أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - داود أمين - اللومانتيه شلال فرح سنوي متواصل !















المزيد.....



اللومانتيه شلال فرح سنوي متواصل !


داود أمين

الحوار المتمدن-العدد: 2432 - 2008 / 10 / 12 - 06:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


المقدمة
كما في كل مرة، ومثل كل عام، عاشق يلتقي حبيبته، فباريس مدينة لا يُمل عشقها، هي حبُ متجدد يلهب الذاكرة، وغرامُ يسكنني بإقتناع، لقد أصبح لقائي بها يجاور الضرورة ويقترب من الأساسيات، باريس تُخفّض سُكَّري وضغطي ، وتُنّزِل نسبة الكوسترول في دمي، تُقسّم ستيني الى نصفين، ساخرة من حكمتي ووقاري! باريس تصنع لروحي أجنحة، وتضعني في خانة الفراشات والعصافير! إنها تُضفي على مزاجي رقة أفتقدها، وتملأ شراييني بهواء ناعم لذيذ ! في باريس لا أدري من أي غيوم يمطر علي كل هذا الفرح؟ وكيف يكر الشباب عائداً دون توسل وإستجداء ل ( ألا ليت )! حتى الطقس في باريس أحسه مصنوع بعناية وإتقان ، فالغيوم فيها (إن وجدت) فهي متناثرة ، مطشوشة، تمنح الشمس حرية مصافحة الوجوه وتوزيع الدفء بكرم وسخاء! في باريس أشعر أن الحياة جميلة وهامة، وهي جديرة حقاً بأن تُعاش!
في باريس تدهشني الألوان وتبهرني التفاصيل، ففي شوارعها تختصر الإنسانية جذورها ومنابعها متوحدة في سيل بشري متماثل، رغم إختلاف الأزياء والألوان والملامح، والإنسان فيها مُبهر وإستثنائي ، فعاليته دائمة وحضوره متواصل ومستمر !
اللومانتيه صنو باريس وتوأمها السيامي، فيه ومنه تعرفت على هذه المدينة الحية اللعوب الساحرة، وبأيامه كانت سعادتي تفيض، ودمائي تتجدد. مهرجان اللومانتيه هو مهرجان ألإنسانية دون مبالغة وإدعاء، فالآنسانية تُختصر بل تلتم أو تتكثف، في أيامه الثلاثة الصاخبة، فألوان البشر تتدرج فيه من القيري الفاحم الى الأشقر الذهبي، الذي أبدو إلى جواره ( أنا الذي تعتبرني أمي أحلى واحد بالناصرية) أملحاً أجلحاً ! أما الملامح فهي غابة من التفاصيل التي تثير الدهشة والعجب لمدقق فضولي مثلي! فقد صادفتني إنوف بحجم كبة سوك السراي! وغيرها كالفستق! وبين الكبة والفستق شجون وشئون! أما الشفاه فمن المنفوخة ( من قدرة الله ! ) الى المرسومة بريشة دافنشي! وماذا أقول عن العيون في اللومانتيه، وما أدراكم ما العيون ؟ هل أتحدث عن حجمها وسعتها ، أم عن ألوانها وسحرها، فإذا كانت عيون رفيقي محمد كحط الذي رافقني الرحلة هذه السنة (وحده خضره او وحده زركه ) فكيف ستكون عيون الباريسيات وعيون ضيفات وضيوف اللومانتيه؟ ولأني ضعيف في حضرة العيون فسأترك ألأمر لخيالكم! هل أتحدث عن الأحجام والأطوال للبشر الذين إلتقيتهم؟ لقد صادفت أقزاماً وعمالقة، بدناء وناحلين، ولأني أدمنت اللومانتيه وصرت ( من إحبال مضيفها! ) فلم تلفت إنتباهي كثيراً أزياء زائريه فالرؤوس مكّشوفة أو مغطاة، صلعاء أو مهدولة الشعر، أغطيتها تتدرج من الشفقة والكاسكيتة الى أنواع العمائم( غير الدينية بالطبع! ) أما بقية الجسد فعليه الزي القومي، ولكم أن تحصوا كم زي قومي في العالم ! فإذا كان العقال في سوق الشيوخ يختلف عن عقال الشطرة، وهما قضاءان في محافظة عراقية واحدة، ولفة بشتين بهدينان تختلف عن لفة بشتين سوران، وبهدينان وسوران وجهان لعملة كردستانية واحدة! فماذا سيلبس السريلانكي، وهل يصعب تمييزه عن القادم من زيمبابوي ؟ كل هذا وأنا لا أزال أستخدم عيني فقط! فماذا عن أذني التي ( تلكف الطاير ) فقد إمتلأ عبرها رأسي بموسيقى تتدرج من صخب الجاز لأنين نايات ، ومن هديل حمامات لجعجعة طبول ومزامير، أما أنفي فقد تشبع برائحة أطعمة كل القارات، فكل المطابخ كانت هنا في المهرجان، وبالرغم من حبي للكباب ( مثل جميع أهل الناصرية ! ) وهو متوفر لي مجاناً في خيمة الحزب، إلا إني كنت أتسلل للخيم ألأخرى، لتناول أطعمة غريبة كوجبة فاكهة البحر! التي دعاني لها العزيز طه رشيد، وأكد لي أن فيها منافع سأترحم على جده عندما أكتشفها!! وقد أعطونا معها ( جلابتين حقيقية! ) لكي نكسر أطراف ( أبو الجنيب ! ) الذي كان بحجم عضو قيادة قطرية، وهو يتوسط الصينية، وكان عمدة تلك الوجبة الغريبة! أما الوجبة المغربية التي يعجبني إسمها، فقد جربتها مرتين!!

