أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية الطوق - 6 -















المزيد.....

رواية الطوق - 6 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2420 - 2008 / 9 / 30 - 04:50
المحور: الادب والفن
    


ـ 6 ـ
ساعة التجول انتظار ولهفة، الساعات تمضي بطيئة، لا يظهر صوت الميكرفون، صوت آذان الظهر يأتي من مئذنة جامع المجادلة خارج الطوق، يعود الصمت والترقب، هل يمضي النهار بدون تجول، وفجأة ومع آذان العصر، يظهر الميكرفون بلازمته اللعينة، انتبهوا انتبهوا، يسمح بالتجول لمدة ساعة اعتباراً من الآن.
تندفع الأجساد إلى الزقاق، تتسمر عند عتبات البيوت وكأنها خارجة من سبات طويل، يتنصتون على أخبار السلك، وما جرى في الحواري المجاورة، حتى الأستاذ فهيم يقف على عتبة داره، ويرفع يده بالتحية للجيران، وابنه وسام من خلفه يمسح مساحة الزقاق من خلف ساقي أبيه.
الصمت سيد المكان، لا أحد يتكلم، الشفاه مطبقة على العذاب، العيون والقلوب تمارس لغة جديدة، أم خليل تغمز لسعدية، تقفز سعدية نحوها لم يعترضها الغاوي، وراح ينقر الأرض بإصبعه، يبث هواجسه للجعباص الذي رقد بجانبه مهدوداً يتمتم "الله يساعد الناس على حالها، أنا وحيد وأكاد أنفجر، ما بقي في الحياة سوى الذل والمرمطة، تفو على العمر الماسخ، والله الحيوانات ما ترضى بحياتنا، على الأقل تهيج أو ترفس، وارتسمت أمامه نوافير الدم التي انبثقت من ثقوب بطن الفرس، تنهد " لو دهس في بطن واحد منهم أو حتى رفسه قبل ما يخردقوه.."
أم صابر تعود إلى الزقاق بدون يونس، تدخل دار أم خليل وبعد برهة تخرجان.. في الطريق قالت أم صابر:
- ما صدق الولد يصل لأمه، قطعوا ظهره في الليل، الله يقطع ذريتهم.
ثم قالت تواسي نفسها:
- يبقى عند أمه يساعدها، والله يا أم خليل بطنها كبير، خوفي توّلد في أيام النحس يا رب يا رحيم، إن شاء الله أحضرها عند الميلاد.
انسلتا في أحد الأزقة، فالتجول ساعة، هل تتمكنان من اجتياز الأسلاك، الناس يقتربون من السلك بحذر، والناس خارج الطوق أقل من البارحة، الجنود يفتشون الأشياء، يدلقون الأطعمة، خالد في أحد الأزقة يراقب بوابات السلك، يختلس النظر إلى سعدية التي وقفت عند بداية الزقاق المجاور، نساء وصبايا وأطفال، الخروج مسموح به والدخول ممنوع، الفزع والرغبة في الخلاص من الطوق، هل يبقى الرجال داخل الحصار، سعدية ما زالت هنا، المغادرون قلة، ومشاركة الجماهير لابد من دراستها، تكريس الأفكار، وتكريس الصمود، المعايشة تعزز الصمود. وعليّ ورفاقه ينظمون الإمداد، وأنت تراقب فقط، والناس داخل الطوق ينظمها الخوف وحب البقاء، بعفوية يستوعبون الأحداث، البعض يهرب النساء والأطفال، عفوية الجماهير هدير في البداية يعبقه انحسار، حالات المد والجزر لابد من استثمارها، نظر خارج الطوق، الأطفال يراقبون، أصوات العصافير تغادر حلوقهم، يسكنها هدير البحر، أغانيهم قوية عذبة، اندفع الصغار، يتقدمهم يونس، الذي لا تخذله الأغاني كما قالت سميرة، هل خذلتكِ الأغاني يا سميرة؟ خجل من نفسه، الجنود يصادرون سميرة، ويكتفي هو بالمراقبة، الأطفال والأغاني وسيل الحجارة، الجنود يطاردون الأطفال، تمنى لو عاد طفلاً يعدو معهم ويقفز أمام الهراوات، ويذوب في الأزقة، والأزقة فوهات غضب ووصايا الأجداد "الحرب كر وفر" قامت قيامة الناس، سعدية تندفع باتجاهه تلتصق به، يتسمران خلف الجدار، تصرخ، قلبها يقفز في الشارع، لهث كأنما مضى عليها وهو يجري "الحمد لله أفلت منهم، انسرب يونس في الزقاق، والجنود لا يجرؤن مطاردة في الأزقة، يونس حصان يمكن الرهان عليه، توقفت الحجارة، وساعة التجول تقترب من نهايتها، قال خالد:
