أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - اندحار قلاع الصبر في(جولة في مملكة السيدة..هاء..)لعدنان حسين أحمد















المزيد.....

اندحار قلاع الصبر في(جولة في مملكة السيدة..هاء..)لعدنان حسين أحمد


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 07:40
المحور: الادب والفن
    


[يجب أن تعني القصة ليس فقط الكلمات ولكن ما هو وراء الكلمات]..بورخس.
كل قاص يقول ما لديه من أشياء بطريقة تحقق رغبته من جهة ومن جهة أخرى رغبة شريحة لها اتصال غير مباشر معه،لا تجيد فن القول،بل تمتلك قدرات معرفية على الاستيعاب والفهم من خلال القراءة،طالما النص حسب تعبير ـ تودوروف ـ/مجرد رحلة خلوية يجلب فيها الكاتب الكلمات بينما يجلب القرّاء المعنى/..منذ البدء يسحبنا القاص (عدنان حسين أحمد)إلى واقع مختلف مشوش،تختنق فيه الوقائع عبر لغة تنزلق كثيراً عن المحور قبل أن ترتد كالسهم إلى قلب الحدث،فالوصف كما يقول ـ فلوبير ـ/ لا يأتي بلا مبرر،بل أن كل مقطع من مقاطعه يخدم بناء الشخصية وله أثر مباشر أو غير مباشر في تطور الحدث/ تنثال لغة القصص بطريقة إرهاصيه تستفيد من شعرية الماضي لخلق التوتر الملائم للحدث واقتحام ذات الشخوص وبالتالي تعبر عن حالات إخفاق واندحار لتشكل إرهاصات القاص ومعاناته أبان ظروف قاهرة أجبرته اللجوء إلى الجنس لينغمس فيه قبل تحرير غضبه واحتجاجاته،من خلال قراءة متأنية نكتشف أن القاص يرى الشهوة صرخة الجسد عند وجود دافع أو أزمة نفسية،والشهوة هي بوح من ملاذ آمن،يستوعب المسكوت عنه طالما الوضوح يقود صوب المهالك،كل شيء يتسربل بالشهوة والعبث واللامعقول وهذا بطبيعة الحال سؤال صارخ بوجه الحياة،قد يحاول القاص من خلال رؤيته الاقتراب من وجهة نظر ـ غوركي ـ/أن الأدب الروسي هو أدب السؤالين..من المسؤول..؟وما العمل..؟/يريد القاص تحميل الواقع وأصحاب السيادة مسؤولية الانحدار والدمار الذي لوّث النفوس وجرد الإنسان من فطرته العقلانية،فـ(هدى)عاشقة،لا غبار على عواطفها،كائن جميل مسكون باللوعة وسعة أحلام،لكن القدر يرميها ضحية في أحضان زوج غائب،زواج غير متكافئ بين نقيضين،رغم انسلاخها عن ماهيتها نراها ملتصقة بجذورها،تريد أن تنمو،لا أن تشكل(شر لابد منه)تسقط في بركة الإثم لحظة تنهار قلعة صبرها،يخاطر القاص حين يترك القارئ في حيرة،نجد أن الحبيب في (أنقرة) هذا ما تأكده المهاتفة بينه وبين أمه،رغم وجود دليل أخلاقي بيد(هدى)النائمة في مدينة تبعد بأيام عن الحبيب المتلبس بالإثم،ثمة سؤال لابد منه:ماذا يريد القاص من هذه اللعبة..؟.أنه قول بطريقة ملغزة أو بوليسية بحاجة إلى تحري طالما مغاليق القضية قابلة للتأويل..