|
إنهيار المؤسسات المالية الأمريكية وتلافي الوقوع به
عبد علي عوض
الحوار المتمدن-العدد: 2422 - 2008 / 10 / 2 - 09:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كثير من الذين يعتبرون أنفسهم إقتصاديون حذقون ، يوجزون الإقتصاد الحر ، بأنه بلا قيود تحدد نشاطه ، وتتلخص وظيفة البنك المركزي بإصدار العملة النقدية ورفع وخفض الفائدة المصرفيةعلى الإيداعات والقروض والإشراف على الإحتياط الإستراتيجي من الذهب والعملات الصعبة . لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة بإنهيار مؤسستين ماليتين عملاقتين ، فشل وبطلان تلك القناعات من خلال إعتراف الكونغرس الأمريكي بغياب الدور الرقابي الفاعل للبنك الفدرالي الأمريكي ، وأُضيف سبباً آخر هو غياب وعدم وجود خطط تنبؤية مستقبلية ، يمكن اللجوء إليها وتطبيقها مِن أجل تلافي حدوث تلك الإنهيارات . إنّ الركض وراء الأرباح الخيالية من خلال منح القروض الهائلة والتي لا تتناسب مع القيَم الفعلية للأصول ( العقارات ) ، هو السبب في إفلاس المصرفَين الأمريكييَن . وهنا يعود بنا الحديث إلى المؤسسات المالية والإستثمارية الوهمية العراقية ، وقبل الخوض فيه ، من الضروري التطرق إلى التجارب والظواهر المماثلة التي حدثت في بلدان أوربا الشرقية وفي مقدمتها روسيا ، بعد أن إنتقلت في ليلة وضحاها إلى الإقتصاد الحر ( الفوضى الإقتصادية ) ، دون التمهيد لعملية الإنتقال بصورة تدريجية ، وما هي إلاّ عملية لتنفيذ مخطط أُعِدَ مسبقاً لإشاعة الفوضى الإقتصادية ، من أجل تدمير ما هو قائم من مؤسسات إقتصادية عملاقة . سوف لن أتطرّق إلى قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والعقارات ، لأنّ الحديث عنها طويل ومتشعب ، وإنما ألقي الضوء على القطاع المالي وبإختصار في روسيا . لقد ظهرت مؤسسات مصرفية وإستثمارية في المدن الروسية الرئيسية بعد فترة وجيزة من إنهيار الإتحاد السوفيتي ، ففي موسكو وحدها تأسست تسعمائة شركة مالية إستثماريةومصرفية ، بدون وجود ضمانات بنكية مِن قبل بنوك الدولة الرسمية لتلك الشركات ، إضافةً إلى جهل المستثمرين في كيفية إسترداد ودائعهم في حالة إفلاسها ، والسبب الرئيسي الذي دفع جميع المودعين لإستثمار أموالهم هو النسبة المئوية المغرية للإرباح والتي تتعدى 100% سنوياً . فبعد مرور ثلاث سنوات إختفَت تلك المؤسسات من الوجود ، بعد أن قامت بتهريب 450 مليار دولار إلى خارج روسيا ، مما أدى إلى تحول غالبية المجتمع الروسي إلى طبقة معدمةتحت خط الفقر ، أما بنوك الغرب فكانت مستعدة لتلقي تلك المليارات وحسب المخطط المرسوم ، دون التدقيق في مصادرها !! . وما يجري في العراق حالياً ما هو إلاّ بدايات لما جرى في روسيا سابقاً . لقد علم الجميع بمسألة شركة الصقر العالمية في مدينة الناصرية ، وكيف أنّ مالكها هرب ومعه ( 350 مليون دولار ) !! . حدثت هذه الظاهرة للأسباب التالية أولاً - غياب دور مؤسسات الدولة المالية وبالذات وزارة المالية والبنك المركزي ، أدى إلى ظهور هكذا مؤسسة دون توثيقها بإئتمان مالي يتناسب مع حجم وحقيقة نشاطها الإستثماري ، حفاظاً على أموال المستثمرين . ثانياً - القائمون على تلك المؤسسات ، ما هم إلاّ حفنة من الطفيليين على عالم الإستثمار ، بحيث شغلهم الشاغل فقط جني الأرباح من العدم وبفترة قياسية ، أي أنهم يمارسون نشاطهم بأموال غيرهم ، فإذا ما أشهرت مؤسساتهم إفلاسها ( المصطنع ) ، سوف لن يخسروا أي شيء ، الخاسر الوحيد هو المواطن المودع لأمواله عندهم . ثالثاً - جشع و جهل أصحاب الإيداعات بعمليةالإستثمار وقواعدها ونسب الأرباح اللامعقولة التي يمكن الحصول عليها . فتلك الشركة ( الصقر ) طرحت نسبة أرباح 8% شهرياً ، أي 96% سنوياً ، إنه رقم مغري ويسيل اللعاب من أجله !! . لكن لم يفكر أولئك المودعون ، أنّ البنوك الرصينة والمستقرة مالياً تعطي أرباحاً تتراوح بين 2% - 5% سنوياً وليس شهرياً . لذلك من خلال ما ذكرته آنفاً ، على الحكومة العراقية إن أرادت الحفاظ على ما تبقى من المال العام ، أن تقوم بإعادة تقييم اصول جميع الشركات الإستثمارية ، عن طريق إجبارها على وضع إئتمانات مالية لدى بنوك الدولة كشرط يسمح لها بمزاولة نشاطها الإستثماري ولضمان حقوق المستثمرين . وأخيراً سؤال يطرح نفسه هو - بعد الإنهيار المالي الذي حصل في الولايات المتحدة و أثّر سلباً على إقتصاديات معظم بلدان العالم ( المرتبطة بالدولار ) ، هل ستفكر تلك البلدان بإيجاد عملة نقدية موحدة كوحدة قياس ومعيار ( وليست للتداول ) لكل العملات النقدية في العالم ، بعيداً عن الهزات الإقتصادية التي تتعرض لها تلك البلدان صاحبة العملات الرئيسية ( الدولار ، اليورو ، الإسترليني ) المتحكمة بألإقتصاد العالمي ؟ ! .
#عبد_علي_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إستمرار إطفاء شموع الثقاقة الوطنية هو إنذار بعدم العودة !
-
قرار تأسيس مجلس أعلى للثقافة ..خطوة في الإتجاه الصحيح ولكن ؟
-
مجافاة الحقيقة والتلاعب بالمفاهيم الإقتصادية
-
عشرة آلاف بعثة دراسية ....تساؤلات
-
دور النفط والغاز في تعزيز الثِقل النوعي الإقليمي والدولي للع
...
-
مصير الإقتصاد العراقي بيد مَنْ وإلى أين يسير ؟
-
هل ستفرِض الأجندة الوطنية نفسها بعد أحداث البصرة ؟
-
سلطة الظل و المخطط الرهيب
-
الكورد الفيليون و التُهَم المُشَرِّفة
-
الذاتية والتخبط الإقتصادي و هدر المال العام تحت ستار القانون
-
بإختصار... تأكيد على نداء بناء عراق ديمقراطي مدني
-
الإنفاق اللاعقلاني و هوَس بناء المطارات
-
الثقافة العراقية وإنتشالها من الإحتضار
-
الإنهيار و التحالفات وكشف الأوراق أمام الشعب
-
الأقلام الجريئة وعام الحسم والتعرية
-
تغييب و طمس ثورة 14 تموز و مشكلة العلم العراقي
-
ملاحظة سريعة
-
عكس القاعدة
المزيد.....
-
بايدن يعلن إنتاج الولايات المتحدة أول 90 كغم من اليورانيوم ا
...
-
واشنطن تتمسك بالعراق من بوابة الاقتصاد
-
محافظ البنك المركزي العراقي يتحدث لـ-الحرة- عن إعادة هيكلة
...
-
النفط يغلق على ارتفاع بعد تقليل إيران من شأن هجوم إسرائيلي
-
وزير المالية القطري يجتمع مع نائب وزير الخزانة الأمريكية
-
هل تكسب روسيا الحرب الاقتصادية؟
-
سيلوانوف: فكرة مصادرة الأصول الروسية تقوض النظام النقدي والم
...
-
يونايتد إيرلاينز تلغي رحلات لتل أبيب حتى 2 مايو لدواع أمنية
...
-
أسهم أوروبا تقلص خسائرها مع انحسار التوتر في الشرق الأوسط
-
اللجنة التوجيهية لصندوق النقد تقر بخطر الصراعات على الاقتصاد
...
المزيد.....
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
-
تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك
/ الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
المزيد.....
|