرئيسي في ذلك فإن قواتنا ستبقى هناك بعد انتهاء العام الحالي، وهذه حقيقة )!!.

إن دراستي التي كانت قد نشرت في 28 حزيران 2008، لم تتطرق إلى اتفاقيات سوفا وتطرقت إلى ما كان يدور داخلياً وفي جميع الصحف العالمية، وهي الاتفاقية الأمنية الستراتيجية طويلة الأمد، ولكن بعد ذلك بشهرين بدأ البعض يتحدث عن سوفا، وكأنها الاتفاقية التي تحدث عنها الجميع، وذكر آخرون، منهم قانونيون، بأن جميع اتفاقيات سوفا التي وقعتها الولايات المتحدة تعطي "الولاية القضائية" لها. إن قول هؤلاء القانونيين هذا يدل إما على عدم معرفتهم بهذه الاتفاقيات ، وهو المرجح عندي، أو على تمرير مفهوم خاطئ إلى الشعب العراقي والحكومة العراقية لخلط الأوراق. توجد حالياً قوات عاملة ومحاربة في العراق،ولهذا يتساءل البعض كيف حصلت هذه القوات على "الولاية القضائية"، وأصبحت محصنة من القوانين العراقية ؟. الجواب يأتي دائماً أن هذه الحالة جاءت نتيجة رسائل رؤساء الوزارات العراقية المتعاقبة إلى مجلس الأمن، وأصبحت هذه الرسائل جزءاً من قرارات مجلس الأمن، وأن هذه الرسائل تعطي الحصانة الكاملة، لهذا فإن قرارات مجلس الأمن أعطت الحصانة الكاملة للقوات ألأمريكية والمتعاقدين. هذا صحيح لو كانت الرسائل المرسلة تنسجم مع الدستور العراقي، وهي في نظري غير دستورية وكما بينت في السطور الماضية، كما وأن مجلس الأمن لم يذكر بالخصوص إعطاء هذه الحصانة، ولم يسبق له أن أعطى هكذا حصانات مفتوحة وكاملة سابقاً، وإنما "الولاية القضائية" تحددها الاتفاقيات الثنائية على شكل اتفاقيات سوفا، ونحن لا توجد لدينا مثل هذه الاتفاقيات في الوقت الحاضر.

وهنا يوجد إشكال قانوني كبير، يعرفه المسئولون الأمريكان جيداً، وانتبه إليه البرفسور ( ميخائيل ماثيوس ) في إفادته أمام الكونغرس في 28 ،/ 2 / 2008 والتي أشرنا إليها في بداية هذا الفصل. حيث يقول ماثيوس " إن الحالة Status والحصانة القانونية والامتيازات التي يتمتع بها العسكريون والمتعاقدون الأمريكان، لا تزال تسير وفق الأمر (17) الذي أصدره بريمر عندما كان الحاكم المدني للعراق، و المسمى ( قرار السلطة Aulhority Order 17 or CAP 17 )، والذي يعطي حصانة إلى جميع الأشخاص التابعين إلى " القوات متعددة الجنسيات Multinational Forces MNF ". إذ يرى ماثيوس، وكما جاء في إفادته : " إن القوات المتعددة الجنسيات جزء من القوات الأمريكية، والمخولة من مجلس الأمن تحت القرار (1511) في تشرين الأول 2003، والقرارات الأخرى اللاحقة، ومنها القرار (1546) 2004 "، أي قرار حكومة إياد علاوي، وهو هنا صحيح، وكما أوضحنا في الفقرة 2ج من الفصل الأول عندما تحدثنا عن هذا القرار. ولكن هذا القرار أعطى الإذن للقوات متعددة الجنسيات "باتخاذ التدابير اللازمة من أجل الإسهام في صون الأمن والاستقرار في العراق" ، إضافة إلى الخدمات الإنسانية وإعادة الإعمار، ولم يعط " الولاية القضائية "، كما يوضح ماثيوس ذلك في إفادته، إذ أن الولاية القضائية أعطاها أمر بريمر CPA17، إضافة لذلك فإن قرارات مجلس الأمن المشار إليها أعلاه كانت تتحدث عن القوات متعددة الجنسيات ولم تتحدث عن المتعاقدين، ولذا يقول ماثيوس أن الأمر CPA17، يتضمن جميع الأمور التي توضع اعتيادياً في اتفاقيات سوفا، ولكن يختلف عن سوفا الاعتيادية بأمر واحد مهم، إذ أنه يعطي أيضاً حصانة للمقاولين المدنيين في الأعمال التي تنفذ ضمن عقودهم!!. والسؤال لماذا استمر بقاء أمر بريمر CPA17 ساري المفعول إلى حد الآن، بينما القرار (1511)، وفي الفقرة (1) منه يقول يعيد تأكيد سيادة العراق وسلامة أراضيه ويشدد على الطابع المؤقت لاضطلاع سلطة التحالف المؤقتة . . . والتي ستنتهي عندما يقيم شعب العراق حكومة ممثلة للشعب، والمقصود انتخاب المجلس النيابي والحكومة المنتخبة. إن ماثيسون لا يقول بأن " الولاية القانونية " أعطيت من الحكومات العراقية، لأنه يعرف أن هذا الأمر " غير دستوري "، كما أوضحنا أعلاه، وإنما يرجع إلى الدستور، ليقول في إفادته بأن المادة (126) من الدستور العراقي تذكر: ( تبقى القوانين النافذة سارية المفعول إلاّ إذا ألغيت أو عدلت حسب ما جاء في الدستور العراقي )، وهو بهذا يؤكد من أن أوامر بريمر هي قوانين نافذة كما كانت تدعى ذلك سلطة الاحتلال وأيدتها الحكومات السابقة، ولم يعترض على ذلك مجلس النواب. بعد رجوعنا للدستور العراقي وجدنا أن المادة (126)، والتي تقع ضمن الباب السادس الأحكام الختامية والانتقالية، وفي الفصل الأول من هذا الباب الأحكام الختامية، تتحدث عن حالات وكيفية تعديل الدستور نفسه، ولا تنطبق على الموضوع، ولكن المادة (130) من الدستور، وهي أيضاً تحت نفس الباب والفصل تقول : " تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغى أو تعدل وفق الدستور ". وأود أن أضيف هنا من أنني حاولت الحصول على نص الأمر CPA17، ولكن لم أجده، إذ - كما يظهر - رفع من سجلات أوامر بريمر التي تتجاوز التسعين، لهذا اعتمدت بالكامل على ما قاله ماثيسون حول هذا الأمر.

