أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نصير عواد - إعادة إنتاج الحادثة















المزيد.....

إعادة إنتاج الحادثة


نصير عواد

الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 07:07
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


عن دار نينوى للدراسات والنشر صدر للكاتب نصير عواد كتاب بعنوان (إعادة إنتاج الحادثة) تناول فيه بنية الحادثة وتمضهراتها في اليومي والثقافي. فدراسة الحادثة لذاتها منفصلة عن الأسباب والنتائج، عن الماضي والمستقبل، عن ثنائية الشكل والمضمون، مهم للحادثة قبل أي شيء ولا يلغي قدرتها على الترابط والتأثر والتأثير. الحادثة مادة التاريخ. وإنّ التأثير الذي يمارسه التّاريخ على وجودنا المتنوع يتجلى في تنوّع التعامل مع الحوادث التي أصبحت ليس حكراً على المؤرخ فقط، فتطور الحياة الاجتماعيّة وتنوّع صراعاتها جعل من الحادثة أرضاً تتقاطع على تربتها نوايا واتجاهات مختلفة. وحتى تلك الحوادث التي لا تملك اتجاهاً فهي لم تنجُ من التأويل والتهويل. وكلاهما صّيرتها الأغراض نهباً للجميع، السياسي والتاجر والمثقف ورجل الدين والعالم والمؤرخ وغيرهم، وموزعة على أكثر من اتجاه سياسي وأدبي وفلسفي. الحادثة تقع على الأرض ثم تنتهي، ولا يمكن التلاعب بتفاصيلها دون أن يترك ذلك أثرا في بنيتها، وأي تلاعب أو استبدال لعناصر الحادثة في الزمان والمكان والأفراد سينتج حادثة مجاورة؛ أي أن عناصر الحادثة هي حدودها على الأرض. ولكن بعد وقوع الحادثة ووضوح عناصرها تبدأ أغراض الرواة بالعمل على إبراز هذا العنصر أو ذاك لتحديد طبيعة الحادثة التي ينبغي روايتها. الحادثة تقع على الأرض وتنتهي ومن ثم تستمر على ألسنة الرواة. غير أن الحادثة التي هي على الأرض ليست كما هي في الرأس، وهي في الرأس ليست كما هي على الورق، وهي على الورق ليست كما هي عند القارئ، في دورة لا تنتهي من إعادة الإنتاج. يقع الأمر على الأرض جغرافياً واجتماعياً وسرعان ما يتحول في رؤوس صنّاعه ورواته، السياسي والشاعر وإمام المسجد وربة البيت، إلى صور وأفكار يتم استدعاؤها كلما تطلب الأمر ذلك. وعملية التحول من الواقع إلى الرأس تشبه عملية التدوين التي توثق روح الخبر لا تفاصيله كاملة. ومن هنا فإن قوة الحادثة لا تأتي فقط من روايتها على ألسن صنّاعها أو من تكرار روايتها على ألسن متنوعة وفترات متعددة أو على كمية الصدق الذي تحتويه، على الرغم من أهمية ذلك، بل ومن الاختلافات التي تنطوي عليها تلك الروايات ومن تنوع
الإجابات على الأسئلة التي تعرضها الحادثة
لقد تناول الكاتب بالتفصيل تسيسس الحادثة وتقديسها وسردنتها. السياسة لا تحاكي أية موضوع مثلما تفعل مع التاريخ المتضمن حركة المجتمع وحوادثه على الرغم من أنهما معاً ،الحادثة والتاريخ، وسيلة لبلوغ أهداف السياسي ليس إلا. وعناصر الحادثة /الزمان،المكان، الأفراد/ وجودات لا تخدم على الدوام استعجال الغايات السياسية، فعند السياسي يكون التحليل هو الروي وفيه يتم استبدال بنية الحادثة السردية وعناصرها الداخلية بأدوات التحليل (السبب والنتيجة) نشهد فيه ظروف أسباب وقوع الأمر وارتباطه وتأثيراته في غياب الأسماء والأمكنة التي وقع فيها، وأحياناً تحليلات مجردة ومترابطة دونما حوادث وكأنه يبحث في أفكاره وليست في الحادثة. الأسلوب الهادف والمخلص في عرض الواقعة وتوضيح الجهود الفعلية والهوية الطبقية لصانعيها ليس بالضرورة محقاً وأميناً ومقنعاً للجميع من جهة، وأخرى فإن اختلاف حقيقة وقوع الأمر عند السياسي عنها عند صانعيها سيجعلها غير حادثة ويوفر شروطاً مثالية لإعادة إنتاجها. فقد يكون ما يعرضه السياسي أحياناً غير الذي في وجدان العامة بسبب اختلاط مواقف السياسي المسبقة وأفكاره الجاهزة بحوادث حقيقية وقعت تدفعه إلى ربط الحادثة، ذهنياً، بغيرها من الحوادث أو تشبيهها بأخرى سبقتها اختصاراً للوقت والجهد في التحليل والإقناع، ما يجعل منها موضع شك واختلاف عند الآخرين. لقد تناول الكاتب في القسم التطبيقي من كتابه مذكرات وسيّر بعض السياسيين من مثل الشيوعي العراقي زكي خيري في كتابه(ذكريات زكي خيري) والمناضل المصري الدكتور رفعت السعيد في(مجرد ذكريات) والوزير العراقي السابق توفيق السويدي في(نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية).

