أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير زعبيه - قصة قصيرة














المزيد.....

قصة قصيرة


بشير زعبيه

الحوار المتمدن-العدد: 2423 - 2008 / 10 / 3 - 05:00
المحور: الادب والفن
    


الصفعــة
لم ندرك نحن الذين كنا داخل المقهى أن ما سمعناه هو بالفعل صفعة .. وتحديدا على جانب وجه الرجل المحاذي لنا تماما وهو لازال في نصف انحناءة مديرا رأسه قليلا ناحيتنا كأنه يهيء الجانب الآخر من وجهه لمثلها.. في هذه اللحظة سال خيط دم منحدرا من زاوية الفم عند الجانب الذي اكتسى حمرة كادت تذوب فيها حمرة الدم الذي واصل انحداره نحو أسفل الذقن ..
بقي الرجل حينا على وضعه ذاك وهو يسمع سيلا من الشتائم تصدر عن رجل آخر مقابلا له في وضع الجلوس أو كمن يتهيأ للجلوس أو للوقوف وكأنه يسمع تعليمات مكررة ليس أمامها الا الطاعة..
هنا أدركنا أن الصوت الرهيب الذي أجبر الجميع على الالتفات الفجائي بعيون باحثة هو صوت صفعة وجهها هذا الرجل الجالس عند المنضدة المحاذية لنا الى الرجل المنحني بأعلى جسده نحوه .. كان صوت الصفعة حادا حتى طغى على ضجيج المقهى المعتاد..
ما أعطى الحادث غرابة أكثر هو استكانة الرجل المصفوع وبقائه ساكنا في نصف انحناءته دون تأوه أو حراك حتى أوقف الرجل الآخر سيل شتائمه آخذا وضع الجلوس الكامل ساندا ظهره قليلا الى الوراء على كرسيه ملوحا في حركة معتادة بقبضة اليد اليسرى نحو النادل المشدوه بدوره والذي هز رأسه مستجيبا ثم اختفى بسرعة ليعود بالسرعة نفسها حاملا اليه نارا للنارجيلة.
تراجع الرجل خطوتين الى الوراء مبقيا على وضعه ذاك ثم استدار منسحبا من المكان منكس الرأس.. للحظة انتابني شعور بالحنق على الرجلين معا.. هذا المتعجرف الذي يجلس في بلادة نافثا دخان نارجيلته نحو السقف وكأن شيئا لم يحدث وذاك المستكين الذي انسحب جارا وراءه الاهانة وحيرة الجالسين دون أية ردة فعل تحسس هؤلاء بأنه قد أهين وانه يرفض هذه الاهانة..ولسبب ما ربما هو تعاطف غريزي انتابتني وربما آخرين أيضا من حولي حالة غضب رأيت خلالها أنني قادر الآن أن أتوجه مندفعا نحو ذلك الحقير وأصفعه على الفور وأشتمه بل أركله وأتف عليه دون حاجة للسؤال لماذا يصفع الرجل هكذا ويهينه أو لماذا يسكت الآخر ويتقبل الاهانة بمثل ذلك الذل وينسحب..
لكن ذلك لم يحدث .. فقط ابتلعت حنقي وحاولت أن أعبر عن غضبي واحتجاجي وأنا في مكاني بهز رأسي ناحيتي اليمين والشمال و لم أفلح أيضا فقد تبين لي أن ذلك الاحساس كان زائفا وأن الحقيقي هو شعور بالجبن والعجز لاحظته أيضا في وجوه من تسنى لي رؤيتهم من حولي..