للعراقيين خيمتهم !
في زحمة هذا العالم المختصر، وكل هذه الشعوب الملتمة في شوارع وأزقة المهرجان، كان الشعب العراقي حاضراً أيضاً، فخيمة ( طريق الشعب ) ومنذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، هي من يمثل العراق وشعبه وثقافته وتراثه، وحتماً كانت البداية، مثل كل البدايات، متواضعة وبسيطة ولكنها ومع السنين، أخذت تغتني وتتطور وتكتسب خبرة ودراية، فالعدد القليل من رفاق باريس والمدن الفرنسية ألأخرى، ليس بمقدورهم لمفردهم النهوض بعمل جبار وكبير كإدارة مثل هذه الخيمة، التي بدأت تكبر هي أيضاً مع السنين، والتي يراد لها أن تعكس خصائص شعب موغل في العراقة والمدنية، شعب متنوع القوميات والأديان والثقافات، لذلك كان رفاق وأصدقاء الحزب من البلدان الأوربية المجاورة يبادرون للتطوع والعمل الى جوار رفاق فرنسا، من أجل أن تطّلع شعوب العالم، على موسيقانا وأزياءنا وفنوننا ، وكذلك على مطبخنا، ولأني بكرتُ هذا العام، إذ وصلت باريس قبل يوم من بدأ أعمال المهرجان، فقد كنت أشهد اللمسات الأخيرة وهي تُوضع على خيمة الحزب، فالفنان المبدع صلاح جياد، كان قد أنجز قبل يوم فقط، وفي زمن قياسي، هذه اللوحة العملاقة الرائعة لشهيد الحزب والثقافة العراقية كامل شياع، لوحة إحتلت جدار عمق الخيمة بكامله، كنت أتطلع في صورة كامل وهو يحدق متأملاً كعادته، حيث الأحمر القاني يحتل الجزء الأكبر من حجم اللوحة، وكأنه يعكس غزارة دمه المسفوح، أو يعكس المشهد العراقي برمته! كان الجميع داخل الخيمة مشغولين بأشياء كثيرة، فمازن يدعي إن على يديه تنفتح وتُغلق الخيمة كل عام، بإعتباره مسؤولاً عن الكهرباء! لذلك تراه يُضبِّط مصباحاً هنا ووايراً هناك ! الرفيق أبو فرح جلب من السيارة التي حملته من هولندا كيساً كبيراً من الرطب الناضج، وبدأ يمرره على الموجودين في الخيمة وهو يقول : هذا الرطب جايبه من نخلتنه بالنجف! وكنت كلما مر قربي آخذ عنقوداً جديداً، والطريف إنه كان يتجاوز في كل مرة زوجته الرفيقة أم فرح الواقفة الى جانبي ولا يقدم لها شيئاً، وكنت أدرك السبب ولا أستطيع توضيحه للعزيزة أم فرح التي أبدت إنزعاجها من إهماله! سيارات الرفاق الخاصة كانت تنقل للخيمة مواد تتدرج من صناديق الطماطة والخس الى كواني البصل وأكياس اللحم المفروم والحمص والفحم وقناني الغاز والزيت والشاي والسكر.. الخ، طعام العشاء للموجودين أعد بسرعة على يدي الرفيقتين منال وأم سلام وكان لذيذاً، العزيز أبو سلام كان يحرض الجميع على أكل المزيد، وكنت، قبل العشاء وبعده، أصافح هذا وأقبل ذاك، فمعظم الموجودين وجوه أعرفها وتعرفني، فهذا الصديق العزيز حسين كركوش ، وهذا الغالي إبراهيم الجزائري، وتلك العزيزة بشرى وأختها منال، ولكني أجد وجوها جديدة أخرى كما في كل مرة، من بينها شاب وشابة لفتا نظري، وكانا جديدين علي ونشيطين بشكل يلفت الإنتباه، وحين سألت عنهما إكتشفت أنهما من شبيبة الحزب الجدد، وهما طالبان قادمان حديثاً من العراق ويدرسان حالياً في بولونيا! رفيق أخر قادم من بروكسل، لم أره من قبل، وقد لفتت إنتباهي ملابسه الغريبة، وربطة عنقه ذات الألوان العجيبة، وكذلك الشفقة التي وضعها على رأسه! وبعد ألأستفسار إكتشفت أنه الفنان البصري عبد المنعم التميمي، العضو السابق في فرقة الطريق البصرية! كانت الخيمة مزدحمة بالشباب والشيوخ ، بالرجال والنساء والأطفال، وكل يحاول أن يفعل شيئاً يكمل به عمل ألأخرين، فاليد الواحدة لا تصفق !
بعد أن تم إنجاز كل شيء تقريباً، غادرنا الخيمة نحو بيوتنا وفنادقنا، بعد منتصف الليل، وغداً هو أول أيام المهرجان، وقد تطوع العزيز( وثاب السعدي ) لتوصيلي وأخي بسيارته نحو فندقنا الواقع وسط باريس، والذي إكتشفنا أن كل شيء فيه ضيق وصغير، فالمصعد لا يسع إلا لشخص واحد متوسط الحجم والوزن، وإذا كان معك حقيبة فعليك إرسالها لوحدها في المصعد واللحاق بها عبر الدرج الضيق والملتوي لأربع طوابق فقط حيث تقع غرفتنا ! أما الحمام، وهو كن دجاج زجاجي فكنت ( أشفط ) بطني لأقصى ما أستطيع لكي أدخله! أما كيف أضع الشامبو وأستعمل الليفة فبس الله يدري! وكنت حذراً من سقوط الصابونة من يدي ، إذ لست بمرونة سهير زكي لكي أستطيع إلتقاطها بسهولة! أخي أمير الذي كان معي قال لي : خاف هذا فندق ليلى والأقزام السبعة وإحنه حجزنه غلط !