عند الإسلامي الحادثة ما أن تقع حتى تكون صدى لأخرى سبقتها، وكأنها هي الأخرى لها أنساباً في الماضي؛ أي أنها ليست جديدة بدروسها ودلالاتها بقدر ما هي جديدة بوقوعها في الزمان المحدد. وستكون مفهومة ومقبولة أكثر كلما تداخلت وتواصلت مع التراكم المؤسس له على الحادثة الأصل (المقدسة) المسيجة بتأريخ من الشواهد التي تدعو إلى الأيمان والعزة.وفي الحياة اليومية تكون الحادثة المقدسة هي التي تعطي المعاني ولا تأخذها من اليومي والعابر، وكلما يبست الحادثة ازدادت قدسيتها وابتعدت عن واقع الحياة اليومية لتحضر في عبرة أو مثل أو حكاية. رغم إن الحادثة المقدسة غالباً ما تكون محددة بالزمان والمكان المعلومين إلا أنها لا تخضع لذلك شأنها شأن الحوادث الإلهية المتحررة من زمنها، وتتسع في فقدانها ملامحها الأساسية، وهذا ما نتلمسه بغزوات النبي(ص) والفتوحات الإسلامية وحادثة التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان و واقعة (الطف) المأساوية بكربلاء وغيرها. وقد توقف الكاتب في دراسته التطبيقية لتقديس الحادثة عند العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته (مذكرات ابن القرية والكتاب).
إنّ حقيقة وقوع الأمر وتنوّع صُنـّاعه ورواته ليست كل المشكلة، فذلك سيتوقف بالنهاية على أساليب السرد وتقنيات التوصيل. فتحول الحادثة إلى نصوص ذات هاجس أدبي أو فني على حساب التفاصيل الحقيقية لوقوع الأمر غالباً ما يحولها إلى نصوص نثرية أو شعرية تدمج الواقع بالمخيلة المبدعة تبدو فيها العناصر الداخلية لحقيقة وقوع الأمر في الزمان والمكان والأفراد، ليست هي حدودها النهائية. فعندما يتسلل الزمان إلى أزمنة راحلة أو قادمة، وعندما يتشظى المكان إلى أمكنة حقيقية ومحتملة، وعندما يتداخل وجه البطل في زحمة الأقنعة والخيالات فإننا بالنتيجة لا نحصل على الحادثة بل ظلها وصداها. فالسرد المعتمد على إزاحة العناصر من الواقع صوب الخيال يتطلب أجواء غرائبية وخيالا خصباً ولغة عالية التراكيب وقدرة على السرد وكل ما من شأنه إقناع القارئ بجمالية الحادثة وليست بحقيقة وجودها. وقد تناول الكاتب في دراسته التطبيقية سيرة الشاعر صلاح نيازي(غصن مطعم بشجرة غريبة).
في دراسته المطولة عن بنية الحادثة لم يتوقف الكاتب عند الأسماء العالية الرنين للسياسيين والمثقفين والوزراء فقط بل وكذلك عند ربة بيت وهي تسرد حكايتها. حكاية الأميرة بديعة ابنة الملك علي وحفيدة الشريف حسين بن علي، الشاهدة الوحيدة على مذبحة العائلة المالكة ببغداد منتصف القرن الماضي. وتطرق الكاتب إلى رواية الحادثة بين الضحية والجلاد، فالاستماع إلى رواية الحوادث من فم الضحايا فقط،غالباً، ما يوصل القارئ إلى الرتابة الناتجة عن التعاطف والمواقف المعروفة سلفاً،وبالتالي الإحساس بفقر المشهد بسبب إهمال دور الأطراف الأخرى في رواية حقيقة ما وقع. الجلاد هو الراوي الأكثر عبثية بين الرواة، إلا أن روايته أكثر أهمية للتاريخ وللحادثة من عواطف الضحايا ومن التحليلات السياسية والتأويلات والاستنتاجات التي تعقب الحدث أو تلك التي زامنته وهي بعيدة عنه. رواية الجلاد فيها اختصاراً للجهد والوقت في دفع الحادثة من خانة الحكي إلى حبر التوثيق، مستعينة بالتفصيلات الصغيرة المعذبة للضمير وبالأسماء الراقدة في صمت النسيان وبالأمكنة التي عرفها الراوي والتي تعد من العناصر الأساسية لاكتمال صورة الحدث ومده بالحياة والبقاء، معطوفاً على الأسباب والتبريرات التي وقفت خلف ارتكاب الفعل.
وكذلك توقف الكاتب عند الطوائف والمجموعات التي تعيش معزولة أو بعيدة عن الحواضر وكيفية تناولها للحادثة ورواية حكايتها الجماعية أو كما سماه الكاتب في فصل من فصول الكتاب( مذكرات المجموعة) مبينا أن صغر حجم الحادثة أو كبره يحدده دورها في حياة الآخرين وإن كانوا أقلية معزولة ولا يوجد ما يؤكد أن الحوادث التي لا تلبي حاجات الآخرين مصيرها الفناء والنسيان.



#نصير_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- َظاهِرة الأدب الشَخصي عند العراقيين
- العراقيون ومهرجان روتردام للفيلم العربي
- طف كربلاء.. الحادثة التي أتت عليها أحوال
- حروبنا الأهلية..بين سوريا والسعودية
- ثلاث هُجْرات..ثلاثة حُرُوب..ثلاثة عُقود
- المنفى .. دليل كاظم جهاد إلى دانتي
- الإرث إلاسماعيلي.. وأحزابنا السياسية
- الحركية .. ومواسم التحليل
- إبحث للمبدع عن عشرين عذر


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نصير عواد - إعادة إنتاج الحادثة