أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية الطوق - 4 -















المزيد.....

رواية الطوق - 4 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 07:45
المحور: الادب والفن
    



ـ 4 ـ
شمس الضحى باهتة، لم تلبث أن غيبتها الغيوم عن العيون المتطلعة لاستقطاب الدفء.
لهاث الأنفاس يتكاثف قبل أن يصل السقوف الواطئة، فيما العيون تدور في محاجرها ترقباً وهلعاً، حتى عيون الأطفال اكتست بسهوم رمادي، وسكتت حركاتهم، وخبا صراخهم..
ترقب والأذان ترهف السمع، واليوم الثالث يزحف نحو الظهر، فجأة صوت يتردد في المكان، لم يستوعب الناس ما يقول الميكرفون.قال يونس لجدته:
- سمحوا بالتجول لمدة ساعة، يبدأ من العاشرة..
وانفلت إلى الزقاق، وجدته في أثره هلعة، غير مصدقة ما يقوله غراب البين الميكرفون.
- يا ولدي يا يونس، قولي ايش اللي سمعته..
كان يونس قد رجع من نهاية الزقاق، لم يشاهد أحداً في الأزقة، خاف ورجع، ثنى يده كم الساعة الآن، ود لو رسم على معصمه العاري ساعة تشير إلى العاشرة، قالت جدته:
- استنى لما تطلع الناس من بيوتها.
وابتلعت حزناً كبيراً، والميكروفون يوزع تحذيراته "انتبهوا. انتبهوا" يسمح بالتجول من الساعة العاشرة وحتى الساعة الحادية عشرة" وفي لحظة واحدة تقيأت البيوت الناس، حتى الأطفال الرضع زحفوا إلى عتبات البيوت، عالم ينفلت مرة واحدة لا يدري إلى أين يتجه.
الناس تحدق في عيون الناس، كأنهم يتعرفون إلى بعضهم من جديد، القهر، الاكفهرار، والصمت يلتصق بالوجوه، وجوه الناس مرايا الناس والكل واجم وكأن أيام الكفر حلت بالمطارح، وكأنهم جاءوا إلى الدنيا مذعورين ضاق الزقاق بهم، لم يبق في بيته غير الأستاذ فهيم وعائلته، يزعق على غير عادته:
- أنا قلت ما حدا يطلع بره، ساعة ويرجع المنع.
وصوت زوجته.
- يا رجل، الأولاد زهقوا، تعقدت عروق أبدانهم، سيبهم يشوفوا وجه الله.
صوت ينعر في فضاء الزقاق خشن مهدد، لولا خروجه من بيت الأستاذ لما صدق أحد أنه يصدر عن حنجرة الأستاذ فهيم:
- اقفلي الباب، وإذا طلع واحد من الدار تكوني طالقة.
انخرست دار الأستاذ فهيم، وارتسمت ابتسامة باهتة على فم أم خليل، ودمدمت أم صابر "الله يحط الصلح بينهم" ثم معاتبة "هو هذا وقت طلاق وفراق، الدنيا مطلقة حالها يا ناس"
وانخضت العجوز فقد انفلت يونس بعيداً عن الزقاق.
- يونس يا يونس، الله يغضب عليك..
خافت من دعواتها، الغضب يمشي في الشوارع وانطلقت خلف الصبي, ونادت أم خليل على ابنتها:
- يا حسنة خلي عينك على أخواتك، وطلى على عمك أبو محمود.
وانطلقت مع سميرة إلى الشارع، فيما قبض الغاوي على يد ابنه الصغير وأخذ يذرع الزقاق جيئة وذهاباً، ويخاف من عودة آلام عظام الخاصرة، تشنجت أصابعه، صرخ الصغير فارتخت أصابعه، وحبس دمعة تخلقت في غور بعيد.
"كدت أكسر يدك يا ولدي، هل يكسرونها جوعاً أو ضرباً، تكبر بيد مقصوفة" جلس على عتبة الدار مهزوماًَ، وأخذ يراقب الزقاق رأسه بين ساقيه، حياه الجعباص، رد التحية من بين ساقيه، انتبه إلى صوت زوجته:
- يا راجل روح هات حاجة للأولاد.
رفع رأسه، قتلتها سحنته المقلوبة، لم يع شيئاً قالت:
- خذ بالك من الأولاد، أنا رايحة أجيب شوية خبز وبرتقال.
نظر إليها مستطلعاً، أوضحت:
- الناس ترمي من وراء السلك خبز وبرتقال.

