أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ماهر الشريف - النكبة ومعناها في مرآة العقل النقدي















المزيد.....



النكبة ومعناها في مرآة العقل النقدي


ماهر الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 2446 - 2008 / 10 / 26 - 09:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


ولّدت النكبة في أيار 1948، والتي تجدّدت باسم النكسة في حزيران 1967، أدباً سياسياً عربياً، حاول منتجوه، من منطلقات فكرية متنوعة، وعي معناها ومعرفة أسبابها وتلمس السبل الكفيلة بتجاوزها.



وفي إطار هذا الأدب السياسي، برزت مقاربات نقدية قليلة، انطلقت من منطلقات حضارية أو حداثية، ورأت في النكبة نتيجة منطقية ومتوقعة للتأخر العربي، وحصيلة عقلانية لمواجهة طويلة بين مجتمعات عربية تقليدية، أو مفوّتة، وبين مجتمع يهودي حديث حظي بدعم الاستعمار الأوروبي.



وسأحاول فيما يتبع أن أتوقف عند الملامح الرئيسية التي ميّزت هذه المقاربات النقدية، التي شرع فيها، منذ عام 1948، مفكرون مثل قسطنطين زريق ووليد قمحاوي ومن بعدهما صادق جلال العظم وياسين الحافظ.



التأكيد على أهمية ممارسة النقد الذاتي الشامل



الملمح الأول الذي ميّز هذه المقاربات النقدية هو التأكيد على أهمية ممارسة النقد الذاتي الشامل، الذي لا يقتصر، في تفسير النكبة، على نقد السياسة والسلطة، بل يطاول كذلك نقد المجتمع وبناه وقيمه.



كان قسطنطين زريق، في كتابه: معنى النكبة، الذي أصدره في آب 1948، هو أول من لجأ إلى منهج النقد الذاتي في مقاربة النكبة، ولم يفارقه في كل كتبه اللاحقة. كما تبنّى هذا المنهج وليد قمحاوي، في كتابه: النكبة والبناء في الوطن العربي، الصادر في عام 1956، وتبعه في ذلك، بعد هزيمة حزيران 1967، صادق جلال العظم في كتابه: النقد الذاتي بعد الهزيمة، الصادر في عام 1969. غير أن أكثر من شدّد على أهمية الالتزام بمنهج النقد الذاتي هو، بلا ريب، ياسين الحافظ، في كتابه: الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، الصادر في عام 1979، والذي طالب فيه المثقف العربي بهجر " الوعي الامتثالي " والانتقال إلى " الوعي النقدي "، معتبراً أن الثورية الحقة هي تلك التي " ترفض تغطية عورات الواقع العربي، في جميع حيزاته ومستوياته. ترفض أن ترش على العفن العربي عطراً، وعلى الموت العربي سكراً. تسمي الأشياء بأسمائها، ترفض التهوين من حجم بلايانا العربية، ترفض تبسيط وتسطيح مشكلاتنا " (1). وأضاف الحافظ بأنه بات مطلوباً، بعد كل الهزائم والإخفاقات التي لحقت بالعرب، " أن تنتهي عمليات التبخير الذاتي، وأن تطلق عملية نقد ذاتي صارمة تخترق المجتمع العربي (لا السطح السياسي فقط) طولاً وعرضاً وعمقاً، بلا خوف، بلا مراعاة، وبالطبع بلا تشفٍ " (2).



-------------------------------------



* قُدم هذا النص في ندوة: " البناء الوطني الفلسطيني: ستون عاماً على النكبة "، التي نظمها يومي 16 و 17 أيار 2008 بدمشق المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، بالتعاون مع البيت العربي والمعهد الدولي للدراسات العربية ودراسات العالم الإسلامي في مدريد، ونسّق أعمالها ماهر الشريف.



إدراك وحدة الزمان واستيعاب عقلانية التاريخ



أما الملمح الثاني الذي ميّز هذه المقاربات النقدية فقد تمثّل في إدراك وحدة الزمان، أي ترابط وحداته أو لحظاته، ترابطاً سببياً وتراكمياً، واستيعاب عقلانية التاريخ، التي جعلت النكبات تتكرر في تاريخنا.



فنكبة فلسطين، التي أصابت في عام 1948 جزءاً من الوطن العربي، هي – في نظر وليد قمحاوي - " خير مفتاح لدراسة النكبة التي أصابته في جميع أجزائه على امتداد مئات السنين " (3). وخلافاً لمن رأى بأن معركة فلسطين قد حسمت خلال أيام في ربيع عام 1948، أكد ياسين الحافظ أن فلسطين " لم تسقط في أيام، كما لم تسقط في شهور، بل إنها كانت تسقط كل يوم كسرة بعد كسرة وحجراً بعد حجر، منذ صدور وعد بلفور وحتى إعلان دولة إسرائيل "، وأن قيام دولة إسرائيل " أصبح مؤكداً عندما مال ميزان القوى المحلي إلى جانب الييشوف في العام 1939"، أي بعد هزيمة ثورة 1936-1939 الفلسطينية، مشيراً إلى أن عدم إدراك وحدة الزمان هو الذي جعل كارثة فلسطين تبدو، في كتب التاريخ العربية، بوصفها " حدثاً لاعقلانياً، صدفة، شيئاً ما جاء به الغيب أو فرضه القدر، لا نتيجة متوقعة لقعودنا التاريخي الطويل وحصيلة عقلانية لمواجهة استمرت نصف قرن تقريباً بين جماعة ومجتمع، أي بين جماعة مفوّتة ومجتمع حديث، وبعبارة محددة أكثر: بين جماعة ما قبل بورجوازية ومجتمع بورجوازي " (4).



