أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام عبود - مــوســيـقــيـو الـحــدائــق















المزيد.....

مــوســيـقــيـو الـحــدائــق


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 750 - 2004 / 2 / 20 - 07:20
المحور: الادب والفن
    


أيـفـنـد يـونـسـون
إنهم يأتون يوم الاحد. إنهم نوع من الطيور. طيور بشرية.

يرفعون أنفسهم بأجنحة من اصوات وانغام، ويرفعون ذواتهم الضئيلة البسيطة، عالياً فوق رتابة اليوم العادي. إنهم مغنّو الشوارع، الذين يغنّون ويعزفون.

نحن، الرجال والنساء، ممن نستمع، نكتسب محتوى جديداً تعيشه منطقتنا السكنية كل يوم أحد. فاذا أشرقت الشمس، شمس الخريف، شمس الشتاء، نفتح النوافذ، نوافذ المطبخ المشرفة على الحديقة، حينئذ، يغدو ذلك ضرباً من القداس. الجاز، التانغو، اغنية الحب العاطفية هذه ترفع نفسها مثل يد الله من بلاط الحديقة واوساخها، تفعل فعلها في قلوبنا، تعانق وتداعب. مغازلات ربانية كهذه، يد خفيفة او ثابتة فوق القلب كهذه تساوي أورتين (الأورة، أصغر وحدة نقدية اسوجية، وقد بطلت من التداول)، الآن تقول اصواتنا ببرود; اما قلوبنا فتهتف صارخة: امنحوهم خمساً وعشرين أورة!

لكننا لسنا كائنات غليظة القلب، نرمي اليهم بقطعة نقود من فئة خمس وعشرين أورة، ونفعل حركة توحي كما لو اننا نهمّ بإغلاق نوافذنا; ولكننا نقول هكذا: من الممكن ان تظل النافذة مفتوحة، إنه طقس رائع اليوم في الخارج، او نقول: إن الجو بارد هذا اليوم، الهواء العليل شيء جيد. هكذا نقول وعيوننا تلتمع، وأجسادنا تتأرجح في رياح الهارمونيكا.

بيد أن اليد التي تمتد محلّقة من فوق بلاط الحديقة تسمو كأنما هي يد الله المغمضة. المهوّمة في الفضاء.

***

الرجال يغنّون في النوافذ وهم يحلقون لحاهم، هذا او ذاك يجرح نفسه: خدش صغير في البشرة، لؤلؤة من دم: يا لها ضوضاء لعينة! يقول هو، ارم قطعة من النقود لهم يا كريستين، حينئذ سيصمتون.

لكن اللحن يدب في موسى الحلاقة، وموسى الحلاقة انما هي مجرد شيء، شيء بسيط، فماذا عساها تفعل؟ إنها تقوم بقفزات صغيرة، فتتفتح لؤلؤة من الدم منحدرة، تستلقي عارية فوق البشرة المملوءة حديثاً بالرغوة، ثم تأخذ بالارتجاف. ضوضاء لعينة.

- هل عليّ ان أغلق النافذة، يا يوهان؟

- لا، إن الهواء العليل شيء مفيد.

***

المرأة تقف وتغسل الاواني، يتسرب لحن الى داخل أحد أكواب القهوة، تشرع الذرات داخل الكوب في الرقص، عندئذ، يقفز الكوب قفزة فرح من بين الاواني المتبقية من يوم السبت، فتقول ارض البيت: هذا مؤلم.

تقول المرأة:

- لم يتبقّ الآن سوى اربعة اكواب من المجموعة التي أهدتها لنا العمة أدا عند زواجنا، تلك الضجة البغيضة هي السبب!

لكن المرأة تحني بجذعها الى خارج النافذة، هي امرأة شابة، جميلة، تلبس مئزراً أبيض فوق أجود الثياب.

إنها تصغي وتقرع بأرجلها لحناً على الارض. إن ذلك لا يحدث ألماً، تقول ارض البيت، إن ذلك لا يُوجع، يقول مشمع الارض الجديد تقريباً.

تصيح المرأة الى داخل الغرفة:

- نلس، هل لديك عشر أورات.

يقول الرجل:

- إن البرد يتسرب من النافذة.

تقول هي:

- سينتهي ذلك سريعاً، إنهم لا يمكثون طويلاً عند كل حديقة.

***

عطاء الارملة (تعبير انجيلي، يراد به أن يتصدق المرء بآخر ما يملك، وهو أجود العطاء في نظر السيد المسيح، مهما قل مقداره). تجلس الارملة باكية، وعلى البيانو تنتصب صورة. حينما سيأتون غداً ليأخذوا البيانو، فكّرت هي، من الممكن ان أضع الصورة فوق الموقد، لا ضرر فيما لو وضعت الصورة فوق الموقد، فالمرء يراها بالجودة نفسها، كما انها لن تتلف، لأن المرء، على أي حال، لا يملك ما يكفي من المال لكي يوقد ناراً في الموقد، كان من الجائز ان يكون الامر ممتعاً لو كان هناك ملحق جريدة يوم الاحد، لقد كان اولا (إسم اسوجي للمذكر، وهنا يقصد به زوج الارملة) ساهراً في حل الكلمات المتقاطعة.

هي تبكي للحظة، ساكنة، مهجورة. يداها تتدليان بتراخٍ، لقد اصبحتا خشنتين منذ بدأت بالذهاب الى المنازل للعمل في خدمة البيوت.

التانغو، تفكر مرة اخرى.

إنهم يملكون اصواتاً متحشرجة، تفكر.

