الاكتئاب تشخيص وعلاج(2)

جودت شاكر محمود
()

الحوار المتمدن-العدد: 2422 - 2008 / 10 / 2 - 04:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الاضطرابات العاطفيةAffective Disorders
الاضطرابات العاطفية هي اضطراب العاطفة أو المزاج. فالشخص يمكن أن يكون مُكتئباً بشكل شديد أو مَهووساً بشكل شديد(أي مُبتهج بشكل كبير) أو يمكن أن يكون ما بين حالتي الاكتئاب والابتهاج(elation). وتغييرات المزاج هذه يمكن أن تكون شديدة جداً بحيث تستدعي من الفرد التي تظهر عليه هذه الأعراض الحاجة للدخول إلى المستشفى.
• الاكتئابDepression
كل شخص من الممكن أن يشعر ببعض الاكتئاب أحياناً. ومعظمنا يعيش حالات من الشعور بالحزن واللامبالاة وعدم الاكتراث بأي من النشاطات، حتى النشاطات السعيدة. والاكتئاب هو استجابة طبيعية للكثير من ضغوط الحياة. ومن بين الحالات التي غالباً ما تدعو إلى الاكتئاب هي: الرسوب في المدرسة أو الفشل في الوظيفة، فقدان شخص عزيز، الشعور بأن المرض أو الشيخوخة تستنفذ قوى الشخص. والاكتئاب يعتبر غير سوي أو مرضياً فقط عندما يكون خارج مجال الحدث ويستمر إلى النقطة التي يبدأ بها معظم الناس بالبحث عن الشفاء.
إن فقدان الأمل(الشعور باليأس) والاغتِمام(والشعور الحزن) هما اثنتين من الخصائص الرئيسية للاكتئاب. فالفرد يشهد قصور كبير ويكون عاجز عن اتخاذ القرارات وممارسة النشاطات الأساسية، أو عن الاهتمام بأي شيء كان. فهو يكتئب من الشعور بعدم الكفاية(inadequacy) وعدم الجدارة، ويبكي في فترات معينة، وربما يفكر بالانتحار.
وأحياناً ما يكون الاكتئاب مصحوباً بالقلق، وهو نوع من الاكتئاب المقلق. إذ يشعر الشخص بالإرهاق وعدم الاكتراث بالحياة، لكن في الوقت ذاته يكون متوتراٍ ومضطرباً وغير قادر على الاسترخاء.
• الأحداث الجنونيةManic Events
إن الأفراد الذين يشهدون أحداثاً جنونية يتصرفون بطريقة تبدو، على السطح، وكأنها عكس الاكتئاب. وخلال الأحداث الجنونية الخفيفة(المعتدلة)، يكون الفرد فعالاً ومتحمساً ومليء بالثقة بالنفس. ويتحدث باستمرار، أو يندفع من نشاطٍ إلى آخر مع حاجةٍ قليلة إلى النوم، ويقوم بوضع خطط متكلفة، لكن لا يولي أ ي اهتمام إلى جانبها العملي أو التطبيقي. وعلى خلاف من أي من أنواع من الامتلاء بالحيوية المبهجة(joyful exuberance) التي تميز الابتهاج الطبيعي، فأن السلوك الجنوني له خاصية الانقياد (driven quality) وغالباً ما يُعبر عن العدائية أكثر من الابتهاج(elation).
وأما الأفراد الذين يشهدون فترات جنونية شديدة(الجنون الشديد)، فأنهم فيتصرفون وفق نوعا ما، ويمكن حصر مثل هذا المفهوم الشائع تحت اسم (الجنون الهائج)(raving maniac). فأنهم يكونون مثارين جداً ولابد أن يكونوا نشطين بشكلٍ دائم. فقد يقوموا بالمشي السريع هنا وهناك، أو يقوموا بالغناء أو الصياح أو ضرب الجدران لساعاتٍ عديدةٍ. وعادةً ما تغضبهم محاولات التدخل بنشاطاتهم ويمكن أن يصبحوا بذيئين. وغالباً ما يعبروا مباشرةً عن دوافعهم(بما في ذلك الدوافع الجنسية) بالأفعال أو الكلمات. ويكون هؤلاء الأفراد مُرتبكين وغير مُوجهين، ويمكن أن يشهدوا أو أن يعيشوا حالاتٍ من الوهم حول الثروة الكبيرة أو الانجاز أو القوة.