أما قسطنطين زريق، فقد ربط ما بين سلسلة النكبات التي وقعت في عام 1948 وعام 1967 وعام 1991، عارضاً مسار تطوّر اهتمامه بموضوع النكبة، فكتب في مقال، نشره في كانون الثاني 1991، تعليقاً على حرب الخليج التي أعقبت قيام النظام العراقي بغزو الكويت، ما يلي: " في الأيام الأولى بعد حرب 1948 وقيام إسرائيل وتهجير العرب الفلسطينيين والعجز الذي بدا من الدول العربية وجيوشها، نفثت عما كان يجول في نفسي من خواطر مقلقة بكتيب دعوته: معنى النكبة. ولعل هذا الكتيب كان أول ما طرح هذه التسمية لتلك الهزيمة حينذاك. وحاولت فيه أن أحلل الأسباب البعيدة والقريبة لتلك الواقعة في ضوء الامتحان الداخلي والنقد الذاتي، وأن أتلمس سبل الخلاص من الضعف الذي كنا نعانيه... ثم وقعت نكبة 1967 التالية –لا "النكسة " كما أراد تصويرها بعض حكام العرب ومفكريهم – فوجدت نفسي مدفوعاً إلى إعداد كتيب آخر دعوته: معنى النكبة مجدداً، جريت فيه على مثال الكتيب الأول في محاولة تحليل الأسباب وتقويم النتائج واستخلاص العبر. وقد جاءت الآن هذه الحرب المشتعلة لتثير في نفسي التساؤل عما إذا كان يجب متابعة الجهدين السابقين بتحليل مشابه لهما يدعى: معنى النكبة مثلثاً ".



وتابع زريق قائلاً: " والواقع أن المرء إذا رصد مسيرتنا في العقود الأخيرة وجد مناسبات عدة لتسجيل نكبات أخرى وتحليلها. إذ إن هذه النوائب ليست محصورة في الحروب وهزائمها وخسائرها بل تمتد إلى غيرها من نواحي الحياة. فثمة نكبات في شؤون الحكم، وفي العلاقات الخارجية (وأبرزها في السنوات الأخيرة خروج مصر السادات عن الإجماع العربي ومصالحتها لإسرائيل من دون ضمان حقوق الفلسطينيين )، وفي السياسات الاقتصادية الخاطئة المهدرة للموارد والمعيقة للنهضة وفي " الخطط " الاجتماعية والتعليمية التي تثقل أعباءنا بدلاً من أن تخففها، وفي استشراء الفساد في كثير من وجوه حياتنا الخاصة والعامة " (5).



ورداً على من قد يستغرب وقوع كل هذه النكبات في تاريخ العرب، أكد أصحاب هذه المقاربات النقدية أن العقلانية التي تسيّر التاريخ " لا تتقيّد دوماً بما قد يبدو للإنسان معقولاً وطبيعياً في فترة زمنية معينة " (6). فالصراعات والمنافسات في العالم يحكمها– كما لاحظ الحافظ – عامل حاسم هو نسبة القوى، وفي هذا العامل تتجلّى، كما تبيّن أمثلة التاريخ القديمة والحديثة، " منذ السقوط الفارسي والبيزنطي السهل أمام الغزو الإسلامي، والتوغل الإسلامي في الغرب وصولاً إلى بواتييه، ثم التوغل العثماني إلى قلب أوروبا، ومن بعده السقوط العربي السهل أمام الغزو المغولي، الصليبي، وأخيراً، في العصر الحديث، أمام التوسع الاستعماري الأوروبي الحديث وأمام الغزو الاستيطاني الصهيوني الذي تمّ في سياق الأخير "، تتجلّى، على نحو ساطع، " عقلانية التاريخ والجزاء الذي يفرضه والاستحقاق الذي يعطيه: ضعف أم تفسخ البنيان الداخلي لأمة ما هو الذي يستقدم الغزو الخارجي أو الهيمنة الخارجية. والسقوط أمام الخارج ليس سبباً للتفسخ أو الضعف أو التأخر الذي يصيب البنيان الداخلي، بل نتيجة من نتائجه " (7).



تأخر الداخل هو الذي يستقدم غزو الخارج



لقد كان هذا الاعتقاد بأن تأخر الداخل هو الذي يستقدم غزو الخارج هو الملمح الثالث لهذه المقاربات النقدية. فخلافاً لكثيرين من المفكرين العرب الذين بالغوا في دور العوامل الخارجية، وجعلوا من الخارج مشجباً يعلّقون عليه كل نواقص العرب ونقاط ضعفهم، رفض أصحاب هذه المقاربات إزاحة المسؤولية في الهزيمة عن العرب بإسقاطها جملة وتفصيلاً على الاستعمار، معتبرين أن الاستعمار لا يلام " إن هو تصرّف تماماً كما كان متوقعاً له أن يتصرّف " (8).



فقسطنطين زريق، الذي لم يتجاهل دور العوامل الخارجية وقوة العدو الذي نواجهه، ركّز جهده الفكري، منذ وقت مبكر، على استكشاف مسؤولية العرب الذاتية في التخبط والتعثر الذي أصابهم.



ففي كتابه: أي غد، الصادر عام 1957، كتب: " كثيراً ما تساءلت وأنا أدرس تاريخ أمتنا العربية الماضي عن أسباب انحلال سلطتها وتدهور حضارتها. وكنت فيما مضى أعزو ذلك إلى ما انتابها من حروب وما أصابها من غزوات. غير أني، لا أشك، غدوت الآن أعتقد أن السبب الأول والأهم في ذلك كلِه إنما كان الضَعفَ الداخلي الناتج عن ضَعف العلة الرئيسية من علل التنظيم والإبداع، أي الشخصية العربية ". وأضاف: " فلقد أقفل العقل العربي على نفسه الأبواب والنوافذ، فانقطع عن النمو، وكل ما لا ينمو ينحل، كما أن كل ما لا يتقدم يتأخر، والتهت الروح العربية بالأهداف الشخصية واللذائذ المادية، فضعف خلقها، وقل جهدها، وانحط تقديرها للمسؤولية الملقاة على عاتقها، فلا بِدَع أن فقدت كيانها، ولم تعد ما هي، وأصبحت منفعلة بعد أن كانت فاعلة " (9).



أما وليد قمحاوي، فقد أكد أن النكبة " ما كانت لتقع أو لتستمر لو لم يكن هناك استعداد لتقبلها وعوامل مهيِّئة لوجودها وبقائها في هذا الوطن، أو بالأحرى في أهله"، معتبراً بأنه من الأنسب والأفضل " أن نشخّص علة النكبة في ضعفنا، فنعمل على تبديله قوة، من أن نراها في قوة غيرنا فنقنع بالتوسلات والتمنيات " (10).



ونحى ياسين الحافظ المنحى نفسه عندما استعار عن المفكر الإصلاحي الجزائري مالك بن نبي مفهوم " القابلية للاستعمار ". فبعد أن أقرّ بأن الأمة العربية " عانت، ولا شك، اضطهاداً واحتلالاً، خضعت لهيمنة مارستها دول استعمارية، كما ابتليت باستعمار استيطاني زاحف "، تساءل: " هل كانت، يوماً، العلاقات بين الأمم، بما في ذلك علاقات الأمم الأوروبية فيما بينها، على غير هذا النحو الذي عرفته الأمة العربية في العصر الحديث في تجربتها مع الاستعمار؟ ثم لماذا هذا التساقط السهل أمام الاستعمار، لو لم تكن بنى المجتمع العربي متآكلة ومفوّتة، وبالتالي، قابلة للاستعمار؟ ". وذلك قبل أن يخلص إلى أن الخارجي " ليس شيطان العرب إلا بقدر ما يسمح له بذلك تآكل وفوات الداخلي: الفوات العربي هو ذلك الشيطان "، مقدّراً أنه عندما يقر العرب بحقيقة " أن الخارجي يفعل بقدر فوات وتآكل الداخلي، لا نعود بحاجة للصراخ على الطالع والنازل على الخارجي. بل سيكون تثوير وتحديث الداخلي وإقامة بنى جديدة، وبالنتيجة تعديل نسب القوى، وسيلة الفعل بالخارجي " (11).



البحث عن جذور النكبة في التأخر الحضاري العربي



لقد كان البحث عن جذور النكبة في التأخر الحضاري العربي هو إذن الملمح الرابع لهذه المقاربات النقدية، حيث أشار زريق، منذ عام 1948 في كتابه: معنى النكبة، إلى أن ما أحرزه الصهيونيون من نصر" ليس مرده تفوق قوم على قوم، بل تميّز نظام على نظام "؛ سببه، كما قدّر، " أن جذور الصهيونية متأصلة في الحياة الغربية الحديثة، بينما نحن لا نزال في الأغلب بعيدين عن هذه الحياة متنكرين لها "؛ سببه "أنهم يعيشون في الحاضر وللمستقبل، في حين أننا لا نزال نحلم أحلام الماضي ونخدّر أنفسنا بمجده الغابر " (12).



وفي عام 1967، في كتابه: معنى النكبة مجدداً، أوضح فكرته هذه، حيث قدّر بأن الفارق الذي لا محيد عن تيقنه والإقرار به هو فارق حضاري: " فمجتمعنا العربي والمجتمع الإسرائيلي الذي نجابهه ينتميان إلى حضارتين مختلفتين، أو إلى مرحلتين متفاوتتين من مراحل الحضارة ". وهذا هو – كما استخلص – " السبب الأساسي لضَعفنا على كثرة أعدادنا، ولقوتهم على قلة عددهم ". وهذا الفارق الحضاري بين المجتمعين يتجسد – كما تابع – " في الأخذ بأسباب الحضارة الحديثة، ولا سيما في مجال العلم والعقلانية الذي تتميّز به هذه الحضارة " (13).



وفي الاتجاه نفسه، أكد ياسين الحافظ أن المهزوم، في حزيران 1967، لم يكن طبقة، بل كان مجتمعاً. ومع أنه حمّل المسؤولية المباشرة عن الهزيمة إلى " الطبقة السياسية العربية والانتلجنتسيا العربية بعامة "، إلا أنه قدّر بأن " المجتمع العربي، وبالتحديد عمارة هذا المجتمع، هو أيضاً مسؤول ومهزوم "، بل " كل واحد منا مهزوم، وكل واحد منا مسؤول " (14).



أما وليد قمحاوي، فقد اعتبر أن الغزوة الصهيونية " لم تكن غزوة عسكرية، قامت بها الجيوش والأساطيل، بقدر ما كانت غزوة حضارية، استعمل فيها الإسرائيليون أسلحة العلم والاقتصاد والسياسة والتنظيم، واستغلوا تأخر الوطن العربي فيها جميعاً وتجزأه " (15). وقدّر بأن الصهيونيين قد ركّزوا، خلال غزوتهم لفلسطين، على البناء الحضاري بينما فعل العرب، في تصوّره، كل شيء إلا هذا البناء. وبفضل عمليات البناء الواسعة التي قاموا بها، نجح الصهيونيون في 14 أيار 1948 – كما تابع – في أن يجعلوا المجتمع اليهودي " دولة قائمة "، في الوقت الذي كان فيه المجتمع الفلسطيني " قد لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن سار في طريق الانتحار سنين طويلة " (16).



أين يتجلّى هذا التأخر الحضاري العربي؟



اللجوء إلى منهج النقد الذاتي الشامل، وإدراك وحدة الزمان واستيعاب عقلانية التاريخ، واعتبار أن التأخر العربي هو الذي يستقدم غزو الخارج، والبحث عن جذور النكبة في التأخر الحضاري العربي؛ هذه هي إذن الملامح الأربعة الرئيسية، والقواسم المشتركة، للمقاربات النقدية التي توقفت عندها.



أما سؤال أين يتجلّى هذا التأخر الحضاري العربي؟، فقد تباينت الإجابات عنه من مفكر إلى آخر.



فوليد قمحاوي ركّز، في الأساس، على نظام القيم، ورأى أن التأخر الحضاري العربي قد تجلّى في القيم الخاطئة والمفاهيم المغلوطة التي ورثها العرب جيلاً بعد جيل، والتي أشاعت بينهم " قابلية التأخر "، التي تتمثّل في " التمسك بالتقاليد والتعلق بأذيال الرجعية "، و " قابلية التجزئة "، التي " لا تنحصر في انقسام الوطن العربي إلى أقاليم ودويلات [بل] هي تمتد حتى تشمل انقسام البلد الواحد إلى طوائف وعشائر"، "، و" قابلية الاستخذاء "، التي تعبّر عن نفسها " في الرضوخ للاستبداد [و] السماح بالاستغلال "، و " قابلية الاستغفال"، التي تمظهرت في أنه " ما من نهضة حاولناها حيناً بعد حين إلا وكان مصيرها أن يتسلم زمامها أشخاص تنقصهم الكفاءة والإخلاص، فينحرفوا بها عن السبيل الذي كنا نبغيه ". وهذا كله – كما أضاف – في ظل " ظلمات من الجبرية " التي تفقد صاحبها " الثقة بنفسه " وتسلبه " الشعور بالمسؤولية "، وتجعله " معتقداً بأن مستقبله ومستقبل غيره أمور محددة مقررة في اللوح المحفوظ "، بحيث " يستسلم لكل ما يصيبه ويصيب غيره " (17).



بينما ركّز قسطنطين زريق على وجهين للضعف العربي هما: التخلف العلمي والضعف النضالي. وهذا الوجه الثاني يتجسد – كما كتب – في عدم وضوح الغاية وتغلغلها في النفس، وفي انعدام الإرادة العربية الواحدة في مستويات الحكم العليا، وعدم تحقق هذه الإرادة الواحدة في صفوف الشعب، نتيجة غياب الحرية الفكرية، "حرية إبداء الرأي ومناقشة أحكام الآخرين مهما عظمت سلطتهم وعلت مناصبهم ، حرية المشاركة بالمسؤولية وبالعمل "، وهو غياب يضعف ثقة الشعوب بقادتهم: "بحكمتهم ووطنيتهم وإخلاصهم " (18).



أما ياسين الحافظ ، الذي ركّز على الجانب الإيديولوجي، فقد رأى أن التأخر الحضاري يتجلّى في " الوعي التقليدوي "، الذي حملته، قبل النكبة، القيادات التاريخية للحركة التحررية العربية، " التي وقفت عاجزة أمام الصهيونية وأمام تغلغل أشكال جديدة للنفوذ الامبريالي "، كما يتجلّى في " الوعي التقليدوي الجديد "، الذي حملته القيادات الجديدة التي انبثقت، بعد النكبة، من داخل المؤسسة العسكرية، والتي عجزت، في رأيه، عن تحديث الإيديولوجيا العربية السائدة وعقلنتها (19). واعتبر الحافظ أن سيادة هذا " الوعي التقليدوي الجديد "، كان السبب في غياب قيام تفاعل حي بين المجتمع العربي ومقومات الحضارة الصناعية الحديثة، وهو ما تبيّن بوضوح، في ظنه، في تعامل العرب مع التقنولوجيا الحديثة، حيث غاب عنهم – كما أكد – أن هذه التقنولوجيا " لا يمكن أن تكون مقطوعة عن أرضيتها الثقافية والحضارية ". وإذا لم نستوعب هذه الأرضية " فلن نستطيع البتة أن نجعل من الفرد ترساً في جماعة، بل سيبقى فرداً متفرداً عاجزاً " (20).