حسب فهمي، لما جاء أعلاه، فإن أوامر بريمر لا يمكن اعتبارها تشريعات فإن العمل ينتهي بها عند مجيء مجلس نيابي منتخب، وحكومة منتخبة. علماً أن قسما من أوامر بريمر، مثل تعيين مسئول المخابرات ومستشار الأمن الوطني، نصت على أن يبقى الأمر نافذاً لمدة (5) سنوات، وهذا شيء غريب ويناقض قرارات مجلس الأمن. على أية حال إذا كان البعض يعتقد أن أوامر بريمر، ( وخصوصاً CPA17 ) هي قوانين، فعلى مجلس النواب أن ينظر بها وبالسرعة اللازمة لإبقائها أو إلغائها أو تعديلها، وهو أمر في غاية الأهمية، والمفروض العمل على إلغائها.

يقول ماثيسون إن الأمر (CPA17)، وكما جاء فيه " بأنه سوف لا ينتهي إلاّ بعد مغادرة آخر قطعة من القوات المتعددة الجنسيات MNF "!!، ولكن يضيف : " بالرغم من أن هذه اللغة قد تعطي مجالاً لاستمرار الحصانة للقوات الأمريكية التي قد تبقى مؤقتاً في العراق كجزء من القوات المتعددة الجنسيات بعد 31 / 12 / 2008، الا أن من المفضل، إن أمكن توضيح هذا الأمر في شكل محدد، (أي في وثيقة )، وذلك في حالة عدم الوصول إلى اتفاقية سوفا مع الحكومة العراقية بذلك التاريخ، والذي تحاول الحكومة الأمريكية وبوضوح الوصول إليه، فإن من الحكمة اتخاذ خطوة واضحة، ( من أي خلال وثيقة )، لاستمرار الأمر (CPA17) لمدة أخرى، مع استمرار المفاوضات. من الممكن أن يتم ذلك من خلال رسائل متبادلة بين الولايات المتحدة والعراق لتمديد (CPA17) بصورة مؤقتة ( لحين إكمال المفاوضات )، أو اتخاذ عمل مناسب من خلال البرلمان العراقي ". وهو كما يظهر – من أعلاه – فإن ماثيسون غير مقتنع بقانونية أمر (CPA17) ويريد من الحكومة الأمريكية أن تعمل ( لشرعنته ) ليكون على شكل – وثيقة – تشابه اتفاقية سوفا، ومتفق عليها من الجانبين لحين الوصول إلى نتائج في المفاوضات حول الاتفاقية الأمنية، وعند ذاك يجب على الحكومة العراقية ان توقع اتفاقية سوفا أيضاً، علماً وكما سبق أن ذكرت بأنني أتفق معه في ( عمل مناسب من خلال البرلمان العراقي )، ولكني أريد من البرلمان إلغاء الأمر (CPA17) لأنه أمر مهين ويخل بالسيادة العراقية.