• الاضطراب الاكتئابي الجنوني
أن بعض الأفراد يمكن أن يشهدوا فترات جنونية يشهدون كذلك فترات من الاكتئاب. غير إن معظم الأفراد الذين لديهم فترات جنونية يشهدون كذلك فترات من الاكتئاب. وفي بعض الحالات يتناوب الشخص بشكلٍ دوري ما بين الفترات الجنونية(manic) والفترات الاكتئابية، وغالباً ما يكشفُ عن فترة من السلوك الاعتيادي(السوي) ما بين تلك الفترات. ونجد هذه الحالة مدرجة في دليل(DSM-111) كاضطراب ثنائي(bipolar disorder)، أي إن الفرد ينتقل من قطب ٍ معين في السلسلة إلى القطب الآخر.وأدناه أهم التغيرات المزاجية والتي يمكن ملاحظتها في الاضطراب الاكتئابي- الجنوني، والتي هي منتقاة من ملاحظات المختصين في المستشفيات:
الاكتئاب: ويمتد من أول يوم ظهور الأعراض إلى 23 يوماُ، يبدو الشخص حزيناً ومستغرقاً فيه، يبكي كثيراً، ويعبر عن رغباته بالموت ويفكر بالانتحار، ويكون منعزلاً معظم الوقت، وغير مكترث بنشاطات الجماعية، ويكون بطيئاً في الكلام وفي الحركات، وأحياناً يقع نائماً بالاجتماعات.
التحول:(switch) ومدته 24 يوماً، يقوم بزيارةٍ لطيفة ومريحة مع أفراد أسرته، ويقول بأنه يمتع نفسه، ولا يبدو مكتئباً، ويتحدث بسهولة مع أفراد الكادر الطبي والوظيفي.
المَس(الانفعال الشديد)(mania):وتمتد من25 يوم -31، وتتميز هذه الفترة بحلقتين من الانفعال الشديد تفصلهما فترة 5 أيام يبدو خلالها الشخص أكثر هدوءاً، ويكون منغمساً بشكلٍ اعتيادي في النشاطات. ويبدو عليه ضغط الكلام وطيران الأفكار في صباح اليوم25. ويعرض وبشكلٍ فاعل مشتريات جديدة للجميع. يتكلم كثيراً عن الأموال وعن مقدار النقود التي ينفقها. ويكون أقل نشاطاً في المساء.
ومن يوم26 إلى يوم 30 يبدو بروحية جيدة. ويبدو جذاباً وكثير الكلام. ويتم الحكمُ عليه أما أنه مفرطاً بالسلوك أو أنه معتدلاً بشكل لطيف. ويصبح مفرطاً في النشاط بشكلٍ مغالي فيه، ومستعداً للقتال(combative) في اليوم 30, في الوقت الذي يكون فيه بأجازة من المستشفى. ويعود في وقت ٍ مبكرً يوم31 غاضباً من زوجته وأفراد الكادر الوظيفي.
الاكتئاب: ومن الايام32-45، ويبدو الشخص حزيناً، وتبدو تعابير الألم على وجهه ومظاهر الخوف تكتنفه. يحتاج إلى التشجيع للقيام بالنشاطات والكلام. ويكون منعزلاً، وغير مكترث لما حوله من البيئة.
