أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار الصفا - ردة اعتبار















المزيد.....

ردة اعتبار


أزهار الصفا

الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 05:02
المحور: الادب والفن
    


جلس خلف السائق في سيارة أجرة , وانطلق نحو مشواره , مسترسلا بنظره نحو الغيمات المطلة عليه من النافذة اليمنى لباب السيارة .. و غارقا فكره بالمكالمة الأخيرة التي تلقاها من مديرة المدرسة , التي يدرس فيها أولاده , وعن سببها , عندما طلبت منه القدوم إلى المدرسة لأمر ضروري يتعلق بأولاده , فكثيرا ما توجه إليه المدرسة , أصابع الاتهام بعدم مسؤوليته تجاه أطفاله , وعدم الاهتمام بهم علميا و صحيا . .. وكثيرا ما ترسل إليه معلماتهم , باقات التحذير من سلوك أولاده داخل المدرسة .
و بينما هو جالس بجسده في السيارة , ارتعبت أفكاره لصوت السائق المفاجئ , يتكلم معه قائلا :
_ عندما نخرج بمشوارنا مشيا على الأقدام نصل إلى مبتغانا قبل أن نخرج إليه بسياراتنا.
حملق سامي مستغربا بالسائق , و كأنه لم يسمع ما قال سوى بعض المفردات العارية , التي مشت وسط غباش فكره إلى جوفه . نظر أمامه حتى قرض من مسمعه صوت زمير السيارات المتكدسة أمامه , فأدرك ما قال السائق , هازا رأسه بالرضا , دون أن يحرك ساكنا ...

انتهت به ساعات الضجيج وسط شوارع مدينة "عمّّان" , إلى أعتاب المدرسة الخاصة لبراعم المستقبل , الملقية برتابة تخطف الأنظار , على رصيف شارع الحسين بالمدينة ... حيث يدرس أطفاله .
وضع قدمه اليمنى بثقل على الأرض , بعد أن فتح باب السيارة . وسارت ببطيء تسكنها الرهبة الحذرة إلى داخل المدرسة قدماه ... توجه بقامته القصيرة , و نظراته المريبة , إلى غرفة المديرة بعد أن أرشدته إحدى المدرسات إليها . طرق الباب و دخل بعد أن أَذن له , ليجد امرأة ترتب الأوراق على الطاولة , التفتت عيناها إليه دون أن تعرفه , و أشارت بيدها إليه للجلوس دون أن تتكلم , و بادرها بالحديث قائلا :
_ أنا سامي رضوان . والد عرين و رائد.
زرعت كلماته أوتاد نظر المديرة في جوف عينيه . و استذكرت ذاكرتها بأن الشخص أمامها مر عليها منذ زمن , لكنها لا تعرف أين ؟ أما هو : الذي ألقى الماضي رحاله في أعماق ذاكرته من جديد , فقد عرفها ... و كيف لا يعرفها ؟ و هي من زرعت الكآبة في قوارير جوفه , و بنت له أسوار الحزن حول منازل سعادته , بعد أن أحالتها لركام ألم و تعاسة ... غادر فكره من الحاضر لإجراء جولة حول الماضي يدخل من خلاله إلى تفاصيل ذكرياته , و ما رأى فيها سوى نفسه , يجلس أمام المرأة الماثلة أمامه , يمارسان عشق الحديث , على طاولة منعزلة عن بقية طاولات إحدى كفتيريات المدينة , و يرسم معها موعدا لقدومه إلى بيت والدها , ليتقدم لخطبتها ... إلا أن شرايينه نبحت لخبر أوقف أمانيه عن التقدم , عندما علم أن والدها أبكم لا يسمع , و لا يتكلم . وانتفضت مشاعره للخبر الذي لم يحمل له سوى حقول البعد عنها , عندما قال لها بلهجة مستنفرة :
_ ولكنك لم تخبرينني من قبل بذلك !
_ و ما الفرق الآن ... أو من قبل نفس النتيجة .
حط الصمت رحاله في ساحات ثورته الهائجة برهة , و دونما تفكير, قصف كرامتها لسانه , بجملة من عنده :
_ أنا لا أريد أن يولد أطفالي بكم و صم , و أنت بالتأكيد تحملين هذه الجينات ...
لملمت ساجدة ما تبقى لها من قوة بعد أن خارت و تناثرت ذراتها على التراب . و قالت :
_ ولكن والدي لم ينجبني أو شقيقي أبكمان !!
ضحك سامي باستهتار بالغ , و كأنه كان بانتظار فرصة كهذه , للفرار من قفصها إلى هواء الحرية , و بلا تفكير واصل عملية التحطيم لكرامتها دونما اكتراث , قائلا :
_ لو أنجب غيركما لكان كذلك ... أما أنتما ؛ فتحملان الجينات الوراثية , لتصبانها بأولادكما ...
ردت عليه ولا زال لسانها المتعثر بالتلعثم يلملم آثار هزائمها المتتالية لكرامة وئدت بالذل :
_ أنت أعطيتني موعدا , بأنك ستزورنا عند المساء ... و أنا أنتظرك ... و أرجو منك أن تفكر قبل أن تتخذ قرارك .
محاولات عبثية من قبلها , للتمسك بسامي , أجلستها وقت المساء تنتظر مجيئه بشوق . و بينما هي تنتظر , كانت تراقب والدها الذي يتحدث مع والدتها بلغة الإشارة . و تقول له بذهنها :
_" أرجو أن لا تكون نقطة فارقة بيني وبين سامي ... فمهما حصل , و إن ابتعد سامي أنا لن أحقد عليك أو أرمي بشباك الكره تجاهك , بالرغم مما أكنه لسامي من حب ينبع بقوة من أعماقي ..."
بينما كان سامي يجلس بجانب والدته , يطلب منها أن تبحث له عن فتاة كي يتزوجها , بعد أن أغلق الصفحة بينه و بين ساجدة , و دونما تفكير بمشاعرها , و مكانتها في قلبه ... تلك المكانة التي انفجرت أمامه بعيد دقائق قليلة من وصوله المدرسة ... فبعد أن لف العالم يبحث عن الأمن و الحب في عيون النساء , فما وجد سوى في عيونها مدينة للأمان .

