نظرية الدولة العراقية

حسن الشرع

الحوار المتمدن-العدد: 2432 - 2008 / 10 / 12 - 06:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

نشر موقع صوت العراق الأغر مقالا بعنوان نظرية الدول العراقية وأود في السطور اللاحقة أن الفت النظر إلى جملة أمور وحيثيات أظن أن الزميل الكاتب لم يتطرق إليها اغناءً لموضوع البحث من اجل إكمال الفائدة والتذكير ،ولا أجد حرجا في استلال عنوان الموضوع (نظرية الدولة العراقية) حفاظا على وحدته من جهة وعمومية العنوان من الجهة الأخرى.
قبل الخوض في حيثيات نظرية نشوء الدولة العراقية وتاريخ هذه النشأة لابد لنا ابتداء من التذكير بان هذه النظرية تنطبق على نشوء معظم دول المنطقة إن لم نقل كلها ،بل إن البعض يري أنها تنطبق على معظم الدول الحديثة بدلالة الوقائع التاريخية وما تبتني عليه هذه الوقائع،لقد لعب أشخاص بعينهم الدور الأكبر في إرساء نظرية نشوء الدولة العراقية وما جارها كما كان لهم الريادة في صناعة التاريخ الحديث في المنطقة ولا بد لنا هنا ي هذا الصدد من الخوض في الأيديولوجيات التي تحكمت في تلك الفترة والتي تحكمت فيها ،فلم تكن فلسفة الدولة الاشتراكية قد نضجت في بدايات القرن المنصرم ،كما إن المتبنيات الفكرية لنظرية الدولة الاشتراكية من المنظومات الاقتصادية ونظريات وسائل الإنتاج والآداب والفنون والتاريخ وغيرها كنظريات الواقعية الاشتراكية والحتمية و هيمنة الدولة والمجتمع على رأس المال ووسائل الإنتاج والتفسير المادي للتاريخ وغرها ...كلها لم تكن كما كانت عليه الحال في العقود الأربعة و الخامسة التالية من القرن الماضي وصول إلى فترة ما كان يعرف بالمد الثوري والازدهار الاقتصادي إبان فترة الستينيات،لقد كان لانتشار الأمية ولجهل في عموم المنطقة وما يترتب عليهما من واقع اجتماعي متخلف السبب الأول في تبني أيديولوجيات تبجل مبدأ القوة وتبرر لها وتحاول إيجاد الأسانيد العقائدية والأخلاقية والدينية لاستعمال القوة .لقد كان هذا المبدأ الأساسي الذي استندت إليه نظري نشوء الدولة العراقية على يد المؤسسين الأوائل وهم الضباط الذين تعلموا العلم العسكري في اسطنبول وناصروا الانكليز في ما كان يعرف بالثورة العربية التي يشير اسمها إلى أيديولوجية قومية سرعان ما اتضح أنها ليست الوحيدة التي تعمل في الساحة.
لقد بات من الواضح لمنظري الدولة العراقية الحديثة إن هذه الأيديولوجية لم تكن تعمل بيسر في الواقع العراقي آنذاك بالبساطة والسلاسة أي وجدتها في دول الجوار العربية منها على وجه الخصوص ،وذلك نظرا للتنوع السائد في ارض مابين النهرين ،وهو ذلك التنوع الهائل في الشكل والمتبنيات الفكرية للسكان والضارب في أطنابه بعمق حضارة وادي الرافدين و من أول الحضارات وأقدمها على الإطلاق.
قد استدعى هذا الأمر من واضعي أسس نظرية الدولة العراقية أن يتجهوا إلى العمق الإسلامي للعروبة، فكان خطابهم السياسي يظهر هذا التوجه، عندها يتضمن الخطاب مفردات (كالأمة العربية والإسلامية)(وأمة محمد)و(الرسول العربي )و(الحضرة العربية والإسلامية).لقد كان الخطاب السياسي والإعلامي ابن الحكم الملكي كثيرا ما يستند إلى هذه الخطابات الذي استمر إلى الوقت الحاضر وان كان بحماس اقل في العراق لكنه استمر لأسباب أخرى في بعض دول الجوار العربية.