التحول: في اليوم46، وفي الصباح يظهر سعادة لرؤيته لعائلته، يعيش زيارة سعيدة معهم. وتفاعلاته طيبة مع المرضى والكادر الطبي. وأما في المساء فيكون هادئاً، ويتكلم عن مشاعره اللطيفة وعن زيارة عائلته. ويندم على أنه أصبح مجنوناً(manic)، غير أنه يلاحظ بأن ذلك هو مرور(لقضاء) للوقت، وان ذلك يساعده على التخلص من الملل.
المس(الانفعال الشديد): ويشتمل الأيام من47- 53، ويكون الشخص في حالة جيدة، ويبدو بروحيةٍ ويصطنع الحديث، ويلبس ملابس جديدة عند تناول الإفطار، ويبدو كثير الكلام ومغرٍ(seductive)، ومفرطاً في النشاط بشكلٍ مُعتدل. ويكون اقل نشاطاً في المساء، ويبدو سعيداً. ويحتاج إلى مراقبة قريبة. وفي الأيام 48،49،50، يبدي سلوكاً مماثلاً للفترات الجنونية الأخرى، مثل صعوده ونزوله من على الكرسي ذو العجلات، ويتشاجر مع الكادر الوظيفي، ويدمر الممتلكات الثمينة. ويهرب من الوحدة الطبية، بحيث يسبب إشكالات في الردهات الأخرى.
إن الاضطرابات الثنائية الأقطاب أو ما يسمى بالاضطرابات الجنونية- الاكتئابية هي اضطرابات نادرة نسبياً. وعلى الرغم من إن حوالي 20% من النساء الكبار و 10% من الذكور الكبار في الولايات المتحدة يعيشون اكتئاباً كبيراً أحياناً، فأن تقريباً1% من السكان البالغين يكون لديهم اضطراب جنوني- اكتئابي، ويظهر الاضطراب على أنه شائعاً على حدس سواء في النساء والرجال. وتختلف الاضطرابات الجنونية- الاكتئابية عن الاضطرابات العاطفية الأخرى، بحيث أنها تميل للحدوث في سنٍ مبكرة، وإنها من المحتمل حدوثها أكثر في عوائل معينه، وإنها تستجيب لمختلف العمليات العلاجية، وهي تكون عرضة للتكرار ما لم يتم علاجها. وتوحي هذه الحقائق بان المتغيرات البيولوجية يمكن أن تلعب دوراً أهم من المتغيرات النفسية في الاضطرابات الثانية الأقطاب.
حالة رقم (1)
كان، ب. روبرت، وهو طبيب أسنان بالغ من العمر(54) عام، قد نهض بأعباء زوجته وبناته الثلاثة معظم سنواته الخمسة والعشرين التي كان يزاول فيها عمله من خلال مهنته في طب الأسنان. وقد أفادت السيدة روبرت بأنه أحياناً ما كان يبدي سلوكا مماثلا للسلوك الذي سبق دخوله للمستشفى، غير إن ما بدر عنه من سلوك كان هو الأسوأ.
وقبل أسبوعين من دخوله للمستشفى، نهض المريض في إحدى الصباحات بفكرة أنه كان جراح الأسنان الأكثر موهبة في منطقته، وحينها، توجبت عليه مهمته جديدة هي توفير الخدمات لعدد كبير من الأشخاص قدر الإمكان. بحيث يتمكنوا هؤلاء من الاستفادة من مواهبه. وبالتالي، قرر وفي ضوء ذلك من أن يوسع عيادته المؤلفة من كرسيين أثنين إلى عيادةٍ تحتوي على 20 كرسي، وخطط لبناء مكتب جديدة لمزاولة عمله في طب الأسنان مكون من 20حجرة، بحيث يتمكن من إدخال الكثير من المرضى في آن واحد. وفي ذلك اليوم قام بوضع خطط لهذه الأفكار واتصل هاتفياً بعددٍ من المختصين بصياغة النماذج ودعاهم إلى أن يقدموا العروض للعمل. كما طلب معدات أسنان إضافية ضرورية.