يوم المهرجان ألأول
وصلنا مكان المهرجان، أخي وأنا، بسهولة تامة معتمدين على أنفسنا، وعلى الخارطة التي رسمها لنا العزيز طه، حيث أبدلنا ثلاث قطارات وباص، وبعدها كنا بين المحتفلين، عشرات الألوف كانوا مثلنا يدلفون باب المهرجان الرئيسي بعد أن قطعوا تذكرة أيامه الثلاثة، كانت جموع الداخلين تتوزع في شوارع المهرجان الرئيسية وفروعه ألأضيق، حيث تنتشر 360 خيمة مختلفة الحجوم والمساحات، تمثل شعوب العالم قاطبة! خيمة (طريق الشعب ) لم تكن بعيدة عن المدخل الرئيسي، فهي كما في العام الماضي تقع في شارع ( تشي جيفارا ) الى جوار خيم رفاقنا اللبنانيين والإيرانيين والمغاربة، وحين وصلنا كان العمل داخل الخيمة على أشده إستعداداً للساعات القادمة حيث سيشتد ألأزدحام، الرفيق أبو ثبات القادم من السويد يثابر بحماس في تهيئة الزلاطة، متنقلاً بين الطماطة والبصل وتنظيف الخس، يساعده الشابان الجميلان القادمان من بولونيا هند وخضير، أبو فرح يمزج مواد الفلافل حسب النسب المقررة بدراية وحنكة تشي بإختصاصه كزراعي! عدنان وخالد وحسين وصباح ينزوون خلف الخيمة حيث تتكدس صناديق البصل والحمص والطماطة والخس، وحيث ماكنة الثرم، التي تطحن حمص الفلافل وملحقاته، كانوا يتناوبون العمل ويتبادلون الأدوار! الفحم في الموقد يشع بلونه البرتقالي، وفوقه تستريح (القواري والكيتليات) حيث الشاي المهيّل يستفز أنوف العابرين، ويجبرهم على الوقوف والتلذذ بمذاقه ودفع اليورو عن كل إستكان! الفلافل بدأت تتلوى داخل طاوات الزيت العميقة، وقبل أن تفكر بالأسوداد تتلقفها شباك المنقذين! لتتحول لسندويشات بين أيدي الجائعين، الكباب يواصل ذرف الدموع السخية وهو يتلوى فوق جمر المنقلة باعثاً أبخرة تتسلل دون إستئذان نحو بطون المارين، مجبراً إياهم للوقوف في طابور الواقفين والصبرعلى ألأنتظار حتى (يوصل السره!) إذ ما قيمة 5 يورو أمام هذا الدسم المغري؟ أمام منقلة الشاي وقفت أم سلام تساعدها منال وريما، وأمام الكباب وقف الدكتور ساطع، وأمام الفلافل كانت الجميلة ريتا.


العزيز هادي ( أبو نور) يُعفى أيام المهرجان من جميع واجباته الزوجية! فهو يبيت في الخيمة، حارساً لكل شيء فيها، وفي النهار يجلس طوال الوقت خلف الكومبيوتر، حيث يمطرنا طوال الوقت بأغاني عراقية وعربية مختارة بدراية العارف بكمية الهز الذي تتضمنه كل أغنية! العزيز جاسم الحلوائي وأم شروق وشروق يصلون الخيمة قادمين من الدنمارك، ويلتقي أبو شروق بأخيه أبو نصير القادم من هولندا، وما أن تبدأ الموسيقى وينسل الراقصون نحو منتصف الخيمة، حتى يتسلل أبو نصير ليرقص مع إبنة أخيه شروق، الجمهور خارج الخيمة يتضاعف، فالموسيقى لغة العالم وإيقاعها قادر على تحريك كل ألأجساد، لذلك يبادر عدد من الواقفين للمشاركة.
الرفيق أبو فلاح عضو م س يصل من بغداد، وينشغل بلقاءات متتالية مع الأشقاء الفرنسيين وغيرهم، النشاط يتضاعف مع الساعات فالجمهور يزداد والمهرجان يقترب من ساعات الذروة وعلينا ألأن أن نقدم ثقافتنا، بعد أن قدمنا نتفاً من لطائف مطبخنا!

صوت شروق وأزياء بشرى مصباحا خيمتنا المضيئان !