إن مبدأ استعمال القوة في الإدارة لم يكن مبدأ استندت عليه نظرية الدولة العراقية الحديثة ابتداء وليس له جذورا ضاربة في عمق التاريخ القديم للعراق بل على العكس فان مرورا سريعا بالتاريخ العراقي بعصوره القديمة والوسيطة يكشف لنا بوضوح استعمال هذا المبدأ وهيمنة الصراعات على فترات طويلة نسبيا من تاريخه كانت وغالبا ما كانت هذه الصراعات تحسم بالقوة ومهما كانت طبيعتها ومنشأها وأسبابها،ويدر القول هنا بان العراق هو ليست البقعة الوحيدة التي كان للقوة الحضور الفاعل في نظرية النشوء والحك والإدارة ،بل إن معظم دول العالم بنت مفاهيم نشوئها على هذا الأساس ابتدءا،لكنه تخلصت من الهيمنة الفكرية لاستعمال القوة في مراحل لاحقة من تاريخها وهذا ما لم يحصل أن تبنته نظرية الدولة العراقية القديمة و الحديثة ،مما كان له تفاعلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وعلى المستويين المحلي والخارجي ،ولعل ابرز هذه التداعيات والمفارقات والمظاهر التي كانت أسبابا ونتائجا نظرية نشوء الدولة العراقية ما سيأتي
1-إن تأسيس الجيش العراقي كان قد سبق تاريخ نشوء الدولة، وهذا ما بحاجة إلى بعض النقاش والجدل القانوني والتاريخي والاجتماعي...أفضل تركه إلى مقالة أخرى.
2-الطبيعة المتطرفة للفرد العراقي وما لهذه الطبيعة من آثار اجتماعية على مسيرة الدولة العراقية.إن الطبيعة المتطرفة هذه هي الأخرى لم تأت من فراغ وإنما هي نتاج طبيعة الأرض العراقية وماؤها وهواؤها ،فتعاقب الفيضانات المدمرة والجفاف الشديد وتعاقب الحر الشديد والبرد القارس والخصب والوفير والجذب والملوحة التي يقال أنها أسقطت اكر من حضارة واحدة على ارض الرافدين هي أمثلة للطبيعة المتطرفة التي ربما خلقت مزاجا اجتماعيا متطرفا مترفا تارة وحزينا تارة أخرى،لقد وجدت كل هذه التناقضات سبيلها إلى الفن والفولكلور العراقي فجعلته متطرفا حزينا داكن للون ..
3- تعد ارض الرافدين معبرا مهما لحضارات العالم القديم جعلت من هذه الأرض موضعا لصراعات فكرية واقتصادية وعسكرية كان لها اثر كبير في نظرية الدولة العراقية،واترك للقارئ البحث في الأسباب والنتائج مشيرا إلى احد مظاهر هذا الصراع على نظرية الدولة العراقية وهو العلاقات المصرية العراقية وهي العلاقات التي كانت وربما مازالت تأخذ الجانب التنافسي أو المصالح المتقاطعة في اغلب الأحيان .
4-التقاطع الشديد بين الحاكم والمحكوم وهو ما يفسر ما يعرف بعدم الرضا والموالاة أو عدم الولاء للسلطة من جانب وشرعية الحاكم من جانب آخر، ويلاحظ إن هذه الجدلية مازالت تعمل حتى هذه اللحظة.
5- الوضع الجيوبولوتيكي للدولة العراقية كان على مدى العصور الشغل الشاغل لدائرة الجوار القريب والإقليمي وربما كان الدائرة تتجاوز هذا الوصف والتحديد ،وربما كان هذا هو السبب في توتر العلاقات السياسية ين الدولة العراقية وجورها في معظم الأوقات.
6-المستجدات والمستحدثات الأخيرة التي حصلت (للوضع العراقي)وما يكمن أن نتوقع كأزمات مياه وزيادة مفرطة في السكان ومخاطر الكوارث الطبيعية (لا سمح الله) ومخاطر التقسيم والصراعات السياسية المحلية وما يقابلها على المستوى الإقليمي والعالمي من متغيرات واستحقاقات كهيمنة اقتصاد السوق والابتزاز السياسي والعسكري والاقتصادي ....كل ذلك يعد ن الأمور المهمة التي لا يجب تناسيها أو إغفالها في إرساء دعائم نظرية الدولة العراقية الحديثة.
7- العمل على خلق( أيديولوجيا وطنية)لنظرية الدولة العراقية وقد يبدو أن هذا المصطلح غير مستعمل وليس وارد في كتابات الكر السياسي ،لكنه يصف الحالة المراد تحقيقها مقابل فلفشل الذي الم بالنظرية للمرحلة السابقة.
وهذا أمر مهم يمكن أن يؤسس لمواقف سياسية وسياسات اقتصادية واجتماعية وعسكرية وغيرها مما لا نجده حاضرا في الوقت الراهن.
تمثل هذه النقاط عناوين عامة يمكن أن تنضوي تحتها تفصيلات كثيرة، لكن أهميتها تكمن في النظر إليها في تبني جديد لنظرية الدولة العراقية الحديثة.إنها تمثل ابتلاءات وتحديات كبيرة أمام من يدعي انه يتصدى لمرحلة تأسيس جديد أو ترميم كبير لبنية متآكلة أو حتى الحفاظ بشكل ما على النظرية التي تم تبنيها لقرن مضى وانقضى.

#حسن_الشرع (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات