أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - قاطرة الاقتصاد العالمي تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!















المزيد.....

قاطرة الاقتصاد العالمي تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2432 - 2008 / 10 / 12 - 09:27
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


ومن العجز يولد الاعتقاد بالمعجزات، فالأزمة الاقتصادية العامة للنظام الرأسمالي العالمي، في طوره المسمى "الرأسمالية الجديدة"، والتي هي الأولى، حجماً ونوعاً، في عصر العولمة، أصابت الساسة والاقتصاديين من الليبراليين الجدد، وأقربائهم في صناعتي الإعلام والإيديولوجيا، بالعجز عن التعليل والتفسير، وعن التغيير من ثمَّ، فلم يبقَ لديهم من خيار إلا الإيمان بالمعجزات.

ثمَّة مريض، وثمَّة طبيب أو أطباء، وثمَّة تشخيص، وثمَّة دواء في صيدلية النظام الرأسمالي. وهذا المريض، وهو الاقتصاد الرأسمالي برمته، ليس، بحسب التشخيص الذي أجمع أطباؤه عليه، مريضاً في جسده وقواه البدنية والعضلية، وإنَّما في "النفس"، فهو مصابٌ، على ما يزعمون، بمرض نفسي، من أعراضه الخوف والفزع والذعر والتشاؤم وانعدام الثقة بالذات وبالغير والرغبة في الانطواء..، ولا بدَّ، بالتالي، للأطباء من الساسة، وفي مقدَّمهم جورج بوش، من أن يكثروا، في هذا الزمن العصيب، من إلقاء الخطب، وإصدار البيانات، التي تهدِّئ المخاوف، وترفع المعنويات، وتعزِّز الثقة بالنفس وبالغير؛ أمَّا إذا ظلَّت "الأزمة" مصابة بالصمم، أو تمج أسماعها الوصايا العشر، فلا حلَّ، عندئذٍ، إلاَّ الصلاة، والدعاء بالشفاء لاقتصاد سُدَّت شرايينه، وقد ينتهي هذا الانسداد بإصابته بنوبة قلبية حادة، فهم الآن يؤمنون، وأكثر من ذي قبل، بأنَّ الأعمار والأسعار من أمر الله.

من السيكولوجيا يبدؤون التحليل والتعليل والتفسير والفهم، فالاقتصاد ظاهرة سيكولوجية لجهة منشأها وقواها، وكأنَّ "الأفلاطونية الاقتصادية" تعلو الواقع ولا يُعْلى عليها، فبغتةً تملَّك شيطان الخوف والذعر قلوب كل المستثمرين في البورصات العالمية، فاندفعوا في بيع ما يملكون من أسهم، ممسكين عن الشراء، فشرعت البورصات وأسهمها تتهاوى، وكأنَّها الأجسام تسقط سقوطاً متسارعاً، بما يؤكِّد صحة قانون السقوط الحر (للأجسام) الذي اكتشفه غاليلو.

إنَّهم الآن، أو من الآن وصاعداً، يبيعون أسهمهم بالجملة، ولا يشترون، فـ "التسييل"، أي تحويل الأسهم إلى نقود، هو الآن الغاية التي لا تعلوها غاية. أمَّا عاقبة "التسييل" فهو ارتفاع سعر الذهب، وسعر الدولار، فالملاذ الآمن الآن بعضه ذهب، وبعضه تلك "الورقة الخضراء المصفرَّة". وكلَّما ارتفع سعر الدولار هبط سعر برميل النفط، وتضرَّرت صادرات الولايات المتحدة، وزاد العجز في ميزانها التجاري، وإنْ كان التباطؤ الصناعي فيها يقلِّل من تنامي هذا العجز، لكونه يخفِّض وارداتها النفطية. ومع تحول التباطؤ إلى ركود يتراجع استيرادها أكثر، فيصاب بالركود من ثمَّ اقتصاد ضخم كاقتصاد اليابان الذي يقوم على التصدير لأسواق الولايات المتحدة.

همُّهم الآن هو وقف الانهيار المتسارع في أسواق الأسهم، والذي يتسبَّب به، بحسب تفسيرهم المثالي للاقتصاد، الخوف.. خوف المستثمرين في الأسهم على أموالهم.

