أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ختاوي - حرب القوقاز… والصراع النفطي في المنطقة أو أعاصيرحرب الأنابيب على مشارف الفناء الخلفي















المزيد.....



حرب القوقاز… والصراع النفطي في المنطقة أو أعاصيرحرب الأنابيب على مشارف الفناء الخلفي


محمد ختاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2431 - 2008 / 10 / 11 - 08:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إن الصراعات والأزمات والحروب تتعدد أسبابها منذ القدم، كما تتنوع دوافعها. وكثيرا ما يكون العامل الجغرافي (أي الصراع على اكتساب الأراضي) الهدف الرئيسي للنزاع. ولكن يبقى العامل الاقتصادي، أي الحصول على الموارد الحيوية السبب الرئيسي والهدف الأسمى من وراء نشوب أي خلاف أو حرب عندما تعجز السياسة أو الدبلوماسية عن تحقيقه. ومن هذه الأهداف الاقتصادية تسعى بعض الدول إلى فتح أسواق تجارية جديدة أو محاولتها السيطرة على المناطق الغنية بالموارد الأولية التي يتقدمها النفط، وما أدراك ما النفط.
لقد كان النفط هدفا لأهم المعارك التي دارت في الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء ودول المحور، فالقتال المرير الذي دار بين الطرفين في شمال إفريقيا كان بدون شك هدفه الرئيسي الوصول إلى نفط الشرق الأوسط. كما أن الهجوم الذي شنه جيش هتلر على الاتحادالسوفياتي آنذاك كانت غايته المثلى السيطرة على حقول باكو والقوقاز[i].ولواستطاع الوصول إلى تلك المناطق النفطية لكانت نتيجة الحرب غير التي عرفناها اليوم. واليابان لم تهاجم الولايات المتحدة في معركة "بيرل هاربر"(PEARL HARBOR) إلا من أجل حمايتها الشديدة لنفط إندونيسيا. " فالنفط على حد محمد حسنين هيكل، هو وحده كان أعظم مارشالات تلك الحرب ومصممي استراتيجيتها.[ii]

ويضيف محمد حسنين هيكل: " تظهر حقائق الحرب العالمية الثانية أن المعارك التي دارت في أوروبا لتحقيق النصرالنهائي ضد النازية اعتمدت بحجم 91% على بترول أمريكي زحفت به الدبابات، وانطلقت المدافع، وحلقت الطائرات وتحركت الأساطيل ".

وكان الوزير الأول والأميرال المحنك البريطاني تشرتشل أول من عرف قيمة هذه المادة الحيوية الضرورية لأي تحرك لقوة ما، حيث أعلن في مجلس العموم سنة 1919، أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أنه " ليس ثمة شك في أن الحلفاء لم يستطيعوا الإبحار إلى شواطئ النصر إلا على الأمواج المتلاحقة.[iii]

وهكذا، بعد الحرب العالمية الثانية، ازدادت أهمية النفط كمادة حيوية ضرورية استخراجية تعتمد عليها حضارة القرن العشرين آنذاك، في دول العالم، وخاصة الصناعية منها، إلى التسابق للحصول على أكبر نصيب من هذه المادة النفيسة. لذلك شهد العالم حروبا ومنازعات إقليمية كان النفط من قريب أو بعيد سببا لها أو هدفا بحد ذاته.

والجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط كانت مسرحا لمعظم هذه الحروب والمنازعات لاحتوائها على أضخم احتياطي نفطي في العالـم. فحـرب قنـاة السويس سنـة 1956، والحرب العربية – الإسرائيلية سنـة 1967، وحرب رمضـان 1393 (أكتوبر 1973)، وحرب الخليج الأولى 1980 وحرب الخليـج الثانية 1991، واحتلال العراق (2003)، وحرب جنوب السودان، وحرب التشاد، والصومال، والاضطرابات في فنزويلا ومحاولة الإطاحة برئيسهـا هوكو شافيز (2002)، وحرب الشيشان والمنازعات في منطقة القوقاز، كلها حروب يُعتبر النفط عنوانها الأهم وهدفها المقصود.[iv]

قد يتساءل كل واحد منا، إذا كان النفط عاملا من عوامل النصر أو الهزيمة في الحروب، فهو أيضا أحد أسباب اندلاعها وهدفا من أهدافها المباشرة وغير المباشرة. إذ أنّ أهمية النفط ومكانته في العلاقات الدولية يعكس الدور المركزي الذي تحتله الطاقة عموما، والنفط على وجه الخصوص في الاقتصاد الوطني لمختلف الدول سواء أكانت منتجة أو مستهلكة لهذه المادة.

ولم تكتف الشركات النفطية العظمى بالسيطرة على النفط في زمن الحرب والأزمات فقط، ولكن سعت ولا زالت تسعى إلى ضمان بقائه بأيديها من لحظة استخراجه إلى مرحلة عرضه في الأسواق، أو جلب كل الأنظار صوبه إذا كان بعيدا عنها ريثما تسيطر عليه في يوم ما سواء بالتي هي أحسن أو بالقوة أو بأي طريقة تراها مناسبة. المهم أن تحصّل عليه. باختصار،إن النفط منذ اكتشافه إلى تطوره الصناعي أصبح موضوع أطماع عديدة.

إن كل المناطق المنتجة للنفط، يقول البروفيسور شيتور، عرفت على أرضها حروبا عنيفة، أحيانا في الظل، وأحيانا أخرى متسترة، كثيرا ما تؤدي حتى إلى استهداف القتل للأشخاص الذين يمنعون تحقيق أهداف الشركات متعددة الجنسيات والدول التي تحميها. يقال أن رجل الأعمال وصاحب شركة ENI الإيطالية تم تصفيته من طرف المخابرات الفرنسية نظرا لتعاونه مع جبهة التحرير الوطني أثناء حرب التحرير الجزائرية.[v]

كما قامـت وكالة الاستخبـارات الأمريكيـة عبـرعميلها " شواتزكوف " بتنظيم انقلاب ضد الدكتورالمحنـك محمـد مـصدق،الوزير الأول الإيراني حيث أطيح به في 22 أغسطس / آب 1953، كونـه تجرأ لاتخـذ قـرارتأميم النفط الإيراني. وكتب عن هذه القصة الكثيروأزعجت الشركات النفطيـة متعددة الجنسيـات مما أدى إلى تشكيل ما يسمى بالكونسورسيوم (Consortium).

