أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شادية عسكر - حقيقة الوهابية وتاريخها العسكري والخلاف داخل البيت الوهابي















المزيد.....


حقيقة الوهابية وتاريخها العسكري والخلاف داخل البيت الوهابي


شادية عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 2426 - 2008 / 10 / 6 - 05:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إن مصطلح الوهابية في حد ذاته لايحمل قيمة سالبة كما يحاول البعض إيهام الناس، ذلك أنه مجرد توصيف أو تسمية لأتباع المذهب المشتق من المذهب الحنبلي، وقد درجت العادة في علم الاجتماع الديني وفي الكتابات التاريخية والنقدية أن يطلق اسم صاحب الديانة أو المذهب على عقيدته أو دعوته، فتراهم يقولون الموسوية أو المحمدية أو المسيحية أو الشافعية أو المالكية، وهكذا، بدون أن يثير ذلك حساسية الأتباع، بخلاف قولهم الوهابية إذ يرى الوهابيون في ذلك انتقاصا ومذمة لا أدري كيف فسروها إلأ إن أردنا أن نتذكر المثل المصري الجميل " اللي فوق راسه بطحا يحسس عليها".
إن الوهابية هي المعادل الموضوعي لقيام الدولة السعودية ونشاطها السياسي والعسكري. ومن هنا تأتي حساسية ليست بالهينة للخوض في الموضوع باعتبار المتحدث لايناقش أو يتكلم في موضوع تاريخي اجتماعي عقدي بل في موضوع سياسي بالدرجة الأولى، ولاشك أن ذلك يتناقض تماما مع براءة من يرون في حركة الوهابي أنها كانت حركة أحياء أو اصلاح ديني وحسب.
إن للوهابية فضيلة لاينكرها إلا من جهل أو استكبر ، وهذه الفضيلة متمثلة في أن إبن عبد الوهاب قد وقف موقفا عقليا رافضا لعادة تعظيم القبور والمزارات، لكن هذه الفضيلة ذاتها هي التي جرت على العالم الاسلامي وبالا عظيما حين جرى تكفير من قاموا على هذه القبور من عوام المسلمين وجهالهم وإخراجهم من الملة وقتالهم وقتلهم، وليس لنا سوى أن نتذكر رسالة العالم الحنبلي ابن عفالق لأمير العيينة ابن معمر حين قال قولة مؤثرة عظيمة تصف ماوصل له الحال وقتها من استحلال الدماء المعصومة بحجة الشرك والكفر:
أسألك بالله يا عثمان،كيف تقول غداً يوم الحشر والمعاد إذا خاصمك بين يدي الله تعالى من قتلتموه ظلماً؟... أتقولون لرب السموات والأرض:أفتى لنا ابن عبدالوهاب ،وأغوانا الشيطان؟"
من أراد أن يتدبر في الأمر بعقله لابعاطفته وقرأ في ردود كثير من علماء عصره عليه – على ابن عبدالوهاب- سواء من داخل الجزيرة أو من خارجها، فسوف يجد بأن غالبيتهم لم يخالفوه في خطأ تعظيم القبور لكنهم وقفوا ضد تكفيره وقتاله وقتله لبسطاء المسلمين ممن طافوا على قبر أو تبركوا بشجرة أو صخرة.
هذا مع الأخذ في الاعتبار بأن كثيرا من الباحثين المحايدين شككوا كثيرا في الدعاوي التي صورت الجزيرة العربية قبل ظهور الدعوة الوهابية بأنها قد أصبحت مرتعا للشرك والكفر، وقالوا ضمنا أو صراحة بأن ذلك كان نوعا من الدعاية التاريخية للوهابية.
إن ذلك يشبه تصوير الوضع في مكة قبل ظهور الاسلام بأنه كان جاهلية محضة مع العلم بأن الاسلام ذاته تبنى كثيرا من أخلاقيات عرب الجاهلية الحميدة مثل اجارة المستجير وإكرام الضيف وصلة الرحم .. الخ ناهيك عن النواحي المدنية والتنظيمية التي عرفتها حواضر الحجاز قبل ظهور الاسلام فتم شطبها بجرات الأقلام ظنا منهم بأن ذلك إعلاء ومدحا لدين الاسلام.
لقد كان لدى ابن عبدالوهاب مفهوما متزمتا جدا للتوحيد أراد أن يطبقه على الناس بحد السيف بدون أن يأخذ بمنهج التدرج الذي يناسب طبيعة الناس في ذاك الزمان والمكان بل هو المناسب دائما للطبيعة الانسانية في كل زمان ومكان. وكانت هذه إحدى نقاط الخلاف الجوهرية بينه وبين أعضاء بيته الوهابي.
وإحقاقا للحق فقد كان توحيد ابن عبدالوهاب متقاطعا مع المطامح السياسية لابن سعود، فتولد في تلك اللحظة التاريخية الفاصلة ذلك الحلف السياسي-الديني الشهير، ليصبح التوحيد الديني هو المعادل للتوحيد السياسي فصارت الحروب التي انعقدت رايتها بالمشاركة تحت بشت الأمير وبشت الشيخ، حروب تختلط فيها السياسة بالدين بالزعامة، ومن هنا زادت في صبغتها الدموية.
لقد حدثت عملية تهميش واسعة للمعارضة النجدية الحنبلية لمحمد بن عبدالوهاب بشكل يجعل معارضته منحصرة في الأدعياء والكذابين والدجالين وأصحاب القبور، وهذه مغالطة إن وقع فيها البسطاء من الناس فلاينبغي أن يقع فيها من له عقل يقرأ ويتدبر.

