أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جادّة الدِعَة والدّم 2















المزيد.....

جادّة الدِعَة والدّم 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 06:28
المحور: الادب والفن
    



عقدُ عصبة الزقاق ، المكوّنة من لدّات من جيلي ، إنفرط أخيراً ما أن بلغ كلّ من أفرادها سنّ الثالثة عشرة . إنه سنّ البلوغ ، بطبيعة الحال . قبل ذلك بأعوام ، جدّ المصير نفسه لعصبة أخي الكبير ، " جينكو " ، التي تشتت في كلّ مهبّ . أدهشني بعدئذٍ أن يصطفي شقيقي صديقاً ألدّ منافس له ؛ وهوَ " ناسو " ، رأس عصبة زقاق " آلرشي " ، المُندثرة بدورها . " الرَزّيْ آنيْ " ، التي يا ما شهدتْ وقائع تلك العصبتين ، اللدودتين ، على الإستئثار بها ؛ جنة الطفولة هذه ، المُنهملة بوداعة على الضفة اليسرى للنهر ، ما عادتْ المكان الأثير لأيّ منا ، نحن صبيَة الحارَة : الضفة اليمنى للنهر ، بالمقابل ، أنيبَ لها كشف حاصل مراهقتنا وسرّها ؛ بما أنها تحتبي الجادّة الأنيقة ، المخترَقة بشارع " إبن النفيس " ، الحديث ؛ أين تنهض في مبتدئه مدرسة البنات " السادسة " ، الإعدادية . في منتصف هذا الشارع ، كان يقوم مبنى مدرسة " إبن العميد " ، الإعدادية ، المنذورة لفحولتنا المُذكّرة . بين تلك المدرستين ، كان يمور بحرٌ لجبٌ من العواطف المتأججة ، جنباً لجنب مع نهر " يزيد " ، الهاديء ، المتناهي بالقرب من كلّ منهما .

***
ـ " تعالَ وإستند بظهرك إلى السبّورة "
ـ " حاضر ، أستاذ .. "
ـ " ولكنك ، على كلّ حال ، لا تتحرّك من مكانك ؟ "
ـ " حاضر ، أستاذ .. "
ـ " قلتُ لكَ إقترب من هنا ، يا ولد ! "
ساخطاً ، صرخ معلم مادة التاريخ بزميلنا " أبي خضرا " ، الفلسطينيّ الأصل . هذا الأخير ، كان أحد مشاغبي الفصل ، المعروفين . تشبّثه بمكانه ذاك ، الأماميّ ، الكائن قربَ المقعد الذي يضمّ مجلسي ، كان له سببٌ وحيد حسب : إذ وبصفتي متفوّقاً بتلك المادّة ، كان المطلوب مني الإسهام في غشّ الأستاذ ، الصارم ، عن طريق الهمس للمُتحن بالمعلومات الصحيحة ، المطلوبة . الأستاذ " ترجمان " هذا ، كان إلى ذلك متاثلاً طبعاً آخر ، حميماً ؛ ألا وهوَ الإسترسال في التأمل خلال الإختبار ، المُعيّن ، حدّ الإغفاء . على أنه ، وبالصدفة المحضة ، لمحَني وأنا أقدّم لزميلي ذاكَ المؤونة التاريخية ، فما كان منه إلا أن تدخل بسرعة وحسم . إتجه إليّ ، هذه المرة ، موبّخاً : " الإجتهاد وحده ليسَ كافياً ، ما لم يُدعّم بخلق سويّ ! " . حقّ لي أن أعتبرَ من قول المعلم ، وألا أسهمَ في الغش ثانية ً . بيْدَ أنّ وقوع الزميل نفسه ، المُشاغب ، في موقفٍ آخر ، مُشابه ، ما كان متصلاً بي قط . ففي يوم تال ، إتفق أن طلبَ الأستاذ " ترجمان " من ذلك الطالب التقدّم للمُشافهة بأحد الدروس . إستوى هذا على قدميه في مقدمة الحجرة متململاً ، ممسكاً بأذنه اليمنى وكأنما يشكو من حكةٍ داهمة . سرى في الفصل عندئذٍ ما يُشبه الهرَج ، فإعتقدَ المعلم أنّ زميلنا يقوم بحركاتٍ مُضحكة . " ما بكَ ، يا هذا ؟ ولمَ تلعب بأذنك طوال الوقت ـ كالمعتوه ؟ " ، سأله الأستاذ وهوَ يتناهض إليه بتثاقل . حينها إضطرّ الطالبُ المُشاغب إلى إرخاء يده ، فإنفجر الصفُّ جميعاً في هأهاةٍ مديدة ، مجنونة : كنا على علم ، منذ البدء ، بما دهَمَ زميلنا ؛ هوَ الذي طفق في آخر كلّ حصّة على رسم سالفيْن ، إصطناعيين ، بوساطة قلم " كوبيا " ، كيما يبدو قدّام طالبات الإعدادية ، العابرات في الجادّة خارجاً ، بمبلغ الشاب المُكتمل النضج .