ولكن، ما السبيل إلى ذلك.. إلى طرد الخوف من قلوب المستثمرين في البورصات؟

الجواب، أي جوابهم، لن يقل أفلاطونية، فالمصارف التي يُقْرِض بعضها بعضاً لساعات مصابة الآن بمرض نفسي، هو مرض انعدام الثقة ببعضها بعضاً، فالمصرف الذي يملك سيولة، أي نقود، يخشى الآن أن يُقْرِض مصرفاً آخر (لساعات) لأنَّه لا يثق بقدرة المصرف المقترض على إعادة القرض مع فوائده إلى المصرف المُقْرِض. والمصرف، الذي يُقْرِض مالاً لساعات لمصرف آخر، هو المُقْرِض الأكبر في النظام المصرفي.

إنَّ مهمة الساعة لدى الدول والحكومات الآن هي أن تفعل شيئاً يعالج مرض انعدام الثقة بين المصارف، ويشجِّع، بالتالي، المصارف على إقراض بعضها بعضاً لساعات، فإذا أُنْجِزت هذه المهمة على خير وجه أصبح ممكناً، على ما يتوهمون، أن تملك المصارف (المُقْتَرِضة من مصارف أخرى) سيولة كافية، وأن يغريها ذلك، أو يشجِّعها على، استئناف الإقراض للأفراد والشركات (الصناعية والتجارية..) فينتهي التباطؤ في الاقتصاد الحقيقي، وتجتنب الرأسمالية، بالتالي، شرور ركود اقتصادي واسع عميق طويل الأجل، غير مأمون العواقب (الاجتماعية والسياسية والتاريخية والإيديولوجية).

"الأزمة"، وفق تشخيصهم المُغْرِض لها، ليست بأزمة نقص أو شُحِّ في السيولة، فالأموال موجودة الآن في المصارف؛ ولكن كل مصرف لديه ما يكفي من السيولة يخشى أن يُقْرِض مصرفاً يحتاج إلى السيولة ولو لساعات، فتمخَّض عن ذلك انسداد كثير من شرايين النظام المصرفي.

هذا التشخيص إنَّما يعني، أو يراد له أن يعني، أنَّ الأزمة تتركَّز في النظام المالي والمصرفي، أو تنحصر فيه فحسب، وكأنَّ "الاقتصاد الحقيقي (صناعة وتجارة..)" بألف خير الآن؛ ولكن قد يلحق به الضرر إذا ما استمرَّ الخوف يردع المصارف عن إقراض بعضها بعضاً.

لِنَنْبُذ الآن "الأفلاطونية الاقتصادية"، ولْنَعُد إلى الواقع الاقتصادي، الذي هو ككل واقع يعلو ولا يُعْلى عليه، ولْنَسأل السؤال الآتي: إذا كان كل مصرف لديه ما يكفي من السيولة، أو فائضاً منها، يخشى إقراض مصرف آخر (لساعات) بسبب عدم ثقته بحُسن حالته الصحية، فلماذا يُحْجِم، أيضاً، عن استثمار فوائضه المالية في "الاقتصاد الحقيقي"، وفي الصناعة على وجه الخصوص، والتي يزعمون أنَّها في صحة جيدة جداً؟

واحسب أنَّ طرح هذا السؤال، الذي عن عمد يحجمون عن طرحه، يكفي، في حدِّ ذاته، دليلاً على أنَّ الأزمة تضرب، أو شرعت تضرب، جذورها عميقاً في "الاقتصاد الحقيقي"، فهم في بيانات وخُطَب الخداع والتضليل التي يلقونها على مدار الساعة إنَّما يحاولون أن يصوِّروا الأزمة على أنَّها أزمة في "الاقتصاد المالي (الورقي)"، وعلى أنَّها، بالتالي، أزمة في "الرأسمالية الجديدة"؛ أمَّا "الاقتصاد الحقيقي" مع "النظام الرأسمالي على وجه العموم"، فهو بألف خير، وفي صحة جيدة جداً!

نحن لا مصلحة لنا في بثِّ الأوهام والاتِّجار بها، فمصلحتنا فحسب هي كشف الحقيقة، والنطق بها من ثمَّ. ولقد قادنا مبدأ الانحياز إلى الحقيقة إلى القول بأنَّ الأزمة ليست، في سببها الحقيقي والأهم والأعمق، "أزمة إقراض"، أي "أزمة إحجام عن الإقراض"، وإنَّما "أزمة عجز عن السداد"، فلو كان ممثِّلو "الاقتصاد الحقيقي" من أرباب عمل وعمال قادرين على سداد القروض التي يحتاجون إلى اقتراضها لَمَا أحجمت المصارف والمؤسسات المالية، التي لديها ما يكفي من السيولة، أو فوائض منها، عن إقراض هؤلاء.