وفيما يخص الحرب الدائرة في منطقة القوقاز بين روسيا التي تدعم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من جهة، وجورجيا المدعمة من طرف الدول الغربية والحلف الأطلسي، فقد يدفعنا الحديث إلى النظرإلى هذا النزاع من جانبه النفطي، الموضوع الذي يهمنا في هذه الدراسة على الخصوص. هذا مما يؤدي بنا بادئ ذي بدء إلى الرجوع إلى الوراء عبر التاريخ، وذلك في عهد الاتحاد السوفياتي السابق حيث سبق لهذه الإمبراطورية أثناء ثورة أكتوبر 1919 التاريخية وأنها قد طردت الشركات النفطية العظمى التي كانت تتواجد آنذاك في منطقة بحر قزوين وأممتها، مما يجعلنا نوحي إلى الأخذ بالثأر من قبل هذه الشركات العظمى وتلبية مطامعها القديمة في المنطقة التي يقال أنها بمثابة " شرق أوسط جديد" بثالث احتياطي في العالم مع ثرواتها البترولية والغازية.

على عكس الدول الغربية ودول الخليج التي كانت ولا زالت مفتوحة للشـركات النفطيـة العظمى، إنه من الصعب الحصول بكل سهولة على معلومات وإحصائيات مدققـة فيما يخص إنتاج واحتياطي النفط في الجمهوريات السابقة للإتحاد السوفياتي والدول الإشتراكية المجاورة لها.

يقول الدكتور حافظ برجاس مستندا إلى "مجلة المؤشر" في هذا الشأن[vi]: " بقيت المعلومات الرسمية حول حجم الإحتياطي السوفياتي من النفط وغيره من مصادر الطاقة طي الكتمان لأنها تعتبر سرا من أسرارالدولة التي لا يسمح بالإعلان عنها. ويمكن القول إن معظم التقديرات المعلنة حول هذا الموضوع تعود في أصلها إلى مصادر غربية كوكالة الطاقة الدولية، ووكالة الإستخبارات الأمريكية وبعض الدراسات المتخصصة الصادرة عن شركات النفـط الأجنبيـة، إلى جانب ما تشير إليه بعض الصحف والمراجع السوفياتية آنذاك. وتجمع كل المراجع إلـى أن الإتحاد السوفياتي يمتلك ثروة نفطية ضخمة أهلته لأن يكون في طليعة دول العالم المنتجة للنفط ".

" وأشارت تقديرات لنائب رئيس شركة "كونوكو" CONOCO الأمريكية العاملة في مجال الإنتاج والتنقيب عن النفط الروسي ـ أن الإحتياطي النفطي الذي لم يكتشف بعد يقدر بحوالي 500 مليار برميل محصورة بمعظمها في جمهوريات روسيا الإتحادية ".

أما الإحتياطي المؤكد من النفط الخام، فكان يقدر في نهاية 1989، تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي، بحوالي 58,4 مليار برميل، ويشكل نسبة 6% من مجموع احتياطي النفط العالمي، وكان يقدرأنه لايكفي لأكثر من 13 سنة حسب معدلات الإنتاج لسنة 1990،[vii] بينما تشير إحصائيات مجلة "Business Week" المختصة[viii] إلى 69,1 مليار برميل في سنة 2004 لروسيا وحدها لتصل إلى حوالي 70 مليار في آخر نفس السنة. بينما تعطي بعض الإحصائيات 82 إلى 110 مليار سنة 2006.

والجدير بالذكر أن بعض الصحف السوفياتية آنذاك قد تنبهت لأمر انخفاض نسبة الإنتاج، وعزت الأسباب إلى سوء نوعية معدات الحفر وصعوبة استخراج النفط في المناطق القارصة البرودة ومشكلات أخرى تتعلق بالقوى العاملة[ix].

تعتبر صناعة النفط الروسية التي بدأت سنة 1860 واحدة من أقدم الصناعات النفطية في العالم،وإن كانت الولايات المتحدة أقدم منها والأكثر تقدما من الناحية التاريخية، والمالية، والتكنولوجية. وقد بدأ استخراج النفط في بداية الأمر في منطقة باكو المشهورة والواقعة على ساحل بحر قزوين. لكن روسيا القيصرية لم تكن مالكة لهذه الثروات آنذاك بحيث كان الإستثمار الرئيسي للنفط يعود إلى الرأسمال الأجنبي، لاسيما البريطاني، والفرنسي، والسويدي[x].

بعد ثورة أكتوبر1917، تم تأميم صناعة النفط من قبل حكومة لينين الثائرة التي عانت آنذاك بعض المصائب الاقتصادية من جراء الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي[xi].وقد تكبدت شركات النفط البريطانية والأمريكية خسائرباهظة مما دفع بالحكومتين البريطانية والأمريكية إلى تقديم المساعدات العسكرية لأعداء الثورة السوفياتية وتزكية الحرب الأهلية انتقاما من عمليات تأميم مصالحها.

ولكن سرعان ما وضعت الدولة الثورية حدا لهذه التدخلات وأعادت بناء الإقتصاد الداخلي عن طريق تنشيط الإنتاج النفطي وإعادة استثمارحقول نفط باكو والقوقاز، مما مكن الإتحاد السوفياتي سنة 1928 من زيادة إنتاج النفط إلى 12 مليون طن، 20% منه كان مخصصا للتصدير. وحاول اتحاد شركات النفط الأجنبية التضييق على تسويق النفط السوفياتي، ولكن بدون جدوى. وخلال 20 سنة بعد الثورة، استطاع الإتحاد السوفياتي أن يصدر حوالي 50 مليون طن.[xii]

أما أثناء الحرب العالمية الثانية، تعطلت عمليات الحفر والإنتاج ودمر قسم كبير من منشآته النفطية من طرف الألمان. وبعد الحرب باشر الإتحاد السوفياتي في التوسع في التنقيب في شتى أنحاء البلاد.

ونتيجة هذا النشاط المكثف، تم اكتشاف مخزونات أخرى هائلة ما بين نهر "الفولغا " وجبال" الأورال" وفي مقاطعة " تيومين ". ومنذ ذلك الوقت، بدأ إنتاج النفط يتزايد إلى أن بلغ ما يقارب 380 مليون طن سنة 1971، حوالي 100 مليون منها مخصصة للتصدير[xiii].

