أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدّين بن عثمان - تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الأوّل















المزيد.....



تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الأوّل


عزالدّين بن عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 10:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تمهيد:

الصّهيونيّة إيديولوجيا تتغنّى بنجاحها في تحقيق إنجاز شبيه بالحلم؛ هذا ظاهرها ولكنّ باطنها شيء آخر سأحاول توضيحه. أوّل من استعمل كلمة صهيونيّة، علنا، كان ناثان بيرنباوم Nathan Birnbaum في فيينّا ليلة 23 جانفي 1892 لكنّ الصّهيونيّة السـّـياسيّة بدأت مع نشر كتاب هرتزل يودنشتات (Judenstaat) سنة 1896 ثمّ أقيم المجلس الصّهيونيّ الأوّل لاحقا (في العام نفسه) إلاّ أنّ الفكرة والتـّـنظيم الصّهيونيّين كانا موجودين في أوساط الحاخامات والمثـقـّـفين اليهود قبل ذلك بكثير فقد سبق هارتزل في التـّـنظير لدولة إسرائيل الكبرى صهاينة عديدون كانوا يعيشون في ألمانيا وروسيا وبلدان أروبيّة أخرى. وتتمثـّـل كتابات الصّهاينة قبل وفي عهد هارتزل عن البحث عن طرق عمليّة يستطيعون بواسطتها بناء دولة في فلسطين وطرد الفلسطينيّين منها. وقد رسّخت تلك الكتابات فكرة "المشكل اليهوديّ" إذ زعمت أنّ حياة اليهود في أروبّا لم تكن طبيعيّة لكنّ الحقيقة هي أنـّـهم رأوا ضعف الامبراطوريّة التـّـركيّة وتخلـّـف المسلمين فأرادوا أن يفوزوا بنصيبهم من كعكة الرّجل المريض كغيرهم من البلدان الاستعماريّة. ولا يمكن فهم الصّهيونيّة إلاّ بالنـّـظر إلى الأوضاع الدّوليّة في سنوات 1800 ـ 1890 فقد استمرّ النـّـشاط الصّهيونيّ لتسع عقود قبل أن تتـّـخذ الصـّـهيونيّة شكل منظـّـمات عديدة متعاونة فيما بينها منتشرة في معظم بلدان أروبّا وفي أمريكا. لكنّ بعض الكتابات ترجع فكرة الصّهيونيّة إلى القرن الرّابع عشر وهذا قول حوله أختلافات كثيرة إلاّ أنّ الأمر المؤكـّـد أنّه كان يـُستعمل قبل هارتزل وفي روسيا بالتـّـحديد تعبير "هبة زايون" (Palestinofilstvo). وفي هذا النـّـصّ لن يكون بمقدوري الإتيان على تاريخ الصـّـهيونيّة بأكمله لأنّ الصّهيونيّة متشـعـّـبة إذ يقسـّـمها الدّارسون إلى صهيونيّة ما قبل تأسيس إسرائيل وصهيونيّة ما بعد تأسيسها ولأسباب أخرى منها:
ـ أنّ الحركة الصـّـهيونيّة تتمثـّـل في منظـّـمات عالميّة عديدة يفوق عددها الإثني عشر واتـّـحادات كثيرة تنشط في كلّ بلد تقريبا، وهذه يصعب الإتيان عليها كلـّـها.
ـ أنّ المنظـّـرين لها كثر؛ يعدّون بالمئات أو الآلاف لئن حسبنا الصّهاينة المسيحيّين.
ـ أنّ الصّهيونيّة فيها تيّارات مختلفة منها الصـّـهيونيّة الثـّـقافيّة التي ينظـّـر لها آشر غينزبارغ الذي يسمّى أيضا آهاد حاءام (Asher Ginsberg or Ahad Ha am) والصّهيونيّة الاجتماعيّة التي ينظـّـر لها بر بوروشوف (Ber Borochov) والصـّـهيونيّة الدّينيّة التي ينظـّـر لها الرّبابنة (جمع ربّان Rabbi) والأحبار والحاخامات من أمثال كوك ورينس (Cook, Reines) والصـّـهيونيّة القوميّة أو المراجَـعـَــة التي ينظـّـر لها جابوتنسكي (Jabotinski).

أمّا السـّـبب الرّئيسيّ الذي يجعل المهمّة التي اتـّـخذت على عاتقي عسيرة للغاية فهو أنّ الكتب والمنشورات الصـّـهيونيّة تعدّ بالملايين ولا يمكن الاطـّـلاع عليها جميعها أبدا، كما أنّ معظم المنـّـظمات والاتـّـحادات الصـّـهيونيّة تتوخـّـى السـّـريّة وتعتمد على نصوص غير منشورة وتقول بأفكار ليست معروفة سوى في أوساط المنتمين إليها. ولكي أوضـّـح هذا للقارئ أذكر ما يقوله الباحثون من أنّ أرشيف الصـّـهيونيّة في القدس يمتدّ ميلا أو أكثر. كلّ كتاب وكلّ مقال نشره صهيونيّ موجود في ذلك الأرشيف؛ بالتـّـالي نستخلص منذ الوهلة الأولى أنّ إسرائيل كيان صهيونيّ متمسّك بجذوره الصـّـهيونيّة. وأفيد القارئ أنّ من مؤرّخي الصـّـهيونيّة شوكولوف الذي كان يكتب إبـّـان الحرب العالميّة الأولى وكذلك بومه (Böhme) الذي وضع كتابا عنوانه "Zionishtische Bevegung" وفيه أرّخ للصّهيونيّة حتـّـى سنة 1920. وكلّ كتب التـّـاريخ التي درست الصـّـهيونيّة كانت متعاطفة معها وقليلا منها فقط أوضح طبيعتها العنصريّة كما أنّ الكتابات الحديثة تتغنـّـى بنجاح الصـّـهيونيّة وتقول إنـّـها لم تكن غريبة الأطوار أو مثاليّة. وفي كلّ سنة يجتمع اتـّـحاد الصـّـهاينة المسمّى "المنظـّـمة الصـّـهيونيّة العالميّة" ZIO في مدينة أروبيّة أو أمريكيّة ليناقش المخطـّـطات السـّـياسيّة والماليّة والثـّـقافيّة التي من شأنها أن توصل الصّهاينة إلى غزو العالم والسـّـيطرة عليه. وليعلم القارئ أنّ الصّهيونيّة صارت معقـّـدة جدّا بعد سنة 1917 ثمّ صارت منتشرة انتشارا واسعا في جميع أنحاء العالم لتشمل حركات دينيّة غير يهوديّة مثل المبشـّـرين البروتستانت الذي يسمّون أنفسهم الإنجيلييّن وحركات علمانيّة أو شيوعيّة تنادي بتوحيد العالم تحت قيادة واحدة. ويصعب الحديث عن الصـّـهيونيّة من دون التـّـعرّض لتاريخ فلسطين وذلك يجعل مهمـّـتي عويصة للغاية. لكنّي لن ألجأ إلى وضع تأريخ كرونولوجيّ كما يفعل البعض فذلك يحيـّـدني عن التـّـحليل.