يقول كريك برونو في مجلة ( الفورن أفير – الشؤون الخارجية )، والذي أشرنا إليه في مقدمة هذا الفصل، بأن السفير الأمريكي في العراق، كان قد ذكر في شهادته أمام الكونغرس في نيسان 2008، بأن هناك مسألتين مطروحتين على طاولة المفاوضات مع العراق، المسألة الأولى هي اتفاقية سوفا لتنظيم الحصانة القانونية للعسكريين الأمريكان، لحماية الملكية الأمريكية في العراق. أما المسألة الثانية فهي أمر غير واضح لحد ذلك الوقت ويشار إليها على أنها اتفاقية أمنية ستراتيجية طويلة الأمد، تتضمن أموراً أوسع بكثير لا تذكر في العادة في اتفاقيات سوفا، بضمنها ما جاء في مذكرة ( إعلان المبادئ ) التي وقعت بين بوش والمالكي في تشرين الثاني 2007، حيث تتضمن الدفاع عن العراق من المخاطر الخارجية والداخلية. ويذكر كريك برونو أيضاً أن برأي بروفسور ماثيسون، الذي سبق ذكره، : " بأن لو كان الأمر اتفاقية سوفا، والمحدودة بإعطاء حصانة من القانون الدولي، فإن بإمكان الرئيس بوش توقيعها بدون أخذ موافقة الكونغرس". ولكن بروفسور القانون في جامعة ييل Yale، ( بروس أكرمان Bruce Akerman )، وكذلك البروفسور القانوني ( أونا هاثوي Ona Hathaway )، يقولان : ( بأن الاتفاقية، التي يتم النقاش عليها تتضمن أموراً كثيرة جداً زيادة على ما موجود اعتيادياً في اتفاقيات سوفا، وكمثال على ذلك إعفاء المقاولين المدنيين وإعطائهم الحصانة القانونية، ولهذا يجب عرضها على الكونغرس. ويضيف هاثواي " إن تسمية الاتفاقية مع العراق بسوفا هو خطأ، فهي سوفا + Plus، ,وإن هذا الزائد Plus هو ما يناقش في الولايات المتحدة حالياُ، والذي يتطلب موافقة الكونغرس، وأهم هذه الأمور حق القتال للأمريكان في العراق بعد انتهاء تخويل Mandate الأمم المتحدة ".

إن ما جلب نظري في دراسة كريك برونو في مجلة الشئون الخارجية، هو ما الذي سيعنيه طلب المالكي بأن يكون تمديد الموافقة، وبالتالي ( الولاية القضائية )، للمرة الأخيرة؟!. إذ في اعتقاده : " عندما تنتهي المدة، سينتهي رسمياً وصف العراق باعتباره تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وكما وصفته الأمم المتحدة سنة 1990!!، إي الانتهاء من البند السابع " !! .