على سبيل المثال حدثت عملية تهميش واسعة قديما وحديثا لمعارضة سليمان بن عبدالوهاب لدعوة شقيقه ، وهو نوع من كتابة التاريخ المعروفة حيث يكون المؤرخ منحازا للمنتصر ضد المهزوم، ولاشك أن سليمان انهزم أمام أخيه المدعوم بالحلف السياسي العسكري الضارب. مع أنه _أي سليمان - المولود في العيينة تلقى العلم على يد المشايخ وخاصة أبيه كما اشتغل في القضاء وولي قضاءحريملاء بعد وفاة والده حتى اجتاح ابن سعود البلدة. لقد كان سليمان من علماء نجد فيزمنه إلا أن العديد من المصادر تجاهلت سيرته مثل تاريخ بن لعبون، وايضا عبدالله بن حميد في كتابه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة ، أمامن داخل الأسرة الوهابية فلاشك أن الانحياز ضد سليمان بسبب موقفه من الدعوة كان أكبر فعبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ في كتاب مشاهيرعلماءنجد لم يضع سليمان ضمن هؤلاء المشاهير.
لكن يبقى هناك دائما أناس فضلوا الحياد والتأريخ بشكل منصف وعلى رأسهم بن بسام الذي وضع أيدينا على حقيقة مهمة وهي أن سليمان توفي وهو لايزال معارضا لدعوة أخيه.

إن البسطاء الذين ينفون معارضة سليمان لأخيه أو ينفون حقيقة الرسائل التي وضعها سليمان في تبيان أوجه معارضته إنمايعتمدون على الكليشيهات والكلام المصفوف عن المؤامرات العثمانية والمصرية بدون أدلة ولاشك أن الارتهان للعواطف والسواليف وآماني النفس لاعلاقة له بقراءة التاريخ.
ففي حوادث سنة 5611هـ و سنة 1167هـ كماوضعها ابن بشر يتبين أن أعيان حريملاء اختلفوا في قبول دعوة محمد بن عبدالوهاب اختلافا ليس بسيطا وكان على رأسهم سليمان بن عبدالوهاب الذي كتب كتاباً أرسله إلى أهل العيينة يوضح لهم فيه معارضته لدعوة أخيه. والمثير في هذه القصة التي يسردها المؤرخ ابن بشر أن الرسالة حملها مرسول يقال له سليمان بن خويطر الذي لسوء حظه قبض عليه من قبل أعوان الدعوة فلما تأكدمحمد بن عبدالوهاب من طبيعة الرسالة أمر بقتل بن خويطر، وعلى اثر ذلك هرب سليمان لينجو بنفسه إلى المجمعة، وأقام فيها مدة زادت على العشرين سنة أقامة يشبهها بعض الباحثين المعاصرين في تاريخ الوهابية كسعود السرحان بالاقامة الجبرية.