- انسلت من البوابة الشمالية عند رمي الحجارة.
في أحرج اللحظات تتصرف بحكمة ورباطة جأش استغلت ارتباك الجنود وعبرت، أم خليل امرأة يعتمد عليها، تذكر أم صابر سأل:
- العجوز معها؟
- أم صابر خرجت قبلها؟
في زمن القهر كل الاحتمالات واردة، الناس تخلق مرة أخرى، التحسبات تتبخر من قاموسهم، لا مكان للتردد، والسبل واضحة، العطاء أم الانزواء وها هي أم خليل تترك أولادها، وأم صابر لا تعرف ما تحمله في صدرها فقط يجب عليها الخروج، تمضي وتترك يونس يزرع الأغاني في الأزقة، وسعدية التي تعالت عليك عندما جمعتكما السيارة، وبقيت أمنيتك بالحديث إليها معلقة على أهدابها الطويلة التي لا ترف، يومها كرهت بنات معهد المعلمات من أجلها، وها هي اليوم تلتصق بك، ويرف قلبك وقلبها مع قفزات الصغار، دقات قلبها تتصل بدقات قلبك، يقفز يونس أمامها، عبة يتفتح بالبرتقال، ضحكت سعدية في وجه خالد، قال يداعب الصغير:
- وين رايح يا شقي
- عند أمي
قالت سعدية:
- والبرتقال
- لأمي، هي مش قادرة تيجي للسلك مثل النسوان.
ثم توجه إليها كرجل يصدر أمراً:
- خذي بالك من دارنا، أنا نايم عند أمي هي تعبانة ويمكن تلد
فركت أصابعها في شعره.
- خذ بالك من أمك وما تفكر في الدار.
- تنهد يونس ارتياحاً، تمتم خالد "حتى الأطفال يعرفون الزفرات" وضع يده على رأس الصبي فحطت على يد سعدية، سلت أصابعها من تحت راحته، وتصاعد الدم وردياً إلى وجهها، وارتجف قلبان على رأس الصبي وقبل أن يفترقا عند الزقاق تذكرت سعدية:
- خذ هذه الورقة من أم خليل.
خدر لذيذ يرافقها، كانت الورقة ترقد بين ثدييها مثل زغلول عصفور لم يكتسي بالريش بعد، ودت لو بقي وقت للتجول يسمح للنسيان, وخجلت من رغباتها, سألت كمن ينتظر أمراً:
- هل نترك الأبواب مفتوحة؟
"العاشرة ليلاً، كن يقظاً مستعداً" لم يشغل تفكيره بكيفية وصول الورقة، ماذا تعني هذه الجملة القصيرة، ومن ينام هذه الأيام، ماذا سيحدث العاشرة ليلاًَ، وهل تعرف سعدية شيئاً، لا شك أنه عليّ يكلفه بمهمة.
نظر الى سعدية مستطلعاً ولسان حاله يقول "هل تدركين ما لا أعرف"، قال وقد ضم راحتيه على كفها:
- لأبواب لا تغلق أمام الأحباب.
سحبت كفها من بين راحتيه وافترقا..
***
العتمة تجوس في الفضاء، بقايا نجمة تلوح، تتشكل ثم تختفي، أنفاسه معلقة بالنجمة، والرياح تعوي في الأزقة، تنفلت لولبية هاربة تمضي مع الصمت، والصمت سلطان المكان، إلا من هدير البحر يزحف على مخيم الشاطئ يجتاز الأسلاك، ويتبدد مع الصمت، وفي زمن الموت تنبثق الحركة من أحشاء الصمت، يخدعه صيوان الأذن، هل يسمع دقات خفيفة على الباب، تعود النجمة، وتعود الطرقات، يلهث:
- مع دق الباب.
انسلوا ثلاثة، قامات منتصبة، ووجوه ملثمة، ماذا عليه أن يفعل كلمات قصيرة نافدة:
- أنت مكلف بنقل الأشياء من دار محمد موسى لدار...الشباب يكونوا حولك إذا استدعى الأمر.
مع الحضور يكون الفعل، ويكون الاكتشاف، وتكون المهمات الحقيقية ولا يبقى من الكلمات الجوفاء غير طنينها الخافت قالوا:
- عتمد على سعدية.
- سعدية والصمت على الأهداب الطويلة تبدد اليوم، قرأتُ في عينيها الحكايات في زمن الخوف، همس أحدهم في اذنه:
- الحذر الحذر
انزلقوا في العتمة، وغابوا.