ولكي نستمر في توضيح الموقف الأمريكي داخل الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية، والذي ناقشته معظم الصحف والمجلات الأمريكية، أود أن أذكر هنا رأي الواشنطن بوست، الصحيفة الأمريكية الرصينة، وهي أقرب إلى الجمهوريين منها إلى الديمقراطيين. لقد كتبت الواشنطن بوست في افتتاحيتها في 15 / 6 / 2008، والتي كانت تحت عنوان : ( شراكة مع العراق )، انتقدت فيه الديمقراطيين على خلفية معارضتهم للاتفاقية العسكرية طويلة الأمد المقترحة مع العراق، والتي من المفروض أن تحل محل تفويض الأمم المتحدة الذي تقاتل تحته القوات الأمريكية في العراق. ووصفت الافتتاحية الاتفاق باعتباره وسيلة " لمواجهة إيران للهيمنة على الشرق الأوسط ". ونشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية في عددها الصادر في 10 / 7 / 2008، رد ( بيل ديلاهانت )، على هذه الافتتاحية، وأضافت ( الاتحاد )، أن هذا المقال ينشر بترتيب خاص مع ( خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست )، والمقصود هنا أن هذا الرد كان قد نشر في إحدى الصحيفتين الأمريكيتين أو في كلتيهما، ( نظراً لأهميته )، ووافقتا على ترجمته ونشره في ( الاتحاد ). يقول ( بيل ديلاهانت ) : " نحن نبحث هذا الموضوع منذ أشهر ونعتقد أن موقف الواشنطن بوست، - المقصود في افتتاحيتها أعلاه – هو موقف خاطئ وفي غير محله." ويستمر ليذكر الأسباب التي دعته إلى ذكر ذلك، ليقول : " أول ما يلاحظ هو أن الافتتاحية لم تعترف بصلاحية الكونغرس وواجباته – التي يفرضها الدستور – بشأن حكم استعمال قواتنا المسلحة، حيث جادلت بأنه باستثناء ما يخص ( الالتزام رسمياً بالدفاع عن العراق من اعتداء خارجي )، فإن موافقة الكونغرس على الاتفاق غير ضرورية. والحال أن فقهاء القانون الذين أدلوا بشهاداتهم أمام ( لجنة المراقبة ) المنبثقة عن لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب أكدوا أن ( صلاحية القتال ) التي تسعى الإدارة الحالية للحصول عليها من العراق تتطلب بالفعل موافقة الكونغرس"، وهو بهذا يشير إلى الإفادات التي ادلى بها القانونيون الأمريكان امام الكونغرس ، والتي سبق أن أشرنا إليها. ويستمر الكاتب الأمريكي ليقول : " فإذا انقضت فترة التفويض الأممي في 31 / 12 / 2008، فإن فترة صلاحية القتال بالنسبة لجنودنا، إلى جانب حصانتهم من المتابعة القضائية في العراق، تنقضيان بالتبعية. وهذا بالضبط هو ( الفراغ القانوني ) الذي تعرض له بالتفصيل الخبيران في الدستور الأمريكي، بروس آكرمان وأونا هاثاوي، في 5 / 4 / 2008، تحت عنوان ( تاريخ انتهاء صلاحية الحرب )". ويرى كاتب المقال أنه يجب تحديد تمديد التفويض الأممي في العراق لفترة قصيرة للحفاظ على الوضع الراهن وإحالته إلى الرئيس والكونغرس المقبلين، ليكونا مسؤولين عن تطبيق أية اتفاقية يتم توقيعها مع بغداد، ويقترح أن تكون الفترة القصيرة للتمديد ( ستة أشهر )، وذلك " حتى يتسنى للرئيس والكونغرس الجديدين العمل مع القادة العراقيين على تحديد الاتفاق المقبل ".

أما النقطة الثانية التي يناقشها كاتب هذا المقال المهم، حول افتتاحية الواشنطن بوست، حيث يقول : " لقد صُدم الكونغرس بـ ( إعلان المبادئ )، الذي وقعه بوش والمالكي في تشرين الثاني 2007، والذي يحدد الخطوط العريضة للإطار التفاوضي، ومنذ ذلك الحين، مُنع المشرعون من الاطلاع على المعلومات الخاصة بالوضع التفاوضي للولايات المتحدة، بل وحتى الأهداف الأمريكية، وهو ما دفع الديمقراطيين وكذلك بعض الجمهوريين إلى التعبير عن تحفظهم. من واجب الكونغرس بمقتضى الدستور الإشراف على المفاوضات الدولية والموافقة على الاتفاقيات ذات الصلة بالعمل العسكري الهجومي. والحال أن المعلومات بشأن هذه الاتفاقية متوفرة عبر الشائعات أو التسريبات ". ويستمر ليقول : " على الواشنطن بوست، التي دعمت غزو العراق، باعتباره وسيلة لحماية الأمن القومي الأمريكي، أن تعترف بأن هناك بدائل لسياسات بوش الفاشلة في الشرق الأوسط، فمما لا شك فيه ان ثمة خيارات أخرى للتعاطي مع التهديد الذي تشكله إيران التي لم تزدها حرب الإدارة الحالية في العراق إلاّ قوة ونفوذاً، ومن هذه الخيارات الانخراط في مفاوضات مباشرة وحازمة مع الإيرانيين، وإعادة نشر قواتنا خارج العراق على نحو يسمح لها باحتواء التهديد الإيراني حيثما وقع". وهنا يعيد الكاتب نفس المنهج الواقعي البراغماتي – حسب الفهم الأمريكي -، والذي جاء به تقرير ( هاملتون – بيكر )، حول الوضع في العراق، والذي وضعته الإدارة الحالية على الرف.