ولو تركنا ابن بشر إلى مؤرخ آأخر هو ابن غنام لوجدنا أنه يذكر في حوادث سنة 1165 بعبارات صريحة قصة الخلاف بين الأخوين فيقول أن محمد استشف أن أخيه لاسباب الردة معاون وأنه يجتمع بالناس ويلقي عليهم الشبهات فيما يتعلق بدعوة أخيه الذي حين بلغ علمه نشاط أخيه ضده "كاتبه وناصحه بل أنبه وكافحه وحذره شؤم العاقبة".

وحتى ابن غنام يشير بوضوح إلى مقتل بن خويطر الذي حمل رسالة سليمان المعارضة لأهل العيينة فاقرأ له وهو يقول: " وفيها - أي سنة 1167-مقتل سليمان بن خويطر، وسبب ذلك أنه قدم بلدة حريملاء خفية، وهم إذ ذاك بلد حرب؛ فكتب معه سليمان بن عبد الوهاب إلى أهل العيينة كتاباً، وذكر فيه شبهاً مزخرفة، وأقاويل مغيَّرة محرفة، وأحاديث أوهى من نسج العنكبوت، وأمرَهُ أنْ يقرأها في المحافل والبيوت، وألقى في قلوب أناس من أهل العيينة، شبهاً مضرةً شينة، غيَّرتْ قلوبَ مَنْلم يتحقق بالإيمان، ولم يعرف مصادر الكلام بالإتقان، فكان يفعل ما به أُمر، فلماتُحققَ حالُه واختبِر؛ أمر الشيخ به أنْ يُقتل؛ فقتل، وامتثل أمره وقبل، ثم إنَّسليمان على حالته لم يزل يرسل الشبه في الكتب لأهل العيينة، مع من خرج منهم ودخل،ويبذل في ذلك الجد في العمل، ثم إن الشيخ أرسل لأهل العيينة رسالة أبطل فيها ماموّه به سليمان وما قاله، وعطل فيها كلامه وأقواله، نحا فيها منهج الصدق، وبيّنواضح الثواب والحق، فهي بحر زخر تياره وطمى، وسحاب همل ودقه وهمى، زيَّن فلكهابعلوم التوحيد الزواخر، تلين قلوب السامعين لقولها، ويصغي لها أهل الهدى بمسامع دلائلها محروسة عن كل معارض، وآياتها محفوظة عن كل مدافع"

وإذا أخذنا بمقولة أن الصراخ على قدر الألم فمن الواضح أن ردود سليمان على أخيه كانت موجعة وفي الصميم وماتوصيف ابن غنام لهذه الردود والرسائل بأنها شبهات مزخرفةوأقاويل محرفة وأحاديث أوهى من نسج العنكبوت إلا شاهدا واضحا على قدر الألم الذي أحدثته هذه الرسائل في قلوب وعقول من سار في ركب الدعوة فتفاجأ بأن شيخا آخر من نفس البيت الوهابي قد وقف ناقدا ومعارضا.

يتضح من المقطع الذي سقته سابقا لابن غنام أن محمد أرسل لأهل العيينة كتابا يبطل فيه حجج أخيه سليمان المرسلة لهم وهذا يدل على حقيقتين:

الأولى: أن الخلاف بين الشقيقين اتخذ طريقة الردود المكتوبةوليست الشفوية فقط مما يجعل ظهور رسائل الشيخ سليمان بعد ذلك مجموعة في كتاب أمرا واردا جدا بل هو من طبيعة الأشياء ومنطقها،خاصة أن محمد لم يكتب رسالة واحدة بل هي رسائل كما يتضح من قول ابن غنام: " إنَّ سليمان على حالته لم يزل يرسل الشبه في الكتب لأهل العيينة" إذا هي رسائل أو كتب متواصلة من سليمان في الرد على أخيه .
وهذه الحقيقة تجابه الظنون التي يحاول البعض تسويقها بقولهم: هو كتاب موضوع أو مختلق.
الثانية: لولا أن محمد بن عبدالوهاب لم يجد منطقا وحجة قويةوأدلة شرعية في كلام أخيه لما كلف نفسه عناء الرد عليه ولولا أنه لم يجد أن هناك آذانا صاغية لسليمان لما كان رده -أي محمد- عنيفا جدا على حامل الرسالة -ابن خويطر- وهو مجرد حامل رسالة وذلك بأن قتله، ولكن من الواضح أنه أراد من البداية أن يلقي الرعب في صدور من تخول لهم أنفسهم التعاون مع أخيه.