***
علاقة الزمالة بين طلبة الصفّ ، عموماً ، كانت غريبة عن أيّ نعرةٍ أثنية أو مذهبية . وبالرغم من حقيقة ، أننا نحن أبناء الحيّ ، الكرديّ ، كنا نشكل دوماً أغلبيّة تلاميذ المدرسة ، إلا أنّ صلتنا كانت وديّة بالبقية ؛ من شراكسة ودروز وعلويين وفلسطينيين . هؤلاء الأخيرون ، كانوا بعددٍ مُعتبر في الشعبة التاسعة ، من صفنا السابع ، وبينهم بعض ذوي الكنيات الكرديّة ، المعروفة ، ممن توثقت أصرة صداقتنا بهم . أستاذ الرياضة ، المتواضع ؛ " هايل " ، كان فلسطينياً أيضاً ، وله شعبية كبيرة بين الطلبة ، خصوصاً لحماسته في تشكيل منتخب فريق كرة قدم قويّ ، مناسب ، من طلبة المدرسة ، لكي يخوض المباريات لاحقاً مع المدارس الاخرى . في إحدى المرات ، شاء تلاميذُ صفنا إستقبال المعلم المحبوب بأنشودة " فدائي " ، الحماسية ، التي كانت وقتئذٍ تتردد بشكل دائب في الإذاعة والتلفزيون . مبهوتاً ، تسمّر أستاذنا على عتبة الباب ، وراح يُنصتَ لنا دونما أيّ إشارة أو نأمة منه لإيقاف النشيد الصاخب ، الهادر . دقيقة اخرى ، وبوغتنا بدورنا بالحضور المرعب ، العاصف ، لمدير المدرسة ؛ " عبد الوهاب كيكي " ، والذي أخرسنا فوراً . هذا المدير ، المُستحق من الطلبة لقبَ " أبو جهل " ـ لصرامته ، طبعاً ، لا لجهله ! ـ طفقَ يحدج أستاذ الرياضة بنظرات جانبية ، مُنتقدة ، ثمّ ما عتمَ أن أشرعَ عصاه بوجوهنا ، مُستهلاً العقاب المألوف ، الجماعيّ . ولكنّ الحالَ بين كرد وفلسطينيي فصلنا ، الدراسيّ ، صارَ إلى منقلبٍ آخر ، عدائيّ ـ أو مريبٍ على الأقل ؛ بعدما قتِلَ مدرّبُ أشبال " فتح " في وقتٍ لاحق من تلك السنة ، وإتهِمَ " جينكو " وعدد من همشريّته بالجريمة .

***
ذروة التوتر في الفصل ، كانت ولا ريب ، عندما يشرَع المديرُ بنفسه إجراءَ تفتيش دقيق ، دوريّ ، بحثاً عن الأسلحة الفردية ـ كالأمواس والمدى والمطاوي . عتاة الصفّ ، الذين فشتْ فيهم كلمات المثل ، المعروف : " كرديّ بلا سلاح ، كرديّ بلا شرف ! " ؛ همُ بطبيعة الحال ، المعنيون بتلك المُداهمة ، الموصوفة . وكان مديرنا لا يقلّ صرامة إزاء الطلبة الآخرين ، المُتنعّمين ، المعتادين على شكشكة أناملهم بالخواتم المُفضضة ، أو تزيين نحورهم بالسلاسل الذهبيّة . المصاغ ، كان يُعاد إلى صاحبه في آخر الدوام مشفوعاً بالتوبيخ والإنذار . أما الأسلحة ، فكانت تصادر على الفور مع تنبيه للطالب المعنيّ بإحضار وليّ أمره ، وربما يتبع ذلك فصله مؤقتاً من المدرسة . إبن " حمو ليلى " ، كان من أشدّ الطلبة شراسة في مدرستنا . وبما أنه سبق أن رسَبَ عدة مرات في الإبتدائية ، فلا غروَ إذاً أن يظهرَ بمبلغ الرجال ؛ خاصة صدره ، المتبدي خلل فتحة القميص مُشعراً . لقد حصل المرة تلو الاخرى على الفصل المؤقت ، وبسبب حمله السلاح بالدرجة الأولى . ولكنه لم يرعو ، البتة . الموجّه " خشّة " ، الميدانيّ الأصل ، كان قد جعل هذا الطالب ، المُشاكس ، محط مراقبته ، الدائمة : حينما آذنت اللحظة ، المناسبة ، أمسكَ أخيراً بإبن " حمو ليلى " بالجرم المشهود ؛ وعندئذٍ طردَ من جميع المدارس ، الحكومية. عبثاً كانت توسلات والده ، الشيخ الوقور ، أمام مدير مدرستنا ؛ ما دام قرار الفصل ، الرسميّ ، قد مُهرَ من لدن مدير التربية .

***
ـ " يا " خشّة " ، العقور ! أتجرؤ على طردي ؟ "
هتفَ إبنُ " حمو ليلى " بغريمه ، على حين فجأة ، ما أن إنتصبَ أمامه على رصيف الشارع وكان في طريقه للمدرسة . دقيقة على الأثر ، وهتافٌ آخر صارَ يتناقله كلّ تلميذٍ في الجادّة ، بصوتٍ صارخ : " قتِلَ " خشّة " .. ! " . ولكنّ موجّهنا ، المسكين ، ما كان ميتاً في واقع الأمر ؛ لقد مثل حينئذٍ دورَ الجريح المُخطر ، أو ربما أصيبَ فعلاً بصدمة عصبية . من جهته ، فإنّ زميلنا ذاكَ ، العتيّ ، كان قديراً في إستعمال المديَة . وعلى الأرجح ، كانت نيته بالأساس " التعليم " على خصمه ـ بلغة الزكَرتية . بعد عقد من الأعوام ، كان الزميلُ ، القديم ، في المدرسة ؛ إبنُ " حمو ليلى "، قد تراءى لنا بغتة على شاشة التلفزيون ، الرسميّ ، قبيل إعدامه بقليل . ظهرَ وعلى وجهه كدمات التعذيب ، في مقابلةٍ مع مذيع شابّ ، معروف بدماثته ولطفه ، أوكلتْ إليه مهمّة قذرة ؛ ألا وهيَ حضّ المقبوض عليهم من أعضاء " عصابة الغدر والخيانة " على الإدلاء بمعلومات ، مُفبركة ، ومن ثمّ الطلب إليهم إستسماح " الأبّ القائد " أن يعفو عن جرائمهم ، المزعومة : وكما يعلم القاصي والداني ، في حيّنا ؛ فما كان لزميل الأمس هذا ـ غيرَ المُتديّن أصلاً ـ أيّ علاقة بتنظيم " الأخوان المسلمين " . كلّ ما في الأمر ، أنّه فرّ إلى الأردن خوفاً على نفسه ، إثرَ ملاحقة إبن عمّه بتهمة قيادة التنظيم في دمشق . ولكنّ المسكين ، لسوء حظه وتقديره ، عاد إلى الوطن بعيدَ مقتل القريب ، المطلوب ، في كمين لرجال الأمن ، معتقداً أنه أضحى بمأمن من التعرّض للإعتقال ـ كرهينة ، كما هيَ العادة ، المُتبعة ، والتي ما فتيء يُعمَلُ بها منذئذٍ .

للسيرة بقيّة ..




#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَراكش ؛ ساحَة الحُبّ
- نزار قباني ؛ نموذج لزيف الدراما الرمضانية
- لن تطأ روكسانا
- مَراكش ؛ مَلكوت المُنشدين والمُتسكعين
- فلتسلُ أبَداً أوغاريتَ
- ثمرَة الشرّ : جادّة الدِعَة والدّم
- برجُ الحلول وتواريخُ اخرى : الخاتمة
- العَذراء والبرج 4
- العَذراء والبرج 3
- العَذراء والبرج 2
- العَذراء والبرج *
- الطلسَم السابع 6
- محمود درويش ، الآخر
- الطلسَم السابع 5
- الطلسَم السابع 4
- زمن السّراب ، للشاعر الكردي هندرين
- الطلسَم السابع 3
- الطلسَم السابع 2
- دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
- الطلسَم السابع *


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جادّة الدِعَة والدّم 2