شروق جاسم الحلوائي القادمة خصيصاً من كوبنهاكن للمشاركة، ولأول مرة في المهرجان، بدت واثقة تماماً مما ستقدمه وهي تقف فوق المسرح، الذي تغطي خلفيته اللوحة العملاقة للشهيد كامل شياع ، لقد قدمها الرفيق طه رشيد بكلمات قليلة وصادقة ثم تركها لتسبح مع الموسيقى في فضاء الطرب الأصيل، حيث إختارت ( لا.. لا.. لاتتنهد ) لكاظم الساهر بداية هذه الجولة الأولى، التي دفعت معظم الحاضرين للنزول للساحة! ولم يقصر الشيخ الجليل عبد المنعم التميمي ( وهو مصنوع أصلاً من الطرب ! ) من النزول الى جانب الشبيبة، ورغم إنني إنشغلت بالتصوير، إلا أن الكاميرا كانت ترتعش بيدي بسبب صوت شروق والموسيقى وليس الكُبُرْ!

الرفيق ماجد فيادي المشغول بالفلافل منذ عدة ساعات، إنتهز فرصة نفاذ الزلاطة، فأسرع لحمل قدر منها من خلف الخيمة، وأخذ له ردحة وبيده القدر المملوء قبل أن يعود لعمله، وكانت ردحته منسجمة تماماً مع ( يمجنون مش أنا ليلى ) التي كانت قد بدأت شروق بغناءها! ومع الفيروزيات التي نقلت شروق السامعين الى عالمها الساحر كان إزدحام الراقصين يشتد، (فحبيتك في الصيف.. حبيتك بالشته ) و( كتبتك غنوه على بابي ) ضاعفت من إزدحام الواقفين، مما جعل الفنانة شروق تغيب وهي منتشية باللحن فتهتز فوق المسرح مذكرة إياي برقصة فيروز اللاشعورية يوم غنت في بغداد في السبعينات، لقد قدمت شروق في هذه المجموعة من الأغاني التي إختارتها وتدربت عليها جيداً، قدمت إحساساً عميقاً باللحن والكلمة، لذلك كان وصولها تلقائياً وأصيلاً لأرواح وقلوب الحاضرين.

وكانت الفعالية الثقافية الهامة الثانية في المهرجان هي عرض ألأزياء العراقية، المعد بإسم رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين، والذي أشرفت على إنجازه وإخراجه الرفيقة بشرى عبد علوان، إذ مع موسيقى عراقية تراثية و( خدري الجاي خدري ) و( ألأفندي .. ألأفندي ) و( على شواطي دجله مر ) بدأت الفتيات والفتيان والنساء والرجال يتسللون من عمق الخيمة لمنصة مسرحها وهم يرتدون معظم أزياء شعبنا، أزياء زاهية ألألوان، مختلفة التصاميم من أم العباية لأبو الكشيدة ، لصاحب السدارة، للمعكل ، لأم الهاشمي، لبو الشروال والجمداني .


وكانت العزيزة بشرى تردد من المايكرفون : هذا هو العراق، بكل أطيافه، بكل قومياته، بكل ألوانه الزاهية، هذا هو العراق الواحد، عراق الجميع! وقد شد العرض عشرات الفرنسيين وباقي الشعوب المشاركة في المهرجان، وعندما بدأ العارضون وهم فوق المسرح بالرقص والدبك على صوت الموسيقى، التي كانت تتبدل عاكسة قوميات شعبنا ومناطقه، فمرة عربية، ومرة كردية ومرة بغدادية، ومرة ريفية أو بدوية، كان وسط الخيمة يمتلأ بالمشاركين من شعوب مختلفة، وقد إستغربت لأحدى النساء الصينيات، ليس لأنها أبلت بلاءاً حسناً في الرقص، فذاك أمر طبيعي ومفهوم، ولكن عندما هلهلت رفيقاتنا، وإذا بالصينية تهلهل ( أضبط من وداد حمدي )، وبالرغم من إنشغالي بالصينية، إلا أن عيني لمحت الفنان صلاح جياد وهو يهتزعلخفيف! كما هي عادته كل عام!

اليوم الثاني من المهرجان

السبت هو اليوم الثاني من المهرجان، وهو الذروة كما في كل مرة، فشبيبة باريس يمضون يومهم هنا، وقد نام معظمهم ليلته الماضية، إما داخل ساحة المهرجان أو في عشرات الخيم الفردية والثنائية والرباعية المنتشرة حول محوره، وصلنا المهرجان، حسب خارطة ألآمس، في الباصات المجانية المخصصة لنقل الزائرين، وكعادتها كانت الشرطة الفرنسية تحرس الطريق على إمتداد بضعة كيلو مترات من مكان المهرجان موفرة الحماية والمساعدة للزائرين، ورغم إننا بكرنا هذه المرة فقد كان الأزدحام على أشده أمام وداخل خيمة طريق الشعب، ولأني إفتقدت الرفيقة العزيزة سوسن يوم أمس وأعلنت أن لا طعم للشاي إن لم يخرج من بين أناملها الكظماوية، فقد وجدتها اليوم أمام منقلة الشاي مما شجعني لإفتتاح ريقي بواحد من ( إستكاناتها ) العذبة! اليوم أحس أن عدد الشغيلة داخل الخيمة أكثر من يوم أمس، فالعمل طوعي وكلمن يسوكه حليبه! لذلك لم أفاجأ وأنا أرى العزيزة أم شروق والى جانبها شقيق زوجها الرفيق أبو نصير وهما يشيشان الكباب ويدفعانه للمنقلة!