لقد شكلت معارضة سليمان لأخيه مأزقا كبيرا ليس لابن وهاب والمناصرين له في وقته إنما للوهابيين على مر الزمن وذلك لسبب قوي. لقد كان من السهل على هؤلاء الناس أن يصفون كل معارضة للوهابية بأنها من أهل العداوة أو من أهل البدع أو من القبوريين .. فذلك المعارض متصوف والأخر قبوري .. الخ أما أن يكون المعارض شقيقا لصاحب الدعوةوعالما حنبليا وخارجا من ذات البيت ومن ذات المدرسة الحنبلية فقد كان الأمر صاعقا لاينفع معه اتهام بالرفض (من رافضة) أو بالتصوف .. الخ من ثم فلا مناص من إدعاء أنهذا الخلاف مختلق وبأن كتابات سليمان موضوعة بأقلام مصرية وتركية، ولا بأس للوصول إلى هذه الأسطورة المؤامراتية من السير بالجزم المهلهلة على جثة التاريخ من خلال نسف كل كتابات المؤرخين النجديين الذي كانوا مثل ابن بشر وابن غنام وهابيين حتى أخمص قدميهم فشتموا منهج سليمان وقللوا من قيمة رسائله باعطائها أوصافا تبخيسية بل إن ابن بشر أرجع هذه المعارضة لسبب مضحك سخيف وهو حسد الأخ لأخيه، أقول بأن هؤلاء المؤرخين النجديين الذين عاشوا في غابر الزمان كانوا على الأقل أكثر احتراما لعقولنا ممن ينفون هذه الرسائل جملة وتفصيلا بجرة قلم عاطفية.

ومع الرقم الهائل للرسائل المؤلفة في الرد على ابن عبدالوهاب من علماء السنة من شتى بقاع العالم الاسلامي سواء ممن عاصروه أو من أتوا بعده، فإن عملية التهميش الوهابي ربما لم تطل أي منها كما طالت تاريخيا رسائل سليمان. لدرجة أن حقيقة هذا الخلاف بل حقيقة وجود سليمان نفسه لم تكن معروفة إنما متداولة على نطاق ضيق من الباحثين والمهتمين، فتاريخ الحركة الوهابية كما يدرس في مدارس التعليم العام أو حتى في مناهج أقسام التاريخ والحضارة بالجامعات السعودية يسقط اسم سليمان تماما من تلك الحقبة حتى من الناحية التاريخية المجردة، والظاهر أنه لولا ثورة الانترنت في السنوات الأخيرة لبقيت حقيقة هذه القصة بالنسبة للكثر الكاثرة من الناس مجهولة تماما. وحتى في الصحافة ووسائل الاعلام السعودية كان علينا أن ننتظر إلى ماقبل عامين فقط حين تناول د.عبدالله العسكر طرفا من حقيقة سليمان.

