أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - قطنة بزيت














المزيد.....

قطنة بزيت


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 2431 - 2008 / 10 / 11 - 02:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جاء صديقي الطيب المتدين وتكاد تنهمر الدموع من عينيه، ليحدثني عن الإيمان الذي لم ندرك بعد أعماقه، كان ذلك بعد لقاء له مع الأنبا شنودة الذي اعتاد أن يقابله. سألت صديقي عما دهاه حتى بلغ به إلى هذه الحالة من الانفعال الروحي والتأثر العاطفي البالغ؟ فقص علي قصته. هذا الحديث دار منذ ما يزيد أو يقل عن خمسة وثلاثين عاما خلت، إلا أنه يُلِّح على اليوم في الظروف المرضية والعلاجية للبابا بكليفلاند. وأشعر أنه من الأمانة إلا أحتفظ لنفسي بالحديث فرأيت أن أشارك به مجتمعنا القبطي المكلوم والمنكوب، بل المجتمع الإنساني كله الذي يعاني اليوم أشد المعاناة من لعبة السياسة والدين.

قال الصديق، حضر مندوبين للقاء الأنبا شنودة من هيئة التأمين الصحي، وقدموا له مشروعا بخصوص تغطية الكهنة وعائلاتهم بالتأمين الصحي. يبدو أن المندوبين كانوا مسيحيين فرد عليهم الأنبا شنودة بتلقائيته الكارزمية المعهودة، وبشكل فوري قائلا، نحن في الكنيسة لدينا تأمين صحي إلهي كافي، هذا التأمين عبارة عن "قطنة بزيت"، وكان يقصد أن مجرد دهان المريض بالزيت والصلاة من أجله بإيمان أمر يغني عن التأمين الصحي. في ذلك الوقت كان التأمين الصحي مشروعا واعدا، ومبدأ تغطية الكهنة وعائلاتهم بالتأمين الصحي كان عملا ضروريا، سواء عن طريق هيئة التأمين الصحي أو أي مشروع آخر، في ظروف بدت فيها أسعار الخدمات العلاجية ترتفع. إلا أن الأنبا شنودة لم يكن في ذلك الوقت مستعدا أن يصرف على التأمين الصحي للكهنة، إذ كانت لديه مصاريف كثيرة لينفق فيها على مشاريعه الخاصة. وطبعا الأنبا شنودة لن يصارح المندوب بحقيقة ما يبطنه ضميره، لكنه رفض الفكرة بطريقة مُغلَّفة بسلفان اللباقة الدينية والشكل الإيماني المُسَيَّس علشان "يزحلق الزبون".

المشكلة ليست في الأنبا شنودة فهو إنسان طبيعي يتصرف بذكاء بشري، لكن المشكلة في المتدين البسيط الذي أخذ الموضوع بجدية، وبدأ ضميره يُعنِّفه ويلوم نفسه بشدة، لأنه عندما يمرض لا يذهب إلى الكاهن بدلا من الطبيب، "فالقطنة بزيت" كافية أن تشفيه بحسب المستوى الإيماني الرفيع عند الأنبا شنودة، كما صوره له خياله. فمجرد ذهابه للطبيب أمر يدل على عدم الإيمان

حاولت أن أشد صديقي للواقع، فسألته هل لو هناك زوجة كاهن في حالة ولادة هل تكفي القطنة بزيت لولادتها؟ أم أنها تحتاج لرعاية طبِّية طول فترة الحمل حتى تتم الولادة وبعد الولادة. وماذا عن الطفل المولود ورعايته صحيا؟! هل القطنة بزيت تكفيه وهو يصرخ ولا يستطيع أحد أن يعرف ما به؟!!! وليس فقط الزوجة والطفل الرضيع، بل وكل أولاد الكاهن في أي سن، حتى الكاهن نفسه ليس كبيرا على أن يطلب العلاج من الطبيب ويشتري الدواء. لكن صديقي الذي كانت الشكلية الدينية في موقع الصدارة من قيَّمه، اعتبرني مارق وزنديق، وكان يطلب لي الهداية للإيمان القويم والرشاد. سألت صديقي سؤال أخير، هل الأنبا شنودة نفسه عندما يمرض، لا يذهب لطبيب أو يتعاط الدواء؟!!! فأكد لي أن هذا مستحيل خاصة بعد ما سمعه منه اليوم بنفسه!!! فقلت له الأيام بيننا وسنرى ماذا سيفعل الأنبا شنودة عند المرض!!!

ورأينا ماذا فعل!!!! في آخر مرة عندما نقل الأنبا شنودة لمستشفي السلام لإسعافه صرح بكل تباهي، أنها أول مرة يدخل فيها مستشفى مصري، فلقد اعتاد أن يعالج بمستشفى كليفلند الأمريكي. وعندما أصيب بشرخ في ساقه أُحضِرت له طائرة إسعاف سويسرية خاصة لنقله لمستشفاه المُفضَّل بكليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية لأجل "قطنة بزيت"!!! ويظل تحت الرعاية الطبية بالمستشفى الأمريكي لمدة قد تصل لثلاثة شهور (لفترة واحدة للعلا ج، سبقتها مرات كثيرة). في كل يوم يكلف الكنيسة عشرات الألوف من الدولارات للإقامة فقط على أعلى مستوى إقامة عالمي غير مصاريف العلاج!!! من بين التكاليف التي تثير الفزع تكاليف السفر لأمريكا لزيارة البابا الواجبة، من مئات الأساقفة وألوف الكهنة الذين يسافرون للحج، من جميع أنحاء العالم ليعلنوا الولاء في كل مرة يدخل المستشفى!!! بينما تكاليف زيارة واحد منهم تكفي للصرف على عدة مرضى لإنقاذ حياتهم بمصر ولتخفيف آلام الكثيرين.

تمنيت لو أستطيع أن ألتقي بصديقي لأتعرف إن كان ما يزال عند موقفه من "القطنة بزيت"؟ أم أنه قد غير موقفه اليوم فأصبح متعصبا لمستشفى كليفلاند أوهايو؟ إلا أن الأيام قد باعدت بيننا ولست أعرف أراضيه اليوم. أتمنى لو أنه قرأ مقالي وكتب لي رأيه.

لكني التقي بالكثير من أمثال هذا الأخ من المغيبين فتفزعني آراءهم، فحتى بعد ما رأوا بأعينهم مفهوم "القطنة بزيت" عمليا، لكن العمى الديني يغلف قلوبهم أكثر، حتى أنهم يرون بعيونهم ولا يبصرون، ويسمعون بآذانهم فلا يفهمون. أليست هذه هي نفس مشكلة السيد المسيح مع التدين السياسي المريض في أيامه حتى انتهت بالصليب؟!!!!

مشكلتنا اليوم ليست في الأنبا شنودة، ولا في الإرهاب السياسي المتأسلم من الإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم، ولا في المسيحية الصهيونية الأمريكية الصنع، بل مشكلتنا الحقيقية في الشعب الساذج الذي يسمح لنفسه أن ينخدع وراء مثل هؤلاء القادة السياسيين، الذين يستغلون نفوذهم الديني، ويستخدمونه في الابتزاز لحساب مصالح شخصية. إن الفساد الديني لا يمكن أن يوجد أو يستمر في وسط أغلبية شعبية واعية ومثقفة. فالمشكلة الحقيقية في الوعي الشعبي، فمتى يفيق هذا الجيل من المخدر الديني الذي يتعاطاه.



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستعمار - وأخلاق العبيد - والنقاء الوطني -1
- صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل - 2
- صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل
- الفوضى الخلاقة هل تجتاح مصر اليوم للخراب كما اجتاحت العراق؟
- النكسة 1- بكاء على النكسة بعد 41 عاما
- العلاوة الجديدة مخدر لمريض بالسرطان
- صرخة من أجل مصر
- جيل أكتوبر لم يعرف التفاح والياميش
- الحوار المتمدن اسم على مسمى
- حول قضية ماكس مشيل والأوضاع القبطية المتردية
- رأي حول لائحة انتخاب بطريرك الإسكندرية المقترحة
- محنة الأقباط
- لبنان وتقرير فينوغراد
- مفاهيم خاطئة بالمجتمع القبطي
- مطالب الإصلاح ورد الفعل -6
- مطالب الإصلاح ورد الفعل -5
- مطالب الإصلاح ورد الفعل –4
- مطالب الإصلاح ورد الفعل –3
- مطالب الإصلاح ورد الفعل –2
- مطالب الإصلاح ورد الفعل -1


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - قطنة بزيت