|
سلعة المعرفة !
حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 2417 - 2008 / 9 / 27 - 08:12
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مطالعة كتاب الفيلسوف الأمريكي » الفين توفلر« الذي كتبه بالتعاونِ مع زوجته هايدى وعنوانه: »إنشاء حضارة جديدة .. سياسةُ الموجة الثالثة«، تطرح سؤالاً يكمن في المفارقة التي تفرض نفسها بين أطروحة هذا الفيلسوف وأطروحتي كل من فوكاياما وهانتجتون عن »نهاية التاريخ« وعن »صراع الحضارات«. نحن نعلم أن الدعاية الغربية نفخت في هاتين الأطروحتين بحيث قدمتهما كما لو كانتا فتحاً جديداً مُبيناً في العلوم الاجتماعية خاصة في الفلسفة وعلم التاريخ، ورغم الثغرات المنهجية البينة فإنهما كانتا وما زالتا مدار بحث مؤتمرات وندوات علمية وأكاديمية وموضوعاً لملفاتٍ متخصصة في مجلات ودوريات علمية رصينة، وتخطتْ حدود الاهتمام بهما الإطار الأمريكي والغربي، لينشغل بهما أهل الثقافةِ والفكر في العالم كله، فيما الصمت والتجاهل يحيق بأطروحة مثل أطروحة توفلر وزوجته عن إعادة قراءة مراحل التاريخ البشري وفق رؤية جديدة باعثةٍ على التأمل. إن الدوائر الأكاديمية الغربية تُقدم تلك الوجوه التي تحت ذريعة نزع الايدولوجيا، تقدمُ أيديولوجيتها الخاصة في التبشير بعهدِ الهيمنة الجديدة في صُورها المبتكرة، وهي ترفض أو تتجاهل أي أطروحةٍ لا تتسق تماماً مع هذا العهد. ومع أننا لسنا مدعوين لتبني تفسير الزوجين توفلر للتاريخ، لكن الاطلاع عليه من زاوية التعرف إلى رؤيةٍ أخرى غير تلك التي تحظى بالرواج أمرٌ مفيد، لأن ذلك يُوفر إمكانيةً للنظر بشكلٍ آخر لما يجري في المجتمع المعاصر . برأي توفلر إننا نعيش اليوم» حضارة الموجة الثالثة«، وجوهرها هذا التغلغل الواسع لمنجزات العلم والتكنولوجيا المعقدة في الاقتصاد والتي غيرت حياة المجتمع وحالته النفسية. إن المعرفة في مختلف مجالات الحياة هي السلعة الرئيسية لحضارة الموجة الثالثة، حيث تزيح إلى المرتبة الثانية الخامات الطبيعية ورأس المال والطاقة وموارد العمل، وبالتالي فان النظريات الاقتصادية المؤسسة فقط على الانتفاع بالثروات المادية لن تعود كافيةً لتفسير ما جرى وما يجري. يُقسم الزوجان توفلر التاريخ البشري إلى ثلاث موجات رئيسية: الموجة الأولى هي الموجة الزراعية والتي امتدت حوالي عشرة آلاف عام، بدءاً من الألف الثامنة قبل الميلاد وحتى حوالي ٠٥٧١ميلادية، عندما كفّ التطور الزراعي عن النمو مقابل نمو الصناعة في دول أوروبا الغربية، حيث حلتْ الموجة الثانية، أي الموجة الصناعية، التي ما زالت مستمرة نظرا للتطور غير المتكافئ بين دول العالم، حيث أن هذه الموجة التي بدأت قوية في أوروبا أخذت في الانتشار في كل القارات، وهي لم تفقد بعد كل طاقاتها، بيد أن الموجة الثالثة، أو ما بعد الموجة الصناعية، قد أخذت في شق طريقها بقوة منذ منتصف القرن العشرين، والعالم هو اليوم ساحة تجاذب بين نزعتي تطور مختلفتين. إن الموجة الثالثة التي هي في ذروة اندفاعها تحدث من الآثار النفسية والمعنوية الشيء الكثير، وتؤسس لمفاهيم وتصورات ثقافية وأخلاقية جديدة. وهذا التفسير المختلف لتطور التاريخ يتطلب فهما مختلفا للعمليات الجارية، غير ذلك الفهم الذي يريد أن يضع نهاية للتاريخ، أو يفسر العمليات الجارية فيه، بما فيها المواجهات الدامية، كما لو كانت مجرد مواجهات بين الأديان والحضارات والثقافات.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوجد خيار آخر
-
عودة روسيا
-
هل يشعر غورباتشوف بالندم؟
-
عار الشامتين
-
محمود درويش
-
وجوهنا وحدها تُشبهنا
-
من الجيل الجديد وعنه
-
أطراف الحوار
-
الأغلبية الصامتة
-
٢ أغسطس ٠٩٩١R
...
-
يوسف شاهين
-
هيبة القضاء وتعميم ديوان الخدمة
-
الروسيات بعد البنغاليين والحبل على الجرار
-
دراجة تشي غيفارا
-
ترشيد الخطاب السياسي
-
هكذا تكلمت المرأة
-
كلمة الأمين العام للمنبر التقدمي د. حسن مدن في افتتاح المؤتم
...
-
مصير الاستراتيجية الوطنية للشباب
-
مَنْ كُلّما شعرنا بالتعب إليهم
...
-
عن إصلاح النظام الانتخابي
المزيد.....
-
قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا
...
-
أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق
...
-
الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي
...
-
موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق
...
-
الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام
...
-
السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC
...
-
بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى
...
-
كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول
...
-
واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ
...
-
البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك
المزيد.....
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
-
دستور العراق
/ محمد سلمان حسن
المزيد.....
|