الشيء الآخر أن خلافا آخر بين محمد بن عبدالوهاب وبين أبيه العالم والقاضي الحنبلي والمعلم لأولاده كان مستعرا بسبب الدعوة. ويقرر ابن بشر أن الابن توقف عن الدعوة في حياة أبيه حين وقع بينهما كلام فلما توفاه الله صدع بها. وإنه لمن الغريب جدا أن يكون قاضيان من البيت الوهابي هما الوالد وابنه سليمان قد عارضا الدعوة وأخذا عليها تكفير عامة المسلمين وقتالهم، مما يعطي إشارة قوية إلى أن نجاح الدعوة الساحق لم يأت من صدقيتها الدينية أو من قوتها الذاتية كدعوة اصلاح أو من قناعة القاعدة الواسعة من الناس بها أو من التفاف علماء العصر حولها بل أتى من قوتها العسكرية التي تشكلت في ذلك الحلف التاريخي بين الشيخ والأمير، فمن سيعارض الدعوة سيصنف بأنه معارضا لابن سعود بالدرجة الأولى، ومن هنا أتى اختلاط السياسي بالديني بطريقة ربما لم يكن مثيلا بهذا الشكل على مر التاريخ.
رسائل سليمان في الرد على أخيه مضمومة في مؤلفين: الأول : الصواعق الالهية في الرد على الوهابية. ولابد من أن أقول إن من اتخذ عنوان الكتاب وسيلة للتشكيك في صدق انتسابه لسليمان على اعتبار أن مسمى الوهابية جاء متأخرا فلا أقول سوى يالها من حجة متهافتة. من المعروف لكل من تناول موضوع المخطوطات والرسائل القديمة والكتب الترايثية سواء بالتحقيق أو الطباعة والنشر أن هناك اختلافات بسيطة في وضع العناوين بين طابع وآخر وناشر وآخر أو محقق وآخر بزيادةكلمة أو نقص كلمة بدون أن يعني ذلك تشكيكا في محتوى الكتاب أو نسبه لصاحبه. فكتاب سليمان عند بعضهم هو الصواعق الالهية وبعضهم الآخر زاد: في الرد على الوهابية . ليكن المقطع الأخير في العنوان اجتهادا أو اضافة من أحد ما جاء في وقت ما، لكن ماذا عسانا نقول عن كتاب سليمان الآخر: فصل الخطاب في الرد على ابن عبدالوهاب.

أما حين نترك سليمان بن عبدالوهاب جانباسنجد أن هناك مجموعة من علماء نجد الحنابلة عارضوا منهج محمد بن عبدالوهاب التكفيري أيضا معارضة شديدة وكاتبوا الأمراء والمتنفذين للتحذير من منهجه وقد كانت ردودالشيخ الوهابي عليهم شديدة كما يتضح ذلك في مجموعة رسائله المجموعة، كما كان موقف الباحثين والدارسين لهم من أتباع المنهج الوهابي إلى يومنا حافلا بالشتم والوصم والرمي بتهم ليس أقلها أنهم ممن أظهر العداوة لدين الله والصد عنسبيله.
من الأمثلة على هؤلاء سليمان بن سحيم وهو عالم من حنابلة نجد، فقيه ابن فقيه، عارض دعوة الشيخ،ثم ترك الرياض بعد سقوطها إلى الأحساء ومنها إلى الزبير حيث توفي فيها. حاول أن يعارض منهج الشيخ التكفيري وهو شيخ مثله فكان الجزاء الرادع له أن كفره محمد بن عبدالوهاب وأخرجه من الملة. من هذا يتضح أن الشيخ الوهابي لم يكفر العامة فقط ممن يزورن المقابر ويستغيثون بالنبي كما يفعل عامة المسلمين في مصر والشام والجزائر حتى يومنا هذا بل كفر أيضا خاصة العلماء ممن عارضوه وقد قارعوه الحجة بالحجة . (أنظر في مجموعة الرسائل الشخصية التي جمعتها جامعة الامام وأصدرتها في مجلد: 5/233 : ( هذاحتى لايقول البعض بأنني لا أستدل بكتب الشيخ ورسائله) يقول محمد بن عبدالوهاب بخصوص ابن سحيم وهو من فقهاء الحنابلة كما سبق القول: " أنت رجل جاهل مشرك مبغض لدين الله وتلبس على الجهال" وانظر أيضا قوله في الرسائل الشخصية 5/ 315 عن ابن سحيم : " لولا أن الناس إلى الآن ماعرفوا دين الرسول وأنهم يستكثرون الأمرالذي لم يألفوه لكان شأن آخر بل والله الذي لا إله إلا هو لو يعرف الناس الأمر على وجهه لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله ووجوب قتالهم لا أجد في نفسي حرجا من ذلك"؟