نهضت تحركني نية مزدوجة ..أولا الهروب من الموقف ومن المكان , ثانيا فضول اللحاق بالرجل ومعرفة مالذي سيفعله خارجا.. شجعني أنه لم يبتعد كثيرا اذ كان متجها نحو سيارة سوداء اللون تنسدل على نوافذها من الداخل وزجاجها الخلفي ستائر حاجبة للرؤية .. اقتربت منه وسألته بلهجة ودودة متعاطفة ان كان في امكاني مساعدته وحرصت أن أبين له انني أعني ما أقول.. التفت نحوي نصف التفاتة دون أن يتكلم لاحظت خلالها أثر الدم المنحدر من زاوية الفم وقد مسح بشكل عشوائي ثم أكمل الخطوات القصيرة التي تفصله عن السيارة.. وقبل أن يهم بفتح بابها الأمامي انهال برأسه على السيارة وصار ينطح سقفها مرات متلاحقة ثم فتح الباب وفجأة أخذ يصرخ وهو يلوم نفسه ويحملها مسؤولية ما حدث بل ما يحدث معه دائما اذ استذكر وبصوت عال وقائع مشابهة تكررت فيها الاهانة وتكرر معها هذا الموقف السلبي من قبله .. روى في حمى صراخه أنه ولسنوات عديدة كان الخادم المطيع .. الصبور .. الساكت عن كل شيء .. لا يرى ولايسمع فقط الا ما يقول ويأمر به هذا السيد فلماذا يستعبده ويصر على تقزيمه واذلاله .. دلف بنصفه الأعلى داخل السيارة ناحية باب السائق مادا ذراعه باتجاه شيء ما بدا أنه يعرف مكانه ثم سحب نفسه خارج السيارة وقد دس الشيء في جيبه دون أن ينقطع عن الكلام لكن بنبرة مختلفة وكأنه يخاطب نفسه بل انني تصورت أنه يخاطبني وهو يقسم أنها ستكون المرة الأخيرة التي يسمح فيها بمثل هذه الاهانة ويعلن أن قدرته على التحمل قد تلاشت وسيثبت لذلك الوغد أنه قادر على وضع حد لمسلسل الذل هذا وقد اتخذ قراره الآن..وهاهو يتجه عائدا الى المقهى وأنا وراءه أسمعه وأعود خلفه دون أن يعيرني اهتماما كأنني ظل أو شبح لايراه.. وسخرت من نفسي قليلا وأنا أعيد مشهد ركضي خلفه عندما خرج من المقهى والآن حين أتبعه عائدا اليها.. لكن ذلك الاحساس الزائف عاد ليحول هذه السخرية الى مشروع بطولة .. لذلك قلت له ولاأدري ان كان يسمعني .. نعم ولن تكون وحدك.. أدخل فقط وسترى..
وعندما دخلت وراءه وأصبحت وسط المقهي خيل اليّ للحظة أنني هو وسأتجه حالا نحو ذلك السافل الذي استقر في جلسته .. يد تحمل كأس الشاي وأخرى تشهر خرطوم النارجيلة وكأن ماحدث قد مضى عليه دهر .. غير أنني في الواقع اتجهت بسرعة نحو مقعدي أرى من هناك مشهد الرجل وهو في طريقه الى المنضدة المجاورة في حالة بين الحماس والارتباك.. عيناه الآن على الرجل الذي اذله أمام الملأ قبل دقائق..واذ صار قبالته مباشرة دس يده في جيب سترته وحاول أن يقول شيئا لكنه تلعثم وخرج كلامه تأتأة .. لابد أنه كان سيعيد ما ردده صارخا منذ حين وسيعلمه على مرآى و مسمع الجميع أنه لن يتيح له الفرصة منذ هذه اللحظة لتكرار هذا المسلك المهين وأن كل شيء بينهما قد انتهى .. وبسرعة ووسط الرؤوس التي تحولقت حوله وتوتري أنا الأقرب الى الرجلين أخرج يده من جيبه واذا به يحمل مسدسا وفي وقت واحد يطلق صرخة ويطلق معها النار ..لكن باتجاه رأسه هو, فيسقط راكعا عند قدمي صاحب السيارة السوداء ثم يميل ببطء الى الوراء ويقع ملقى على ظهره فاردا ذراعيه بعينين مفتوحتين ونظرة خلتها وأنا في ذهول وشيء من الرعب المباغت أنها مصوبة اليّ.
( تمت )
* كاتب ليبي



#بشير_زعبيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير زعبيه - قصة قصيرة