أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسرار الجراح - سبعة وعشرون عاما على رحيله : في رحاب صلاح عبد الصبور شاعر الوجود الإنساني















المزيد.....

سبعة وعشرون عاما على رحيله : في رحاب صلاح عبد الصبور شاعر الوجود الإنساني


أسرار الجراح

الحوار المتمدن-العدد: 2445 - 2008 / 10 / 25 - 04:03
المحور: الادب والفن
    



صلاح عبد الصبور ، هو الابن البكر لقصيدة التفعيلة المصرية ، التى هزت تدفقاتها الفتية أعمدة الشعر التقليدى وزلزلت رويّه بقوة ، إبان الحرب الكونية الثانية ، كان صلاح عبد الصبور قد صافح أذن المستمع أول ما صافحها من خلال حنجرة العندليب الساحر عبد الحليم حافظ ، في قصيدته لقاء ، التي لحنها كمال الطويل ، والتي كتبت ميلاد مطرب سيكون له شأن غير عادي في تاريخ الغناء العربي ، وملحن سيتربع على عرش الألحان الجديدة الخارجة من رحم الأصالة ، وشاعر سيقتنص من دنياه خمسين عاما فقط ، لكنها ستكون كفيلة لبناء واحدة من أكثر التجارب الشعرية العربية غنى وثراء وتجذرا . يقول مطلع الأغنية التي اتشحت بوشاح رومانتيكي :
( بعد عامين التقينا ههنا
والدجى يغمر وجه المغرب )

نعم لم ينتبه المتابعون كثيرا للقصيدة في أول الأمر ، كما لم ينتبهوا للصوت ولا للحن ، غير أن الأجواء السياسية التي شهدتها مصر في هذه الفترة ، كانت تتطلع لميلاد جديد ، على الصعيد السياسي والفني والاجتماعي والاقتصادي والأدبي ، وكان لابد من وجوه جديدة ، وأسماء غير معهودة ، تناسب ما يطرأ على البلاد من تغيرات ، وهكذا ، ركب فاروق الملك الباخرة ( المحروسة ) مغادرا البلاد إلى غير رجعة ، ومع دقات المدافع الملكية التي أصر الملك المخلوع أن تطلق في وداعه ، كآخر مظهر من مظاهر المجد الغارب ، انطلقت أيضا ، وفي نفس التوقيت ، إشارات ميلاد حياة جديدة ، تتخذ الاشتراكية مذهبا ، والتكافل الاجتماعي درجا ، والتحام الجماهير بالقائد الشاب أساسا للحكم ، وكان على السلطة الجديدة ، أن تبحث عن أسماء جديدة تحمل فكرها ، وتروج لمذهبها ، وتنشر الآمال بين الجماهير الغفيرة التي طال انتظارها لفجر آتٍ .

وكان على الشعر أن يبحث عن ثوب جديد يرتديه ، ثوب يتيح له حركة أكثر حرية وأبعد أفقا وأعمق غورا ، وتتيح للشاعر أن يرتدي الأقنعة ويتسلح باستعارات مغايرة ويتطلع إلى واقعية تتناص مع مفردات الواقع الجديد ، ومستحدثاته المختلفة .

في هذا التوقيت ظهر صلاح عبد الصبور ، وكان عليه أن يخوض حربا شرسة مع حراس عمود الشعر وأساطين رويه ، الذين كان على رأسهم عباس محمود العقاد ، والذي كان يحيل قصائده هو ورفاقه إلى لجنة النثر للاختصاص ، حيث كان العقاد مقررا للجنة الشعر بمجلس رعاية الفنون والآداب وكان يرى أن مثل هذا الشعر ليس موزونا ، مما دعا صلاح إلى كتابة مقالة عناونها ( والله العظيم موزون ) ، ونشبت الحرب ، وكان عليها أن تستمر طويلا بين أنصار عمود الشعر وبين أنصار تفعيليته ، إلى أن أتى حين من الدهر على الناس ، يقرؤون فيه المجلات الأدبية فلا تكاد عيونهم تقع على قصيدة عمودية ، من فرط انتشار الشكل الجديد للقصيدة .

لم تكن هذه الحرب هي الوحيدة التي خاضها صلاح عبد الصبور ، لكنها كانت الأولى ، أما آخر الحروب ، فكانت حربا صغيرةً لم تتعد الكلمات الثلاث ، قالها له أحد المثقفين في جلسة عائلية حميمة ، كانت الكلمات جد قليلة ، لكن قلب صلاح عبد الصبور لم يحتملها ، فمات ، كل ما فعله أنه طلب استنشاق بعض الهواء النقي ، وكأنه تشبع تماما من ذلك الهواء الملوث الذي عبق المكان ، ومات ، تماما كما يليق بفارس يتحمل طعنات السيوف وتقتله الكلمة .

ولد صلاح عبد الصبور في الثالث من مايو عام 1931 بمدينة الزقازيق ، وتوفي في الثالث عشر من أغسطس عام 1981 بالقاهرة ، والخمسون عاما والثلاثة شهور والأيام العشرة الواقعة بين هذين التاريخين كانت كفيلة بصنع تجربة شعرية استثنائية ، وصنعت من صاحبها شاعرا تاريخيا ، ملأ الدنيا وشغل الناس ، وأضاف لديوان الشعري العربي قصائد ستظل خالدة في عيون القراء وفي وجدان المتلقين .

صباى البعيد..أحن إليه، لألعابه
لأوقاته الحلوة السامرة
حنينى غريب..إلى صحبتى.. إلى أخوتى..
إلى حفنة الأشقياء الظهور ينامون ظهراً على المصطبة
وقد يحلمون بقصر مشيد وباب حديد وحورية فى جوار السرير
ومائدة فوقها ألف صحن
دجاج وبط وخبز كثير
إلى أمى البرة الطاهرة
تخوفنى نقمة الآخرة
ونار العذاب وما قد أعدوه للكافرين وللسارقين وللاعبين
وتهتف إن عثرت رجليه
وإن طنطنت نحلة حوليه
باسم النبى

تلقى عبد الصبور تعليمه الأولي بمدينة الزقازيق ، وفي عام 1947 نزح إلى القاهرة للالتحاق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول ، حيث تخرج قبل قيام ثورة يوليو بعام واحد ، وابتدأ حياته الوظيفة مدرسا ، لكنه لم يستطع استكمال دوره في التدريس ، فقدم استقالته ، ليلتحق بركب الصحافة ، فانضم لفريق مجلة روز اليوسف ، ثم جريدة الأهرام ، حتى تم انتدابه للعمل في وزارة الثقافة ، وظل يرتقي الدرج حتى جلس على مقعد رئيس مجل إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب .

فتح صلاح قوسه الشعري في السادسة والعشرين من عمره ، عندما أصدر عام 1957 ديوانه الأول ( الناس في بلادي ) ، حيث استعرض فيه كثيرا من قدراته الفنية ، مستخدما أسلوب التكرار والسخرية والتقويس ، مستعينا بالثوب القصصي المحكم ، بعده توالت دواوينه الشعرية ( أقول لكم ) عام 1961 ( أحلام الفارس القديم ) عام 1964. ( تأملات فى زمن جريح ) عام 1969 ( شجر الليل ) عام 1974 ( الإبحار فى الذاكرة ) عام 1979. وفي المسرح الشعري أصدر ( مأساة الحلاج ) عام 1964 ، ( مسافر ليل ) عام 1968 ، ( الأميرة تنتظر ) عام 1969 ، ( ليلى والمجنون ) عام 1971 ، ( بعد أن يموت الملك ) عام 1975 .

عن دوره في المجتمع ، ورؤيته لطبيعة الشاعر يقول صلاح عبد الصبور : " أعظم الفضائل عندى هى الصدق والحرية والعدالة، وأخبث الرذائل هى الكذب والطغيان والظلم، وأنا أعتقد أن هذه الفضائل هى التى تستطيع تشكيل العالم وتنقيته، وغيابها يعنى انهيار العالم، وشعرى بوجه عام هو وثيقة تمجيد لهذه القيم، وتنديد بأضدادها، لأن هذه القيم هى قلبى وجرحى وسكينى معاً ، إنى لا أتألم من أجلها، ولكنى أنزف !!".

الشعر زلتى التى من أجلها هدمت ما بنيت
من أجلها خرجت
من أجلها صُلبت
وحينما عُلقت.. كان البرد والظلمة والرعد
ترجنى خوفا
وحينما ناديته، لم يستجب
عرفت أننى ضُيعتُ ما أضعت

كان شعر الصعاليك والمتصوفة من أهم المصادر التي اتكأ عليها صلاح عبد الصبور كمرجعية معرفية ووجدانية أثرت شعره الغنائي والدرامي على حد سواء ، وبرز الحلاج وبشر الحافي كقناعين واضحين ارتداهما الشاعر ليصوغ كثيرا من أفكاره ورؤاه عن الحق والعدل والخير والجمال ، هذا بالإضافة إلى أفكار المصلحين الاجتماعيين والفلاسفة والحكماء والشعراء على امتداد الحضارات والبيئات الإنسانية المحتلفة التي استقى منها الشاعر كثيرا من عطاءاتهم الفكرية ، مثل الشعراء كيتس وشيلي وجون دون وت اس إليوت ورامبو ووبودلير وريلكة ، وعن تأثره بالفلسفة المادية يقول صلاح عبد الصبور : ساعدتني الفلسفة المادية التي كنت قد اقتربت منها اقترابًا كبيرًا وخاصة بعد تخرجي من الجامعة عام 1951م على أن أجد في الأفكار لونًا من الموقف الفكري الموحد التماسك, وأن ديواني (الناس في بلادي) معبر عن هذا الإحساس".

هكذا ، لم يترك صلاح عبد الصبور ينبوعا إلا وشرب منه ، ولم ير بئرا للمعرفة الإنسانية إلا واغترف منه ، حتى أقامته القصيرة في الهند عندما عمل مستشارا ثقافيا للسفارة المصرية هناك ، لم تمر عليه مرور الكرام ، وإنما فتش عن كنوز الفلسفة الهندية المتعددة ، مستفيدا من التعددية المذهبية والدينية المتسعة التي تملأ شبه القارة الهندية . مما أضفى على شعره طلالا خابية من ظلال الأسى والحزن التي تلف الفلاسفة والمصلحين ، يقول صلاح عبد الصبور : " لست شاعراً حزيناً ، ولكنى شاعر متألم ، وذلك لأن الكون لا يعجبنى ، ولأنى أحمل بين جوانحى - كما قال شيللى - شهوة لإصلاح العالم ، وهذه الشهوة هى القوة الدافعة فى حياة النبى والفيلسوف والشاعر ، لأن كلا منهم يرى النقص ، فلا يحاول أن يخدع عنه نفسه ، بل يجتهد فى أن يرى وسيلة لإصلاحه ، ويجعل دأبه أن يبشر بها " .

هناك شيء فى نفوسنا حزين
قد يختفى، ولا يبين
لكنه مكنون
شيء غريب غامض حنون

أما عطاءاته الفكرية ودراساته النقدية وإطلالاته السيرية فقد تعددت وترامت أطرافها وجاءت في عدد من الإصدارات منها : ( على مشارف الخمسين ) ، ( و تبقي الكلمة ) ، ( حياتي في الشعر ) ، ( أصوات العصر ) ، ( ماذا يبقى منهم للتاريخ ) ، ( رحلة الضمير المصري ) ، ( حتى نقهر الموت ) ، ( قراءة جديدة لشعرنا القديم ) ، ( رحلة على الورق ) . هذا بالإضافة إلى ترجماته الكثيرة لعيون الإبداع الإنساني العالمي في مجالات الشعر والقصة والمسرح .

لقد كان صلاح عبد الصبور شاعر الوجود الإنساني ، وربما يكون الشاعر الوحيد في العصر الحديث المهموم بالقضايا الفلسفية المصيرية المؤرقة ، وقد كان شاعر حزينا :

تظل حقيقة فى القلب توجعه وتضنيه
ولو جفت بحار القول لم يبحر بها خاطر
ولم ينشر شراع الظن فوق مياهها ملاح
وذلك أن ما نلقاه لا نبغيه..
وما نبغيه لا نلقاه !!

وكان هذا أكثر ما يؤرقه ، ما يلقاه لا يبغيه ، وما يبغيه لا يلقاه .

وقد ذهب في مثل هذه الأيام منذ سبعة وعشرين عاما ، إلى الحقيقة في جلائها التام ، وبوتقتها البينة ، عله وجد هناك ، أخيرا ، ما يبتغيه .

*****************
د. أسرار الجراح



#أسرار_الجراح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع : أسرار الجراح
- الصداقة العرفية
- بين يدي ديوان ( ايقاع حرف )
- رقصة العود العاري
- شاعر الزيتون في حضرة الغياب
- أسرار الجراح : المرأة العربية وصلت لذروة الاتزان في إبداعاته ...
- لماذا التَجَني
- قارئة الفنجان
- عائشة
- أسئلتي
- انسحاب
- عد لي
- أجلسُ في الجوار
- زمن العجب
- أشتاق
- الدفاتر
- ست قصائد
- القلب الوحيد
- أي ريح
- أحرجني


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسرار الجراح - سبعة وعشرون عاما على رحيله : في رحاب صلاح عبد الصبور شاعر الوجود الإنساني