كيف نتجاوز آثار النكبة؟



على قاعدة تشخيصهم لمظاهر التأخر الحضاري، سعى أصحاب هذه المقاربات النقدية إلى تحديد السبل الكفيلة بضمان نجاح العرب في تجاوز آثار النكبة والسير على طريق التقدم. وسأكتفي فيما يتبع بالتوقف عند تصوّرات قسطنطين زريق لهذه السبل، على اعتبار أنه كان الأغزر إنتاجاً في هذا الحقل، منذ كتابه الأول " الوعي القومي "، الذي أصدره عام 1939، وحتى كتابه الأخير: " ما العمل؟ حديث إلى الأجيال العربية الطالعة "، الذي أصدره عام 1998، أي قبل سنتين من رحيله.



إنشاء علم للنكبة



لكنني قبل أن أعرض مواقف قسطنطين زريق أود الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن أصحاب المقاربات النقدية المذكورة لم يدعوا إلى تأجيل النضال المباشر ضد الاحتلال أو ضد الصهيونية إلى أن يتجاوز العرب تأخرهم الحضاري، بل رأوا ترابطاً عضوياً بين النضال ضد التأخر والنضال ضد الصهيونية والقوى الاستعمارية التي تدعمها. بيد أنهم ألحوا، في الوقت نفسه، على أن النضال ضد الصهيونية يتطلب تملك معرفة علمية بها وبطبيعة مشاريعها؛ ومن هنا كانت دعوتهم إلى إنشاء علم للنكبة.



فقسطنطين زريق، الذي أكد، منذ عام 1953، ضرورة تقوية الإحساس بالخطر الصهيوني، باعتباره الخطر الأعظم على الكيان العربي، معتبراً أن إحساسنا بهذا الخطر مرتبط بمقدار العلم به، لاحظ " بأن جهلنا بالصهيونية ومشاريعها شائن فاضح " . فبينما أن الصهيونيين" يعرفون كل صغيرة وكبيرة عنا ويقدّرون حق القدر وجوه القوة ووجوه الضعف فينا "، تروننا – كما تابع – " جاهلين كل الجهل لواقعهم الحاضر وأغراضهم للمستقبل " (21).



وفي عام 1965، طوّر زريق أفكاره هذه ودعا صراحة إلى إنشاء علم للنكبة، حيث أشار، في مقال نشره في مجلة المعرفة الدمشقية في ذلك العام ، إلى أنه " كثيراً ما نسمع ونقرأ عن " أدب النكبة "، ونتساءل عما إذا كان هذا الأدب خليقاً بالفاجعة التي حلّت بالعرب في فلسطين، وجديراً بأن يكون باعثاً لقوى جديدة تمحو آثار هذه الفاجعة وتنطلق منها إلى الغلبة والنصر "، لكنه اعتبر بأن ثمة تساؤلاً " لا يقل عن هذا ضرورة وخطراً، بل يفوقه في هذا العصر بخاصة "، وهو ذلك التساؤل " عن الدراسات الثاقبة الدقيقة منها والشاملة لقضية فلسطين: أصولها، وأطوارها، وأحوالها الحاضرة، ومستقبلها، نعني التطلع إلى ما يمكن أن ندعوه، بل ما يجب أن ندعوه: علم النكبة ". فرغم كثرة الأقوال وارتفاع الأصوات في قضية فلسطين، إلا أن صوتاً واحداً لم يرتفع بعد، في نظره، ألا وهو " صوت العلم، العلم الذي من شأنه أن يتناول هذه القضية، كما يتناول أية قضية أخرى، بالدراسة المنتظمة والتتبع المستمر والبحث الدقيق والنظرة الشاملة ". فقضية فلسطين – كما تابع – " ليست قضية سهلة بسيطة. إن لها نواحيها التاريخية والقانونية والسياسية والاقتصادية والعلمية وسواها. وكل ناحية من هذه النواحي تحتاج إلى اختصاصيين فيها ".



ورداً على من قد يجد هذا القول غريباً، على اعتبار أن القضية الفلسطينية ليست قضية علم، بل هي قضية حق، " حق العرب الطبيعي والشرعي في أرضهم ووطنهم"، أكد زريق أن مجرد الحق في عالم اليوم لا يكفي، " إذا لم تدعمه قوة أو يسنده سلطان "، ومن أنواع القوة " قوة العقل الذي يسيطر على موضوعه بالنظر الدائب والجد المستمر، ويحيط به من جميع أطرافه، ويكوّن فيه وحوله ذخيرة علمية وفنية وفكرية تغدو سنداً قوياً للعمل الراشد النافذ "، لا سيما وأن العدو الصهيوني "لم يهمل هذه القوة، بل جعلها منذ نشأته دعامة من أرسخ دعائم عمله " (22).



