أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - صيام رمضان بين الاسلام والفقه السنى (1 ) صيام رمضان فى تشريع القرآن















المزيد.....

صيام رمضان بين الاسلام والفقه السنى (1 ) صيام رمضان فى تشريع القرآن


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2413 - 2008 / 9 / 23 - 09:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أولا :

1 ـ كان العرب كانوا يصومون شهر رمضان طبقا لملة ابراهيم التى توارثوها جيلا بعد جيل .
وبعد نزول القرآن الكريم اعتاد المؤمنون بالقرآن صيام رمضان بنفس التوارث المعتاد ،ثم نزل تشريع الصيام في المدينة ليتحدث عن شهر شهر رمضان الذى أصبح معروفا للمسلمين بأنه شهر القرآن ، فهو الذي نزل فيه القرآن مرة واحدة على قلب النبي محمد حين كان في مكة.
أول آية في تشريع الصوم قالت :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) لم تشرح ألآية الأولى في تشريع الصوم معنى الصوم وأنه الامتناع عن الطعام والشراب واللقاء الجنسي بالزوجة – كما تفعل كتب الفقه ـ والسبب بسيط هو أن العرب كانوا يصومون رمضان، بل وكانوا يتخذون منه عادة اجتماعية للهو واللعب بدون مراعاة للتقوى كما نفعل نحن الآن ، لذا تخبر الآية الأولى في تشريع الصوم القاعدة الأولى وهى تأدية الصوم كما اعتادوه بنفس ما كان في ملة إبراهيم (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) من الامتناع عن الأكل والشرب واللقاء الجنسي، وهوالذى كانوا يفعلونه أنفسهم في مكة قبل أن ينزل التشريع القرآني بهذا التصحيح والتنقيح ، ثم تختم آية التشريع الأولى بتقرير أقامة الصوم في سلوك المؤمن عقيدة وسلوكا أي أن يكون هدف الصوم هو التقوى. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

2 ـ بعد تقرير أن الصوم عبادة متوارثة ولا بد من مراعاة التقوى فيها تأتى الآيتان التاليتان بتقعيد تشريع جديد لم يكن موجودا من قبل، وهو فى التيسير باباحة الفطر في رمضان، ولأنه تشريع جديد فقد جاءت تفصيلاته واضحة، بل وتكررت في آيتين متتاليتين توضحان السماح بالافطار للمريض والمسافر وحتى القادر على الصوم ولكن مع قضاء الصوم (للمريض والمسافر ) أو دفع الفدية لمن يفطر وهو يطيق الصوم أى يقدر عليه (البقرة 183- 185).

3 ـ وكان الصوم المعروف المتوارث وقتها قبل نزول التشريع القرآني الجديد يبدأ بعد العشاء ويستمر طيلة الليل والنهار حتى مغرب اليوم التالي ليكون الإفطار مرحلة قصيرة هي ما بين المغرب والعشاء فقط. وكانت هذه الفترة القصيرة لا تكفى إلا للطعام فحسب، ويأتي الليل فيضطر أحدهم لمباشرة زوجته بعد العشاء ، أى في وقت يجب أن يكون فيه صائما. ونزل التخفيف تشريعا جديدا مفصلا في قوله تعالى " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) أي جاء التشريح الجديد بأن مباشرة الزوجة مباح في ليلة الصيام (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ) وهنا يخبر الله تعالى عن وقوع بعضهم في مباشرة الزوجة في ليلة الصيام حين كان واجبا الصوم فيه، ويبشر الله تعالى بأنه عفا عنهم وتاب عليهم، وأنزل هذا التخفيف عليهم، لذا جاء التشريع الجديد يقول للمؤمنين (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). يأتي هنا تفصيل التشريع الجديد لوقت الإفطار في رمضان ، حيث يباح الأكل والشرب واللقاء الجنسي بالزوجة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر، وظهور أول تباشير الضوء حين تتمكن العين المجردة من تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود . توضيح مفصل في تشريع جديد يعقبه تشريع جديد آخر يتضمن تصحيحا لتشريع قديم هو الاعتكاف في ليالي رمضان في المساجد (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )... البقرة 187-) إذ كانوا يعتكفون في المساجد رجالا ونساء، وكان الزوج يعتكف مع زوجته في المسجد في ليالي رمضان، وكان يحدث لقاء جنسي بينهما وقت الاعتكاف، لذا نزل التشريع الجديد يحرم ذلك اللقاء الجنسي بالزوجة أثناء الاعتكاف الرمضاني في المسجد.