***
الغاوي يتشبث بكتف زوجته:
- يا امرأة كيف تخرجي في هالليل، اصبري حتى يخرجوا من الزقاق.
- دخلوا بيت أم خليل، ما في غير البنات يا رجل.
ثم متنمرة.
- ايش لزوم الشباب عند البنات والدنيا ليل، هو لحمنا رخيص علينا!!
- استغفر الله العظيم إحنا في ايش ولا ايش, مين في باله السوء يا بنت الحلال، صفي قلبك، الشباب حاملين أرواحهم وماشيين
خجلت المرأة.
- أنا عارفة كلام الناس يا ابن الحلال.
- الله يلعن الناس وكلامهم، أي هو بقي بعد ها الحال كلام.همدت، وأخذا يرصدان الزقاق من فرجة باب الدار.

***
الفجر يقترب، قال أحدهم.
- كوني قريبة من خالد
أومأت، قلبها يدق، خالد يسكن صدرها.
قال أحدهم:
- نشوف الشارع.
- في الليل يتجمعون عند السلك.
- الاحتياط واجب.
نظر الرجل الى سعدية، همست:
- وإذا صار اشتباك.
هز الرجل رأسه، وهل يقومون بالمهمة دون توقع ذلك، قالت:
- أنا أشوف الطريق عند رأس الزقاق.
قفزت في العتمة، أخذت تمسح الشارع، قلبها سلحفاة تدب على الأرض، والأجساد الثلاثة تزحف، الكشافات تفرش نصف دائرة، الضوء الفسفوري يضيء الشارع، الأجساد تلتصق بالتراب، يرتفع الضوء فوق السطوح القرميدية، تتحرك البطون في حالة تماس مع الأرض، حركة بطيئة تتوقف مع دوران الضوء، وأنفاسها محاصرة في حزمة الضوء، والشبان يقتربون من الطرف الآخر للشارع، زواحف بطيئة، التشكل، بلون البيئة كما شرح أستاذ العلوم هل هي ظاهرة المماتنة أو التشكل، وها هو الإنسان الأرقى بين الكائنات يعود إلى وسائله الأولى لحماية نفسه، المهم إن تغيبه الأرض عن عيون الأعداء..قفز الشبان إلى زقاق في الطرف الآخر.. الحمد لله
عادت سعدية إلى الدار كانت حسنة تنتظرها، انسلتا تحت الغطاء غفت حسنة، وبقيت سعدية بؤرقها سؤال الصمت.
هل اجتازوا



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الطوق - 5 -
- رواية الطوق - 4 -
- رواية الطوق - 3 -
- رواية الطوق -2 -
- رواية الطوق - 1 -
- هموم انسانية خلف غيوم رمادية قراءة في رواية غيوم رمادية مبعث ...
- الملح يتخثر عند حواف القصيدة
- امرأة مشاغبة حتى التعب
- رسائل الزاجل الأسير إلى عنود الليالي
- في وداع محمود درويش
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 4 -
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 3 -
- بطاقات إلى امرأة تعرفني - 2 -
- بطاقات إلى امرأة تعرفني
- رسائل الزاجل الأسير إلى هناء القاضي
- جنة ابوبها موصدة
- الدوران حول مركز الالتباس
- رسائل الزاجل الأسير الى بشرى ابو شرار
- رحلة ذكور النمل
- ظلال الأرقام الرمادية


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية الطوق - 6 -