في الحقيقة كان الصـّـهاينة عبارة عن قبائل منغلقة على نفسها بالنـّـسبة لبقيّة العالم لكنـّـها متعاونة إلى أبعد الحدود وتزعم أنـّـها تمتلك الحكمة. أمّا وسائلها في فرض نفسها فتتمثـّـل في الانتشار عبر المال والتـّـحكـّـم بالأسواق الماليّة والتـّـجاريّة وتلجأ إلى الإجرام والقتل من أجل فرض سيطرتها. وفي مقابل النـّـشاط الصّهيونيّ المنظـّـم والمكثـّـف نجد العرب والمسلمين، وهم أكثر عددا، مشتـّـتين ومتصارعين ومهمـّـشين لأنـّـهم لا يتعاونون. اليهوديّ يناصر اليهوديّ ظالما أو مظلوما والعربيّ يحطـّـم أخاه العربيّ ولا حرج وهذا يصيب بالدّوخة. ويمكن القول إنّ عددا كبيرا من المثـقـّـفين العرب تبنـّـوا الأفكار الصـّـهيونيّة وصاروا يدافعون عن الصـّـهيونيّة لكونها، في نظرهم، فكرة جيّدة. أمّا الحكـّـام العرب فإن لم يعتنقوا الصـّـهيونيّة فلن ترضى أمريكا بالإبقاء عليهم في السـّـلطة. وليس لديّ شكّ في أنّ بعض الحكـّـام العرب يحضرون بعض جلسات المنظـّـمة الصـّـهيونيّة العالميّة. ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الصّهيونيّة اضطلعت، بعد تأسيس إسرائيل، بتطبيع ذلك الكيان العنصريّ ومنحه مكانة وهويّة بتصوير اليهود كشعب مضطهد لابدّ له من أن يستعيد كرامته في العالم كلـّـه حتـّـى أنّ حكومات البلدان الغربيّة تعمل على تحقيق الأهداف الصـّـهيونيّة كجزء لا يتجزّأ من سياساتها واستراتيجياتها. ومنذ سنة 1948 خرجت الصـّـهيونيّة من طور التـّـنظير إلى طور الفعل والعمل وكانت أولياتها جعل العرب يقبلون بإسرائيل بالرّغم من كلّ ما تفعله بالفلسطينيّين. وحين زار السـّـادات القدس قال إنّ حرب 73 هي آخر حروب العرب على إسرائيل وكأنـّـما اعترف أنّ العرب هم الذين كانوا يحاربون إسرائيل باطلا. وقبل السّادات أعرب الملك فيصل عن تأييده لوعد بلفور، خلال مؤتمر عقد بفرنسا سنة 1919 لمناقشة قضيّة سوريا. وتعمل الصـّـهيونيّة حاليا على فرض قبول إسرائيل وغضّ الطـّـرف عمّا تفعله وهذا القبول لن يتمّ إلاّ بتغلغل الفكر الصـّـهيونيّ في أذهان المسلمين والعرب وفي أذهان العالم بأسره.

البدايات:

يقول ولتر لاكور (Walter Laqueur) في كتابه "تاريخ الصـّـهيونيّة" إنّ الخاصّية الإعتذاريّة لليهوديّة كانت تقليديا من أهمّ أسباب ضعفها ولذلك كانت الصـّـهيونيّة الوسيلة في تصويب ذلك (في التـّـمهيد ص xxviii). وإن كان ولتر لاكور منحازا للصـّـهيونيّة ومعجبا بها فإنـّه يعترف أنّ تاريخ اليهود متأتّ من صفوف الصـّـهيونيّة (بالصـّـفحة ذاتها). وقبل الثـّـورة الفرنسيّة كان اليهود يعيشون في غطـّـوهات لكنّ تلك الغطـّـوهات لم يضعهم فيها المسلمون ولا العرب. وعندما جاءت الثـّـورة الفرنسيّة نادت بعدم التــّـمييز بين المواطنين بما في ذلك اليهود. ولا يخفى على القارئ أنّ آثار الثـّـورة الفرنسيّة قد مسّـت العالم بأسره. استثمر اليهود التـّـغييرات التي حدثت في العالم لتكثيف المطالبة بالتـّـشريعات التي تمنحهم مكانة فصدرت القوانين في بروسيا وفي بلدان أخرى تمنع التـّـمييز بينهم وبين باقي المواطنين. ولم يكن ملك بروسيا مشفقا عليهم وإنـّـما فعل ذلك من أجل تجنيدهم لمحاربة نابوليون بونابارت. وفي تلك الفترة كان اليهود مسيطرين على وسائل الدّعاية كما هو الحال اليوم فقاموا بالدّعاية المكثـّـفة لبروسيا ممّا جعل نابليون يتراجع عن الحقوق التي منحتها إليهم فرنسا. وكان اليهود مكروهين في أروبّا في ذلك العهد لأنـّـهم غير منخرطين في ثقافة أروبّا وكانوا يتاجرون في الخمور خاصّة في بولندا وهم يمتازون بمهارة فائقة في صناعة الخمرة ولم يكونوا ميـّـالين إلى الإختلاط بغيرهم. وفي تلك الفترة كان يعيش في أروبا 90 بالمائة من اليهود ولم يكن بفلسطين سوى أقلّ من واحد بالمائة منهم. وقد استغلـّـوا ظروف الحرب ليصنعوا الثـّـروة بكلّ الوسائل حتـّـى أنّ البعض منهم صار يملك البنوك منهم عائلة أوبـّـنهايم وعائلة روثشيلد وعائلة هيرش. وقد سيطروا على كلّ البنوك في برلين ثمّ دخل الكثير منهم تجارة الجملة والتـّـفصيل وكذلك المضاربة في الأسواق المالية وبالرّغم من السـّـيطرة على الثـّـروة في ألمانيا ظلـّـوا منغلقين على أنفسهم.

عندما تركـّـزت الثـّـروة لديهم برزت نساء يهوديّات كثيرات تجمعن رجال الدّولة والأمراء والأثرياء والشـّـعراء في صالوناتهنّ منهنّ، كما يذكر وولتر لاكور، راشال فرنهاغن، هنريات هارتز، دوروثيا شليغل وفنـّـي آرنشطاين. وكانت تلك الصـّـالونات بعيدة كلّ البعد عن اليهوديّة بل كانت أماكن لتبادل الغرام. كما رافق ذلك اعتناق الانتلـّـيجنسيا اليهوديّة للمسيحيّة فحذّر الرّبابنة من موت اليهوديّة وتعالت أصوات تنادي بتفوّق الشـّـعب اليهوديّ على كلّ الأعراق. وفي سنة 1810 غيّرت أسبوعيّة سولاميت Sulamit اليهوديّة البرلينيّة عنوانها إلى إيزرائيليت (Israelit) وبعد ذلك صار المثقـّـفون يسمـّـون انفسهم "أصحاب الدّيانة الموسويّة". ثمّ عمل الرّبابنة على إحياء العبريّة واليهوديّة الأصوليّة فوُصف الدّاعون إلى اندماج اليهود في الشـّـعوب الأروبيّة بأنـّـهم أعداء لليهود. وفيما كان كارل ماركس ينظـّـر لثورة عالميّة فقد خدم اليهود بذلك إذ جعل انتشار الأحزاب الماركسيّة اليهود الذين يمثـّـلون حكومات في صلب الحكومات الأروبيّة جزءا من الجماهير الثـّـوريّة. وكان فيخته عدوّا لدودا لليهود إذ هو الذي كتب إنّ اليهود يجب تهجيرهم إلى فلسطين أو قطع رؤسهم. وفي تلك الفترة أي منذ 1903 صار كلّ من يكتب عن اليهود يوصف في الصـّـحافة اليهوديّة بأنـّـه معاد للسّامية واليهوديّة. بالرّغم من ذلك كانت الأصوات تنادي بتخليص أروبا منهم كما فعلت إسبانيا عندما قامت بطردهم وأنقذت نفسها قائلة إنّ اليهود قد أفسدوا المجتمعات الأروبيّة وذلك نظرا لأعمالهم السـّـيّئة. وفي مواجهة العنصريّة الأروبيّة التي كانت تـُـمارَس عليهم انقلب اليهود إلى عنصريّين في ظلّ النـّـزعة الرّومانسيّة التي كانت في أوجها في تلك الفترة أي منذ 1798 مع سامويل تايلر كولريدج وويليام ووردزوورث. وما جعل الأروبيّين يعادون اليهوديّة هي نظرتهم إلى اليهوديّة على أنّها تساوي الرّبح والأنانيّة، كما كتب ماركس. ولعلّ القارئ قد فهم أنّه في ظلّ الرّومانسيّة الصـّـاعدة واليهوديّة الأصوليّة نمت معاداة اليهود وكذلك الصـّـهيونيّة.

في سنة 1858 دخل البرلمانَ الأروبيّ أوّل نائب يهوديّ، (Lionel Nathan de Rothschild) ـ (في الحقيقة تمّ انتخابه عدّة مرّات قبل ذلك لكنـّـه كان يُمنع من تولـّـي منصبه لرفضه القسم على الإنجيل). المهمّ لم يلبث أن تكوّنت في بريطانيا أقلـّـية يهوديّة محتكرة للثـّـروة فيها. وفي حقيقة الأمر سيطر اليهود في أروبا الشـّـرقيّة وفي كوبنهاغن وبوداباشت وأمستردام وفي روما، وفي سنة 1848 عمل يهوديّان كوزيرين في الحكومة الجمهوريّة الفرنسيّة، وفي ألمانيا ارتفع عدد النـّـوّاب اليهود إلى خمسة. أمّا في بريطانيا فقد كان الوزير الأوّل ديزرائيلي يهوديا لكنـّـه اعتنق المسيحيّة عندما كان صغيرا. ولعلّ القارئ يعلم أنّ ديزرائلي كان من أشدّ المؤيدين للتوسّع والمحافظة على الإمبراطوريّة البريطانية في الشـّرق الأوسط وآسيا الوسطى. وعلى الرّغم من اعتراض مجلس الوزراء ومن دون موافقة البرلمان حصل على قرض قصير الأجل من ليونيل دي روثشيلد لشراء 44 ٪ من أسهم شركة قناة السـّويس. وهو الذي قال بضرورة الإطاحة بالإمبراطوريّة العثمانيّة وهو الذي جعل ملكة بريطانيا ملكة على الهند.

وتقول الرّوايات إنّه في سنة 1860 تكوّنت في فرنسا منظـّـمة Alliance Universelle Israelite "التـّـحالف العالمي الإسرائيليّ" وهي حكومة يهوديّة عالميّة كان هدفها المرحليّ إنشاء المدارس في المغرب حيث توجد جالية يهوديّة غير متعلـّـمة وكذلك في بلدان منطفة البلقان. وفي سنة 1870 تكوّنت الجمعيّة الأنغلويهوديّة، وفي سنة 1901 تكوّنت جمعيّة اسمها "Deutsche Hilfesverein" بألمانيا، (رابطة المعونة الألمانيّة) وفي سنة 1899 تكوّنت جمعيّة اسمها "ORT" في روسيا، وفي سنة 1871 تكوّنت منظـّـمة اسمها "L Association Coloniale Juive"، أي الجمعيّة الاستعماريّة اليهوديّة، في باريس، وكان هدفها مساعدة يهود أروبّا على الهجرة إلى فلسطين وأمريكا. ومنذ 1848 برز مثقـّـفون يهود يمارسون التـّـأليب ويثيرون الشـّـغب من بينهم أذكر، على سبيل المثال، فيلهالم مار (1819-1904) (Wilhelm Marr) الذي وضع أوّل مرّة عبارة "معاداة السـّـامية". كان المثـقـّـفون واليساريّون اليهود ينشطون في صلب الحركات اليساريّة ليس من أجل تحرير الطـّـبقة العاملة بل من أجل أنفسهم وكانوا يستثمرون الحركات الإنسانيّة من أجل أنفسهم أيضا. وتتلخـّـص فكرة مار في أنّ اليهود لا يمكن أبدا أن يحرّروا أنفسهم من الألمان بالرّغم من سيطرتهم على المال والصـّـناعة في ألمانيا وقد ظلّ يردّد أنّ المشكلة اليهوديّة لا يمكن حلـّـها حتـّـى عن طريق الاستيعاب التـّـامّ لليهود وإنـّـما لن يُحلّ صراع اليهود مع الألمان إلا بإبادة أحد الطـّـرفين أي أنّ انتصار طرف يعني إبادة الطـّـرف الآخر وكان مار يفتخر بأنّ اليهود قد جعلوا الألمان عبيدا وصاروا يمارسون ديكتاتوريّة أمبراطوريّة. وبما أنـّـهم يسيطرون على الأسواق الماليّة فإنّ كساد 1873 قد زاد من مقتهم من قبل الألمان. ويقول بعض الكتـّـاب إنّهم هم الذين جعلوا هتلر يعمل على تصفيّتهم لأنّهم كانوا يتحدّثون عن صراع بين الألمان واليهود إثر صعود النـّـازية سنة 1920. وفي منشور سريّ نشر سنة 1893 تساءل رافائيل لووينفالس (Rafael Lowenfels) عمّا إذا كان اليهود أقرب إلى البروتستنت منهم إلى المتعصّبين المؤمنين بحكمة التـّـلمود وصاغ شعارا ظلّ يردّده: "العام المقبل في القدس"، وقال إنّ هذا اعتقاد كلّ اليهود. وفي نفس السـّـنة أسس منظـّـمة تسمـّـى: الجمعيّة المركزيّة لمواطني ألمانيا ذوي الإقناع اليهوديّ التي تسمّى اختصارا "Centralverein" أو CV. صارت تلك المنظـّـمة أقوى منظـّـمة يهوديّة في ألمانيا إذ بلغ عدد المنتمين إليها 60000 سنة 1926 وكان هدفها القتال من أجل حقوق اليهود، فقد كانت إذا منظـّـمة صهيونيّة على عكس ما تقول بعض الدّراسات. ويمكن القول إنّ الأوساط الأصوليّة اليهوديّة تبنـّـت منذ ذلك العام مبادئ معادية للتـّـنوير وعقائد قائمة على العنف واللاّإنسانيّة.

هذا ما تبنـّـاه الصـّـهيونيّ شايم عزرائيل وايزمان الذي قدم من بلاّروس إلى ألمانيا سنة 1890 ليصبح زعيما للمنظـّـمة العالميّة الصّهيونيّة. لم يحضر المؤتمر الصّهيوني الأول، الذي عقد في 1897 في بازل، سويسرا، لكنّه حضر كل مؤتمر بعد ذلك. وفي سنة 1902، اختلف مع تيودور هرتزل وأسّس الحزب الديمقراطيّ الصّهيوني في بداية 1903. وفي سنة 1904 أصبح أستاذا للكيمياء بجامعة مانشستر وسرعان ما صار زعيما للصّهاينة في بريطانيا. وفي ذلك الوقت قابل رئيس الوزراء آرثر بالفور ووعده بأن يساعده في الحملة الانتخابيّة لقاء وعده بدولة لليهود في فلسطين. زار وايزمان القدس وعندما كان هناك ساعد في تأسيس شركة تنمية الأراضي الفلسطينيّة لكي تقوم بالاستحواذ على الأراضي وتساعد على تحقيق المشروع الصـّـهيونيّ. كما أنـّـه تنقـّـل كثيرا ليقنع اليهود بالهجرة إلى فلسطين وليس الانتظار حتـّـى تتشكـّـل دولة يهوديّة هناك. وقد كان يقول إنّ الدّولة اليهوديّة لا يمكن أن تتأسّس سوى بالقوّة. وفي سنة 1917 تمكـّـن من الحصول على وعد بلفور. ولم يكن منحازا للصّهيونيّة العمـّـالية ولا لما يسمّى الصّهيونيّة المراجـَـعَـة التي أسـّـسها زيييف جابوتنسكي Zeev Jabotinsky وإنـّـما كان توفيقيّا بين الاثنين. وفي الثـّـالث من جانفي 1919 قابل فيصل ملك العراق وأمضى وإيّاه إتـّـفاقيّة صداقة بين العرب واليهود في الشـّـرق الأوسط لأنـّـه كان خائفا من أن تؤلـّـب هجرة اليهود القادمين من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين العربَ عليهم. وبعد 1920 صار رئيسا للحركة الصّهيونيّة العالميّة مرّتين (1920-1931 ثمّ 1935-1946). وفي سنة 1921 عمل وايزمان مع ألبرت أينشطاين على جمع الأموال من أجل إنشاء جامعة القدس اليهوديّة. وخلال الحرب العالميّة الثـّـانية عمل مستشارا لوزارة التـّـموين البريطانيّة كما أنّ ابنه التحق بالحرب كطيّار في صفوف الجيش البريطانيّ ثمّ قتل عندما اسقطت طائرته فوق خليج بسكايا. وقد أصبح وايزمان أوّل رئيس لإسرائيل في عام 1949.

وفي فلسطين تزعـّـم وايزمان منظـّـمة إرغون الصّهيونيّة (المنظمة العسكريّة الوطنيّة في أرض إسرائيل) وهي مجموعة مسلـّحة صهيونيّة نشطت في فلسطين بين 1931 و 1948. وقد أنشئت كفرع لعصابات اليهود المتشدّدين "هاغانا"، أكبر منظـّمة عسكريّة، " معناها الدّفاع". وهذه المنـظـّـمة لاتزال موجودة في الوقت الحاليّ في إسرائيل، ويُشار إليها بتسمية Etzel. وقد كانت إرغون الجناج العسكريّ للإيديولوجيا الصّهيونيّة المراجَـعـَـة التي أسـّسها زئيف جابوتنسكي الذي ذكرته في بداية هذا النـّـصّ. الصـّـهيونيّة المراجـَـعـَـة صهيونيّة عنصريّة متشدّدة. وكان جابوتنسكي ينادي بأنّ على كلّ يهوديّ أن يدخل فلسطين وأن يقيم فيها كما أنـّـه كان يقول إنّ الانتقام وحده هو الكفيل بردع العرب والبريطانيّين، وشعاره: القوّة المسلـّـحة تنشئ الدّولة اليهوديّة. وقد قامت إرغون بهجمات على الفلسطينيّن وارتكبت في حقـّـهم مجازر من أجل إجبارهم على الرّحيل. كما أنـّـها شنـّـت هجمات ضدّ الإنجلير من أجل إجبارهم على ترك فلسطين لهم. من تلك الهجمات الهجمة التي قامت بها إرغون ضدّ الإنجليز تفجير فندق الملك داود في القدس في 22 تموز جويلية 1946 ومذبحة دير ياسين (التي أنجزت بالتعاون مع عصابة شتيرن) في 9 نيسان، أفريل 1948. بالرّغم من سفكها الدّماء لم تعتبرها الحكومات الغربيّة الرّسميّة منظـّـمة إرهابيّة. وقد ظلّ جابوتنسكي قائدا للمنظـّـمة إلى أن مات. ومعظم عناصر إرغون قادمون من منظـّـمة صهيونيّة مراجَـعـَـة اسمها بيطار تكوّنت في ريغا عاصمة لاتفيا سنة 1923. ومن منظـّـمة إرغون تكوّن الحزب السـّـياسيّ اليمينيّ المتطرّف هيروت أو الحرّية الذي صار لاحقا حزب اللـّـيكود.

ولعلّ القارئ قد فهم أنّ الصّهيونيّة الثـّـقافيّة تنادي بعدم اندماج اليهود في المجتمعات الغربيّة وبضرورة تمسـّـكهم بهويّة خاصّة وتقول إنّ على اليهود أن يصنعوا حضارة خاصّة بهم. وللتـّـدليل على أنّ الصّهيونيّة لم تكن سوى حركة استعماريّة أذكر ما قاله الصـّـهيونيّ فريديريك أوبـّـنهايمر من أنّ 95 بالمائة من ثقافة اليهود تتكوّن من عناصر غربيّة وبالتـّـالي لا توجد ثقافة يهوديّة مختلفة. وقد ولد أوبّنهايمر بألمانيا ثمّ ارتحل إلى جنوب إفريقيا ليكوّن شركة أنجلو أمريكان. وقد كان رئيسا لشركة المناجم دا بيرز (Da Beers) التي تحتكر استخراج الماس في جنوب إفريقيا. وهو الذي عمل دون كلل على ضمان تدفـّـق الماس الخام لإسرائيل وكذلك منتجات شركة دا بيرز وهمـّـه في ذلك أن تصبح إسرائيل مركز صقل الماس في العالم وأكبر البلدان المصدّرة للأحجار الكريمة. إلاّ أنّ الحقيقة هي أنّ الصّهيونيّة بعد تأسيس إسرائيل صارت تعمل على دمج اليهود في المجتمعات الغربيّة وذلك لكي يجد الصّهاينة سبلا مؤدّية إلى السـّـلطة وطرقا تمكـّـنهم من التـّـحكـّـم بالمجتمعات. وقد أدرك الصـّـهاينة منذ بداية تكوّنهم أنّ الهيمنة تقتضي احتكار الأموال والسـّـيطرة على وسائل الدّعاية وكذلك السـّـيطرة على الإقتصاد. وهذا ما فعلته الصّهيونيّة بالتـّـحديد: تمكين اليهود من هذه الأشياء الثـّـلاثة حتـّـى أنّ الدّولة التي قد تفكـّـر في طردهم لن تستطيع تعويض الضـّـرائب التي يدفعها اليهود. لهذا السـّـبب نرى البلدان الغربيّة مساندة للصّهيونيّة تعمل على إرضاء اليهود مهما فعلوا وتسعى إلى الإبقاء عليهم. وما قام به الصّهاينة في حقيقة الأمر هو تحويل اليهوديّة إلى حركة سياسيّة أجتماعيّة دينيّة.

في فرنسا استثمر اليهود قضيّة درايفوس (Dreyfus Trial) منذ سنة 1894 ليشنّوا حملات دعائيّة شرسة شارك فيها برنار لازار وهو اشتراكيّ نشط جدّا اعتنق الصّهيونيّة لاحقا. وقد ركـّـزت الصّهيونيّة في فرنسا وغيرها من البلدان على أنّ اليهود كانوا عبيدا للشـّـعوب الغربيّة وقالت إنّ اليهوديّ يجب عليه أن يكون يهوديّا لأنّ الآخرين يريدونه أن يكون كذلك. وفي هذا القول تلاعب لفظيّ إذ المقصود به أنّ اليهود يريدون الاندماج ولكنّ الآخرين لا يريدون ذلك. وهكذا تمثـّـل تكتيك الصّهيونيّة في إتـّـجاهين: رفض الاندماج عمليّا والاستعداد للقتال من أجل الانفصال ومن ناحية أخرى اتـّـهام الآخرين بأنـّـهم هم الذين رفضوا دمج اليهود. نفس الشـّـيء الذي حدث في بلدان اروبّا الغربيّة حدث في روسيا أيضا وفي أروبّا الشـّـرقيّة. في روسيا لئن لم يكن تروتسكي يولي أهمـّـية لديانته اليهوديّة فإنـّـه مثل المئات من أمثاله لم ينسى أصوله اليهوديّة.

العمل الميدانيّ: الاستيلاء على الأراضي والإستيطان:

كان الزّعيم الصّهيونيّ آرثر روبين (Arthur Ruppin) (1876-1943)الملقـّـب بأبي علم الإجتماع اليهوديّ من مؤسّسي مدينة تل أبيب وكان عالمَ اجتماع يهوديّا اضطلع بتسيير مكتب برلين للإحصاء اليهوديّ والدّيموغرافيا من سنة 1902 إلى سنة 1907. وفي 1926 انضمّ إلى جامعة القدس اليهوديّة وأسّس بها قسم علم الإجتماع. وقد لعب دورا بارزا في تعزيز عمليـّـات الاستيطان الصّهيوني على أرض الواقع وفي المؤسّسات الأكاديميّة وقد انضمّ إلى المنظـّـمة الصّهيونيّة العالميّة سنة 1905. وفي 1907 بعثه دافيد فولفزون Wolfsohn رئيس تلك المنظـّـمة إلى فلسطين لدراسة أوضاع الجماعة اليهوديّة المسمّاة ييشوف (Yishuv) وللبحث في إمكانيات إنشاء زراعات وصناعة هناك لكنّه عاد بتقرير متشائم وعرض الحلول للمشاكل التي تعرّف عليها. وفي سنة 1908 قرّر التـّـجمـّـع الصّهيوني الثـّـامن إرساله ليعيش في فلسطين ففتح مكتبا للصّهيونيّة في فلسطين ما إن وصلها Eretz Yisrael Office وكان هدف ذلك المكتب ضمان عمليّات الاستيطان. وقد أسمى عمله ذلك "تطبيق الصّهيونيّة". وكان ذلك المكتب يستقبل أفواج المهاجرين اليهود القادمة من جميع أنحاء العالم ويمكـّـنهم من الأراضي. ونتيجة لعمله صار روبين أكبر وكيل للأراضي وتمكـّـن من الحصول على قرض من أحد البنوك ليبني به مدينة تل أبيب التي كانت قبل ذلك قرية تسمّى أهوزات باييت Ahuzat Bayit. واستطاع الحصول على أراض بطرق مختلفة في عفـّـولة وفي القدس بنى عليها مستوطنات يهوديّة. وقد حوّل اليهود من عاملين زراعيّين إلى ملاّكي ما يسمّى كيبّوتز وهي تعاضديّات صارت أهمّ دعامة في بناء الدّولة الصّهيونيّة. وقد ساعد لاحقا يوهوشوا هانكن Yehoshua Hankin في الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي في الجليل.

لقد تعرّضت هنا لآرثر روبين لأبـيـّـن أنّ الصّهيونيّة كانت في جوهرها تنشط لأغراض مصلحيّة تتمثـّـل في الاستيلاء على الأراضي وجمع الثـّـروة أو افتكاكها من الفلسطينيّين الذين كانوا عاجزين عن فعل أيّ شيء. وكان آرثر روبين ينادي كغيره من الصّهاينة باستحالة إدماج اليهود في المجتمعات الغربيّة لكنّ الكثير من الكتـّـاب الصّهاينة كانوا ينادون بضرورة أن يخضع اليهود للمجتمعات الغربيّة من أجل تحقيق طموح أكبر وهدف تاريخيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الصّهيونيّة الثـّـقافيّة قد تبنّت العولمة لكنـّـها تشدّد على أنّ اليهود يجب أن يكونوا الممسكين بزمام الثـّـقافة العالميّة التي هي بصدد التـّـشكـّـل. وبما أنّ الصّهيونيّة قائمة على الفكرة القائلة بأنّ اليهود هم شعب الله المختار فإنّها تقول بأنّ اليهود يجب عليهم أن يكونوا شعبا خالدا مكلـّـفا بمهمّة خالدة. ولم يكن الجمهور الواسع من اليهود مقتنعا بضرورة الصّراع ونبذ الاندماج لذلك اضطلعت الصّهيونيّة بمختلف تيّاراتها بترغيبهم في الرّحيل إلى فلسطين. وفي أمريكا لم تكن عامّة اليهود تفكـّـر في الرّحيل إلى فلسطين إذ كانوا ينوون تكوين ولاية يهوديّة خاصّة بهم فقط لكنّ الصّهيونيّة أقنعت الآلاف منهم بالهجرة إلى فلسطين عبر الإغراء.

الصّهاينة الأوائل:

تجمع كلّ الكتب والموسوعات على أنّ الصّهيونيّة حركة سياسيّة عالميّة أطلقها تيودور هرتزل سنة 1897 لكن سبقت هذا التـّـاريخ نشاطات شملت جميع البلدان وجميع الميادين تمثـّـلت في إحياء ما يسمّى القوميّة اليهوديّة وهي قوميّة لجموع مختلفة الأعراق واللـّـغات والمذاهب السّياسيّة متفرّقة في جميع أنحاء العالم لا تنطبق عليها تسميّة أمـّـة إطلاقا. ونظرا لإثارة الشـّـغب التي اعتمدها الصّهاينة كأسلوب في تحقيق الأغراض فقد اقتنع حكـّـام البلدان الأروبيّة بضرورة توطينهم في فلسطين وقد وضعت كلّ من حكومتي فرنسا وبريطانيا مشروعين لذلك لكنّ الصّهاينة مضوا في تحقيق مشروعهم بطريقتهم هم. وتعمد الكتابات الصّهيونيّة إلى الزّعم بأنّ الشـّـعار الذي وضعه رفائيل لووينفالس الذي ذكرته آنفا "العام المقبل في القدس" كان حاضرا في الثـّـقافة اليهوديّة وفي صلواتهم لكنّ رافائيل لورينفالس وضع ذلك الشـّـعار سنة 1893 فكيف كان حاضرا في أذهان اليهود قبل ذلك؟ وبما أنّ اليهود قد ساعدوا بروسيا في حروبها ضدّ نابوليون فإنّ نابوليون نفسه نادى بضرورة جمع اليهود في القدس. وممّا ساعد الصّهاينة في حملاتهم الدّعائيّة وفي تحقيق مشاريعهم الشـّـلل الذي أصاب الأمبراطوريّة التـّـركيّة، الرّجل المريض في ذلك الزّمان فقد كان السّلاطنة الأتراك يولــّـون باشاوات غير صالحين لممارسة السـّـلطة حتـّـى أنّ الإمبراطوريّة التـّـركيّة لم يعد لها أيّ نفوذ إداريّ على الأقاليم التـّـابعة لها. وقد نجحت الصّهيونيّة في التـّـرويج لدولة يهوديّة في فلسطين، منذ منتصف القرن التـّـاسع عشر، بالتـّـحديد نتيجة الضّعف والوهن الشـّـديدين الذين أصابا الإمبراطوريّة العثمانيّة. وقد سارعت البلدان الغربيّة وأمريكا إلى إنشاء قنصليّات في القدس بهدف تمكين اليهود من الاستقرار في فلسطين.

لكنّ بريطانيا اتـّـخذت المبادرة الأولى لأنّ إنشاء دولة لليهود في فلسطين يشكـّـل حاجزا بين مصر والأتراك ويضمن هيمنه بريطانيا السّياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة على الشــّـرق الأوسط وكذلك الإجهاز على الرّجل المريض. وقد وجدت الحركة الصّهيونيّة الدّعم الدّعائيّ من البروتستنت البريطانيّين الذي رأوا أنّ من واجب بريطانيا أن تعمل على إعادة اليهود إلى "أرضهم". ولقد ذكرت سابقا الوزير الأوّل ديزرائيلي فبالرّغم من اعتناقه المسيحيّة ظلّ وفيّا ليهوديّته إذ كان يتحسّر على ضياع القدس ويقول إنّ الشـّـعب اليهوديّ شعب قويّ فلو مُنح قيادة قويّة لتمكـّـن من تحقيق كلّ شيء. وفي روايتها "دانيال دوروندا"، 1876، (Daniel Deronda) وضعت جورج إيليت (George Elliot) برنامجا صهيونيّا وقالت إنّ لليهود رسالة لابدّ من القيام بها: الإستيلاء على فلسطين. لقد تعدّدت المشاريع الصّهيونيّة قبل مجيئ هرتزل وتعدّدت الشـّـعارات الصّهيونيّة التي كان هدفها ترسيخ هويّة لليهود منها على سبيل المثال: اليهود ليسوا ألمانا ولا سلافيّين. كما أنّ الحركات الصّهيونيّة مذ أصدر هرتزل كتابه "الدّولة اليهوديّة" عملت على كسب الحكومات العالميّة وإقناع شعوب العالم بضرورة تأسيس دولتهم في إسرائيل.

موسى هاس:

يجمع كلّ الصّهاينة على أنّ موسى هيس Moses Hess كان من الممهـّـدين الأوائل للصّهيونيّة. ولد في بون ، التي كانت تحت السّيادة الفرنسية في ذلك الوقت. اسمه في شهادة الميلاد الفرنسيّة، "Moises". تلقـّـى تعليما دينيّا من جدّه ثمّ درس الفلسفة في وقت لاحق بجامعة بون. وكان في وقت مبكر من دعاة الاشتراكية، لكنّ جذور الصّهيونيّة نجدها في كتابه "روما والقدس" (1862). كما أنـّـه عمل كمراسل لـ"Rheinische Zeitung" وهي صحيفة راديكاليّة أسسها رجال الأعمال (عمل فيها كارل ماركس أيضا). عاش في باريس، ثمّ فرّ الى بلجيكا ثمّ إلى سويسرا مؤقتا بعد قمع ثورة 1848. دعا موسى هيس أصلا اليهود إلى الاندماج في الحركة الاشتراكية العالميّة، وكان صديقا لكارل ماركس وفريدريك Engels ومتعاونا معهما. وفيما بين 1861 و 1863 كان يعيش في ألمانيا فعاد لاستعمال أسمه اليهوديّ واعتنق الدّين من جديد وصار من المعارضين لاستيعاب اليهود. نشر كتابه "روما والقدس" سنة 1861 وفيه فسّر التـّـاريخ على أنـّـه دائرة من الكفاح العرقيّ والطبقيّ. وقد تأمـّـل صعود القوميّة الايطالية والألمانيّة فتوصّل إلى فكرة إحياء القوميّة اليهوديّة. وقد دعا في كتابه إلى إنشاء قوميّة يهوديّة إشتراكيّة في فلسطين، وذلك تماشيا مع الحركات الوطنية الناشئة في أوروبا وباعتباره السّبيل الوحيد للرّد على معاداة السّامية وتأكيد الهويّة اليهوديّة في العالم الحديث. لم يكن لعمله ذاك أيّ تأثير ولم يحفـّـز اليهود على النـّـشاط السّياسيّ لكنّه أصبح مهمّا بعد تشكـّـل الصّهيونيّة فقط. قال تيودور هرتزل إنّه قد كتب Judenstaat (الدولة اليهودية) عندما قرأ روما والقدس. كما أنّ فلاديمير زئيف جابوتنسكي قد تأثـّـر به فأثنى عليه في صلب الفيلق اليهوديّ إبّان الحرب العالميّة واعتبره واحدا من الصّهاينة الذين جعلوا وعد بلفور بتحقـّـق مثله مثل هارتزل وبنسكر Pinsker وروثشيلد. وقد نقل رفات موسى هيس من باريس في عام 1961 ليدفن في مقبرة طبرية في اسرائيل مع غيره من الصّهاينة مثل Nachman Syrkin, Ber Borochov, Berl Katznelson.

ويمكن القول إنّ موسى هاس قد أخضع الماركسيّة لليهوديّة في محاولة منه لخدمة اليهود إذ لم يكن معنيّا بقوى التـّـاريخ الموضوعيّة مثل ماركس بل بما يسمـّـى المشكل اليهوديّ الذي ذكرته في بداية هذا النـّـصّ. وقد افتتح كتابه ذاك باعتراف قال فيه إنـّـه قد عاد إلى شعبه بعد عشرين عام من الإغتراب. ويتمسّك به الصّهاينة لأنـّـه يستشهد كثيرا بالقصص القديمة ولأنـّـه اعتبر اليهود روحا بلا جسد وقال إنّ من ينفي هويّته يبقى إنسانا مقيتا إلى الأبد. وقد عاد الصّهاينة إلى أعماله لأنـّـه يتحدّث عمّا أسماه الوطنيّة اليهوديّة والأمـّـة اليهوديّة. وبالرّغم من أنّ الكثير من الكتابات غير اليهوديّة تقول إنّ معاداة السّامية قد خفـّـت حدّتها فإنّ الصّهاينة ظلـّـوا متمسّكين بها ويصوّرون أوضاعهم بطريقة مأساويّة متشائمة وبالفعل صوّروا اليهود في مأزق أو في متاهة ليؤكـّـدوا على ألاّ مخرج لهم سوى بتأسيس دولة في فلسطين ولكي يقنعوا العالم بدعواهم. ويقول هاس إنّ القضيّة القوميّة تستوجب العمل على إيجاد الإحترام لليهود كعرق وبذلك جعل قضيّة اليهود الرّافضين للإندماج قضيّة إثنيّة لا يمكن حلـّـها.

وبما أنّ الصّهيونيّة قائمة على إحياء اليهوديّة وصبغها بفلسفة عرقيّة فإنّ المصلحين الدّينيّن الذين يريدون إصلاح اليهوديّة لجعلها دينا منفتحا على باقي الحضارات قد اعتبروا خونة لقبيلتهم وعرقهم وقيل إنّ الحركات العلمانيّة اليهوديّة والإصلاحيّة قد قضت على اليهوديّة وأفرغتها من محتواها. وكان ذلك موقف الصّهاينة لأنـّـهم يعلمون أنّ اليهود متفرّقون ومنحدرون من أعراق متعدّدة؛ اليهوديّة وحدها هي الكفيلة بجمعهم. ولم يكن الغرض من كلّ ذلك سوى التـّـركيز على أنّ العلمانيّة اليهوديّة لن تجعل الغربيّين متسامحين مع اليهود. ولخدمة أغراضهم الاستعماريّة، كما قلت، استبعدت الصّهيونيّة الدّينيّة من حساباتها كلّ المبادئ الإنسانيّة والأخلاقيّة الشـّـموليّة وقالت إنّ الرّسالة اليهوديّة هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق أمـّـة يهوديّة منظـّـمة سياسيّا لا تؤمن سوى بأخلاقياتها اليهوديّة. وقد قال هاس إنّ الرّابط بين النـّـيهيليّة والرّبابنة الإصلاحيّين وكذلك الأورثودوكسيّة اليهوديّة لن يتمّ سوى في أرض فلسطين. ذلك في رأيه يمكـّـن اليهود من تكوين هويّة كشعب بإمكانها أن تـُـبقي عليهم أحياء. وكان موسى هاس قد تحدّث في برنامجه عن إيمانه بأنّ أروبّا سوف تساعد اليهود على إنشاء مستعمرات تمتدّ من قناة السـّـويس حتـّـى القدس ومن ضفـّـة الأردن حتـّـى البحر الأبيض المتوسّط. ولازال هذا هو طموح الصّهيونيّة العالميّة إلى يومنا هذا. وفي الوقت الذي كان يكتب فيه موسى هاس كانت قناة السّويس بصدد الحفر فآمن بأنّ اليهود لئن سيطروا عليها سيطروا على أروبّا وآسيا.

ليو بنسكر: Leo Pinsker

كان ليو بنسكر Leo Pinsker 1821-1891 طبيبا وناشطا صهيونيّا رائدا، ومؤسسا وزعيما لمنظـّـة Hovevei Zion (أحبّاء صهيون). وقد ضمـّـت منظـّـمته مجموعات من الأروبيّين الشـّـرقيّين تعمل على تهجير اليهود إلى فلسطين. وقد أنشأت منظـّـمته سنة 1880 أوّل مستوطنة يهوديّة في فلسطين اسمها Rishon LeZion .

ولد Yehudah Leib أوPinsker في مدينة بولنديّة كانت تحت السـّـيطرة الرّوسيّة. درس القانون بحامعة أوديسّا ثمّ درس الطـّـبّ وصار طبيبا بعد ذلك. وكغيره من الصّهاينة أعتبر أنّ المشكلة اليهوديّة لا يمكن حلّها كما أنـّـه لم يكن مؤمنا بالفلسفات الإنسانيّة وبدور التـّـنوير في إدماج اليهود. زار أروبّا ولمّا عاد منها كتب كرّاس "التـّـحرّر الذاتي" ونشره باسم مجهول 1882 وفيه حثّ اليهود على السـّـعي إلى الإستقلال واعتناق المبادئ الوطنيّة وفيه دعا إلى إنشاء وطن لليهود في فلسطين وشدّد على أنّ اليهود في أروبّا يعيشون كأجانب. ثمّ أنشأ حركة Hovevei Zion بدعم من البارون ادموند جيمس دي روثشيلد. في 1890، وقد وافقته السلطات الروسية على إنشاء "جمعية لدعم المزارعين والحرفيين اليهود في أرض فلسطين وسوريا. توفّي بنسكر في أوديسّا سنة 1891. وقد نقل رفاته إلى القدس في عام 1934 وأعيد دفنه في كهف نيكانور Nicanor المقابل لجبل المكبر.

لم يضف بنسكر أيّ جديد للفكر الصّهيونيّ سوى تشديده على الفكرة القائلة بأنّ اليهود إن لم يعملوا على تحرير أنفسهم لن يساعدهم أيّ كان في ذلك. وعلى القارئ أن يتنبـّـه إلى أنّ الصّهيونيّة مذ ظهرت بما في ذلك كتاباتها القديمة كانت تشدّد على كون اليهود يعيشون مأساة أو أزمات متتاليّة أو إشكالا لا حلّ له سوى بتأسيس وطن في فلسطين. إلاّ أنّ بنسكر نظرا لكونه طبيبا استعمل علمه ليبيّن أنّ معاداة السّامية والخوف من اليهود وراثيّ لدى الأروبيّين وبالتـّـالي لا علاج له. أن يصارع اليهود معاداة السّامية في نظره عبر الحوار مضيعة للوقت لن تؤدّي لشيء وبذلك بدا له أنـّـه ضرب دعوات الإدماج نهائيّا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المجتمعات الغربيّة كانت تتـّـهم التـّـلمود بممارسة القتل الطـّـقوسيّ وبأنّ اليهود غير مستعدّين لتحمـّـل المسؤوليّات المدنيّة غير أنّ الإدّعاء بأنّ التـّـلمود يمارس القتل الطـّـقوسيّ أمر مستبعد. المهمّ؛ بالرّغم من الأصوات العديدة التي قالت إنّ العالم سوف يخرج من الوطنيّة الضـّـيقة وأنّه لا محالة ماض نحو أخوّة عالميّة خاصّة مع انتشار الأحزاب الماركسيّة ظلّ الصّهاينة رافضين لفكرة الإندماج. ليو بنسكر لم يؤمن كغيره من الصّهاينة لا بالأفكار اللـّـيبراليّة ولا بالأفكار الاشتراكيّة وإنـّـما جعل معاداة السـّـامية داء وراثيّا لا يمكن القضاء عليه. لكنّ الغرض من كلّ تلك الدّعوات هو جعل هويّة وطنيّة لشتات اليهود. وقد صوّر بنسكر اليهود على أنـّـهم متسوّلون وليسوا ضيوفا في البلدان الأروبيّة. بهذه الطـّـريقة ربطت الصّهيونيّة بين "مطلب" تمثـّـل في إعادة الكرامة لليهود وبين مزاعمهم باضطهاد اليهود. لكنّ الفكر الصّهيونيّ منذ نشأته بني على وهم وتمّ إنجاز مشروعه بقوّة السـّـلاح. ولم تكتفي الصّهيونيّة بذلك الطـّـرح بل ربطت "مشكل اليهود" بالتـّـحرّر من الاضطهاد ومن عدم التـّـسامح.

تيودور هارتزل:

ولد هرتزل Theodor Herzl في باشت Pest (اليوم النصف الشـّرقي من بودابشت)في عائلة يهوديّة ناطقة بالألمانيّة قدمت إلى هنغاريا من زيمون (توجد اليوم في صربيا). ثمّ انتقلت عائلته إلى فيينّا عندما كان تيودور في الثـّـامنة عشرة من العمر. هناك، درس القانون، لكنه كرّس حباته بشكل حصري للصحافة والأدب. وكغيره من الصّهاينة كان رافضا لإدماج اليهود في المجتمعات الغربيّة ويعتقد أنّ اليهود يجب أن ينأوا عن أوروبا وأن يقيموا دولة مستقلة. وعندما نشر كتابه Judenstaat عام 1896أصبح النـّـاطق الرّسميّ باسم الصّهيونيّة العالميّة. ولم يكن كتابه ذلك كتابا بل نشريّة لا تتعدّى الخمسين صفحة لكنّه أشار فيها إلى ضرورة تعزيز العمل الصّهيونيّ على السّاحة الدّوليّة. وقد أصبح يُـقابـَـل بالتـّـرحيب من قبل جموع الصّهاينة أينما حلّ في البلدان الأرويبّة. زار أسطانبول مرّة أولى سنة 1896 وعندما عاد تلقـّـى قيادة الحركة الصّهيونيّة من صهاينة لندن. وفي جوان، حزيران من عام 1896، التقى للمرّة الأولى سلطان تركيا وطلب منه أن يبيعه أرض فلسطين، لكنّ السلطان محمّد علي رفض التـّنازل عن فلسطين للصهاينة ، وقال : "عندما تنهار الدّولة الإسلاميّة انهيارا كاملا بإمكان اليهود أن يأخذوا فلسطين ببلاش. أمّا الآن وما دمت على قيد الحياة فأفضـّـل أن أقطـّـع إربا على أن أفرّط في فلسطين". وفي سنة 1897 عقد المؤتمر الصّهيونيّ الأوّل ببازل فتمّ انتخابه رئيسا للمنظـّـمة الصّهيونيّة العالميّة وظلّ بمركزه ذاك إلى أن مات بسكتة قلبيّة سنة 1904.

في سنة 1902 ـ 1903 دعته اللـّـجنة الملكيّة البريطانيّة للإدلاء بشهادته أمامها عن هجرة اليهود إلى فلسطين وقد مكـّـنه ذلك من بناء علاقات وثيقة مع أعضاء من الحكومة البريطانيّة لا سيما مع جوزيف تشامبرلاين وزير المستعمرات البريطانيّ الذي تفاوض من خلاله مع حكومة مصر من أجل توطين اليهود في منطقة العريش وفي سيناء المتاخمة لجنوب فلسطين. فشل مخطـّـط توطين اليهود في العريش وسيناء لكنّ الحكومة وعدته بتسهيل كبير للصّهاينة من أجل بناء مستعمرة لهم في شرق إفريقيا مع الحكم الذّاتي لهم تحت سلطان الإمبراطوريّة البريطانيّة. رفض هارتزل العرض البريطانيّ المسمّى مشروع أوغندا ورفضته الحركة الصّهيونيّة في المؤتمر الصّهيونيّ السّادس الذي انعقد ببازل في أوت 1903. وفي سنة 1905 رفض الكنغرس الأمريكيّ العرض البريطانيّ وتمسّك بمشروع تكوين دولة يهوديّة للصّهاينة في فلسطين.

وفي كرّاسه "الأرض القديمة الجديدة" Altneuland المكتوب بالألمانيّة تنبّأ بتحقيق المشروع الصّهيونيّ سنة 1923 وتحدّث عن ضرورة نشر قصّة حبّ بني صهيون في العالم بأسره وشدّد على ضرورة بناء معبد داود وقال إنـّـه لن تكون هناك صراعات بين اليهود والعرب لأنّ العرب متشكـّـرين فضل اليهود في ازدهار الإقتصاد لديهم. بالطـّـبع كانت كلّ هذه الأقوال مجرّد ادّعاءات وحجب للواقع. لكنّ ما يجب التأكيد عليه هنا هو أنّ الصّهيونيّة استعملت كلّ الوسائل وأظهرت دهاء لا يضاهى وقد ساعدهم في تحقيق مشروعهم، كما أسلفت، تجزّؤ الإمبراطوريّة العثمانيّة حتـّـى أنّ الكثير من الصّهاينة كانوا يقولون إنّ الإستيطان في أرض تعود لأقوام جاهلة متخلــّـفة أمر يسير التـّـحقيق وليس حلما رومانسيّا. وبما أنّ تحقيق المشاريع يستدعي وسائل من أجل إنجازه فإنّ الصّهاينة عملوا على تكوين الفرق المقاتلة وتدريبها في البلدان الأروبيّة من قبل أن تبدأ الهجرة إلى فلسطين.

لم يضف هارتزل أيّة جديد للاستدلالات التي قدّمتها الصّهيونيّة من قبله وليس هناك ما يمكن إضافته سوى تبنـّـي الأفكار الدّينيّة المتطـرّفة كالقول بضرورة الاستقلال من أجل المحافظة على ديانة الأجداد أو رفع شعارات لا تنطبق على اليهود أبدا كشعار المحافظة على الهويّة الوطنيّة مثلا وكذلك صياغة تسمية أرض إسرائيل (Eretz Yisrael) أو وطنيّة الشـّـتات. كلّ هذه الأساليب لم يكن لها من هدف سوى تبرير الأستعمار الصّهيونيّ لأرض لا تعود إلى اليهود إلاّ بما تذكره كتبهم الدّينيّة. ثمّ إنّ الحديث عن ثقافة متميّزة لليهود لا أساس لها من الصّحـّـة لأنّ عامّة اليهود كانت تعيش في المجتمعات الغربيّة منذ آلاف السّنين فأيّة ثقافة وطنيّة أو يهوديّة كانت لديهم؟

تبقى الصّهيونيّة إذا مستندة إلى التـّـقليد الدّينيّ والأساطير الدّينيّة التي تزعم أنّ اليهود كانوا شعبا لهم هويّة وطنيّة تعود إلى قبل 1200 سنة قبل ميلاد المسيح؛ شعب سكن فلسطين منذ ذلك التــّاريخ واستمرّ بها حتـّـى بناء المعبد الثـّـاني، معبد سليمان الذي شيّد سنة 716 قبل ميلاد المسيح واستمرّ إلى سنة 70 ق.م. عندما قام الرّومان بتهجير اليهود قسرا من مملكتهم. وتستند الصّهيونيّة في أطروحاتها إلى التـّـوراة التي تقول إنّ أرض فلسطين أرض موعودة لشعب يهوا المختار. ولقد جعل هارتزل المطالب الصّهيونيّة أمورا عاجلة وأسّس مع ناثان بيرنباوم المنظـّـمة العالميّة الصّهيونيّة سنة 1897 وبذلك أوجد التـّـيّار السّياسيّ للحركة الصّهيونيّة، كما صار يعرف في صلب الصّهيونيّة، لأنـّـه يزعم أنـّـه يريد التـّـوصّل إلى حلّ سياسيّ مع الفلسطينيّن. وفي 1917 أفتكـّـت بريطانيا فلسطين من الإمبراطوريّة العثمانيّة لتسلـّـمها إلى الصّهاينة سنة 1948 وقد كانت بريطانيا منذ 1917 مؤيّدة لإنشاء دولة يهوديّة في فلسطين، وفي سنة 1948 أعلنت الوكالة اليهوديّة التي كان يتزعـّـمها بن غوريون إقامة الدّولة الإسرائيليّة.

الفصل القادم: "تحليل لأنواع الحركات الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة"



#عزالدّين_بن_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختراع اسمه الشّعب اليهوديّ
- مدخل إلى علم الجغرافيا السّياسيّة:عناصرها ومفاهيمها ومراحلها ...
- الحروب القادمة من أجل موارد الطّاقة وسعي أمريكا إلى الهيمنة ...
- اللّغة والثّقافة
- مأساة أختين: قصّة تراجيديّة
- مأساة أختين توأمين: قصّة تراجيديّة
- الثّقافة والدّراسات الثّقافية
- الدّين في العلوم الإجتماعيّة: الدّين ودوره في الثّقافة
- خرّب العرّاف بيتي: فصّة
- خرّب العرّاف بيتي: قصّة
- حبّ صنعته القسوة: قصّة
- العولمة والبروبغندا الأمريكيّة وجهان للهيمنة على العالم:
- تعطّل وظيفيّ: قصّة
- أنا القاتلة
- علاقات السّلطة في المجتمع: فصل من كتاب في علم الإجتماع
- معنى استقلاليّة القضاء وشروط المحاكمة العادلة
- حكم الحزب الواحد والتّعدّدية المزيّفة في البلدان العربيّة ود ...
- حكم الحزب الواحد والتّعدّدية المزيّفة في البلدان العربيّة ود ...
- حقوق الإنسان ومضمون نظريّات حقوق الإنسان:


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدّين بن عثمان - تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الأوّل