وقبل نهاية نهار ذلك اليوم، أزعجته التأخيرات المطولة، فبعد أن عالج آخر مريض لديه، كَفَّ أردنِ قميصه وبدأ يطرق على جدران عيادته. وعندما أكتشف بأنه لم يتمكن من أدارة هذا العمل الروتيني بالمطرقة التي كان قدر اشتراها لهذا الغرض في وقتٍ مبكر، فقد أصابه الإحباط وبدأ بضرب وتهشيم أدواته وأحواض (السباحة) ومعدات الأشعة(X-Ray). وقد برر هذا السلوك في ذهنه قائلاً:
" إن هذه الخردة التافهة لا تُلاؤم رغباتي وسوف استبدلها على أية حال" .
إن السيد روبرت لم يخبر أياً من أفراد أسرته بشأن هذه الأحداث لمدة أسبوع، وبدأت زوجته تتلقى مكالمات هاتفية شديدة من المرضى الذين قد صرفهم السيد روبرت من مكتبه. وأثناء هذا الوقت، أدركت زوجته بأن شيئاً ما كان يقلقه، وذلك لأنه كان يبدو شرساً ومسعوراً ومُرهقاً. وقد كان في حركة مستمرة، وكان كلامه غريباً. وفي ذلك المساء، نوهت زوجة السيد روبرت إلى قضية المكالمات الهاتفية والى حالته، ثم قالت فيما بعد بأن السبب الوحيد وراء توقفه عن الصياح هو أنه أصبح أجش الصوت(أي أصبح صوته مبحوحاً) ونادراً ما كان يسمع.
وبعد عدة أيام من الأحداث الجنونية، اتصلت السيدة روبرت باثنتين من بناتها المتزوجات لطلب المساعدة وأخبرتهما بأن والدهما أصبح غير معقولاً تماماً، وأصبحت عاجزة عن الوصول إليه. وقد قامت أبنتيها الاثنتين اللتان تعيشان على بعد عدة دقائق في السيارة، قامتا بزيارة والديهما في أحد المساءات وجلبتا معهما زوجيهما. وبعد أن تفاخر الوالد ببراعته الجنسية، قام بمحاولات عدوانية اتجاه بناتهِ. وعندما حاول صهريهِ أن يقللا من هذا السلوك، هجم عليهما السيد روبرت بكرسي، وكان يجب أن يتم إسكاتهِ أو إيقافهِ بدنياً. حينها تم استدعاء الشرطة، وتم إدخاله إلى المستشفى بعد عد ساعات.
وخلال المقابلة مع روبرت، بدى الأمر بأنه كان يعاني من حالة الإفراط في النشاط والإرهاق بسبب الحالة العصبية. فأنه لم يكن يتمكن من الجلوس في كرسيه، حيث بدلاً من ذلك، كان يجوب في وسط المكتب مثل الحيوان الموجود في قفص، وحلال حركته هذه، كان يتحدث على الدوام حول خططه المحبطة وحول خيانة زوجته وابنتيه المفضلتين لديه. كما عُلم أيضاً(من السيد روبرت نفسه وكذلك من السيدة زوجته فيما بعد) بأن هذه لم تكن هي المرةُ الأولى لهذا السلوك، إذ كان روبرت يمتاز بتاريخ حافل بثلاث دخولات سابقة إلى المستشفى.
وقد استجاب المريض جيداً إلى علاج(الليثيومlithium) وتم أخراجه في غضون عدة أسابيع من دخوله إلى المستشفى.
ما هي الاضطرابات العاطفية ؟
الاكتئاب هو أكثر الاضطرابات العاطفية انتشاراً. ولان الاكتئاب هو الأكثر شيوعاً ويمكن أن يكون مُضعفاً لقدرات المريض، فقد تم بذل الكثير من الجهد لتحديد أسبابه. وسف ننظر باختصار إلى عدة مداخل لفهم الاضطرابات العاطفية.

#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات