أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سليم مطر - (( التسييس)) اخطر امراض الشعوب العربية!















المزيد.....

(( التسييس)) اخطر امراض الشعوب العربية!


سليم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 2440 - 2008 / 10 / 20 - 06:43
المحور: الصحافة والاعلام
    


نقصد بـ (التسييس)، ان يتم تحويل أي موضوع مهما كان اجتماعيا او علميا او فنيا او ادبيا، الى موضوع سياسي يتعلق بـ ((الحكومات والاحزاب))!!!!
لو تحدثت مثلا عن الغناء او الشعر او حتى الطماطة ، فأن جليسك او جلاسك العرب، وبقدرة قادر، سرعان ما يحولوا هذا الموضوع الى موضوع سياسي، ويبدأون يتشكون ويتباكون عن (خيانة حكوماتنا) وعن (الانحطاط العربي)، ويشرع احدهم بالقاء خطبة بركانية عن(قمع الحريات) و(الامبرالية الامريكية) و(الصهيونية العالمية).. واذا بـموضوع (الغناء) يصبح(حكومة) و(الشعر) يصبح(امبريالية) و(الطماطة) تصبح(صهيونية)!!!!!
وكثيرا ما تتحول الجلسة الى (اتجاه معاكس) حيث يتركز الجدال الحارق بين شخصين، احدهما (مع) والآخر(ضد)، ولا يهم فحوى الموضوع المختلف عليه، بل المهم هي(مسرحية الاتجاه المعاكس) بين الطرفين. فهذه المسرحية الحماسية تقوم بالحقيقة بوظيفة نفسية تفريغية لهموم شخصية جدا ليس لها أي دخل بالسياسة! فلو تمعنت جيدا في اعماق اولئك الاشخاص، لاكتشفت انهم في شكاويهم وشتائمهم ضد الحكومات فأنهم بالحقيقة يشكون ويشتمون بصورة تعويضية بعض الاشخاص من العائلة او المعارف او رب العمل او ربما احد الاشخاص الحاضرين!
وانت المسكين، اذا ما قلت( يا اخوان لنرجع الى موضوعنا وخلونا شوية من الحكومات والسسياسة)، سرعان ما تواجه بنظرات شزر، وتتهم مباشرة او غير مباشرة بأنك(بطران) و(خيالي) و(لا يهمك معانات شعبنا القابع تحت القمع والفساد والدكتاتورية والامبريالية والصهيونية والقوى الشيطانية الكردية والعربية والتركية والايرانية والشيعية والسنية والمسيحية... الخ.. الخ.. ))!

من اين اتت جراثيم هذا المرض الخبيث؟
كلنا نتذكر كيف كان اهالينا يتداولون في لقائاتهم نوعا من الثقافة الجميلة والمنوعة التي يمكن تسميتها بـ(ثقافة السوالف). فتراهم يمضون جلساتهم بسرد الحكايات التراثية والدينية والشعبية، ومعها الحكم والامثلة والنوادر، اضافة الى القضايا والمشاكل الشخصية التي يتم تداولها على امل الاسهام بحلها. وطبعا هم يتداولون ايضا المواضيع السياسية، ولكنها تبقى تشكل جزءا محدودا من مجمل احاديثهم. وهذا حال الجماعات البشرية الطبيعية في كل زمان ومكان. لان السياسة لا تشكل الا جزءا صغيرا من(الفضاء المعرفي)، فهنالك ما لا يحصى من المجالات المعرفية التي تهم الانسان عمليا وامتاعيا، من علوم واديان وآداب وفنون بمختلف تفرعاتها وتفاصيلها اللامنتهية. فحتى الجنود القابعون في خنادق القتال، يتداولون احاديثا متنوعة وطرائفا من دونها لا يستطيعون تحمل معانات الحرب.
اما بالنسبة للثقافة السياسية فقد ظلت حتى اعوام الثمانينات من القرن الماضي تنمو بصورة طبيعية وتأخذ حيزا اكثر فأكثر بدفع من اتباع الاحزاب والنخب السسياسة، يسارية وقومية ودينية. لكن هذه الاحزاب والنخب لم تكن تمتلك الوسائل الاعلامية والتثقيفية القادرة على الغاء(ثقافة السوالف الشعبية والانسانية) وفرض(ثقافتها السياسية الحزبية المحدودة)..
لكن الطفرة السياسية العملاقة ( ان لم نقل الكارثية) حدثت في اواخر اعوام التسعينات مع ظهور(محطة الجزيرة) وبرنامجها الشهير(الاتجاه المعاكس). بحيث تمكنت هذه المحطة من تحقيق ذلك الحلم الطائش الذي تتمناه في اعماقها جميع الاحزاب والنخب السياسية في العالم العربي:
( الغاء الثقافة الانسانية والشعبية، وفرض الثقافة الحزبية السياسية)!
وقد ساهمت غالبية الفضائيات العربية بهذه المهمة(التثقيفية التجهيلية)، بصورة حماسية ليل نهار، وجرفت معها جميع مكونات الشعوب العربية. ويكمن السر الكبير لنجاح هذه الثقافة الحزبية السياسية بفرض نفسها بهذه الصورة الجبارة شبه المطلقة، الى انها:
( ثقافة سطحية وسهلة جدا لا تحتاج الى أي تفكير وبحث، بل يكفيك ان تتابع الاخبار وتحفظ بعض اسماء المسؤولين وبعض العبارات التشدقية الطنانة وترفع صوتك بالزعيق وتكتب بعض المقالات التعليقية(وينصح ان تكون حادة وشتائمية)، حتى يتم اعتبارك(خبيرا سياسي) و(مختصا بشؤون فلسطين أو العراق أو حقوق النسوان وقبائل السودان، أو حتى ظليعا بقضايا الارهاب والكباب)..
بل ان هذه المحطات قد بلغت حدا مذهلا من القدرة على التحكم بالمخيال العربي. فهي وحدها التي تقرر من هو(البطل المنقذ) المناسب للمرحلة. فهي التي قد صنعت لنا( بن لادن والقاعدة)، بل هي التي اثبتت للعالم اجمع بأن(بن لادن) موجود حقيقة وليس صناعة افتراضية أمريكية اسرائيلية! وهي التي فجأة رفعت(صدام) من دكتاتور ممقوت من العرب اجمعهم، الى(بطل عربي اسلامي سني) راح ضحية(الشيعة والايرانيين)!! وهي التي جعلت من(حسن نصر الله) رمزا للمقاومة العربية ثم فجأة حطته الى(رمز طائفي)!!!
نعم هذه الفضائيات ومعها جوقات الاعلاميين و(الخبراء السياسيين) حولت الثقافة السياسية في المجتمعات العربية الى ثقافة اسطورية دينية نفسية بصورة تتجاوز المعقول. بحيث انه صار من الطبيعي جدا ان تشاهد الناس المساكين امام التلفزيونات في البيوت وفي المقاهي، يبكون على مشاهد دمار الفلسطينين ومذابح العراقيين وبنفس الوقت يلعبون الدومنة ويأكلون، بل حتى يتضاجعون وهم يفحون حزنا على حال العرب والمسلمين!!!!
مسخ المثقفين غصبا عنهم
دعوني اعطيكم مثلا من تجربتي الشخصية:
حتى سنوات قليلة كانت الفضائيات والاذاعات العربية تدعوني مباشرة او تستجوبني هاتفيا. وكانت الاسئلة دائما تتمحور حول(احداث العراق). ودائما يقدموني (الباحث او الخبير السياسي). واتذكر ان محطة الجزيرة اخذت تتصل بي لفترة طويلة لتقدمني في برنامج(الاتجاه المعاكس) على اني(خبير بالشؤون الكردية). وكنت دائما ارفض واجيبهم : (انا خبير بالشؤون العراقية عموما وليس الكردية). لكنهم اصروا، ثم نجحوا اخيرا باقناعي بعد احداث العراق وشروع القيادات العنصرية الكردية بهجومها الكاسح للاستيلاء على كل شمال العراق.
وكانت دائما اسئلة المذيعين سياسية اخبارية بصورة مكررة ومملة الى حد لا يطاق:
ماهو تعليقك على تصريحات اياد علاوي... كيف ترى موقف الصدر.. هل تعتقد ان السيد السيستاني.. الا ترى ان خطاب الرئيس بوش..الخ الخ من هذه الاسئلة السطحية الخبرية التي لا تتطلب الاجابة عليها أي عمق ثقافي، فيكفيك ان تقول(نعم اتفق) او(كلا لا اتفق).. ومعها بعض الجمل التشدقية بوقار مصطنع او صراخ ثوري.
علما انهم يفرضون عليك منذ البدء ان لا تتجاوز اجابتك على كل سؤال بضعة ثواني. اتذكر ان ربع طاقتي كنت اصرفها بالتفكير بفحوى الجواب، وثلاثة ارباعها اصرفها على كيفية اختصار جوابي ببضعة كلمات!! انها حقا لعبة متعبة ومقرفة، بحيث اني كنت احيانا احس بالانهيار العصبي بعد استجواب اخباري هاتفي لم يتستغرق مني سوى بضعة دقائق..
وقد بلغت المشكلة ذروتها، عندما فوجئت، قبل اندلاع المذابح الطائفية في العراق ببضعة اسابيع، ان المذيعين راحوا يسألوني هكذا:
ـ استاذ سليم مطر، باعتبارك باحث شيعي.....
الله الله الله.. هكذا اذن نجحت هذه الفضائيات بتحويلي من باحث عراقي، الى (خبير بالشؤون الكردية)، واخيرا الى (باحث شيعي).. ياالله اية قوة شيطانية تقود هذه الفضائيات لكي تصر هكذا على مسخ عقول العرب، بل هاهي تشرع بمسخ حتى عقول المثقفين العرب وتفرض عليهم ادورا سياسية دينية وعرقية وطائفية لكي يصبحوا جزءا من هذا السيناريو التجهيلي العالمي الجبار الجاري تطبيقية بصورة جهنمية رهيبة!!!
حينها قررت ان اوقف هذه الانزلاق الذي اعيشه من دون وعي.. ان احترم نفسي واطالب بالذي اعتقده. اعلنت رفضي ان يتصلو بي من اجل التعليق على الاحداث. قل لهم:
اسمعوا انظرو الى كتبي وكتاباتي. الجانب السياسي منها لا يتجاوز العشرة بالمئة، والباقي فكر وتاريخ وعلم اجتماع، كذلك الادب القصصي والروائي..طيب اطرحوا علي اسئلة اكثر عمقا تخص العراق او الشرق الاوسط او حتى العالم، عن المجتمع والتاريخ والقوميات ومشاكل الهوية والماضي والحاضر والمستقل.. كل ما ترغبون، لكن بلاش تعليقاتي على تصريحات فلان ومواقف علان.. فهذه الاسئلة الخبرية يمكن ان تطرحوها لأي طالب في الابتدائية!
ومنذ ذلك الحين، منذ اكثر من ثلاثة اعوام، وبصورة مفاجأة توقفت جميع الاذاعات والفضائيات العربية عن الاتصال بي ودعوتي..
سبحان الله وكأنهم تلقوا امرا واحدا من قيادة عليا مشتركة!!!؟؟؟



#سليم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات رجل لا يستحي.. السيرة الروائية الجديدة لسليم مطر
- الدولة العراقية واهمالها الفاضح للاعلام الوطني!
- ليس دفاعا عن الطلباني، بل من اجل الحقيقة: لنتخلى عن النفاق و ...
- ميزوبوتاميا ودعوة للكتابة في (خمسة آلاف عام من الكتابة العرا ...
- أخي السياسي العراقي: تخلى عن منافستك للمثقفين، واكسبهم، تكسب ...
- لغز الملك المغدور
- حوارهام مع النائب محمد علي تميم: حقائق مجهولة عن عرب كركوك!
- فدرالية المحافظات العراقية، في ضوء التجربة السويسرية..
- فدرالية المحافظات.. الحل المنسي من احزاب وقادة العراق؟!
- احبب نفسك والناس ايها الانسان..
- فرنسي الجنسية يشرف على لجنة طرد عرب كركوك!!
- تنديد عالمي بالمشروع الاستعماري العراقي لتقسيم امريكا!
- أوه... يابلادي، رحماك كفيني عشقك.. ياقديسة ياغاوية..
- حوار مع سليم مطر، حول الامة العراقية وهويتها التاريخية
- هاكم يا أصدقائي، انا العراقي الحائر،اسمعوا صلاة اعترافي في ح ...
- حضرة السرطان عندما زار صديقي الكاتب العراقي
- الحزب الشيوعي العراقي وازمته التاريخية المستعصية!
- مسؤولية المثقف عن العنف السائد في العراق وفي العالم العربي
- فصل من سيرة عراقية: حكايتي مع الله .. صديقي الطيب الجليل
- احياء الهوية الوطنية.. الخلاص الوحيد اما العراقيين


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سليم مطر - (( التسييس)) اخطر امراض الشعوب العربية!