الأزمة، على ما يزعمون، لا تتعدَّى حدود النظام المالي والمصرفي، فهي زوبعة في داخل الفنجان، الذي هو كناية عن المصارف والمؤسسات المالية؛ ولكن ما هي حقيقة هذه المصارف، التي يحاولون إظهاره على أنَّها "القشرة" لجهة علاقتها بـ "الاقتصاد الحقيقي"؟
إنَّها هي التي تقود "الاقتصاد الحقيقي"، وتتحكَّم فيه، وتهيمن على الصناعة والتجارة..، عبر الأسهم والقروض والإدارة والتخطيط..، فهي "الرأسمال المالي"، الذي أنتج ظاهرته وسطوته اقتران الرأسمال الصناعي بالرأسمال المصرفي، والذي نراه اليوم على شكل هيمنة للمصارف والمؤسسات المالية الكبرى على الصناعة والتجارة، وغيرهما من ميادين وحقول "الاقتصاد الحقيقي". ولا بأس هنا من توضيح وبسط بعض الأمور الجوهرية في النظام الاقتصادي الرأسمالي.

إنَّ تبادل البضائع ليس بالظاهرة الاقتصادية والتاريخية التي ليس لها من قانون (اقتصادي) موضوعي صرف، فهذا التبادل إنَّما هو تبادل (متساوٍ) للعمل (الاجتماعي، أو الضروري اجتماعياً) الذي تتضمَّنه البضائع المختلفة في قيمها الاستعمالية. و"الربح" لا يمكن تفسيره إلاَّ على أنَّه النتيجة المترتبة على تبادل البضائع وفق قانون القيمة، فالغش، أو الخداع، أو الاحتكار، أو العرض والطلب، ليست بمفاتيح التفسير لظاهرة الربح، فطن الحديد، ومهما غلا، يظل أرخص من طن الذهب، الذي مهما رخص، يظل أغلى من طن الحديد. ومالك هذا الطن أو ذاك يظل يبيعه بربح عند توازن العرض والطلب، فالبضائع جميعاً تباع وسطياً، وفي آخر المطاف، بأسعارها الطبيعية، أي بأسعارها الموافقة لقيمها.

توسُّع التبادل شدَّد الحاجة إلى بضاعة يمكنها أن تكون في منزلة "المعادل العام" لقيم البضائع كافة، فكان الذهب هو هذه البضاعة؛ ثمَّ حلَّ محله (عبر سلطة الدولة) في التداول والدفع نوابه وممثلوه ورموزه، أي النقود الورقية (والمعدنية).

رب العمل الصناعي كان يملك رأسماله كاملاً، وكان يوظِّف فائضه المالي المؤقت في المصارف، التي كانت تؤدي عمل "الدائن السلبي". ومع تنامي الرأسمال المصرفي توسَّع عمل المصرف، واستشرى نفوذه في الصناعة، فأصبحت القروض المصرفية تشغل حيِّزاً متسعاً من الرأسمال الموظف في الصناعة، فتضاءلت، في استمرار، حصة "الربح الصناعي" من "الربح العام" في المنشأة الصناعية.

ومع تنامي نفوذ وسطوة الرأسمال المصرفي نشأت واتَّسعت ظاهرة "العيش بالدَّيْن"، فلا الشركات ولا الأفراد أصبح في مقدورهم العيش في استقلال عن القروض، وكأنَّ المجتمع برمته وقع في عبودية الدَّيْن.

وكلَّما اتسع وتعمَّق هذا "الاستعباد الدَّيْني" استنفد المُسْتَعبدون (من أفراد وشركات) قدرتهم على سداد الديون؛ وكلَّما استنفدوا هذه القدرة اشتد وتعاظم مَيْل النظام المالي والمصرفي إلى الانهيار والإفلاس.

لقد جاء الرأسمال المالي للمجتمع بعبودية الدَّيْن، التي انتهت إلى عاقبتها الطبيعية والحتمية وهي إصابة عبيد الدَّيْن بالعجز عن السداد، فجاء هذا العجز، إذ تفاقم، بانهيار وإفلاس المصارف والمؤسسات المالية، فجاء هذا الانهيار والإفلاس بتباطؤ، فركود، في "الاقتصاد الحقيقي"، فأزفت ساعة الحقيقة!

إنَّها نهاية مرعبة حقاً، ولكن لا رعب بلا نهاية، فعلى "الدولة" الآن أن تزج بكل قواها في معركة إنقاذ النظام الرأسمالي، ولو عبر التأميم.

كل ما ضخَّته الحكومات والدول من أموال (تعود ملكيتها إلى الشعب) في النظام المصرفي من أجل زيادة السيولة فيه، وتشجيعه على استئناف الإقراض، وكل البيانات والخطب التي ألقيت من أجل بث الطمأنينة في النفوس، وكل الخفض في أسعار الفائدة، لم يُجْد نفعاً، فقبيل ساعات من كل خطاب يلقيه بوش كانت المؤشِّرات والبورصات تنتعش ولو قليلاً؛ ولكن ما أن ينهي الخطيب خطابه حتى يُسْتأنف الانهيار ويتسارع، وكأنَّ أثر الخطاب في النفوس كأثر أطنان الأموال التي تُضخُّ في الشرايين المسدودة للنظام المصرفي.

لم يبقَ لدى عطَّار البيت الأبيض، وغيره من العطَّارين، إلاَّ آخر العلاج وهو الكي، أي "التأميم"، فالدولة إمَّا أن تتملك المصارف المصابة بمرض "العجز النفسي" عن استئناف الإقراض، وإمَّا أن تتولى هي مباشرة إقراض الأفراد والشركات، وكأنَّ خلاص النظام الرأسمالي يكمن في مزيدٍ من "رأسمالية الدولة الاحتكارية".

ذات مرَّة اشترى صديق لي حذاءً، فتبيَّن إذ لبسه أنَّه ضيِّق على قدميه، فما كان منه إلاَّ أن طلب من صديق له، قدماه أكبر، أن يلبس حذاءه حتى يتوسَّع، فلمَّا توسَّع أعاده إليه.

والشيء نفسه تفعله، أو توشك أن تفعله "الدولة" في الولايات المتحدة، وبلدان الاتحاد الأوروبي، واليابان، فالمصارف على شفا حفرة من "التأميم"، ومسار "الخصخصة"، الذي عولموه، شرع يتحوَّل إلى مسار "عمعمة". وعندما تنجح قَدَما "الدولة" في توسيع حذاء المصارف يعاد الحذاء (عبر "الخصخصة") إلى قدمي المصارف.

بوش ليس بجبان كالمصارف، فهو فارس شجاع لا يشق له غبار، سيقود دولته إلى شراء حصص لها في المصارف (= التأميم الرأسمالي) فتجرؤ المصارف، وقد أصبحت جزءاً من "رأسمالية الدولة الاحتكارية"، على استئناف الإقراض. وعندما يجترح معجزة إنقاذها، وينفخ فيها من روحه "الاشتراكية"، ويعيد إليها الازدهار، يكتشف أهمية وضرورة إعادتها إلى حضن السوق الحرة، فيبيعها بثمن زهيد إلى الأباطرة في "وول ستريت".

ولماذا لا يتحلَّى هذا الذي يخشى أن يتقبَّل عمَّا قريب التعازي في البيت الأبيض بوفاة "الرأسمالية الجديدة" بالشجاعة والجرأة ما دام في مقدوره أن ينهب (بمساعدة الكونغرس والخزانة ومجلس الاحتياط الفدرالي) أموال الشعب، ليشتري بها لدولته حصصاً في المصارف، التي على أبوابها كتبت "خَرَج ولم يَعُد"، في إشارة إلى ما ينتظر أموالها من مصير إذا ما خرجت منها على شكل قروض.

الكونغرس، والذي يملك وحده حق فرض الضرائب، أعطى "التفويض" لبوش ولوزير الخزانة بولسن، الذي سيقوم، عمَّا قريب، بطباعة "سندات"، يشتريها منه البنك المركزي، الذي يبيعها لمستثمرين في أنحاء العالم. وعبر هذا الشراء يصبح لدى بولسن المبلغ المالي 750 بليون دولار، فينفقه في الدعم المالي للمصارف (المحجمة عن الإقراض). وقد ينفق جزءاً كبيراً من هذا المبلغ في شراء حصص من تلك المصارف، أي في تأميمها. وليس لدى بوش وبولسن من غطاء لتلك السندات سوى الضرائب، التي أمْرُ فرضها في يد الكونغرس.

إذا تبخَّر هذا المبلغ المالي الضخم، وتأكَّد عجزه عن أن يكون استثماراً، واستثماراً مربحاً، فلا مفرَّ، عندئذٍ، من تعويض هذا الخسارة المالية الكبرى بفرض مزيد من الضرائب على الشعب، وعلى أجياله المقبلة، فالرأسماليون يحتفظون دائماً بالأرباح لأنفسهم، أمَّا خسائرهم فينبغي للشعب أن يعوِّضها لهم من أمواله. قديماً كان البشر يعيشون عبر التطفل على الطبيعة، أمَّا الآن، وفي "الرأسمالية الجديدة" على وجه الخصوص، فإنَّ قلة قليلة من البشر تعيش عبر التطفل على المجتمع بأسره!

كلُّهم الآن يصرخون ويستغيثون ويتألمون، ومع ذلك لا خيار لديهم سوى طلب مزيدٍ من الرأسمالية "الصالحة"، "الإيجابية"، الخيِّرة"، وكأنَّهم يطلبون المستحيل بعينه، فالرأسمالية النقية الخالصة من تلك الشرور والسلبيات والأزمات لا وجود لها إلاَّ في أحلامهم، وفي فكرهم الأفلاطوني، الذي هو الآن "السهم" الأكثر انهياراً في بورصاتهم.

في أحد شوارع عمان رأيتُ لافتةً، هي إعلان تجاري يخصُّ عُلَب حليب، كُتِبَ فيها، "لقد أفْرغناها من الهواء حتى تبقى طازجة"، أي حتى لا تتعفَّن. وها هم يحاولون الآن إفراغ النظام الرأسمالي من "هواء الرأسمالية الجديدة" حتى لا يتعفَّن؛ ولكنَّ العفن، أو التعفُّن، أصبح صورته وسورته.

في البدء، كان البيع من أجل الشراء، فالبائع يبيع من أجل أن يشتري ما يلبي حاجاته الأوَّلية؛ ثمَّ ظهر مع ظهور الرأسمالية الشراء من أجل البيع.. من أجل بيع يشتمل على الربح أيضاً. أمَّا اليوم، أي في عهد "الرأسمالية الجديدة"، فنرى اقتراضاً من أجل الشراء؛ وشراءً من أجل البيع؛ وبيعاً من أجل الربح.. الربح السريع والسهل والجزيل ( ومن أجل تراكم الرأسمال).

لقد أفلس المُقْتَرِضون، أي أصيب المجتمع بداء العجز عن سداد ديونه، فأفلس المُقْرضون، فأصبح "الاقتصاد الحقيقي" في مهب الركود، فما عاد من طوق للنجاة سوى تحقيق مزيد من "رأسمالية الدولة الاحتكارية"، التي ستظل تدور في حلقة مفرغة من "العمعمة" و"الخصخصة" حتى يهب المجتمع هبة رجل واحد، مُنْهياً هذا الدوران في الحلقة المفرغة، فالتاريخ لن يكفر أبداً بمبدئه الأول وهو "كل ما يُوْلَد جدير بالهلاك"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .. وإليكم الآن هذا الدليل -المُفْحِم- على عبقرية الدكتور زغل ...
- رجل البورصة ماكين!
- ماركس!
- نهاية -نهاية التاريخ-!
- انفجار -السوبر نوفا- في -وول ستريت-!
- قريع ينطق ب -آخر الكلام في اللعبة-!
- -حقوق الإنسان-.. حديث إفْكٍ!
- الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!
- متى نجرؤ على اغتنام -فرص الأعاصير-؟!
- إنَّها دولة وحكومة -وول ستريت- فحسب!
- مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!
- -الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
- -تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
- -القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!
- عندما تتصحَّر -الليبرالية- ويزدهر -الليبراليون الجُدُد-!
- تهاوي -ثقافة الحقوق- في مجتمعنا العربي!
- -العرب الجُدُد- و-العرب القدامى-!
- أُمَّةٌ تبحث عن فلك تسبح فيه!
- ما ينقص -الفكرة- حتى تصبح -جذَّابة-!
- -خيار أوكسفورد- لا يقلُّ سوءاً!


المزيد.....




- -بلدنا- القطرية تستثمر 3.5 مليارات دولار لإقامة مشروع للحليب ...
- خبراء يفسرون لـCNN أسباب خسارة البورصة المصرية 5 مليارات دول ...
- اقتصادي جدا.. طريقة عمل الجلاش المورق بدون لحمة وبيض
- تحد مصري لإسرائيل بغزة.. وحراك اقتصادي ببريكس
- بقيمة ضخمة.. مساعدات أميركية كبيرة لهذه الدول
- بركان ينفت الذهب في أقصى جنوب الأرض.. ما القصة؟
- أبوظبي تجمع 5 مليارات دولار من طرح أول سندات دولية منذ 2021 ...
- -القابضة- ADQ تستثمر 500 مليون دولار بقطاعات الاقتصاد الكيني ...
- الإمارات بالمركز 15 عالميا بالاستثمار الأجنبي المباشر الخارج ...
- -ستوكس 600- يهبط ويتراجع عن أعلى مستوى في أسبوع


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - قاطرة الاقتصاد العالمي تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!