لو ان المرء يملك صحيفة يوم الاحد، لاستطاع ان يبدد بضع ساعات في القراءة.

التانغو، تفكر مرة اخرى.

تتوجه، خارجة نحو المطبخ الصغير، وتفتح النافذة الضيقة. يد الله ترتفع عالياً من بلاط الحديقة وأوساخها، تلامس قلبها بصمت وسكينة.

يقول ستوره أندرش:

- إنها، بحق الشيطان، سترمي بنقودها من النافذة، ولكن مع ذلك، سننتقل من هذه المشقة الضيقة الآن، ولو أنني لم اصبح رئيساً للعمال لكنا مرغمين على الاقامة في وكر الفئران هذا.

- هل سنغلق النافذة، يا أندرش؟

- لا، من الممكن ان تظل مفتوحة.

***

- يا أماه، هل لي أن أحصل على أورتين... جميع الاطفال الآخرين...

- نعم، ولكن يتوجب عليك القيام بانحناءة جميلة، وأنت تقولين: تفضل، ايها السيد العازف، ولا تركضي فوق درجات السلّم، ستنزلين بانتظام، والا ستؤذين نفسك، وسيتسبب ذلك بحدوث ورم كبير في الجبهة... وكذلك يجب ا ن تعرفي ان من غير المسموح لك ان تكوني في صحبة اولاد نلسون الشنيعين... هم ليسوا اولاداً طيبين، سننظر اليك من النافذة، ستعطين النقود الى ذلك الطويل، الذي يعزف على الاكورديون، ذلك الذي يبدو مثل قائد الجوقة.

***

- إنك تفهمين يا أنّا، ان هذا لا يمكن ان يستمر على الدوام، انني بحاجة الى الهدوء، على الاقل يوم الاحد، حينما أكون في إجازة! في عبارة صريحة، انا لا احتمل غيرتك، أنت تعرفين أنك لست على حق! لقد أوضحت لك طبعاً لماذا حضرت متأخراً مساء الامس!! اذا بكيتِ، ايتها الآدمية، بهذه الطريقة سأصبح مجنوناً.

- لا أبكي لهذا السبب، لم أعد أحفل كثيراً بما تفعل.

- هكذا اذاً، الامور أصبحت هكذا الآن، كم مضى على زواجنا؟ نصف عام! نصف عام!!! وأنت لا تكترثين بما أفعل! إنه بيّن!

- بسبب ذلك الفالس، يا أريك...

- اغلقي النافذة!

- لن يحدث هذا ما دمت حيّة!

- اغلقي النافذة، قلت لكِ!

- لن يحدث هذا ما دمت حية، قلت لك!

***

نعم، إنهم يأتون كل يوم أحد. إنهم ضرب من الطيور، طيور بشرية، ربما هم يمارسون اعمالاً مختلفة في ايام الاسبوع المتبقية، ذلك ما لا يعرفه المرء. إنهم طيور الآن، طيور بشرية، يرفعون ذواتهم الصغيرة، من فوق البلاط والاوساخ، إنهم اكثر مما توحيه مظاهرهم. في العام الماضي كانوا خمسة: ثلاثة قصار، واحد طويل ونحيف، وواحد ضخم وسمين. والآن هم خمسة ايضاً، ولكن ليسوا كما كانوا في السابق. اثنان منهم لهما وجهان مختلفان، لكن هذا لا يغيّر من الامر شيئاً، فهم يسمون بذواتهم الضئيلة لتصبح يداً حانية من أيادي الله الرقيقة الهابطة على القلوب.

يقفون في منتصف الحديقة يعزفون ويغنّون.

قطع النقود تتساقط عليهم، كالدموع الطيبة المتقاطرة من القلوب الطيبة.

ورغم أنهم ذهبوا الآن، فإن المرء يسمعهم من بعيد في حديقة ما، على بلاد ما، بين قُمامة اخرى، الا ان موسيقاهم وغناءهم يظل لابثاً في الهواء مثل رفرفة لأجنحة لا مرئية، مثل نسمة رقيقة في اتجاه قلوبنا.

ترجمة سلام عبود



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيـفــنـد يـونـســون الـحــلـم الاوروبــي فـي الادب الاســوج ...
- القيادة الكردية العراقية الحاكمة بين خياري الفيدرالية والحرب ...
- صرخة من أجل العراق
- صـدام عـمـيــلاً تـمـحــيـص الـمــصطلـح
- منابع الديكتاتورية.. صدام نموذجاً هل صنعته الطفولة أم صنعه ح ...
- عــلّــوكــي
- ظاهرة مقتدى الصدر: الجذور, الأسباب, النتائج
- مـن الـثــــورة الـى الـدولـــة
- يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخج ...
- الـشــاعـرة الأســـوجـيــة اديـث ســودرغــران تـكـســر جــلـ ...
- مــن يـكـون -الـروائـــي- صـــدام حـســــيـن؟ عـن -زبــيــبـ ...
- إعــادة إعـمـــار الـثــقـــافـــة فـي الـعــــراق الـبــعــ ...
- الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه
- أقــنـعـــة الـفـــرهـــــود
- هل استقر مهد الحضارات في بطون الدبابات؟
- ســقـط الـديـكــتـاتـور صـعـد الـيـانـكـي: تهـانـيـنـا
- المسألة العراقية بين خيار أسوأ الاحتمالات و خيار المبدئية ال ...
- الرهينة - من القصة القصيرة الى الرواية-


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام عبود - مــوســيـقــيـو الـحــدائــق