أما العزيز أبو شروق، فنظراً لفتوة قلبه، فقد إكتشف مهمة غاية في البساطة واللطف، إذ تناول لفات الكلينكس الكبيرة وبدأ بتقطيعها وإرسالها لبائعي الكباب والفلافل لكي يلفوا بها السندويشات! وهو عمل، رغم بساطته يشكر عليه، الرفيقة أم عزام والى جانبها فنانة تشكيلية لم أعرف إسمها، تناوبتا على تشييش الكباب وأبلتا فيه بلاءاً حسناً، العزيزات ريما وشقيقتها ريتا( الزائرة من العراق ) تفرغتا لبيع الفلافل وأمضتا الساعات في وقوف متواصل، زوجة عدنان تساعد سوسن على الشاي وتتنقل بين مهمة وأخرى وبناتها الجميلات يقمن بمختلف الأعمال داخل الخيمة، أما عدنان فهو بالطبع أحد أمراء الخيمة ومن أكثرهم بذلاً وعطاءاً، فهو يتنقل من عمل لآخر والأبتسامة لا تغادره، يشاركه العزيز صباح، الذي كانت أصابعه في العام الماضي ضحية زيت الفلافل المغلي، صباح كان يشارك في معظم الأعمال، فعدد القادمين للعمل من البلدان المجاورة قليل هذه المرة، مما جعل معظم العمل يقع على رفاق فرنسا وبعض الضيوف النشطاء وبينهم أخي أمير وأم وأبو فرح وأبو نصير من هولندا وهند وخضير من بولونيا وعبد المنعم التميمي من بروكسل وبشرى ومنال وابو ثبات من السويد وماجد فيادي وأخته نيزك من المانيا، أما جماعة لندن فقد غاب الناشطون من بين صفوفهم ولولا تهديدي للعزيز مناف بأني سأحرّض عمه ( كان معه والد زوجته! ) بأن يسحب إبنته منه، لما إشتغل في اليوم الأخير من المهرجان! العزيز كامل الشطري كان على غير عادته هذه المرة، وقد لجمني قلبي عندما رأيته بالقاط والربطة، وقلت لنفسي صاحبي هالمره مو مال شغل! ويبدو أن عيني يتأكد بردها يوماً بعد أخر على من أفكر بهم، إذ أعلن المسكين الشطري بعد ساعات إن محفظته وفيها إجازة السياقة وكارتات البنك و500 يورو وأشياء أخرى قد سُرقت، وبالطبع لم أستطع أن أقول للعزيز أبو شذى : هاي حوبة الما يشتغل بالخيمة!
أجمل ما في هذا اليوم لقاءان نادران حدثا داخل الخيمة، وهذه واحدة من حسنات وجماليات اللومانتيه، فبينما كان العزيز إبراهيم الجزائري يجلس الى جانبي إذ وصل الرفيق أبو عامر من الدانمارك، وبعد أن قبلنا بعضنا قدمت إبراهيم لأبي عامر فتصافحا بشكل روتيني، ثم حدق أبو عامر بإبراهيم وقال ببروده المعهود: شلونك برهوم! ويبدو أن برهوم كانت كلمة السر بينهما، إذ بعد ثوان إستفاق إبراهيم من هول المفاجئة ليحتضن أبو عامر وهو يردد : عبد الله .. عبد الله ، ثم يقبله ، ويلتفت لي ليقول هذا عبد الله صديق عمري.. صار 32 سنة ما أعرف عنه شي! ثم يعود لتقبيله وتقبيلي ( زين أنه شعليه ؟ ) المهم خدودي إنهرت من بوسات إبراهيم، فعاد شظل بخدود أبو عامر بس الله يدري!!
اللقاء العجيب الثاني كان ذاك الذي رواه لي العزيز جاسم الحلوائي فقد سألني هل تعرف ذاك الرفيق؟ وأشار للرفيق أبو نصير فرنسا، الذي كتبت عن عمله المتفاني داخل الخيمة في العام الماضي رغم كبر سنه، قلت له نعم أعرفه، فقال وهل تعرف إسمه وماذا كان؟ فقلت لا بالطبع ! فقال هذا هو الرفيق (أنيس ناجي) وكان عضو مكتب محلية الحلة، وسكرتير لجنة مدينتها عام 1959، عندما كنت أنا سكرتيراً لها، ونحن لم نلتقي منذ تلك السنة أي منذ 49 سنة! والطريف أن (أبو نصير) ذكرني إننا وافقنا على إقرار عضوية الرفيق ( أبو داود ) سكرتير الحزب الحالي في أحد إجتماعاتنا في تلك الفترة! أما أنا ( يضيف أبو شروق) فقد ذكرّت أبو نصير أن الفتاة التي إرتبط بواسطتها بمنظمة الفرات ألأوسط وبعائلته قبل 44 سنة، أي عند هروبه من السجن عام 1964 كانت هي ( أم شروق ) ولم تكن متزوجة بعد! وأمام هذه المفاجئة لم يكن أمام أبو نصير سوى القيام وتقبيل رأس العزيزة أم شروق!