وفي السبعينات،عززإنتاج النفط الروسي باكتشافات جديدة في غرب سيبيريا وآسيا الوسطى، الشيءالذي جعل بعد ذلك، الإتحاد السوفياي ثاني منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة،ولكنه تجاوز إنتاجها بعد سنة 1975 حيث صارت الولايات المتحدة تعتمد كثيرا على الإستيراد.

وقد قدر بعض الخبراء في ميدان النفط أن الإتحاد السوفياتي ترك مخزونا استراتيجيا من النفط الخام قدره البعض بـ: 500 مليار برميل، والبعض الآخر بنصف هذه الكمية، لكن هناك شكوك كبيرة في إمكان استغلال هذا الإحتياطي في ظل بعض الصعوبات التقنية الناجمة عن تفكك قوة الإتحاد السوفياتي السابق وضعف موارد الإستثمار وكذا غياب التوظيفات[xiv].

وقد حاولت الحكومة الروسية عن طريق سياسة الإصلاح والإنفتاح الإقتصادي على الغرب الاستعانة بالتكنولوجيا الأمريكية المتقدمة في هذا المجال، لكن تداعيات الأحداث التي تأثرت بها الشركات السوفياتية السابقة وما رافق ذلك من اضطرابات اقتصادية وسياسية واجتماعية حالت دون تحقيق هذه التطلعات. وكان معظم الخبراء والمحللين الاقتصاديين اتفقوا على استمرار بعض النقص في احتياطي الإتحاد السوفياتي الأسبق إلى أمد غير محدود في ظل غموض رؤيا سياسية واضحة وتردي الوضع الإقصتادي مع فقر المعلومات المؤكدة في هذا الميدان. وكان نفس الخبراء في شؤون النفط قد توقعوا استمرار التراجع في إنتاج النفط إذا بقيت الأوضاع مثل ما هي عليه، رغم محاولات سياسية " البرسترويكا " التي كان ينتهجها آخر رئيس للاتحاد السوفياتي السيد غورباتشوف لتشجيع الشركات الأجنبية على الإستثمار ولا سيما الأمريكية منها، والدخول في مشاريع مشتركة، مثل مشروع " الليالي البيضاء " ومشروع تنمية حقل تنجز (Tengiz). ولكن فشلت هذه السياسة مما جعلت المستثمرين يترددون في القيام بمثل هذه الإستثمارات نظرا لعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي وعدم الضمانات المطلوبة آنذاك[xv].

وتوقع مركز أبحاث الطاقة في جامعة كمبردج الأمريكية أن ينخفض الإنتاج بنسبة تتراوح ما بين مليون ومليون ونصف مليون برميل يوميا سنة 1992، أي بعد تفكك الإتحاد السوفياتي.

ومع أن الإتحاد السوفياتي (سابقا) كان لا يزال في عهده أكبر منتج للنفط في العالم، فإن المسؤولين في وزارة النفط كانوا يعتقدون أنه ما لم تقم الشركات الأجنبية بتوظيف استثماراتها في حقول النفط السوفياتية، فإن الإنتاج سوف يعجز عن تلبية الحاجات المحلية في المستقبل.

وكما كان يعتبـر الإتحاد السوفياتي من أكبر الدول المنتجة للنفط، فهو أيضا من بين الدول الصناعيـة الكبرى المستهلكة لهذه المادة الحيوية. وقدرت نسبة استهلاكه عام 1989 قبل انهياره بحوالي 14% من مجموع الإستهلاك العالمي للنفط، وهو بذلك يأتي بعد الولايات المتحدة وأقطار أوروبا الغربية[xvi]. وقد حرص الإتحاد السوفياتي منذ نشأته على مبدأ الإكتفاء الذاتي في سياسته النفطية، وما يفيض عن حاجته كان يصدر إلى دول أوروبا الشرقية وبعض دول أوروبا الغربية بغية الحصول على العملات الصعبة.

فالمعروف أن الإتحاد السوفياتي ومنذ بداية الثمانينـات زاد اعتماده تدريجيا على الغاز الطبيعي وتم إحلاله محل النفط في قطاعي الصناعة والكهرباء.

هذا، ويتوقع المراقبون أن يعود إنتاج استهلاك النفط إلى الارتفاع في السنوات المقبلة بعد تحسين الأوضاع الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، لاسيما مع السياسة المنتهجة من قبل فلاديمير بوتين وخليفته مدفيداف الذي يسيرشؤون البلاد بمعيته على نفس السياسة المنفتحة شيئا ما ولكن الحذرة من الغرب كل الحذر بغية الحفاظ على المصالح الروسية و الغيرة عليها.

منذ ما يزيد عن خمسة عشر سنة كانت المنطقة التي تقع على جانبي بحر قزوين من ناحيته الشرقية – آسيا الوسطى – والقوقاز من الناحية الغربية، غير معروفة بشكل كبير. فقد كانت هذه المناطق مقاطعات تابعة للإمبراطورية السوفياتية، ولم تكن تهم العالم الخارجي لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية. فجأة تغيرت الأمور وحصلت ثماني دول على استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومنذ ذلك الحين، فإن بعض هذه الدول الجديدة اجتذبت اهتماما متزايدا من الحكومات والقطاع الخاص ودوائر السياسة العالمية ووسائل الإعلام على حد سواء.

هذا الاهتمام النسبي حظيت به عدة دول معدودة من دول بحر قزوين هي بالدرجة الأولى أذربيجان، وكازاخستان، وتركمانسان، ويرجع هذا الاهتمام وذلك الظهور إلى النفط والغاز الذي تم اكتشافه في كل منها. وقد ظهر الاهتمام المتزايد بهذه المنطقة من 1991 حتى 1997. وفي نفس الوقت أصبح هناك عنصر استراتيجي مهم للمنطقة.[xvii] فبحر قزوين يقع في نقطة التلاقي بين كل من روسيا، وتركيا وإيران والصين وبنفس الوقت يربط جورجيا مع البحر الأسود الذي يطل على أوروبا الشرقية بمنفذ مينائي سبسا وبوتي. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي وجدت هذه الدول المستقلة نفسها لا تسيطر عليها أي من هذه القوى الخارجية ولكنها مرتبطة معها بطرق مختلفة، جغرافيا واقتصاديا، وثقافيا، ومن ناحية المواصلات التجارية أيضا.