يستمر كاتب المقال ليقول : " إن كل ما سمعناه ونسمعه من الفرع المنتخب الوحيد، مجلس النواب، يفيد بأن تشبث العراقيين بسيادتهم وتظلماتهم من الهيمنة الغربية في القرن الماضي سيجعل وجوداً أمريكياً طويل المدى مصدراً للعنف، وليس للاستقرار. فقد أخبرنا أعضاء البرلمان العراقي الذين أدلوا بشهاداتهم أمام الكونغرس الشهر الماضي إنه إذا كان ثمة جدول زمني واضح للانسحاب، فإن الفصائل المتناحرة ستقفد الكثير من الأسباب والمبررات لمهاجمة بعضها البعض والقوات الأمريكية. خلال هذه الزيارة التي قاموا بها إلى وشنطن، كشف البرلمانيون عن رسالة موقعة من قبل الأحزاب التي تمثل الأغلبية في البرلمان، تؤكد على أن البرلمانيين العراقيين، ومثلما حدث في العام الماضي خلال المناقشات حول تمديد تفويض مجلس الأمن لعام 2008، لن يوافقوا على الاتفاقية الأمريكية – العراقية إلاّ إذا تضمنت جدولاً زمنياً لانسحاب أمريكي كامل، وهو موقف يبدو أن رئيس الوزراء المالكي يتفق معه". و هنا يشير الكاتب الى كتاب مجلس النواب إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن، الذي ( تناسى ) أشرف قاضي أن يوصله في الوقت المناسب، والذي سبق وأشرنا إليه، وكذلك يشير إلى إفادات النائبين خلف العليان ونديم الجابري أمام الكونغرس الأمريكي.

إن هذه المقالة ترينا بوضوح أن كل من يحلم بأن حكومة بوش ستدافع عن العراق في حالة تعرضه لهجوم من دول أخرى، مثل إيران أو تركيا عليه أن يستفيق من هذا الحلم، بل بالعكس فإن إدارة بوش تريد أن تستغفل الأمريكان والعراقيين في العمل على غزو أو ضرب إيران، وبالتعاون مع إسرائيل، ويكون العراقيون وقوداً لها، ويكون العراق مسرح مجازرها مرة أخرى، ومن يدري فقد تسمى هذه الحرب ( قادسية بوش )، كما سبق أن أشرت إلى ذلك في إحدى مقالاتي. ولكن كما يظهر أن الخسائر الأمريكية المتلاحقة في العراق جعلت من الصعب جداً القيام بمثل هذه المغامرة، بل إن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول أن توقف إسرائيل عن العمل لوحدها لضرب إيران، لأنها هي نفسها – أي أمريكا – ستتلقى النتائج!!.

والآن وبعد الأزمة الاقتصادية الحالية الحادة جداً سيكون من المستحيل على بوش، أو الإدارة الأمريكية القادمة ضرب إيران، بل سيعمل على فتح باب الحوار معها، كما اقترح تقرير ( بيكر – هاملتون ).

في كل ما ذكرنا أعلاه، يظهر بوضوح بان ما يناقش الان حول ما تسمى " اتفاقية أمنية ستراتيجية طويلة الامد " ، هي بالواقع ليست كما كان يراد لها اصلا ، و سنرجع لهذا الموضوع لاحقا لنتعرف عن نوع الاتفاقية المطلوبة على ضوء الرفض الجماهيري المستمر لاية اتفاقية مع الولايات المتحدة . لهذا وافق الجانب الأمريكي وبسهولة " التنازل " !! عن مطالبته بإعطاء حصانة للمقاولين، كذلك سحب تعهده بالدفاع عن العراق من الاعتداءات الخارجية، وأبقى لحد الآن مسألة " محاربة الإرهاب "، واعتبر جميع معارضيه المسلحين في العراق إرهابيين، لأنه سبق للكونغرس أن أعطى بوش موافقة محاربة الإرهاب، وأن بوش قام بكل هذه " التنازلات " !! تجنباً لعرض الموضوع على الكونغرس، ويحاول الآن وبشتى الطرق أن يصل إلى اتفاقية سوفا فسحب، وعلى أساس أن هكذا اتفاقية تنفيذية يمكن توقيعها بدون الرجوع إلى الكونغرس، وعلى أن يتم توقيعها قبل نهاية هذا العام، وسنرى في الفصل السادس هل فعلاً قدمت إدارة بوش " تنازلات " للجانب العراقي!؟.



#فؤاد_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد الأمير - اتفاقية الوضع القانوني للقوات الأمريكية الموجودة خارج الولايات المتحدة