شيكولاتة الخيمة ..أصغر المساهمين !
من مميزات هذا اليوم أيضاً هو لبس معظم الشغيلة في الخيمة لتيشيرت خاص عليه شعار الحزب، ويبدو أنه هدية من منظمة السويد، كما حضرت اليوم من هولندا صديقتي الشاعرة بلقيس حسن، ولأنه لا يمكن بالطبع أن تقرأ شعراً فقد قررت أن تُغني! وقد إختارت أغنية (ياعشكنه) وكانت تقطع كل مقطع بضحكاتها العالية والجمهور الفرنسي مندمج معها، وربما يتصور أن هذا الضحك جزءاً من ألأغنية! وعندما شاركت بلقيس في الرقص كانت تمثل دوراً مسرحياً، وكنت وبشرى الى جانبي، نراقب أداءها ونبتسم مبهورين لإندامجها باللحن، أما العزيز إبراهيم الجزائري فقد إنتظرت من رقصه أرغفة خبز، فقد كان يعجن مرة ويتلاكم مرات، والحقيقة أنه يستحق براءة إختراع على ما قدمه من حركات غير مسبوقة في رقصته المبتكرة! الرفيق العزيزهادي أبو نور حمل حفيدته (روز) على رقبته ودار بها مع الموسيقى بين الراقصين، وكانت روز ، وهي إبنة ال14 شهراً، وأصغر المساهمين في الخيمة، عبارة عن شيكولاتة متنقلة، وهي تسرح وتمرح فوق مسرح الخيمة، فأمها نور مشغولة ببيع المرطبات ،وجدها وجدتها وخالها مشغولون أيضاً بمختلف الأعمال داخل الخيمة، أما أبوها فهو زائيري منعه العمل من حضور المهرجان.
أحد ألأخوة الجزائريين يبدو أن موسيقانا أعجبته فإحتل ساحة الرقص لوحده وظل يهتز كما لم تهتز فيفي عبدو + دينا! الصديق الدكتور نسيم، وهو يساري فلسطيني إنتقل قبل بضع سنوات من الدنمارك لفرنسا، تطوع لتقديم أغنية ( يمه مويل الهوى ) إعتزازاً بصداقته للشيوعيين العراقيين. بشرى كانت تتغطى بشال شذري جميل، وهي جالسة وتهتز موضعياً خوفاً من أن أصيدها وأكتب عنها، ولكن طه لم يتركها فذهب اليها وشكل معها ومع زوجته ثلاثي أكثر من مرح، منال ظلت الى جانب منقلة الشاي تهتزعلخفيف ! أما سعاد فقد ظلت كما في العام الماضي مرابطة أمام منقلة الكباب، عدنان ترك الكباب وبدأ يرقص وسط دهشة وضحك زوجته التي بدت وكأنها تكتشفه لأول مرة!
وعندما عادت شروق مجدداً لتقديم وصلة جديدة من ألأغنيات، بدأت بالفيروزيات، ثم إنتقلت ( لغازلك غصبن عنك ترضه ما ترضه ) لكاظم الساهر، ثم ( سيدي وصالك زاد علي حنيني ) عندها تركت منال منقلة الشاي لمتطوع أخر، وبادرت للمساهمة في الرقص، وكانت خارطة العراق الفضية تتراقص هي أيضاً حول رقبتها! اما الفرنسيات فكن وهن في طوابير الكباب أو الفلافل يهتززن متمتعات، إذ ليس خسارة أن يطول الإنتظار ما دامت مثل هذه الموسيقى مستمرة !

اليوم الثالث والأخير من المهرجان!
اليوم وجوه جديدة تلتحق بالعمل، من بينها شاب في العشرينات من عمره سألت عنه ، بعد أن رأيت إنغماره في تشييش الكباب فقيل لي هو عراقي وإسمه ( ذو الفقار علي ) وكان ألأسم غريباً علي، إذ بينه وبين تولي رئاسة الباكستان كلمة بوتو فقط! الأدوار إختلفت هذا اليوم فمازن وأمير تناوبا على الفلافل، وكذلك أبو نصير هولندا، وقد بادرت أنا أيضاً لأكون مساعداً لصباح حيث أقوم بإنتشال ما ينضج من فلافل يقوم هو بوضعها في الزيت!
سفير العراق في اليونسكوالأستاذ محيي الخطيب زار خيمتنا اليوم وإلتقى الرفيق أبو فلاح عضو م س، ورفاق منظمة فرنسا وألقى كلمة قيمة في الخيمة، العمل كان أخف قليلاً من يوم أمس ولذلك فكرت أن أنتهز الفرصة لأجراء لقاءات سريعة مع بعض الموجودين مستطلعاً أرائهم في المهرجان، وكانت أول من قابلتهم الرفيقة بشرى عبد علوان، حيث سألتها عن إنطباعاتها فقالت: عندما ساهمت للمرة الأولى في العام الماضي أحسست بأن الخيمة يُفترض أن لا تمثل الجريدة فقط، بل الشعب العراقي بكامله، وإن بإستطاعتها أن تفعل ذلك لو نسقت مع المنظمات القريبة منا ومن بينها بالطبع رابطة الأنصار الشيوعيين وموقع ينابيع العراق الذي هو ينبوع لنهر طريق الشعب، ومن هذا المنطلق ولدت فكرة عرض الأزياء العراقية التي تمثل مكونات شعبنا، وقد إشتريت القماش من العراق وعلى حسابي الخاص، وفصلناه ل11 عارضاً من الرجال والنساء، وإختارت شقيقتي منال الموسيقى المناسبة والمنوعة للعرض، وكانت النتائج كما لمستها في العرضين اللذين قدمناهما جيدة جداً، وإستقطبت إهتمام الفرنسيين وغيرهم من المشاهدين، ويمكن القول أن وجود مسرح وسط الخيمة أضفى على العرض قيمة جمالية هامة، قلت وماذا عن السنوات القادمة؟ فأجابت بشرى : لقد تعرفت هذه المرة على النواقص والثغرات التي سنحاول تجاوزها في السنة القادمة، كما يفترض أن نوسع نشاطنا ألأعلامي من خلال عقد ندوات حول الوضع في العراق وإصدار بوسترات وفولدر خاص، وأن يخصص برنامج عن المرأة العراقية ، أو تنظم داخل الخيمة مائدة مستديرة لمناقشة سبل النهوض بالمرأة العراقية.
تركت العزيزة بشرى لأتوجه للشابين الرائعين هند وخضير، وهنا إكتشفت إن هند هي إبنة الرفيق الدكتور مزاحم مبارك، مسؤول الخيمة الطبية الشيوعية داخل الوطن، وقلت إذن هذه الشبلة من ذاك الأسد ! سألت هند كيف رأت المهرجان وهل تطابق تصورها مع الواقع؟ فقالت : الحقيقة إن الصورة التي رسمتها في ذهني عن المهرجان لا علاقة لها بما عشته خلال هذه الأيام ، فهو أحلى وأحلى مما تخيلت، هنا وجدت أن الجميع ، وهم أكبر مني سناً بكثير، ولكنهم كالشباب في العمل والأندفاع، وقد تمنيت حقاً لو يكون عدد الشباب العراقي المساهم في هذا المهرجان أكبر مما هو الأن ، فالشباب بحاجة لتجارب كهذه، ولأحتكاك بذوي الخبرة من ألأجيال التي سبقتنا ! أما خضير فقال يمكن أن ألخص ما عشته خلال هذه الأيام بالقول أنني كنت في عرس حزبي عراقي، ولم يخطر ببالي على الإطلاق أن المهرجان سيكون هكذا، فقد فاق ما شاهدته كل تصور ! أما أخي أمير الذي يحضر اللومانتيه لأول مرة، فكانت له أراء أخرى، فهو يرى إن رفاق باريس يجب أن لا يُزجوا في العمل اليومي داخل الخيمة ، في تحضير الزلاطة والفلافل والكباب والبيع، بل يتفرغوا للإدارة والدعاية وتوزيع المنشورات، وأن تقوم المنظمات القريبة في أوربا بإرسال رفاق متفرغين للعمل فقط بمعدل رفيقين من كل منظمة على الأقل عدا المتطوعين، وأن يصلوا قبل يوم من المهرجان ويغادروا بعد يوم من إنتهائه، وأن توزع الأعمال بوضوح على القادمين، ويتم التبديل وفق جدول بين العاملين، كما أشار لأهمية الفقرات الفنية كفقرة شروق. وكانت أخر من التقيتهم في الخيمة الرفيقة العزيزة أم فرح التي ساهمت 9 مرات في المهرجان، وهي المرة الأولى التي تساهم فيها بعد سقوط النظام ، وعن إنطباعاتها قالت : إن العالم قبل سقوط النظام كان يتضامن معنا ضد الدكتاتورية التي أصبحت الأن في مزبلة التأريخ ، وعلى العالم أن يتضامن معنا الأن أيضاً ولكن ضد الأرهاب وضد ألأحتلال، ما معنى أن نضع هذه الصورة الكبيرة للشهيد كامل شياع إن لم نشرح أنه كان ضحية إغتيال سياسي دنيء، علينا أن نطالب بالتضامن والمساندة معنا للخلاص من قتلة كامل شياع ومن كابوس إرهابهم الأسود، أحس أن الخيمة أكبر من السابق وأن روادها أكثر ، وهي المرة الأولى التي أرى فيها مسؤولاً عراقياً رسمياً، وهو سفير العراق في اليونسكو، يجلس في خيمتنا، وكنت أتمنى لو وجه رفاقنا في منظمة فرنسا دعوة للسفير العراقي في فرنسا للمشاركة، فهذه ليست خيمة الشيوعيين فقط ، إنها الأن خيمة العراق بكل قومياته وطوائفه، وهي الخيمة العراقية الوحيدة في المهرجان !

من مفاجأت المهرجان !

في السنوات ألأخيرة كنت أفتقد للمساهمة الفعالة، التي كنت أشهدها لسنوات في عمل الخيمة للشاعر المبدع صلاح الحمداني، وهذه السنة إفتقدت مساهمته أيضاً، فقد حضر مثل زائر خفيف، وجلس مثل الضيوف الأخرين، وقد أقنعني، قبل أن أعاتبه، أن العمل في المهرجان هو فكري وثقافي في الجوهر، وإن له في هذا المجال مساهمات هامة وأساسية حدثني عن بعضها، ولكن المهم كما قال لي، هو أن يعرفني اليوم على فنان عراقي لا يعرفه إعلامنا ولم يسلط الضوء عليه رغم شهرته الفرنسية والعالمية! وقد أخذني صلاح في أزقة وشوارع المهرجان لنصل لخيمة كبيرة، يجلس في مدخلها شاب نحيف تذكرت أنني شاهدته في خيمتنا أمس، ولم توحي لي هيئته بأنه فنان هام كالذي يحدثني عنه صلاح ،الذي أعرف أنه لا يبالغ أو يدعي ! وقدمني صلاح للفنان التشكيلي والخطاط العراقي (محمد صالح) كما قدمه لي، وكنت وأنا أدقق في لوحاته المعروضة على جدار الخيمة، وفي الكارتات المطبوعة لأعماله، وفيما يرسمه وأنا أصافحه، أكتشف بالفعل فناناً حروفياً كبيراً لم أسمع به أو أعرف عنه شيئاً من قبل! شكرت العزيز صلاح الحمداني على مبادرته الرائعة، وقلت له إن مهمته إنتهت لتبدأ مهمتي وعليه أن يذهب لأنجاز برنامجه! وحين غادر صلاح كانت الدقائق القليلة كافية لكي أرسم صورة أولية عن فنان عراقي، يعيش في باريس منذ 32 عاماً، وقد وصلها وهو في الثامنة عشر من عمره، وعاش في قاعها مع المهمشين، لكنه درس الفن ولثمان سنوات متتالية، وفي أرقى المعاهد الفنية الفرنسية ( كونكور ) حيث يحاضر أشهر أساتذة الفن العالميين، وحصل على دبلوم عالي في السنكراف، وشارك في مهرجانات فنية عالمية في فرنسا وجنيف والرباط، وفي ألأخيرة كانت له ثلاث مشاركات بدعوة من وزارة الثقافة المغربية، وهو يشارك في مهرجان اللغات، وهو نشاط سنوي يساهم فيه مع أساتذة اللغة في العالم، ويساهم في نشاطات معهد العالم العربي الذي تموله الدولة الفرنسية وبلدان الخليج العربي، كما يساهم في متحف الفنون في مدينة ( أوغليون ) الفرنسية ، وقد حضر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أحد معارضه! وساهم أيضاً في تجارب طليعية حيث كان يرسم أثناء قراءة صلاح الحمداني لأشعاره مع عروض موسيقية شرقية في أن واحد، كما يقوم بتصميم أغلفة كتب ورسم لوحات داخلية لها، وقد حصل من وزارة الثقافة الفرنسية على إجازة للتدريس في المدارس الفرنسية، وإتفق مع أحد الناشرين الفرنسيين لطبع حوالي 50 كارت من أعماله الفنية ، وقد كُتبت عنه وعن أعماله الفنية أكثر من مئة مقالة لكتاب ونقاد فرنسيين في الصحف الفرنسية، وحين سألته لماذا إختار الخط العربي مجالاً للرسم قال الفنان محمد صالح : الخط مرآة الثقافة العراقية وهو أول مهنة للمثقف العربي في العصور القديمة، وكانت مهنة مقدسة في الدين المسيحي، وهو واسطة بين الرسم والكتاب، الخط إختصاصنا وتميزنا الذي يفترض أن نفخر به، ومن حسن حظي أن المنافسين في هذا الفن قلة ، وإن الخط العربي مرغوب جداً هنا في فرنسا، وإن المكاتب والبلديات تمول بسخاء هذه الفنون، التي لا تلتفت اليها بلداننا، من المؤسف القول إنني تعرفت على تأريخي العراقي والعربي هنا في فرنسا، هنا درست عن تأريخ الخط المسماري الذي ظهر زمن السومريين، وعن المدرسة البغدادية في الخط، هنا قرأت وتعرفت على أساتذة كبار كحسن المسعودي وغني العاني، لدي الأن فلم زمنه 16 دقيقة عن الخط والكتابة المسمارية وعن المدرسة البغدادية والفن المعاصر، وأنا أقيم دورات منتظمة لتعليم الخط ! وقبل أن أودع الفنان العراقي محمد صالح بعد هذا اللقاء الخاطف طلبت منه أن يرسم لي لوحتين يضمنهما أسماء إبنتي وزوجتي لتكون هديتي الثمينة لهما، وخلال دقاثق قليلة كانت اللوحتان الرائعتان بين يدي ، وهما الآن تزينان جدران شقتنا.



#داود_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العراقية تزدهر في برلين !
- الصحافة الأنصارية - صحيفة (النصير) نموذجاً !
- على هامش المؤتمر الرابع لرابطة الانصار الشيوعيين في جنوب الس ...
- دقات خفيفة على ابواب الستين - حوار مع الاعلامي داود امين
- عزيز عبد الصاحب.. فنان صادق بإمتياز !
- اللومانتيه ... مُجدداً اللومانتيه !
- مؤتمر ومهرجان الآنصار الشيوعيين حدثان لا ينسيان !
- قصائد
- إلهام سفياني !!
- في الطريق نحو المؤتمر الوطني الثامن للحزب
- مثقفو الخارج جزء من الثقافة العراقية الواحدة *
- مهرجان ( المدى ) الرابع - المثقفون العراقيون ينتصرون على الط ...
- الكونفرنس الثاني لشبكة العراق الجديد ينهي أعماله في السويد
- إلى من لا يهمه ألآمر !!!
- بمناسبة رسالة برزان- وجهان لعملتين مختلفتين !!!
- لكي لا ننسى ما يفترض أننا إتفقنا عليه !!
- مهرجان (اللومانتيه ) عرس باريس السنوي !
- مادة صحفية تُثلج القلوب !!
- اخوانيات
- لأجلِكُمْ !


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - داود أمين - اللومانتيه شلال فرح سنوي متواصل !