ولما نتكلم عن القوقاز، يذهب بنا الحديث مباشرة إلى منطقة قزوين الغنية بثرواتها النفطية والغازية والمتمثلة خصيصا بالدرجة الأولى بأذربيجان والمعروفة بعاصمتها النفطية "باكو" والمجاورة لجورجيا التي يرطبها خط أنابيب تمرعليها. مما يجعلها منطقة استراتيجية قد تجلب أطماع أكثر من واحدة من الشركات النفطية العملاقة وأكثر من دولة غربية.

إن الحديث عن مستقبل منطقة القوقاز بالنسبة لأسواق النفط العالمية لابد أن يبدأ بالحقائق الجيولوجية تحت الأرض. فاحتياجات منطقة قزوين ـ والتي عرفناها بأذربيجان، وكازاحستان وتركمانستان ـ تملك الاحتياطات التي تعتبر مؤكدة يتراوح ما بين 25 – 30 مليار برميل. فهذه الاحتياطات التي تعتبر مؤكدة يجعل بحر قزوين معادلا لبحر الشمال. على أن هناك إثنان من حقول النفط هما " تنجيز " في كازاخستان، و" أذري جونشلي " في أذربيجان يعتبران بالمقاييس العالمية عملاقين وسط حقول النفط كل منهما يحتوي على نحو 5 ملايير برميل. أما الرقم الذي غالبا ما تردد ذكره بان مجمل احتياطات بحر قزوين النفطية تبلغ 200 مليار برميل.[xviii]

نظرا لكون الدول المنتجة للنفط الموجودة بمحيط قزوين كانت " حبيسة " المنطقة، أي ليس لها منافذ مباشرة على طرق المواصلات التجارية العالمية، فإن موضوع خطوط الأنابيب كان أمرا أساسيا، لأن الخطوط القائمة ليست كافية لنقل الكميات الجديدة من بحر قزوين إلى أسواق النفط العالمية، أي مرورا لا محالة بمنطقة القوقاز التي تعد المنفذ الرئيسي والأقرب للعالم الخارجي عبر جورجيا وروسيا التي لهما حدود مجاورة بالمشال الشرقي.

بالنسبة للشركات النفطية التي تعمل في بحر قزوين والتي تسعى للعمل هناك منذ القدم، فإن تمويل وبناء خطوط أنابيب مكلفة تمر عبر دول أخرى تمثل أكبر التحديات أمام المنطقة كونها لها بعد سياسي و استراتيجي مهم قبل البعد الاقتصادي والتجاري.

تحت عنوان: " القوقاز وقزوين... الرهان النفطي الكبير "، يقول البروفيسور شيتور[xix]: "في سبتمبر/أيول1997، تم التوقيع على اتفاق بين روسيا والشيشان، تم بموجبه نقل نفط أذربيجان إلى المناء الروسي " نوفوروسسك "، على أن يتم فيما بعد بناء خطوط أنابيب أخرى يصل الأول إلى ميناء جورجي والآخر إلى ميناء تركي، مما بدأ يجلب أطماع الشركات التي صارت تسعى مع حكوماتها إلى تهدئة المنطقة التي كانت ولا تزال في بعض الاحيان مسرحا لنزاعات عديدة في القوقاز. وفيما يخص روسيا والولايات المتحدة فإن الرهان جد معتبر إذن و لا داعي لتذكيره.

من سواحل البحر الأسود حيث توجد جورجيا ـ قلب النزاع اليوم ـ إلى الحدود الصينية مرورا بقزوين، هناك منطقة ثرية ظهرت إلى الوجود فجأة في قلب آسيا " . إن الدول الهشة التي تحيط بهذه المنطقة تمثل جوا من المنافسة الشرسة، بحيث هناك العديد من رجال الأعمال، والدبلوماسيين والمستشارين، ولا سيما عمالقة البترول صارت تجذبهم هذه الإمكانيات الضخمة من المجد والثروة السريعة الاكتساب. ولا غرابة إذن أن تلقب هذه المنطقة " بالكويت الجديد " حسب الشركات متعددة الجنسيات التي نادرا ما تخطئ في حساباتها.

جورجيا:

منذ انفصال جورجيا عن الاتحاد السوفياتي، ثم تعيين إدوارد شيفرنادزة على رأس هذه الجمهورية الفتية. كانت كثير من المصادرالغربية تمتدح الرئيس شيفرنادزة على أنه نموذج للديمقراطية لأنه نقل بلاده بعيدا عن العهد السوفياتي وقربها من الغرب. وبعدما حصلت جورجيا على استقلالها جابهت ثلاثة حركات انفصالية: فعنصر الأوسيتيان Ossetian يتواجدون على جانبي الحدود مع روسيا. كذلك نجد أن الوسيتيان الجنوبيين قد بدأوا الثورة بهدف الاتحاد مع أوسيتيان الشمال بأية وسيلة، وأخذوا يتجاهلون كل ما يحدث في العاصمة الجورجية تبليسي Tbilissi. من جهة أخرى وبمساعدة مستترة من جانب روسيا حدثت اضطرابات سادت منطقة أبخازيا Abkhazia جعلت هذه المنطقة تخرج عن السيطرة الجورجية، مما تسبب في وصول قوات لحفظ السلام من جانب روسيا.

ويلاحظ أن الحدود بين روسيا وجورجيا تشهد كثيرا مما تشهده كثيربقاع أذربيجان. فالجبال هناك تعتبر أماكن نموذجية لتهريب السلاح والمخدرات وموقع للاضطرابات والنزاعات المختلفة.

وتجدرالإشارة إلى أن جورجيا تعتبربلدا مركزيا مهما لخط الأنابيب"باكو/ تبليسي/ جيهان" هذا الخط المهم من وجهة النظر السياسية الأمريكية والذي كانت تعتبره الإدارة الأمريكية أهم إنجاز يتم تحقيقه في ناهية القرن العشرين "[xx].

وتعتبر جورجيا من أشد دول منطقة آسيا الوسطى والقوقاز تحالفا مع الغرب لا سيما بعد مجيء مخايل سكشفيلي إلى الحكم، فقد استجابت مع الولايات المتحدة بشأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بعرض أراضيها لتمركز القوات الأمريكية أو تقديم أية مساعدات تطلب منها في هذا الخصوص.