عاد سامي لواقعه التعيس , يقف أمام ساجدة مرة أخرى بعد سنوات من البعد ...خطر بباله للوهلة الأولى أنها جاءت لتسأل عن أولادها , وقبل أن تتحدث إليه سألها:
_ أنت ساجدة أليس كذلك ؟؟
صمتت عيونها وهي تحملق فيه باستغراب, ورغبت بقطع تقدم سامي لمعرفتها بقولها :
أنا مديرة المدرسة هنا...
أما في أعماقها : فبالكاد عرفته نظراتها وتذكرت روحها وبعد أن عرف عن نفسه طلبت من الآذن إحضار ابنته "عرين" إلى غرفة المديرة وأدارت ظهرها عنه تداري خبر معرفته قائلة:
_ يا سيد سامي ابنك يعاني من عسر استيعاب , و نوبات غباء شديدة , و نحتمل ذلك ... أما ابنتك ؛ فنحن لسنا مجبرون على تحملها ... فهي تعاني من تخلف عقلي , يجعلها تخرج بين الفينة و الأخرى من داخل الصف دونما سبب يذكر , و تضرب زميلاتها , ولا تحاكي المدرسات أبدا ... لذلك أنت مجبر على نقلها إلى مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة .
سقط بالهم قلبه , ووقع بالهزيمة حاله . فهو يعرف ابنته و جنونها جيدا , أما أن تأتي بآخر عمره امرأة تجبّر على قلبها قلبه في بؤر الماضي . تعيره بأولاده داخل فنادق الحاضر ,,, فهذا لم يكن بالحسبان أبدا , فبعد أن بذر زمانه بالتكبر و الأنانية , حصد زرعا زرع رأسه بالأرض ذلا و مهانة , و ما من مهرب للحق يسير إليه , سوى تذكيره بنفسه قليلا , فقال :
_ أتذكرين عندما رفضت الارتباط بك خوفا على أطفالي ؟؟
هزت رأسها و قالت و هي بيدها إلى ابنته الواقفة أمامه :
_ أنت بالتأكيد كنت تحبني , وإلا لما كنت حجبت عني هذه المصائب .
جملة صفعت كبرياءه , و كسّرت تكبر صباه على صباها في سنوات الشباب , وألزمته حالة شعرت بها هي ذاتها قبل سنوات . ولا يعيد الحالة لما كانت عليه بالسابق , سوى اطمئنانه بأن ساجدة أنجبت أطفالا بكما أم لا؟ وبأسلوب ملتو متعرج القصد , في محاولة بحث لإعادة مكانته , قال :
_ ألك أولاد ؟
_ بالتأكيد . دقائق قليلة و يأتون إلى المدرسة , كي نعود معا إلى المنزل . فهم يدرسون بالمدرسة الأساسية القريبة من هنا ... أما ابنتي , فهي مريم التي تتكفل بتدريس ابنتك , و تعلمها الكتابة والقراءة .
ارتشفت عيناه دمعة , كانت تدلى أعلى جفنيه و تتأرجح هناك استعدادا للسقوط , بعدما سمع ما سمع , وعادت ذاكرته , لأيام قليلة مضت , حينما أقامت المدرسة احتفالا تكريميا للطلاب المجتهدين . عندما كان سامي يجلس بجانب ولديه : رائد وعرين . وبدأت المشرفة على الحفل حفلها, بتكريم مريم الهندي , الحائزة على المرتبة الأولى على مستو المدرسة بكاملها .شدت عرين وقتها يد والدها , وقالت:
_ "هذه الفتاة التي تدربني على القراءة والكتابة و أمها مديرة المدرسة ".
حينها ... لم يكن الأمر ليعني سامي كثيرا , أما الآن ... وخاصة بعد أن دخل شبلان إلى غرفة الإدارة , متجهان صوب ساجدة , و يتحادثان إليها بلهجة الأمومة وخالية أسماعهم وأبصارهم وعقولهم من أي عيب يذكر , فقد بات الأمر يعني ضميره كثيرا ... ابتسمت ساجدة ابتسامة ردت لها اعتبارها المكسور منذ سنوات . و قالت بلؤم :
_ هذان ولداي .

نظر سامي إليهما و كانت تبدو عليهم علامات البداهة والذكاء , وأعاد النظر إلى ابنته المطلية بالتخلف العقلي , و تذكر ولده المجبول بالغباء . فربط بصعوبة جأشه الصبر , و استل حسام العزيمة في وجه حقيقة مفادها : تجبره على فتاة بريئة , لا ذنب لها بمشكلة والدها , و تعميته عن طريقها , و سلوكه طريقا آخر , طريقا مختصرا عن الخوف , قاده إلى حمل خطيئة قلبها المكسور من قبل قلبه .

بعد أن ردت عورة التاريخ إليه ؛ ناولته ساجدة بعضا من الأوراق الرسمية , التي تلزمه من خلالها , بنقل ابنته إلى مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة , و خرجت برفقة ولديها من الغرفة . في حين مسمر الهمّ ساقي سامي مكانه , وباشرت عيونه تمطر الندم على ما فاته , و ما جناه تجبّر ضميره , و حصدته نيته السيئة . في بطن لحظات منحه الله إياها ليختبر مدى شكره له .




#أزهار_الصفا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوهم القاتل


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار الصفا - ردة اعتبار