وقد انطلقت دعوة زريق إلى إنشاء علم النكبة من قناعته الراسخة، التي لم تهتز على مدى حياته، بأهمية دولة العقل. فهو، وبعد أن لاحظ غياب دولة العقل في مجتمعاتنا، أكد بأن هذه الدولة قد غدت في عصرنا " مصدر القدرة، ومبعث النفوذ، ومنطلق التقدم "، معتبراً بأن أخطر ما تخططه عقول الصهيونية ومن وراءها " هو بالضبط إعاقة قيام دولة العقل عندنا وتعطيل قابليتنا الإنتاجية وقدراتنا الفعلية وإبقاؤنا غارقين في دياجير الوهم والجهل والتخلف " (23). كما انطلقت دعوته إلى إنشاء مثل هذا العلم من اعتقاده بأهمية دور المفكر العربي الملتزم في إشاعة الوعي وإنارة طريق النضال. فالمفكرون، في نظره، " هم الذين يتفهمون المشاكل، ويعيّنون الأهداف، ويرسمون الخطط، ويحددون الواجبات والوظائف "، ومن أول واجبات المفكر في أوقات الأزمات " هو أن يحس بالأزمة ويحياها "، وأن يحدد، تحت وطأة الأزمة التي يحياها، فهمه لوظيفته، التي تتمثّل في " تبيّن الحق وتبنّيه، والتصدي للجهل ومكافحته، والثورة على الظلم والفساد ". أما إذا اتخذ المفكر لنفسه مثلاً وظيفة التاجر، وقصد من عمله إلى الربح المادي، فقد " ضلّ غايته وانتكس عن واجبه " (24).



سبيلان مترابطان: التجدد الحضاري والإنشاء القومي



واعتبر قسطنطين زريق أن هناك سبيلين مترابطين لتجاوز آثار النكبة: الأول هو التجدد الحضاري، والثاني هو الإنشاء القومي.



وعرّف التجدد الحضاري بأنه يعني " أن نصبح بالفعل والروح، لا بالاسم والجسم فقط، قسماً من العالم الذي نعيش فيه، نجاريه في نظم العيش والفكر، ونتكلم لغته، ونتصل بأصوله، ونضم مقدراتنا إلى مقدراته ". وهي غاية لن تتحقق، في نظره، "ما لم يحدث تبدّل أساسي في الوضع العربي، وانقلاب تام في أساليب تفكيرنا وعملنا وحياتنا بكاملها " (25).



ومن منطلق قناعته بأن هذا الانقلاب يجب أن يبدأ بالنفس حتى يكون له أثر في المجتمع، رأى زريق أن على النفس العربية المجاهدة من أجل تغيير الواقع أن تتصف بجملة من الصفات حددها في: أولاً، النظام في التفكير وفي العمل، المترافق مع الشعور بالمسؤولية، وثانياً، الحرية، لا الحرية التي تفسح للمرء مجال الفكر والعمل بتحطيم أغلاله السياسية والاجتماعية فحسب، بل تلك التي توحي إليه ماهية فكره وعمله بتفكيك قيوده العقلية والروحية، وفي مقدمها الجهل، والتعصب، وقيد المادة، حيث أن العامل الأكبر المسؤول عن الإفلاس الخلقي الذي منينا به، والانحطاط الأدبي الذي هوينا إليه، هو – كما أكد - التكالب على المادة، والسعي إلى كسب المال بأية طريقة كانت، ويتصل بقيد المادة قيد آخر يشبهه هو الأنانية، وشهوة التزعم وحب التسلط (26).



أما على صعيد المجتمع، فيتطلب التجدد الحضاري، كما رأى زريق، قيام مجتمعات علمية وتقدمية.



فالعلم الحديث قد غدا، كما أكد، مصدر القوة، بمختلف أنواعها، وهو لا يقوم بنتائجه البيّنة فحسب، وإنما هو يقوم " بالعقلية المدربة المنتظمة، العقلية التي لا ترضى بالوهم بل تثور عليه "، والتي تؤمن بالواقع وبالاختبار، وترى أن العلم " في جوهره أسلوب تفكير، ونظام حياة ". واعتبر أن الدعوة إلى قيام مجتمع العلم يجب أن يبثها بين جميع أبناء المجتمع وفي ثنايا عقولهم ونفوسهم رجال الفكر والعمل وقادة الحكم، وأن يصبح هذا الهدف أساس سياسة الدولة التي يجب أن تقوم على التخطيط، والبحث العلمي، وحشد الكفاءات وتجنيد المهارات والعقول، وهو أمر لن يتحقق، كما أكد، ما لم يكن الشعب حافزاً ومراقباً ومشاركاً، وما لم تتوفّر لهذا الشعب الحرية السياسية والحرية الفكرية: " فبدون هذه الحرية لا يتمكن الشعب من المشاركة الفعلية، سواء في الحرب أو في بناء المجتمع، وتتسع الشقة بينه وبين الحاكمين، وتبطل فاعليته، ويتضاءل بذله وتضحيته، ويقصر النضال عن أن يكون – كما يجب أن يكون - شاملاً للجميع، معبئاً لمختلف القوى والطاقات " (27).



وإذا كانت درجة اكتساب المجتمع للأسلوب العلمي هي المقياس الأول لمجتمع التقدم، فإن هناك مقياساً أخر أعم وأشد خطورة، في نظره، هو المقياس الخلقي الأدبي، الذي يظهر بمظاهر عدة، منها توفر الحرية السياسية والاجتماعية والفكرية، ومحاربة الروابط الاجتماعية المانعة للرابطة القومية، وتحقيق علمانية الدولة من خلال فصل الدولة عن التنظيم الديني فصلاً مطلقاً، واحترام استقلال القضاء، وضمان العدل الاقتصادي والاجتماعي وتساوي الناس في الفرص، والإقرار بأن لكل مواطن وكل إنسان شخصية لها حرمتها وكرامتها، وفتح الصدر لاكتساب خير ما حققته الحضارات الإنسانية من قيم عقلية وروحية أثبت صحتها الاختبار الإنساني (28).



وفي السنوات الأخيرة من حياته، عالج زريق باستفاضة قضية الديمقراطية، حيث



رأى بأن الموجة العارمة من الديمقراطية، التي صار يشهدها العالم في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، تدل على ظاهرتين للحياة المعاصرة: الأولى هي " أن هذا العصر قد غدا في الواقع عصر الشعوب "؛ والثانية هي " أن العالم لم يعد منقسماً إلى شعوب منفصلة ومناطق منعزلة، بل غدت أرجاؤه متواصلة وشعوبه متفاعلة ". وبعد أن لاحظ تعثر الديمقراطية في بلادنا، أرجع هذا التعثر إلى ثلاثة عوامل رئيسية: الأول هو أن الديمقراطية " لا تكوّن عنصراً حياً فاعلاً في تراثنا "؛ والثاني أن التخلف والتبعية والانهزام في الميادين الحربية والاقتصادية " تثير في قلب الجماهير النقمة على الأوضاع القائمة والنزوع إلى تسريع خطى التحرر والتقدم، وتدفع بها بالتالي إلى الاستسلام لأية سلطة تعدها بهذا التسريع وإن تجئ على أنقاض حريتها "، والثالث هو حصر الديمقراطية في الحقل السياسي فحسب، " أي في تحصيل الحقوق الشعبية وفي بناء الحكم على الإرادة الوطنية العامة ". وقد تعزز تأثير هذه العوامل بحجج أخرى– كما أضاف -، منها أن الديمقراطية " عملية بطيئة لا تنفع في زمن السباق واللحاق "، ومنها أن الديمقراطية " هي من نتاج الغرب، والغرب هو المستعمر وكل ما يخصه أو يأتي عن طريقه متهم، بل مرفوض ".



لكن زريق، وخلافاً لغيره من المفكرين العرب الذين جعلوا من الديمقراطية إيديولوجية جديدة وبلسماً شافياً لكل الأدواء العربية، أكد أن الديمقراطية " ليست الدواء الوحيد لكل داء، وخصوصاً للأدواء العميقة الجذور والواسعة الانتشار التي تشكو منها الشعوب المتخلفة اليوم "، معتبراً بأن من أشد الأخطار على الديمقراطية كأسلوب حكم " تعليق الآمال عليها فحسب، أو الاكتفاء بأشكالها ورموزها والقصور عن توفير الشروط الواقية لها ". فالديمقراطية لا تنحصر، في نظره، في دوائر الحكم وميادين السياسة فحسب، وإنما هي " نوع من التفكير والسلوك يقتضي لنجاحه أن يتخلل نسيج حياة المجتمع بكاملها "، وكتب في هذا الصدد: " إن للأهلين في البيت، وللمعلمين في المدرسة، وللأساتذة في الجامعة، ولرجال الدين في المعابد، وللرؤساء والمديرين حيثما كانوا في ميادين الحياة المهنية أو الاجتماعية أو الثقافية - إن لكل من هؤلاء، إذا أخلص، دوراً في غرس الديمقراطية وتنميتها والحفاظ عليها لا يقل أثراً من دور الحكام ورجال السياسة وعن جهاد الثائرين من أجلها، المضحين في سبيلها " (29).



أما السبيل الثاني الذي حدده زريق لتجاوز ما حلّ بنا من نكبات، وهو الإنشاء القومي، فهو يتجسد، في رأيه، في قيام كيان قومي متحد تقدمي، بحيث ينتظم العرب في اتحاد يوحّد سياستهم الخارجية والاقتصادية وقواهم الدفاعية، وهو اتحاد لن يتحقق، كما قدّر، إذا لم يتحقق للعرب شرط أساسي: " هو التطور الاقتصادي والاجتماعي والفكري ". فالتكوّن القومي لم يظهر في الغرب، ولن يظهر في أية بقعة من بقاع الأرض " إذا لم تتوفر له شروط اقتصادية واجتماعية وفكرية معينة. فهو لم ينشأ إلا على أنقاض الإقطاعية - بله القبلية - والطائفية والجبرية والغيبية. لم يقم إلا عندما دخلت الآلة فقلبت النظام البدائي الراكد المتفرق في الاقتصاد والعيش إلى نظام متطوّر اختصاصي متشابك، وعندما خُفضت الحواجز المنيعة القائمة بين طبقات الشعب، وسرى العلم المنطقي المنظّم فضبط نوازع الخيال ومجاري الفكر وحوّل العقلية البسيطة الساذجة إلى عقلية واعية متفتحة مركّبة ". أما الذين يعملون اليوم لإنشاء قومية عربية واتحاد عربي على أساس الوضع الاجتماعي الحاضر فهم، كما تابع، " يحاولون عبثاً، لأن جهودهم لا تماشي مجرى التاريخ وقوانين الاجتماع. ولن تثمر هذه الجهود إلا إذا ارتبط الجهاد للاتحاد بجهاد للانقلاب الداخلي وبُني على أساسه " (30).



طبعاً، لم يستبعد زريق المرحلية في النضال، لكنه بقي على قناعة راسخة بأن النصر النهائي في المعركة بيننا وبين الصهيونية والقوى الداعمة لها لن يتحقق ما لم يحصل ذلك الانقلاب الجذري في الحياة العربية. وفي مقال له بعنوان: " المحطة والطريق"، نشره في صحيفة الحياة في الأول من تشرين الثاني 1991، لخص أفكاره بخصوص التجدد الحضاري والإنشاء القومي ، فكتب: " إن مصيرنا مرتبط آخر الأمر بما نحقق من إنشاء قومي وتجدد حضاري. إن هزائمنا السابقة نتجت عن ضآلة مكاسبنا في هذا الميدان المزدوج. وما كانت الصهيونية لتمثل الخطر الجسيم الذي تمثله اليوم لو أننا كنا أعددنا لأنفسنا القدرة المطلوبة لنضالنا ضدها. إن الصراع بيننا وبينها ليس صراعاً بين أديان أو أجناس أو عقائد، وإنما هو صراع بين جبهة سادرة متفككة وجبهة حية ناهضة استجمعت كل مصدر من مصادر القوة في مجتمعها وسخّرت لأغراضها كل مركز نفوذ لها في أنحاء العالم ". وتابع: " إننا لن نفوز على أطماع الصهيونية والقوى المتسلطة العالمية إلا بقدر ما نحقق من مكاسب في ميادين كفاحنا الداخلية: في إصلاح الحكم وبسط سلطة القانون والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل من أقطارنا العربية وفي مجتمعنا القومي عامة، أي بقدر ما يكون نضالنا نضالاً عربياً مشتركاً، ونضالاً ذاتياً في سبيل الإنشاء القومي والتجدد الحضاري " (31).



وأود أن أختم هذا العرض بقول الآتي: في هذا اليوم، يكون قد مر ستون عاماً على النكبة، سلكنا خلالها طرقاً كفاحية عديدة عجزت كلها عن إيصالنا إلى مبتغانا في التحرر والتقدم والوحدة؛ وربما آن الأوان لنا كي نجرّب الطريق الذي رسم ملامحه قسطنطين زريق، فلعل يكون فيه خلاصنا.







الهوامش:



1- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 290.



2- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 292-293.



3- قمحاوي، النكبة والبناء في الوطن العربي، الجزء الأول، ص 35.



4- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص75- 76.



5- زريق، " وقفة تأمل ومراجعة " ؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الرابع، ص 1990-1995.



6- العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ص 42.



7- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 278-279.



8- العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ص 38 – 39.



9- زريق، أي غد؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الأول، ص 303-315.



10- قمحاوي، النكبة والبناء في الوطن العربي، الجزء الثاني، ص 466-467.



11- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 277 و ص 285.



12- زريق، معنى النكبة؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الأول، ص 227.



13- زريق، معنى النكبة مجددا؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الثاني، ص997 - 998.



14- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 311.



15- قمحاوي، النكبة والبناء في الوطن العربي، الجزء الثاني، ص 418-420.



16- قمحاوي، النكبة والبناء في الوطن العربي، الجزء الأول، ص 70.



17- قمحاوي، النكبة والبناء في الوطن العربي، الجزء الأول، ص 243-245 و ص 260-261.



18- زريق، معنى النكبة مجددا؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الثاني، ص 1021- 1026.



19- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 177.



20- الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، ص 153-154 و ص 216-217.



21- زريق، " القضية العربية 1953 "؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الرابع، ص 22-38.



22- زريق، "علم النكبة " ؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الرابع، ص 39- 42.



23- زريق، " غياب دولة العقل "؛ في: الأعمال الفكرية العامة ، المجلد الرابع، ص 1688- 1691.



24- زريق،: أي غد؛ في: الأعمال الفكرية العامة ، المجلد الأول، ص 271- 286.



25- زريق، معنى النكبة؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الأول، ص 227.



26- زريق، الوعي القومي؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الأول، ص 179-190.



27- زريق، معنى النكبة مجدداً؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الثاني، ص 997-1014.



28- زريق، أي غد؟؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الأول، ص 296-297.



29- زريق، " رفقاً بالديمقراطية لا تحملّوها فوق طاقتها " و " العرب والديمقراطية"؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الرابع، ص 1798-1802 و ص 2060-2064.



30- زريق، معنى النكبة ؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الأول، ص 228-229.



31- زريق، " المحطة والطريق "؛ في: الأعمال الفكرية العامة، المجلد الرابع، ص 2172- 2176.







مصادر الدراسة



قسطنطين زريق، الأعمال الفكرية العامة (في أربعة مجلدات )، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، 1996 (صدرت الطبعة الأولى في عام 1994).



وليد قمحاوي، النكبة والبناء في الوطن العربي، ، بيروت، دار العلم للملايين، الجزء الأول، الطبعة الأولى آب 1956؛ الجزء الثاني، الطبعة الأولى، آب 1959، الطبعة الثانية، في جزأين، حزيران 1962.



صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، بيروت، دار الطليعة، الطبعة الرابعة، تموز 1972 (صدرت طبعته الأولى في أيلول 1969).



ياسين الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، بيروت، دار الطليعة، 1979.



أزمة التطوّر الحضاري في الوطن العربي (ندوة فكرية، 7-12 نيسان 1974 )، جمعية الخريجين الكويتية- جامعة الكويت، الكويت، صيف 1975.



#ماهر_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجاوز الموقف الملتبس من العلمانية أحد مداخل تجديد الفكر القو ...
- تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي
- أضواء على تجربة اليسار في فنزويلا
- بورتو أليغري: محطة جديدة على طريق أنسنة العولمة - فلنتفاعل م ...
- ما هي آفاق الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي؟


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ماهر الشريف - النكبة ومعناها في مرآة العقل النقدي