من جانب آخر فإن علاقات جورجيا مع روسيا يشوبها كثير من العداء حيث هددت روسيا بشكل متكرر بالقيام بغزو شريط بانكيسي Pankisi Gorge لملاحقة بعض المتمردين هناك.

بحر قزوين والتنافس الدولي على النفط:

في الحقيقة إن أهم الدول المتنافسة على مصادر طاقة بحر قزوين هي الولايات المتحدة وروسيا باعتبارها كانت مسيطرة سلفا أيام الإتحاد السوفياتي على المنطقة مع الصين الوافد الجديد للمنافسة، وأما تركيا وإيران فإن لهما ميراث قديم بين شعوب المنطقة. للعلم أن تركيا تحتاج إلى نفط وغاز هذه المنطقة نظرا لقربها من هذا البلد.

إن هذه الدول الثلاث الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا والصين) لها مصالح حيوية في إنسياب النفط والغاز بصفة هامة على المستوى العالمي ولدولها بصفة خاصة. وكلها أرسلت بعض قواتها المحاربة إلى المناطق الغنية بهذه الثروات أو أنشأت لها روابط عسكرية مع الحكومات المحلية، أو زودتها بالأسلحة. فالولايات المتحدة كانت قد زودت لفترة طويلة بالأسلحة والتدريبات العسكرية دول الخليج ثم هي الآن تمد على نطاق مضطرد مساعدتها العسكرية إلى حلفائها المتوقعين في بحر قزوين. أما روسيا فقد استمرت في تزويد الجمهوريات التابعة لها سلفا في كل من القوقاز وآسيا الوسطى كذلك بالأسلحة لإثبات التأثير الروسي في المنطقة.

والواقع أن هذه المحاولات للمنافسة اتضحت أكثر في بداية التسعينات عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وأخذت في التصاعد منذ ذلك الحين.[xxi]

وهكذا، تندرج المنافسة على هذا النحو في نطاق ما يسمى بالمنافسة الجيوسياسية، وهي نوع من التنافس بين الدول على الأراضي، والمصادر الطبيعية، والمعالم الجغرافية الحيوية مثل الموانئ، والأنهار الهامة، والقواعد الاستراتيجية والطرقات المختلفة فضلا عن المزايا الاقتصادية والعسكرية.

وهذه المنطقة هي من المناطق خارج منطقة الخليج التي يكون التنافس حولها أشد تفجـرا واهتماما، وأصبح على حد قول مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي " رقعة الشطرنـج الكبرى " التي سوف تتنافس كل من واشنطن، وموسكو، وبكين حولها والنضال للسيطرة عليها.[xxii]

دور الولايات المتحدة في المنطقة:

حسب اعتقاد المستشار الأميركي الأسبق بريجنسكي، فإن الولايات المتحدة على إدراك كامل بما يسمونه "معضلة الاعتماد على الخارج بالنسبة لمصادر الطاقة"، فإن الشركات النفطية الأمريكية تظل منذ تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي القوة الرئيسية المسيطرة على هذه المنطقة بحيث ترى فيها المصدر الذي يتسنى لها أن تحقق فيه أكثر من مجرد الأمن الطاقوي بالنسبة لإمداداتها المستقبلية سواءا كان ذلك للنفط أو الغاز. كما يتسنى لها أيضا في هذه المنطقة التي تعتبرها استراتيجية، أن تمارس درجة من السيطرة و ضمان الإمدادات الطاقوية بالنسبة للدول الأخرى المستوردة حتى تصبح موقع تأمين الطاقة لهذه الدول ـ مثل الدول الغربية واليابان ـ التي تفتقر من هذه الثروة الحيوية لتطور صناعتها، حتى أصبح ذلك مرتبطا بالوجود العسكري الأمريكي القوي لتلبية هذه الرغبات الاستهلاكية للدول الغربية.

هذا مما يمكن الولايات المتحدة من الحصول على أوراق ضغط سياسية قد تستخدمها على حلفائها للحصول على مزايا أخرى، إذا بدت رائحة التمرد عليها أو مخالفتها في الرأي، أو خروجها على الصف القائم بين التحالف. وفي الحالات المتطرفة، يمكن للولايات المتحدة الإستعانة بهذه السيطرة العسكرية في تلك المناطق الغنية بمصادر الطاقة في قطع الإمدادات عن أية دولة معادية.[xxiii]

دور روسيا في المنطقة:

لا ننسى أن روسيا نظر لشساعة أرضايها ووضعها الجغرافي الاستراتيجي كانت ليس بزمن بعيد تعتبر الخصم اللدود لأمريكا، وصارت الآن ظلا باهتا لإمبراطورية كانت تنافس الولايات المتحدة في السيطرة على العالم، ومع ذلك فإن روسيا لا تزال تحتفظ ببعض خواص القوة العظمى التي كانت تتميز بها أثناء الحرب الباردة. فسكانها يبلغون الآن نحو 150 مليونا ولا تزال فاعلا جيوسياسيا مهما في قلب أوراسيا. إن روسيا تمتلك الآن ترسانة نووية جبارة ـ تعتبر الثانية في الترتيب بعد الولايات المتحدة الأمريكية وتمتلك موردا كبيرا للأسلحة التقليدية والمتطورة تسوقها عبر العالم، و كذاالتكنولوجيا النووية.

وما هو أكثر أهمية من ذلك هو أنها تسيطر على كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، جنبا إلى جنب مع شبكة كبيرة من خطوط الأنابيب التي تربط حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى بشرق وغرب أوروبا[xxiv].

ولقد بذل المسؤولون الروس منذ مجيء الرئيس بوتين إلى الحكم جهودا كبيرة لزيادة النفوذ الروسي على الأراضي التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق والتي استقلت وسميت "جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة " بعد تفكك الاتحاد السوفاتي، وكذلك في الأراضي المتاخمة لروسيا مباشرة، وخاصة حوض قزوين إذ بذلوا هذه الجهود لزيادة النفوذ الروسي فيها.

والجدير بالذكر أن صادرات روسيا من النفط والغاز الطبيعي تشكل الشطر الأوفر من الدخل الروسي، إذ يمثل 55% من الصادرات، ونسبة 40% من الدخل الحكومي.