***
لم يبق أحد في البيوت، ساعة واحدة ويعود الحشر، البحر من ورائكم والأسلاك من أمامكم، الناس يندفعون باتجاه الأسلاك حيث الجنود والهروات والبنادق، الناس تأخذ حاجتها من الخبز والبرتقال والخضار، بعض من هم خارج الطوق أتى بطناجر الطبيخ ساخنة.. وعليّ يكلفه فجأة بتنظيم الناس، فالعلاقة بينهما لا تتعدى بعض النقاشات، وتبادل الرأي، عليّ يقفز بالعلاقة من حدها النظري إلى العمل..يتسلل علىّ من الطوق ويتركه يقلب الأمر في تنفيذ مهمة لا يعرف عنها شيئاً، يسمح بالتجول ويرى الناس وقد انتظمت عفوياً، كل يعرف ما هو المطلوب منه، بدون الرجوع إلى الأفكار والنظريات والكتب، الناس اليوم يضعون النظريات، التجربة تفرض نفسها ها هم يأتون بهدوء يقدمون بهدوء ويغادرون بهدوء، ويفرضون الدهشة على الجنود، ينمو شيء في داخله، يتبرعم الجماهير خامات أصيلة، وفعل الجماهير أسس لم يدرسها في الكتب، وها هو يتعلمها من الناس الذين قفزوا من بطن الخوف إلى دائرة العطاء، خجل من نفسه وتساءل هل نظروا إليّ واكتشفوا ذعري وأنا خلف محمد موسى في الساحة، هل شاهدوا الأستاذ خالد، صاحب الخطب والمساجلات وهو يلقم الأرض. فيما محمد موسى يستمد صلابته من الناس. قال لسميرة التي وقفت بالقرب منه:
- نصبر على هذا الحال شهور.
قالت سميرة مبهورة:
- شئ فوق التصور
- عليّ كان يدرك هذه الأشياء.
امتلأت اعتزازا ولهفة شوق، فيما شرد خالد بعيداً يفكر في الآتي، قبل أن يتسلل عليّ قال له:
- كل بيت خارج الطوق، مكلف بإطعام بيت داخله.
كدت تهزأ من عفويته واعتزازه بنفسه، ومن تفكيره المثالي، وكأن الناس يلتصقون به ويقدمون ما يطلب، وكأنهم يعانون من التخمة، ما عليهم غير طرد الفائض من بيوتهم، وكأن فائض القيمة اختبأ في البيوت الواطئة، لم يكن الوقت يسمح بالحوار واختفى عليّ. وها هو يرى النساء تحمل الأشياء وتقدمها لأول يد تمتد، لم يحضر أحد خصيصاً لأحد، أي إنسان يعطي أي إنسان، حتى البرتقال المحرم تتناقله الأيدي، كيف وافق أصحاب البيارات، وهل استأذنهم عليّ في ذلك، لا أهمية لذلك اليوم، فالناس تزرعه وتحرثه وترويه والناس اليوم تأكله، يبتسم، هل تحققت نبوءة طبيب اليونسكو الزائر الذي أذهلته الأمراض المتفشية بين التلاميذ قال:
- كيف تنتشر كل هذه الأمراض والبرتقال يملأ البلد.
البرتقال يذهب بعيداًَ، أنت تأكل من برتقالنا في بلدك أكثر منّا، نحن نراه أكثر منك وتخدمه فقط.
قلت للطبيب يومها:
- عندما نأكل برتقالنا تغادرنا الأمراض، وتنتفي أسباب زيارتك.
هل بطلت اليوم أسباب الزيارة؟ وأخذ ينظر إلى الجنود، آلاتهم جامدة، على امتداد الأسلاك، ولفت نظرة تسرب بعض النساء من ثغرة في السلك، كاد يبصق عليهن ولكنه أحجم، من حق الناس أن تخاف على الصبايا تحت وطأة شرف العائلة، البنات شرف علينا أن نخاف عليه ونبعده عن الخطر، تتسرب النساء والرجال باقون، سيدركون يوماً أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وانتبه على صوت سميرة:
- الجنود يبعدون الناس عن الأسلاك
الجنود ينهالون على الناس بالهروات وأعقاب البنادق، يدرسون البرتقال والخبز والناس يبتعدون عن الأسلاك، والحجارة تنهمر باتجاه الجنود، وأصوات الأطفال توزع الأغاني. سحب سميرة واختفيا في أحد الأزقة، وأخذا يرقبا الجنود والناس وعلى مقربة منهم الجنود ينهالون على الجعباص يدوسونه بالأحذية ويدقون لحمه بأعقاب البنادق، الجعباص يتأوه ويصيح:
- أكل للبغل يا خواجا.
جبهته مشطوبة، وجهه معفر بالتراب ينهض ويسقط تحت وطأة الضربات.
- كيس يا خواجا.. خبز.. برتقال.
أصوات أطفال تصدح في المكان.
"ولا يهمك يا جعباص بكرة الخواجا ينداس"
صعدت الابتسامة خجلى على شفتيها، تود لو تخبئ كل الرجال في صدرها. همست:
- الأغاني تولد على شفاه الأطفال، شوف يونس يقود الصغار، وقذائفهم أغاني وحجاره.
- أغاني الصغار بشاير أمل يا سميرة.
أعذب الأغاني تخرج من الصدور الطفلة، موسيقى الملائكة أيام الطوق، تذوب أصوات الأطفال في الأزقة، والجعباص متماسك على رضوضه
يبتعد عن الجنود، وصوت الميكرفون ينعق في الشوارع.
"انتبهوا. انتبهوا على الجميع البقاء في البيوت حتى إشعار آخر"
***
أخذت أم صابر تدلك الرضوض والكدمات في وجهه ورقبته، وتتمتم بالتعاويذ والدعاء، عيناه تدوران مع حركة أصابعها على جسده، تتحجر الدموع في عينيه، أن تأتيه أم صابر رغم الحصار أقوى من كل الدموع، انقلب على بطنه مستسلماً للعجوز، جست كتفه فعض الوسادة، وضاعت الصرخة في الحشايا، ولم يشعر بدخول أم خليل التي جاءت تساعد أم صابر، تجمع عضلات الكتف، يدان عفيتان قالت أم خليل:
- يومين وكل شئ يروح في طريقه، اللزقة تسحب الوجع إن شاء الله.
أم صابر تنظر إلى باب الحجرة تنادي.
- مالك خجلانة، تعالي اقعدي.
دخلت حسنة ورقدت بجانب أمها وقالت بحياء:
- سلامتك يا جعباص
الكلمات تتجمد على لسانه، نظره يتوزع بين النساء، آه يا حسنة رضوضي وأوجاعي تهون من أجلك قال أم صابر تهون عليه:
- البغل أكل وشبع.
ثم أكملت ترد على الحيرة في عينيه.
- جمعت قشر البرتقال من الزقاق، يكفيه علف يومين.
هدأت دقات قلبه، وارتفع الدق على الحائط الذي يفصله عن بيت الغاوي قال:
- دقي يا حسنة، الرجل قلقان عليّ ومن ساعة ما وصلت وهو نازل دق وأنا مش قادر أرد عليه.
دقت حسنة بقوة، فرد عليها الدق من الطرف الآخر، ووصل صوت الغاوي:
- الحمد لله، الجعباص بخير، قدر يدق
سعدية ابنته تقول:
- الظاهرة عنده ناس، أقوم أشوف يمكن يلزمه شئ.
قال الجعباص:
- صرت أنا والغاوي في الهوا سوا، ظليت أضحك عليه واليوم وقعت في المحظور.
ابتسم في وجه حسنة.
- الغاوي أكل بوز بسطار وأنا أكلت كتيبة بساطير.
وضعت سعدية صحن العدس في زاوية الغرفة وجلست بجانب حسنة:
- كيف حالك يا جار، قلقانين عليك، والله أبي ما هو عارف يقعد.
قالت أم خليل مماحكة:
- اللي خايف عليه، يشرف يشوفه ويطمئن عليه
عقبت أم صابر:
- خرعوه الله يخرب بيتهم، مين يصدق أن الريس الغاوي يتغير، سبحان من غير الأحوال.
وقامت تمسح الزقاق، وأشارت للنساء فتسللن كل إلى دارها.

**



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الطوق - 3 -
- رواية الطوق -2 -
- رواية الطوق - 1 -
- هموم انسانية خلف غيوم رمادية قراءة في رواية غيوم رمادية مبعث ...
- الملح يتخثر عند حواف القصيدة
- امرأة مشاغبة حتى التعب
- رسائل الزاجل الأسير إلى عنود الليالي
- في وداع محمود درويش
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 4 -
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 3 -
- بطاقات إلى امرأة تعرفني - 2 -
- بطاقات إلى امرأة تعرفني
- رسائل الزاجل الأسير إلى هناء القاضي
- جنة ابوبها موصدة
- الدوران حول مركز الالتباس
- رسائل الزاجل الأسير الى بشرى ابو شرار
- رحلة ذكور النمل
- ظلال الأرقام الرمادية
- الهبوط من بيت الأثير - الفضاء السابع والأخير
- بيت في الأثير - الفضاء السادس


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية الطوق - 4 -