أيضا هناك عالم حنبلي آخر هو محمد بن عفالق (1100- 1164هـ) من علماء الأحساء الحنابلة ألف في الفقه والفلك، وقد كتب لابن معمر رسائل في توضيح منهج محمد بن عبدالوهاب المفرط في التكفير فكانت النتيجة انصراف ابن معمر أمير العيينة عن الدعوة كما هو معروف تاريخيا. وحقيقة الخلاف بين ابن عبدالوهاب وابن عفالق في مسائل التوحيد والتكفير طويلة يصعب حصرها في هذا المقام الضيق ولكن من الأمثلة على هذه الاختلافات أن ابن عبدالوهاب كما يتضح في كتبه مثل كتاب التوحيد ورسالة كشف الشبهات قد اعتبر ان النذرلغير الله شرك أكبر مخرج من الملة بينما اعتبره ابن عفالق شركا أصغر لايخرج من الملة، وابن عبدالوهاب جعل من يستغيث بالرسول بعد مماته مشركا بينما لم ير ابن عفالق جواز الحكم بشرك من فعل ذلك وهكذا. ومن هنا يتضح أن الخلاف الرئيس بين ابن عبدالوهاب ومن خالفه من الحنابلة كان ايغال الأول في التكفير ومايجره الحكم بالتكفير من استحلال الدم المعصوم.

ولذلك قال ابن عفالق لأمير العيينة في رسالته المحفوظة اليوم بمكتبة الدولة ببرلين : "من قواعد ابن عبدالوهاب أنه يكفّرالمسلمين بأدنى شرك أصغر من شرك العبادة". كما قال له: "أسألك بالله يا عثمان،كيف تقول غداً يوم الحشر والمعاد إذا خاصمك بين يدي الله تعالى من قتلتموهظلماً؟... أتقولون لرب السموات والأرض:أفتى لنا ابن عبدالوهاب ،وأغوانا الشيطان؟"

ومن علماء نجد الذين عارضوا الوهابية ا الشيخ عبدالله بن عيسى المعروف بالمويس ولد في بلدة حرمة النجدية وقد أخذ العلم في الشام وقد توفي بحرمة سنة 1175 كما ورد في مصنف علماء نجد. أقنع شيخ المجمعة عبدالله بن سحيم بعدم موافقة ابن عبدالوهاب، فكانت النتيجة أن كفره الأخير. وحين كفره فإنه لم يرمه في رسائله بتهمة الشعوذة فهو أكثر من علمته السياسة بأن لكل مقام مقال ولكل شيخ تهمة على مقاسه، ومقاس شيخ مثل المويس تلقى علومه عن السفاريني ليس سوى شنة ورنة الجهمية والمعتزلة. فقد كتب المويس رسالة لأهل الوشم تضمنت مآخذه على مسائل الصفات عند الوهابية ( هذا موضوع له عمق ديني وكلامي لايستقيم معه أن يتهمه الوهابيون مثلا بأنه صاحب أحجبة يتكسب منها الدينار والدينارين ) وما إن علم ابن عبدالوهاب حتى أسرع وأرسل رسالة إلى شيخ المجمعة عبدالله بن سحيم حافلة بموضوعات الجسم والجوهر والعرض والحيز وفي آخرها تبرؤ من الجهمية والمعتزلة وهشام بن الحكم وباقي المشبهة ..!

وأيضامن علماء نجد الذين وقفوا ضد المنهج التكفيري عثمان بن منصور ، قال عنه ابن بسام أنه من علماء نجد البارزين وقد عرف الولاة كفاءته.
تربى في بيت دين وعلم ودرس على علماء سديروالوشم ورحل إلى الكويت وقرأ على علمائها وسافر إلى المدينة المنورة وأخذ عن علمائها وقد حفظ القرآن صغيرا.
وعندما نبغ واشتهر جعله الامام تركي بن عبدالله على قضاء جلاجل ثم جعله فيصل على قضاء سدير كلها.

كان موقف عثمان بن منصور من الوهابية صلدا قويا وقد سماهم الخوارج ورد على غلوهم في التكفير في رسالته: (جلاء الغمة عن تكفيرهذه الأمة).
ومنه يتضح بأن هناك عقلاء في ذلك الزمن في حريملاء وسدير والوشم وليس في النجف وقم استنكروا التكفير العمومي لأمة محمد وحدسوا بماسيجره ذلك من وبال على المسلمين خاصتهم وعامتهم.



#شادية_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شادية عسكر - حقيقة الوهابية وتاريخها العسكري والخلاف داخل البيت الوهابي