ولقد اعتمد بوتين على صادرات بلاده من الطاقة لتوثيق روابط بلاده مع مستهلكيها من الأجانب مثل ألمانيا، واليابان، والولايات المتحدة. ولكن جهوده لم تقتصر فقط على الوضع شبه الاحتكاري بالنسبة لنقل نفط وغاز بحر قزوين إلى الغرب (عبر نظام لخطوط الأنابيب تم مدها عبر العصر السوفياتي)، ولكنه بذل جهده أيضا لعرقلة أية طرق بديلة لنقل هذا النفط والغاز التي تحاول تفادي المرور عبر روسيا.[xxv]

إن هذه الرغبة للسيطرة على طرق نقل طاقة بحر قزوين قد أدت إلى التصادم مع الطموحات الأمريكية في المنطقة. وهذا التنافس قد وضح جليا في أواسط التسعينات حينما شرعت واشنطن في إقامة علاقات سياسية وعسكرية مع الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي في القوقاز وآسيا الوسطى، ومن ثم مهدت السبيل للاستثمارات من جانب شركات الطاقة الأمريكية الكبرى. هناك إنبرت موسكو لتقوية نفوذها السياسي والعسكري مع هذه الجمهوريات وأهمها كازاخستان، تركمانستان، أذربيجان وأوزبكستان وذلك ردا على هذا التحرك الأمريكي قرب حدودها، مما أدى بأحد الزعماء الروس، أندريه أورنوف Andrei URNOV في وزارة الخارجية بالقول منذ مايو 2000: " لا ينبغي أن ينهدش المرء من أن روسيا قد عقدت العزم على مقاومة المحاولات الرامية إلى التعدي على مصالحها ".

الواقع أن التنافس حول السيطرة على طرق خطوط النفط ليس بالأمر الهين، بالنسبة لروسيا، فإن خطوط الأنابيب ليست مصدرا للدخل فحسب، ولكنها تزود روسيا كذلك بأوراق ضغط على جمهوريات السوفيات السابقة إلى الجنوب من روسيا. وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة قد صممت على تقليل سيطرة روسيا على إنسياب الطاقة. فلقد وجدت واشنطن الحل في إنشاء خط أنابيب باكو – جيهان (BTC) ليمر من خلال جورجيا عند تبيليسي.[xxvi]

وقد قال عنه بيل ريتشاردسون، وزير الطاقة الأمريكي في آخر التسعينات: " إن ذلك بمثابة أمن الطاقة الأمريكي الذي يعتمد إلى تنويع مصادرنا من النفط والغاز، وأنه يحول دون الطرق الداخلية لأولئك الذين لا يشاركوننا في قيمنا ".

دور الصين في المنطقة:

لقد ظلت الصين في غالبية سنوات الحرب الباردة تنتج من النفط والغاز الطبيعي والفحم ما يكفي احتياجاتها المحلية. وكانت الاستراتيجية الكبرى للصين هي محاولة الاكتفاء الذاتي وذلك حتى حلول عام 1993 حينما ارتفع الاستهلاك ليتعدى الإنتاج المحلي من الطاقة، وكان على الصين حينذاك أن تعتمد بدرجة أكبر على النفط المستورد.

في عام 2001 أنتجت الصين نحو 3,1 مليون برميل من النفط يوميا، واستهلكت 5 ملايين برميل مما تسبب في نقص قدرة 1,9مليون برميل مما اقتضى الأمر عليها استيراده. ولكن الصين حينما تبلغ نسبة 34 بالمائة من إجمالي استهلاكها معتمدة على الخارج فإنه يكون أقل من معدل النفط المستورد للولايات المتحدة منسوبا إلى إجمالي استهلاكها وهو 54% . ولكن إنتاج الطاقة في الصين سوف لن يكفي الاستهلاك المحلي، ويتوقع الخبراء أنه في سنة 2025، سيصل صافي استهلاك الصين إلى 12,8 مليون برميل يوميا في حين لن تتعدى الطاقة الإنتاجية من النفط 3,4 مليون برميل مما يستلزم استيراد 9,4 مليون برميل يوميا أي ما يعادل 5 مرات مقداره في سنة 2001.[xxvii]

ولاشك أن المسؤولين الصينيين بات ينتابهم القلق حول المخاوف التي تراود صناع القرار السياسي الأمريكي حول الاعتماد على النفط الخارجي. ولكن لديهم سبب آخر للقلق يتمثل في أن الولايات المتحدة هي التي تسيطر على منطقة الخليج الغنية بهذه الثروة الآن وبحر قزوين مستقبلا. ولذا، قد هداهم فكرهم الاستراتيجي لإقامة تواجد لهم في مناطق إمدادات كبرى أخرى، قد تكون اليوم منطقة بحر قزوين، نظرا للاستثمارات التي تقوم بها مع شركات الطاقة في المناطق المهمة خاصة في إفريقيا وبحر قزوين ونظرا لقربها من الحدود الصينية نسبيا.

ولقـد تجـلى هـذا المدخـل الاستراتيجي الصيني على وجه الخصوص في كازاخستان، وإيران، والسـودان. ولقد لعبت كازاخستان دورا هامـا في سياسـة الصين المتعلقـة بالطاقـة، وتلقت كازاخستان الشطر الأكبر من الاستثمارات الصينية، وأهمهـا الحصة الأكبر في شركـة Aktbemuniagas من جانـب شركـة الصين الوطنية للبترول (China National Petroleum Corporation ) وهي شركة كانت تمتلكها الدولة وتسيطر على عدد من الحقول الهامة في منطقة آكتوبينسيك Aktioubinsk .

والواقع أن كازاخستان تعتبر جذابة بالنسبة للصين، نظرا لأن حدودها معها تعتبر بمثابة نوع من الاتصال البحري بين بحر قزوين وشرق آسيا، وتلك ميزة جيوسياسية تسمح بنقل نفط وغاز قزوين إلى الصين عبر طرق داخلية لتفادي الخليج الذي تسيطـر عليه الولايات المتحدة. وتقـدر الصين هـذه الميزة حـق قدرها حـتى أنها التزمت بإنجـاز خـط أنابيب تمتد من آبار "أكتوبينسك" حتى سواحل الصين بتكلفة قدرها 10 ملايير دولار.[xxviii]

على كل، حسب جريدة إنترناشيونال هيرالد تريبيون[xxix]، فإن الولايات المتحدة كانت ولا زالت ترمي في هذه المنطقة الثرية بالنفط (بالقوقاز) حيث تمر أنابيب نفط قزوين، مصدر إضافي للطاقة إذا صعُب الأمر أو ضاقت الأحوال في منطقة الخليج العربي. وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق كاسبر واينبورغر (Caspar Weinberger) في هذه الصحيفة: " إذا استطاعت موسكو أن تهيمن وتسيطر على قزوين، فإن هذا النصر يعتبر أكثر من الاتساع الغربي للحلف الأطلسي للمنطقة، مما قد يؤدي بالتالي على توقيف التأثير الإيراني بالمنطقة ".