(وصال)أيضاً نسخة من(هدى)ضحية زواج قسري،فـ(حميد الناصر)يشبه زوج (هدى)في غيابه وثقل تواجده،وأن (أحمد محمد الناصر)هو القرين لـ(عبد الهادي)عشيق (هدى)ومثلما يشتركان (هدى وعبد الهادي)لدحر الحياة الرثة،كذلك يقومان العشيقان(وصال وأحمد محمد الناصر)بقتل الزوج ورميه في الماء،حالة القتل كما هو معروف لن يحصل ما لم تتهدم قلاع الصبر،وما فعل الإثم لدى(هدى)وحالة القتل عند(وصال)سوى انتفاضة للخروج ـ بعد نفاد الصبر ـ من واقع مشلول يغرق تحت مداميك ماض خانق لمّا يزل سلطة الأب واضحة الهيمنة عليه،تنسحب(نسرين)إلى الضحيتين(هدى)في ـ جولة في مملكة السيدة هاء ـ و(وصال)في ـ أسرار مملكة الوهم ـ لكن (نسرين)في ـ نخلات السيد معصوم ـ تنكس لواء أرادتها على ما يبدو أن صبرها ما يزال فيه متنفس،تزوّج قسراً وتمنح العاشق(ماجد الخالدي)فرصة صياغة القرار ورسم لوحة المصير،طالما سبقها في نفاد صبره وانهيار قلعته،في لحظة اهتياج قصوى يندفع نحوها،يقتلها وينتحر،ثمة معادل موضوعي يلجأ القاص بدراية إليه،هذا اللجوء منح قصته مصداقية وواقعية،كما يعرف أن الكوارث(آيات للسائلين)فسقوط النخلات رمز الشموخ والأصالة تحت عصف الريح هو سقوط رمزي يقابله سقوط أخلاقي،وكل سقوط هو نهاية مرحلة،يعني انهيار ثابت استوفى شروط بقاءه،ففي عالم القص،أيّة وسيلة لاستفزاز الذائقة أو ابتزازه من خلال خلق نص مشوش لابد من مبرر،لأن كل كاتب لديه قضية وفي متناول يديه جملة رؤى وأساليب لقولبة ما يريد إيصاله إلى الآخرين عبر فن القول،ومن حقه المراوغة والغموض وصياغة أقنعة مموهة لتلافي التابوهات،النصوص لن تعطي نفسها بسهولة،لأن القاص يحاول جهد مسعاه عبور المسالك الوعرة على حساب فنية العمل،وهذا ما يدفع القارئ نحو أبواب التأويل وضياع الكثير من الحقائق التي يريدها القاص،لكن السؤال :هل يجب أن تنهار أخلاق..؟.هل بات الحب يتحكم بإرادة الإنسان..؟.فسقوط ـ نخلات السيد معصوم ـ له مبرر،أنه انتصار زمن ودحر زمن نفد صبره مثلما انتفضتا(هدى ووصال)بعد نفاد صبريهما والمغامرة لاقتحام عالم يرفض تحويل الإنسان إلى سلعة استهلاكية تتحكم بها مخالب الأبوّة،اللجوء إلى وسائل القتل تعبير واقعي عن الفشل والاستلاب وانحدار الأخلاق وانهيار قلاع الصبر،وما قلق الشخصيات سوى تعبير عن صرخة نهائية لتحطيم السدود المقترحة للخروج من مأزق الوجود،وحين ينشغل القاص بصياغة متاهات للتمويه أو مسالك لعبور التابوهات لابد أن يترك وراءه مفارقات أو خروقات في جسد النص،فالعاصفة كما جاء في القصة تقتلع ـ نخلات السيد معصوم ـ وتزيل أسيجة وتخلف دماراً ملحوظاً كيف غاب عن ذهن القاص أن ورود(ماجد)تنجو في حديقته من مخالب العاصفة،ونجد أنه يجلس بارد الأعصاب كمن يفكر بقدوم حبيبته لا كمن هو في طريقه لقتلها،علماً أن علم النفس التحليلي يؤكد أن القاتل أو المنتحر قبل وقوع الفعل يمر بأزمة نفسية حادة وتوترات ذهانية،بل أنه يقطف وردة ويشمها،لابد أن صبر(ماجد) لمّا يزل في لحظات تلاشيه،قد تكون مشاكسة من القاص قبل إنزال الضربة الفنية،هل يمكننا أن نستدل أن قطف الوردة هو قطف(نسرين)..؟ ثمة مفارقات قد يريد منها القاص إضفاء السخرية على قصصه طالما هو يسبح في بركة واقع آسن،فأسماء الشخصيات تحمل دلالات إيمانية رغم غرقها في برك الشهوات(عبد الهادي،هدى،وصال،حميد الناصر،أحمد محمد الناصر،موسى،حسين،السيد معصوم،نسرين،ماجد الخالدي،حامد،هيام بنت عبد الله،أحمد العامري،عبد الله،جلنار،عبود،ذكرى عبد المجيد،حسن،وداد،يسرى،نجوى،جيهان،سندس،هند،عادل،عبد العزيز،حميد،جوان عبد المنعم)هذه الموازنة تمنح القصص فرص متكافئة طالما الحياة تقف على طرفي نقيض خير وشر،لم امرأة مثل(هدى)تردد /يقضي الله أمراً كان مفعولا/ في وقت تستعد للسقوط في بركة الإثم بغياب الزوج،التضمينات القرآنية والنفحات الإيمانية،ربما هي أسئلة القاص وحيرته كونه يعيش في موقع مثخن بسلطة الماضي وفروضات الأب،يستعين القاص بجمل جاهزة قد تكون هي من مخلفات عصر الرومانسية،مثل /ألفاه طافحاً بالأنوثة والشهوة القاتلة/..جمالها الهستيري/..جمالها الجحيمي/..نظرتها الشبقية الفاحشة،جذوتها الجنسية اللاهبة/..بعريها الناري/..جغرافية الجسد المحروم/..ردفين رجاوين..فخذين مدورين لساقين لفاوين رشيقين/..هذه التوصيفات قد تأتي هادمة للنص لا خادمة كما يظنها القاص،وربما هو تعبير صارخ لذات القاص تجاه واقعه العليل،وربما طريقة مبتكرة لقول المسكوت عنه،كون الشهوة مباحة في ظل الدكتاتوريات،بالتالي يقلب القاص أسفل الواقع لرسم المشهد الحياتي،فهو يريد أن يقول هذه إفرازات سياستكم يا سادة،في معظم قصص المجموعة يتسلل القاص أو يتوارى خلف شخوصه،يدفعهم بجرأة قول الذي يريد قوله هو،التحرك بحرية كما كان ينشد،فهو محمل بإرهاصات وكبوات وحيف،يرفض واقعاً يسجن الذات ولن يسمح للمرأة التعبير عن خلجاتها والنظر صوب آمالها،مجتمع ذكوري،سيده المطلق الرجل الشهواني الذي لا يتورع من ارتكاب الخطيئة والقتل لمجرد نزوة عابرة،مجتمع محكوم بالعذاب،لكن للصبر حدود كما يذهب القول،والصبر مصباح الذات حين ينفد زيته ينطفئ الذات ويستحيل الضمير إلى قرش فتاك،يتخبط بحثاً عن إضاءة أخرى،من هذا المنطلق يبدأ القاص رحلة رصد الظواهر المتباينة لشخصيات مشاعة تقف على حافة الهاوية،رغبة هذه الشخصيات هي رغبات للخروج من براثن الماضي،تريد حياة متحررة،وربما هي محاولة لقتل الغضب في الذات تجاه صنّاع القرار،كون الشهوة غضب الجسد والتنفيس الملائم للهروب من المصادمات العلنية،في القصص تجاوزات علنية،علاقات مفتوحة،أزواج لا مكترثون،قتل،خيانات،لا نجد توافق بين الأزواج وهذا دليل اللاتكافئ في ربط المصائر،الزواج القسري لابد أن يولد صدامات حياتية تستحيل إلى عاطفية، لأن ثمة عاشق في مكان قريب،والعشيق في التفسير المنطقي هو المطر المنهمر على قلب يبغي الربيع،في القصص ورود بتشكيلاتها(القداح،الوزال،الخزامى،الجوري،شقائق النعمان،الرازقي،الياسمين،أرجوان،النرجس/..هل يعني هذا أن القاص يريد أن يوحي بتواجد الأمل،والمغامرة لابد منها،تعبير منطقي عن جمالية الحياة ونبل مشاعر الشخصيات،وقد تكون انتباهه ذكية من القاص لجعل هذه الأشياء الجميلة معادل موضوعي لما في القلوب من رغبات وأغان مقابل كمية الشر المستفحل فيهم،أن حالة جلوس(جندي)في أخدود أرضي هي حالة يأس من الواقع وإفرازاته،ينسلخ من مكانه روحياً ليستحضر (هيام بنت عبد الله)أليس هروبه من واجبه كمقاتل هو أدانه صريحة للحرب،الجندي يريد الحياة،يريد الخروج من مأزق وجوده العقيم،ينشغل في لحظات سماوية مع الفتاة الهابطة كملاك فوق المنبسط المائي قبل أن يأتي واجبه كمطرقة أبدية تهوي على كل انفلات من مسالك القهر والاستلاب المقرور،النهاية مقنعة،هي فرصة أنفلات بحثاً عن ملاذ ـ بعد نفاد الصبر ـ لا يغفل القاص الرتوش المكملة للوحة الجمال والسلام،يستعين بـ/البلابل،العنادل،الحلزون،العصافير،النوارس،الكلب،الذئب،السلحفاة،الجرذ، الأسماك،الثعابين،الحمام،الخيل ،القرش،الحيتان،الغزلان/..تأتي القصص عامرة بالحياة،الرجل والمرأة..النبات والطير،لا يبرح القاص الواقع،يمازج جغرافية المكان بتقويم الزمان،يلتقط أمكنة مثل /السعدية..خانقين..الأعظمية..جلولاء..كلار..كوكس.. الإصلاح..أنقرة/..قد نكتشف مفارقة حين نضع الجمال والشهوات التي يوصفها القاص في ميزان هذه المدن ـ باستثناء أنقرة ـ إذ ليس من المعقول أن تحتضن مدن غير معروفة على المستوى الجمعي مثل هذه الاضمامات الجسدية والرغبات الراقية،نجد الحلول من خلال قراءة متأنية،ومن خلال نظرة شاملة لسيكولوجية البشر على وجه البسيطة،فالمشاعر والشهوة والصبر هبات فطرية تتقاسمها الإنسانية،وكل إنسان ينظر من خلال واقعه ويفكر منطلقاً من بيئته،والحب من وجهة نظر امرأة قروية هو نفس الحب عند سيدات المجتمع الراقي،والشهوة ضراوتها واحدة وأن اختلفت سبل تصريفها،والقاص وعى ذلك وتعامل بحساسية مع دمج التضاد ورسم الحلول الملائمة لكل حالة أو سؤال،يريد أن يخبرنا القاص من خلال تشابك الأحلام أن العالم بات رهن الأصابع لا كما كان رهن الخيال،فالبشر متساوون متساندون تؤرقهم ذات الأحلام وتختلج فيهم ذات الرغبات،وليس للمكان من تأثير على الرؤى أو تحجيم الأفعال طالما الفطرة الإنسانية هي وقود الزمن،للمكان أيضاً صبر،فكم من مكان زال وأقيم على أنقاضه أمكنة أكثر تحرراً،أجمل وأشمل بصرياً،من هنا نجد أن (قلعة الصبر) هي محور قصص ـ جولة في مملكة السيدة هاء ـ الصبر الآيل للتلاشي جراء رثاثة الأمكنة ورداءة الأزمنة،في ـ رأس يأكله العث ـ والرأس مستودع الحواس،صندوق آيل للانفلاق عند وجود عوارض أو انتهاكات،نجد القاص يتواجد داخل فرن واقعه بلا تكليف أو تهويل،يرسم مشهداً مقارناً للضياع والعبث،الشخصيات تستسلم وتتفق أن المصائر مكتوبة،ليس ثمة داعي للمغامرة،ورغم وجود مفارقة مقصودة نلتمس مصداقية فنية،هذا ما مطلوب من كل كاتب كونه شاهد عصر سيمضي ولسان حال واقع لا يثبت،هو من يبسط الحقائق ويفرزن الأشياء المتداخلة،وليس في بال قارئ اليوم قتل الوقت أو الهروب من جحيم الواقع كما كان سائداً في زمن ما،لديه من الوعي ما يؤهله لخرق النص وقول رأيه ربما يطابق أو يخالف واضعه،وقارئ اليوم يتسلح بثقافة (سمعية ـ مرئية ـ مقروءة)وهو يبحث عن مكان تواجد كونه يسبح في حوض الواقع المدان،بطبيعة الحال ليس من الضرورة نقل التفاصيل بدقة متناهية كون الزمن يقترح التقاط الشفرات وتأهيلها لضخ الحياة بوقود مساندة لا مربكة،ومن هنا يمكننا أن نصرح أن ليس كل حدث يصلح أن يكون نصاً قصصياً وأن توافرت المقومات،لأن ما قيل من قصص ضاع،وظلّ الكل يتدثر بمعطف(غوغول)ويصغي لـحوذي(تشيخوف)..باستثناء ـ رأس يأكله العث ـ تشترك وتتقاسم القصص المرأة والرجل،في قصة ـ الوريث ـ يستفيد القاص من ـ برومثيوس ـ حين يمنح بطله فرصة سرقة النار الإلهي إرضاء لـ(جلنار)يفلح في تطويع اللغة لخلق أسطورة بشفافية عالية،مسترسلة، ثمة إشارة لابد منها،تبدأ القصة بواقعية قبل أن تنقلب إلى ميتافيزيقيا،كان بإمكان القاص الإشارة إلى زمن مؤهل للقص،أو استخدام وسائل إيعاز أو تنبيه أوان الانتقالات كون الأسطورة لا تستند على إيهام وغموض وألاعيب فكرية،ولولا الإنقطاعات المعرقلة لحركة السرد لجاءت ـ الوريث ـ أسطورة واقعية فيها من منافذ التأويل ممكنات ومتاهات،يخبرنا القاص أن الأب عنين،وهذه الصفة يشتركان بها زوجي(هدى ووصال)فعقم الواقع يعقم بشره،وتشترك قصة ـ كوة الخلاص ـ مع قصة ـ حلم مرمري شفيف ـ في حالة واحدة،الترقب والانتظار،الشخصية أيضاً تنفلت من قلعة المكان ـ بعد نفاد الصبر ـ يهرب صوب ـ سيدة الغزلان ـ لقاء وجداني يحصل،يرسمه القاص بلغة تنهل من الشعر لتفعيل الحماس وجر القارئ صوب النهاية،وهي بطبيعة الحال مفارقة من مفارقات القاص والتي لا تنتهي بانتهاء قصته،غالبا ما تكون عنيفة كسقوط قذيفة مثلاً،الكل يبغي الانفلات من سذاجة الواقع من سجونه من جموديته،مهما كانت السبل،خيانة أو قتل،سكر أو انتحار،كثيرون يرون أن قصة اليوم تنبذ الإنشائية،كون الثيمة تفقد الكثير من قوتها أو صدمتها،داخل طنابة اللغة وتشفيراتها السجعية والتورياتية،وبات العقل محاصراً بانحسار الزمن كونه في شغل دائم،وليس ثمة مجال للتأويل،بيد أن ظروف قاهرة تدفع الكاتب اللف والدوران وربما تسويد صفحات من أجل تمرير جملة غضب واحتجاج،على رأي المثل القائل(المشي شهر ولا عبور نهر)هذه الدوافع أنتجت نصوص استعانت بالشعر كي تأجج المواقف وخلق الموازنات بين سائر الفنون،جاءت قصص ـ جولة في مملكة السيد هاء ـ تسبح على بحر من الكلمات الشعرية اللاهثة،كلمات تم رصفها كما لو أنها قصائد قصصية أو قصص شعرية،يلتقط القاص حكاية واقعية في ـ سر اللازورد ـ(حسن)يحب(ذكرى عبد الحميد)سرعان ما ينقلب على عقبيه وبلا مبرر ليقع في هوى(نسرين)ولكن هل يعني انقلاب الأمزجة ـ نفاد صبر ـ رغبة للانفلات من زمن إلى زمن أكثر أغراء،نجد تسلل القاص إلى ذات الشخصيات جلية،عندما نتوقف عند / قال في سره ـ قالت في سرها /تعبر هذه القصة عن اندحار الإنسان وانسلاخه من جذوره أو ذوبان أرادته وفقدان مفتاحها وهو الصبر،ليغدو كائناً قلقاً تتناوشه أو تستهويه رياح التغير،يحشد القاص كوكبة من النساء في ـ رجل تطارده النساء ـ مسكونات باللوعة محترقات بالحب،يتهامسن ويتغامزن بما فيهن من كلام شهوة،ثمة سؤال :هل بوسع فتاة من واقع مخنوق أن تبوح علناً بما تختلج فيها من التياعات الغرام أمام(عبد العزيز)دون جوان الكاتب..؟.أم أنها حالة فقدان أو ـ نفاد صبر ـ امرأة تبغي الخروج عن مألوف العادة،أما (وداد)تشكل امتدادا لـ(هدى ووصال وربما نسرين أيضاً) كونها ضحية لزواج غير متكافئ وأن (وداداً)تنجب مسخاً يلتهم كل شيء إلاّ(هي وعشيقها)يقودنا هذا التطرف في نهايات القصص إلى حالة واحدة،الهروب من الواقع أو ما أطلقنا عليه ـ نفاد صبر ـ والقصة القصيرة لا تحتمل الاشتغال على ترميزات مختلقة لا تدنو من الواقعية المشاعة أو تبث ثغرات أو نوافذ إلى قلب المراد قوله،حرص القاص من خلال شخصيات سأمت الحياة الراكدة،انهارت قلاع صبرها واختارت الثورة كحل حتمي للخروج من المأزق،كل على طريقته ووفق رغبته،طوت القصص إدانات صريحة وبطرق مختلفة عن واقع حال المجتمع والسلطة،ولا أعرف كيف سمح القاص أن تنفلت من بين يديه بعض الثوابت الحياتية، مثلاً السماح لـ(ماجد الخالدي)أن يقتل (نسرين)ويذهب إلى المنزل وينتحر،كان الأجدر أن يؤهله فنياً ويجعله الانتحار قرب (جوليتته)ليغدو (روميو)آخر في كتاب العشاق،ولا أعرف كيف سمح بذلك إلاّ إذا كان هناك بقايا صبر في كيانه المتزعزع،وكيف جعل من (حسين)أن يرتدي هنداماً وهو في حالة سكر قصوى،يجد سيارة يقودها بهدوء ويتعرف على (موسى) في ـ رأس يأكله العث ـ ربما قصة ـ النافذة ـ لا تحتاج لهكذا أسلوب شعري انسيابي،لتكملة فنيتها،فرسالة (عادل)لا تشكل سوى قدر عابر تناوشته الأقلام في أزمنة الرومانسية المنقرضة،ولا تختلف ـ فصول موحشة ـ عن بقايا أخواتها(جوان)ضحية(عماد)ترتبط مع(عبد المنعم)بعلاقة خارج بيت الزوجية،في صالة رقص يتم اللقاء والمكاشفة،قد لا تنسجم هذه الأجواء مع الواقع،كونها من مخلفات العصر الباروكي والصالات الباريسية المفعمة بالخيانات والدسائس،ربما هذا يؤكد ما أسلفنا من وصف حول رؤية القاص للعالم من خلال دمج التاريخ بالجغرافية وتلبيس الشخصيات رؤية موحدة دون اللجوء كما يفعل المؤرخون إلى التقسيم الأتنوغرافي للصفات والمشاعر،وما يجري لـ(جوان وعبد المنعم)هو ما جرى لشخصيات القصص من محاولة تدمير الذات القديمة والدخول إلى عالم الحلم واللذة والضوء الساطع بطبيعة الحال بعد ـ انهيار قلاع صبرهم ـ يتضح لنا من خلال هذه القراءة الشخصية أن القاص ربما بوعي أو بلا وعي قد ألتقط فواصل حيوية عند أصحاب النزعات التدميرية لجماليات الحياة،مرعبة هي الصور التي يرسمها القاص،وهذا يعني أن الملكة الشعورية للقاص مثخنة تنزف الدم بدل المداد،وهذا ما يؤكده ـ كوليردج ـ /أن الشعور هو الذي يمنحك الصور/وهل يعني أن القاص حقق بجمالية محكمة ما ذهب إليه ـ مارغاس يوسا ـ/أن القصة القصيرة هو فن الكذب/..!!
***
* جولة في مملكة السيدة هاء/قصص ـ عدنان حسين أحمد ـ دار أزمنة 1996 عمان .



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصة(أحماض الخوف)ل(جليل القيسي)
- لا كلب ينبح بوجه مولانا
- ما رواه عبيدال//قصة قصيرة
- من أجل سلّة رغيف
- أحزان صائغ الحكايات..حين يفضح النقد أسرار السرد
- خوذة العريف غضبان//مونودراما//
- مواسم الهجرة إلى الأمان
- تلك من أنباء القرى التي أنفلت
- الرابح يأتي من الخلف
- ربّاط الكلام
- أين موقع أنكيدو
- شاعر البلاط الرئاسي
- من كتاب اللعنات
- تحقيق الرغبة في رواية(غسق الكراكي) لسعد محمد رحيم
- إلى ذلك نسترعي الإنتباه
- الأوراق لا تأتي في خريف الرغبات
- رب نافعة ضارة أيضاً
- امرأة الكاتب العراقي
- الصديق الأخير
- فن النصر


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - اندحار قلاع الصبر في(جولة في مملكة السيدة..هاء..)لعدنان حسين أحمد