4ـ ذلكم هو بيان القرآن لما يحتاج فعلا إلى بيان من تشريع جديد يعرفه الناس لأول مرة أو يوضح وجه الحق في تحريف أدخله الناس في تشريع سائد. لذا اختتمت الآية بتقرير أن ذلك هو بيان القرآن للناس لعلهم يتقون: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ]
وبالفعل فان بيان القرآن الكريم في تلك الآيات القليلة احتوى على كل ما يلزم المؤمن في تشريعات الصوم. وما أحدثه الفقهاء بعدها من ثرثرة وفتاوى وأحكام فقهية كلها هراء لا طائل من ورائه، لذا اختلفوا فيه وانشغلوا بهذا الاختلاف قرونا وكتبوا فيه آلاف الصفحات عبثا ، ومن أسباب ذلك أنهم شرّعوا لأنفسهم ما يريدون فى شكل احاديث ، ثم صدقوا أكاذيبهم ، فحجبوا عقولهم عن التفكير وعن التدبر فى القرآن الكريم فلم يفهموا فلسفة التشريع القرآنى ودرجاته .
وهم لم يكتفوا بالثرثرة،إذ ابتدعوا تشريعات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، ونسبوها زورا للنبى محمد عليه السلام. وسنتوقف معهم فى المقال القادم بعونه جل وعلا .

ثانيا
التشريعات الاسلامية ـ عموما ـ تقوم على درجات ثلاث :أوامر ، وقواعد ، ومقاصد أوأهداف .
والعادة ان الأوامرالتشريعية تخضع فى تطبيقها للقواعدالتشريعية ، بينما تخضع القواعد التشريعية فى التطبيق الى المقصد التشريعى وهو التقوى ،والتقوى هى الغاية الكبرى من كل العبادات والأعمال الصالحة.
ونبحث عن الأوامر و القواعد والمقاصد فى آيات تشريع الصوم ، وبتدبرها يتضح الآتى :
1 ـ جاءت الأوامر بالصوم فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وجاء توضيح الأمر بالصوم فى قوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل ). وتنفيذ هذه الأوامر ـ بالصيام او الافطار ـ يخضع للقواعد التشريعية التى جاءت فى الايات نفسها.

2 ـ وجاءت القواعد ، وأساسها التخفيف والتيسير وليس التعسير ، فى قوله تعالى فى سياق تشريع الصيام :(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ( البقرة 185 ) .
وهذه القاعدة فى التخفيف ورفع الحرج هى أساس فى قواعد الاسلام يختلف به عن الأديان الأرضية للمسلمين التى تقوم على الحظر والتضييق والتزمت والتحريم للمباح الحلال .
وفى قيام التشريع الاسلامى على التخفيف ،يقول جل وعلا عن الدين الاسلامى كله ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا ) ( الحج 78 )
ويقول (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) ( النساء 28 ).
ويتردد هذا فى تشريعات جزئية كالطهارة ، يقول جل وعلا :(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( المائدة 6 ).
ويأتى فى مراعاة أحوال ذوى الاحتياجات الخاصة من المعوقين والمرضى : (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ( النور 61 ) (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ( الفتح 17 ).
ونفس الحال فى الحج (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( البقرة 196 ).
وفى الصلاة فى قصر الصلاة عند الخوف فى الحرب والمطاردة (النساء101 : 103 ) وعند خوف ضياع وقت الفريضة ( البقرة238 : 239 )
وفى قيام الليل (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)(المزمل 20 )
وهنا فى الصوم.( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ( البقرة 185 )
لقد جاءت الرسالة الالهية الخاتمة ( القرآن الكريم ) بالتخفيف ورفع الاصر ، و(الإصر ) هو الثقيل من التكاليف التشريعية ، ولقد جاء فى آخر آية من سورة البقرة (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) فليس فى الاسلام مؤاخذة على الخطأ أو النسيان ، لأن فى رسالته القرآنية الخاتمة رفع (الإصر ) أى التكاليف الشرعية الثقيلة التى كانت فى الرسالات السماوية الاسلامية السابقة . ومن هنا فان الله جل وعلا خاطب موسى عليه السلام فى الميقات عند جبل الطور متحدثا عن رفع الاصر عن أتباع الرسالة القرآنية الخاتمة فقال جل وعلا (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ( ألأعراف : 157 )
3 ـ ولأن الصوم فيه مشقة الحرمان فان التخفيف و التيسير جاء القاعدة فى أدائه ، ولذا فقد جاءت تفصيلات التخفيف والتيسير فى آيات تشريع الصوم باعتبارها تشريعا جديدا مفصلا لم يكن موجودا من قبل ، يقول تعالى :(أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( البقرة 184 : 185 )
وهنا نستخلص قواعد التخفيف والتيسير كالآتى:
• من اصبح فى يوم من أيام رمضان مريضا أو على سفر فله أن يفطر ، ويقضى الأيام التى أفطرها بعد رمضان .
• ومن أصبح مريضا أو على سفر ولكن أراد أن يصوم دون استعمال رخصة الفطر فهو خير له .
• من كان يطيق الصوم ـ أى يقدر عليه ـ ولكن شاء الفطر فعليه أن يدفع فدية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ). والفقه السّنى يحرّف معنى الآية الكريمة، فيقولون أن معناها أنه على الذين ( لا يطيقون ) الصيام ،أى يقولون بوجود(لا ) النافية ويزعمون أنها محذوفة. وهذا تحريف للقرآن الكريم بأن يزيد فى لغة القرآن الكريم ماليس فيها. ثم أن هذا المعنى المحرف لا يستقيم مع التيسير ، وهو القاعدة فى الصوم، ولا يستقيم مع سياق الآية قبلها حيث أباحت الفطر للمسافر والمريض ثم ألحقت به فطر من يطيق الصوم ويقدر عليه مع دفعه الفدية ، ولا يستقيم مع سياق الآية بعدها حيث يجعل الله تعالى التفضيل لمن يصوم وهو يطيق ـ اى يقدر ـ على الصيام ، كما لا يستقيم مع فهم كلمة (يطيق ) ومشتقاتها التى جاءت ثلاث مرات فى نفس سورة البقرة ، مرة بالاثبات فى موضوع الصوم :(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )، ومرتين بالنفى : (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِه) ( البقرة 249 ، 286 ). أى لو كان الله تعالى يريد أن يقول (وعلى الذين لا يطيقونه فدية ) لقالها وأثبت كلمة(لا ) ، ولكنه جل وعلا قال بالاثبات وليس بالنفى ، ليفيد فى معرض التيسير أنه على من يقدرعلى الصوم ويطيق الصوم ولكن يريد الافطار فعليه تقديم فدية طعام مسكين .
• ومفهوم بعدها أنه ـ من باب أولى ـ فالذى لا يستطيع الصوم يمكنه الافطار ودفع الفدية ، فاذا تطوع المفطر فى رمضان بزيادة الفدية فهو خير له ، ولو كان يستطيع الصوم ولكن بمشقة بالغة ولكنه تطوع بقبول مشقة الصوم فهو خير له ، وفى الصوم فائدة على كل حال (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
• وجاء التخفيف الأخير فى تعديل مدة الافطار لتكون من بداية الليل بغروب الشمس الى أن يتبين الخيط ألأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ( البقرة 187 ).

3 ـ تنفيذ هذه القواعد يخضع للتقوى. وهنا ندخل على المقصد من التشريع .
التقوى هنا هى ضمير الصائم الذى يمتنع عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية مع الزوجة ابتغاء مرضاة الله تعالى . هو بذلك يتعامل مباشرة مع ربه فيخشى الله جل وعلا بالغيب ،أى حين يكون وحيدا منفردا يتمسك بصومه حيث لا رقيب ولا حسيب عليه سوى مولاه عز وجلّ. ولذلك كانت عبادة الصيام وسيلة لتعلم التقوى ،أو على حد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
وفى التقوى تجد الاجابة عن كل التساؤلات التى يسأل عنها الصائمون ،وهى البديل الأمثل الذى يستغنى به المسلم الصائم عن كل تلك الثرثرة الفقهية والخزعبلات التى حفلت بها كتب الفقه . ونعطى أمثلة :
* فالقرآن الكريم لم يحدد ماهية السفر الذى يسبب ارهاقا يتساوى مع المرض ، وترك ذلك لتقدير الضمير المؤمن .
* ولم يحدد نوع المرض الذى يستدعى الافطار.المؤمن المتقى عليه أن يأخذ رأى الطبيب المختص ـ وليس الفقيه ـ فى تحديد هل مرضه يستوجب الافطار أم أن الصوم لا يضره ؟
* وليس فى القرآن الكريم تلك الثرثرة الفقهية عن صوم أوعدم صوم الحامل والمرضعة، وحكم تقبيل الصائم لزوجته، لأن كل ذلك متروك لضمير الصائم وتقواه.
* ولم يحدد الفدية التى يدفعها المفطر غير المريض وغير المسافر، قال فقط (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) . التحديد يخضع لتقوى المسلم ، هل يعطى طعاما فاخرا أم معتدلا ، وهل يعطى طعاما عينيا أو مالا يقوم مقام الطعام ، وما هو الواجب على الغنى والفقير ؟ كل ذلك يقدره ضمير المؤمن الذى يسعى لرضا ربه جل وعلا عليه .
وفى الأحوال السابقة جاءت إشارة لطيفة للتقوى فى قوله تعالى (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )، وهى تخاطب من يستطيع الصوم ويطيقه ويقدرعليه ولكن يفطر ويعطى فدية، وموجهة أيضا لمن يستطيع الصيام فى السفر والمرض ولكن يختار الافطار.
* وجاء تحديد بداية الصوم ونهايته أيضا موكولا الى ضمير المؤمن الصائم ، فالبداية من حين يتبين له ـ هو ـ الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.ويمكنه احتياطا أن يمسك عن الطعام قبلها . وحدد وقت الافطار بالليل ، والغروب هو بداية الليل ،أى يمكنك شرعا أن تفطر بمجرد غروب الشمس ، ولكن لمن أراد التيقن و التأكد أن يفطر بعدها بعدة دقائق .
* وهناك التساؤل المشهور عن سكان القطبين وبلاد اسكندنافيا ..كيف يصلون وكيق يصومون ؟
هناك لا خلاف على وجود يوم طوله 24 ساعة ، وعلى أساس هذا اليوم تسير حياة كل انسان ونومه وعمله وصحوه ويقظته وراحته و انشغاله، وليس صعبا أن تحدد بداية الفجر وبداية الليل ، ليس بالنهار الضوئى حين تستمر الشمس ظاهرة عدة أشهر ، وحيث يستمر الليل ما تبقى من العام ، ولكن بالنهار الذين يعتادون فيه العمل ، وبالليل الذى يعرفون ميقات بدئه ، وبهذا يصومون ويفطرون ، وفى تنفيذ ذلك تكون مراعاة التقوى .
* وفى كل الأحوال فالمتقى يختار لنفسه الأحوط ويعرف فى نفس الوقت ان الله جل وعلا فرض الصوم ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ومباشرة الزوج (الزوج تفيد الانثى والذكر ) ولكن ليكون الصوم مدرسة للتقوى وخشية الرحمن بالغيب ، ولذا فلا يتوقف عند التفصيلات التى لا لزوم لها . والآن يمكنه ان يعرف بالضبط موعد الغروب فى المكان الذى يعيش فيه ، ويعرف إنه لو أخطأ بحسن نية فهو مغفور له لأن الله تعالى يقول ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) (الاحزاب 5 ).
وبهذا يكتفى المؤمن بتشريع الله تعالى للصوم فى القرآن ، ويعلم أنه القرآن وكفى .
أما إذا صمم على الاسترشاد بكتب الفقه السنى فسيضل ،فاذا عمل على تطبيقها فقد أضاع ما تبقى من عقله .!
وفى المقال التالى نتوقف مع لمحة عن تشريع الصيام فى كتب الفقه السنى ومخالفته للاسلام العظيم والقرآن الكريم.
وكل عام وانتم بخير.



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا الحديث الكاذب الملعون : (الفصل الثالث ) لمحة تاريخية عن ...
- هذا الحديث الكاذب الملعون :( صوموا لرؤيته ..): الفصل الثانى
- رسالة إلى الأحبة أهل القرآن فى شهر رمضان :
- ذلك الحديث الكاذب الملعون ( صوموا لرؤيته ) : دراسة اصولية تا ...
- من هم الأقلية بين المسلمين : القرآنيون أم السلفيون ؟
- الصلاة على النبى
- التقوى جوهر الاسلام
- المحكمات والمتشابهات فى دراسة عملية :(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي ...
- الآيات المحكمات والمتشابهات فى دراسة عملية : (رؤية الله تعال ...
- الآيات المحكمات والآيات المتشابهات فى دراسة عملية :( موضوع ا ...
- معنى ( الصلاة الوسطى ) بين التدبر القرآنى ومزاعم الدين السنى ...
- معنى ( الصلاة الوسطى ) بين التدبر القرآنى ومزاعم الدين السنى ...
- معنى ( الصلاة الوسطى ) بين التدبر القرآنى ومزاعم الدين السنى ...
- معنى ( الصلاة الوسطى ) بين التدبر القرآنى ومزاعم الدين السنى ...
- التأصيل القرآنى : أملا فى غد أفضل .!!
- أسس البحث التاريخى ( الحلقة الأخيرة ) : كيفية كتابة البحث ال ...
- أسس البحث التاريخى ( 4 من 5 ) : رابعا : جمع المادة التاريخية ...
- أسس البحث التاريخى ( 3 من 5 )ثالثا : التعامل مع المصادر التا ...
- أسس البحث التاريخى ( 2 من 5 ): ثانيا: اختيار موضوع البحث
- أسس البحث التاريخى ( 1 من 5 ) : اعداد الباحث قبل البحث


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - صيام رمضان بين الاسلام والفقه السنى (1 ) صيام رمضان فى تشريع القرآن