كل ذلك أدى إلى اهتمام الاتحاد الأوروبي كذلك من جهته بهذه المنطقة الغنية بالثروات الطاقوية. مما جعله يخصصثلث مساعداته الإنسانية لهاته الجمهوريات الثلاث التي ذكرناها آنفا. ولكن الصراع العنيف تجاه هذه المنطقة يبقى يدور حول قوتين عظميين، وهما روسيا والولايات المتحدة، رافضين أي دور رئيسي للاتحاد الأوروبي فيما يخص بالقضايا الطاقوية.

الخلاصة

كل ما هو في الأمر أخيرا،أن تنبؤات المراقبين السياسيين تشيرأن جورجيا كانت ترمي من وراء التصعيد الأخير إلى إحداث تغيير نوعي في طبيعة التعاطي السياسي مع أزمة إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليين. كما هدفت إلى تدويل القضية تجاه الغرب، ولاسيما تدويل مهمة حفظ السلام التي تقوم بها روسيا، وبذلك بتحجيم النفوذ الروسي في المنطقة، حيث فشلت في هذا المخطط.

أما روسيا، فقد سعت بالطبع إلى تعزيز نفوذها في المنطقة وبسط قوتها على " الفناء الخلفي "، لاسيما على خليفة خطط انضمام جورجيا إلى حلف الناتو. ويرى البروفيسور ستيفان فولف، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نوتينجهام توقع تغيير حكومة سكاشفيلي في وقت قريب. كما يرى أن الرد الروسي كان يهدف بشكل من الأشكال إلى تلقين جورجيا درسا حول مدى محدودية تأثير الغرب في المنطقة، وفي الوقت نفسه توجيه رسالة إلى كل من يرغب في الانضمام إلى الحلف الأطلسي ضد رغبة روسيا (لا سيما أكرانيا التي ترغب في ذلك).[xxx]

ويرى البروفيسور فولف من ناحية أخرى أن تقليص نفوذ الناتو والاتحاد الأوروبي في المنطقة ليس الهدف الوحيد لروسيا من وراء العمليات العسكرية الأخيرة. فالهدف الرئيسي الآخر على الأجندة الروسية هو بسط سيطرتها على منابع الغاز والنفط فيما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي سابقا. فمن المعروف أن خط الأنابيب المعروف باسم BTC يحمل النفط من أذربيجان إلى تركيا مرورا بجورجيا بعيدا عن أي سيطرة روسية. وهو الخط الذي يمثل الإمكانية الوحيدة لأذربيجان لتلافي السيطرة الروسية على نفطها ونقله إلى السوق العالمية. لذلك، فإن عدم الاستقرار في جورجيا قد يقلل من فاعلية خط الأنابيب الجديد، وبالتالي يمنح روسيا السيطرة على توزيع مصادر الطاقة في آسيا الوسطى وبحر قزوين و بالتالي ضبط الأمور حسب رغبتها وسياستها في المنطقة.

وهذا ما يؤكد رأينا في الموضوع لمّا أشرنا بكل وضوح أن هذه الحرب، قبل أن تكون جيوسياسية، فإنها اقتصادية للغاية لما فيها من رائحة النفط التي تجلب الأطماع واستعراض العضلات لبسط النفوذ على هذه الثروة الغنية، بحيث سميت هذه الحرب " بحرب الأنابيب "، إذ أن ما يتمتع به بحر قزوين المغلق من احتياطات نفطية هائلة هو أحد عوامل اندلاعها، ولاسيما بعد أن أصبحت جورجيا إحدى الدول الرئيسية والضرورية لعبور النفط من حقل باكو في أذربيجان المجاور لحدود جورجيا إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط.

مما يؤكد كذلك أن خط أنابيب " باكو- تبيليسي- جيهان " ما هو إلا عنصر ثانوي في معادلة استراتيجية أكبر تتمثل في محاولة ترعاها إلى حد كبير الولايات المتحدة ويشترك فيها العديد من حلفائها بما فيها إسرائيل التي دعمت حكومة جورجيا عسكريا مدفوعة من حليفتها أمريكا و التي تربطها علاقات وطيدة مع حكومة سكاشفيلي. ذلك لإضعاف أي نفوذ روسي في كل أرجاء المنطقة سواء كان اقتصاديا كما أشرنا إليه، أو سياسيا، أو دبلوماسيا أو عسكريا، علما أن سكاشفيلي هو أكثر المتحمسين للغرب وإسرائيل في المنطقة بعكس جارتيه أذربيجان وتركيا الأقل عداوة منه لروسيا، واللتين ظلتا تسعيان لجني ثمار التجارة النفطية وفوائد اقتصادية بينما حافظتا في الوقت نفسه على علاقاتهما الطيبة مع روسيا وآثرتا تجنب الاستفزازات. في حين بقيتا إلى حد الآن الرابح الأكبر إن مع روسيا أومع الغرب. ويتأكد بالوقائع والأدلة الدعم السافر للقوات الغربية و لا سيما إسرائيل لحكومة جورجيا في حربها الاخيرة ضد أوسيتيا الجنوبية. فبعد قيام جيش إسرائيل بتسليح وتدريب قوات ساكاشفيلي، وبعد المساعدات العسكرية و المخابراتية التي تلقتها تبليسي من تل أبيب إبان الحرب الأخيرة وبعدها، جندت مستشفيات تل ابيب كل طاقتها وخبرات طاقمها الطبي لعلاج الجرحى من الجنود الجورجيين و تقديم المساعدات الأخرى على متن السفن الحربية الأمريكية تحت ذريعة المساعدات الإنسانية. ففي الوقت الذي تقف فيه اسرائيل الى جانب الجنود الجورجين وتغدق عليهم المساعدات الانسانية المشبوهة، تتجاهل آلام المصابين والمتضررين الآخرين من وحشية العدوان الجورجي علىأوسيتيا الجنوبية و أبخازيا، مما يكشف الطابع السياسي لهذه "المساعدات" .

وتتوقع أوساط سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى حدوث تدهور خطير في العلاقات الاسرائيلية الروسية وذلك على خلفية الحرب القوقازية وما كشفته من تعاون اسرائيلي جورجي خلافا لرغبة روسيا ومواقفها.

ويبدو أن إسرائيل أجرت في الفترة الأخيرة مفاوضات مع جورجيا وتركيا من أجل تغيير مسار أنابيب النفط والاستغناء عن خدمات الشركات الروسية.مما يوحي، حسب بعض المحللين السياسيين، بخطورة الدور الذي لعبته إسرائيل في حرب القوقاز الأخيرة.

إن العلاقات بين موسكو وتل أبيب قد تصل إلى أزمة حقيقية خانقة، أضف إلى ذلك تعنت الولايات المتحدة في نصب الصواريخ في بولندة وجمهورية تشيكيا الموجهة في الحقيقة ضد روسيا و ليس ضد الخطر الإيراني كما تدعيه واشنطن. الأمر الذي غير أوضاع ما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي بحيث أصبحنا اليوم من خلال هذه الأزمة نشهد ملامح تغيرجذري في العلاقات الدولية والرجوع لا محالة الى ملامح الحرب الباردة وإن كانت الأوضاع مختلفة نوعاما عن سابقتها حيث أنه لم يعد هناك العامل الإديولوجي أو الشيوعي كما كان من ذي قبل ولكن قواعد جديدة للتوازن الدولي في العلاقات الدولية بدأت تظهر جليا بعد أزمة القوقاز.

الهوامش -------------------------------------------------------------------------------

[i] - كان احتلال رومانيا هو الهدف الأول من الاستيلاء على مواردها النفطية في مقدمة الحرب.

[ii] - محمد حسنين هيكل: " خرب الخليج، أوهام القوة والنصر، مركز الأهرام، القاهرة، 1992، ص 72.

[iii] - أنظر جان جاك سرفان شريبير: " التحدي العالمي "، المؤسسة الغربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980، ص 23.

[iv] - لمزيد من المعلومات، أنظر " مجلة الشعلة "، العدد 18، 9 يناير، بيروت، 1993.

[v] - أنظر شمس الدين شيتور: " النفط والسياسة "، أين يذهب العالم ؟ المطابع الجميلة، الجزائر، 2002، ص 190.

[vi] ـ مجلة المؤشر، العدد 191، فبراير 1992 (ص 42).

[vii] - B. P. Statistical Review of World Energy, June 1990.

[viii] - Business Week, November 22, 2004.

[ix] - أنظر: Web.site : http://www. The Oildrum : uncertainties about Russian Reserves… feb. 16, 2006.

[x] - دراسة أعدتها وكالة أنباء " نوفوستي " تحت عنوان: " النفط السوفياتي في الواقع والمستقبل "، والمنشورة في كتاب " النفط في الحياة العربية "، ندوة ناصر الفكرية hgثالثة، دار الوحدة (دون تاريخ)، ص 101 – 102.

[xi] - - أنظر: د، حافظ برجاس: " الصراع الدولي على النفط العربي "، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، بيروت، 2000، ص 138 –.

أنظر: حافظ برجاس، المصدر السابق، ص 138.

[xii] - دراسة أعدتها وكالة أنباء " نوفوستي " تحت عنوان: " النفط السوفياتي في الواقع والمستقبل "، في كتاب " النفط في الحياة العربية "، ندوة ناصر الفكرية الثالثة، دار الوحدة (دون تاريخ)، ص 101-102.

[xiii] - بوريس راتشكوف: " قصة البترول في الإتحاد السوفياتي ـ مقالة نشرتها وكالة أنباء " نوفوستي " السوفياتية سنة 1973.

[xiv] - لمزيد من التفاصيل، أنظر (المرجع السابق) http://www.The Oil Drum

[xv] - أنظر: حافظ برجاس، المصدر السابق ، ص 147 – 150.

[xvi] - BP. Statistical Review of World Energy, 1990.

[xvii] - د. فوزي درويش: " التنافس الدولي على الطاقة في قزوين ". مطابع غباشي، طانطا، طـ 1، 2005، ص 5.

[xviii] - المرجع السابق.

[xix] - أنظر:

Pr. Chems-Eddine CHITOUR : « Les Guerres du pétrole ou le droit de la force après le 11 Septembre, Imp.ENAG, 2002, pp 209 – 211.

[xx] - د. فوزي درويش، مرجع سابق، ص 28.

[xxi] - أنظر: " التنافس الدولي على الطاقة في قزوين " / د. فوزي درويس، مطابع غباشي بطنطا، 2005، طـ 1، ص 44.

[xxii] - أنظر: Michael T. Klare, « Blood and Oil, the dangers and consequences of America’s growing

dependance on imported petroleum, « pp. 147 – 151.

[xxiii] - د. فوزي درويش، مرجع سابق، ص 46.

[xxiv] - أنظر، لمزيد من التفاصيل: Michael Klare, Ibid, p 152 .

[xxv] - د. فوزي درويش، مرجع سابق، ص 48.

[xxvi] - د. فوزي درويش، مرجع سابق، ص 49. وأنظر كذلك لمزيد من المعلومات إلى: شمس الدين شيتور.

« Les Guerres du pétrole ou le droit de la force après le 11 septembre », o.p-Cit. pp 209 –219.

[xxvii] - Michael Klare, Op. Cit, p 165.

[xxviii] - Michael Klare, Ibid, p 172.

[xxix] - International Herald Tribune, Zurich, 10 – 11 May ; 1997.

[xxx] - http://www.dw-world/de/dw/article02144 (22/09/2008).






#محمد_ختاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناد في منتصف الوجع
- عتمة الضحى
- أنثى السماء / قصة قصيرة
- أيوب يختلس أوجاعه ه
- دور الديبلوماسية إبان الثورة الجزائرية وتأثيرها على حركات ال ...
- أيوب يختلس أوجاعه


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ختاوي - حرب القوقاز… والصراع النفطي في المنطقة أو أعاصيرحرب الأنابيب على مشارف الفناء الخلفي