أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!















المزيد.....

الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2413 - 2008 / 9 / 23 - 05:41
المحور: الطب , والعلوم
    


بعد عداء استمر نحو قرن ونصف قرن من الزمان، قرر الفاتيكان أنَّ نظرية النشوء والارتقاء التي أنشأها تشارلز داروين، وبسطها في مؤلَّفه الشهير "أصل الأنواع (أو الأجناس)"، تتفق مع "الكتاب المقدس"، أو "الإنجيل".

وزير الثقافة في الفاتيكان الأسقف جيانفرانكو رافاسي هو الذي أعلن ذلك في مؤتمر في روما شارك فيه جمع من علماء ورجال دين وفلاسفة.

ومع ذلك، أكد رافاسي أنَّ الفاتيكان لا ينوي الاعتذار إلى داروين عمَّا أدلت به الكنيسة الكاثوليكية من "آراء سلبية" في شأن نظرياته، قائلاً إنَّ تلك الكنيسة لم تتعرَّض لنظريات داروين بالإدانة، كما لم تحظر قط كتابه؛ و"ينبغي لنا التخلي عن فكرة تقديم الاعتذارات وكانَّ التاريخ محكمة منعقدة إلى الأبد".

لقد ناصبت الكنائس المسيحية نظرية داروين العداء زمناً طويلاً، لتعارضها مع التفسير الإنجيلي (الحرفي) للخلق، وإنْ وصف البابا بيوس الثاني عشر سنة 1950 "الارتقاء" بأنه "نهج علمي صحيح بالنسبة إلى تطوُّر البشر"؛ وقد عاد البابا يوحنا بولس إلى تأكيد الرأي نفسه سنة 1996.

داروين لم يَسْلَم حتى من الرئيس بوش، الذي يقود دولة لها، وللطبقة التي تمثلها هذه الدولة، من المصالح الواقعية ما يجعلها ضد العقل والعِلم الحقيقي، فهذا الرجل الذي اهتدى بعد طول ضلال قرر أن يطفئ النور في عقول التلامذة من أبناء وطنه، فوافق "السلفيين" و"التكفيريين" الجدد في المسيحية، التي عقدت قرانها مع أوهام "العهد القديم"، على شن حرب صليبية على نظرية "النشوء والارتقاء" لداروين في المدارس والمناهج التعليمية، مبتدعا بمعونة الجهابذة من "المحافظين الجدد"، نظرية جديدة مضادة، فضل تسميتها نظرية "التصميم الذكي"، التي قد تعقد قرانها، عمَّا قريب، مع أهم نظرية كوزمولوجية في القرنين العشرين والحادي والعشرين هي نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang التي مسخ اللاهوت حقائقها العلمية حتى جعلها النسخة الفيزيائية من قصة الخلق التوارتية الشهيرة، فكلتا النظريتين، أي نظرية "الانفجار الكبير" ونظرية "التصميم الذكي" لا هدف لها، من الوجهة الإيديولوجية، سوى إحياء السلطان المعرفي والثقافي للكنيسة في وقت تتسربل المصالح والأهداف الإمبريالية للولايات المتحدة، في العالم العربي على وجه الخصوص، بقيم ومبادئ الديمقراطية والليبرالية والعلمانية، وفي وقت تشن القوة الإمبريالية العظمى في العالم والتاريخ الحرب على "الأصولية الإسلامية"، تارة بالحديد والنار، وطورا بالأفكار.

لقد جَمَعَ سيد البيت الأبيض بين السلطتين الزمنية والدينية، وكأن "الرئيس"، الذي تستنسبه المصالح الإمبريالية والفئوية الضيقة التي يمثلها "المحافظون الجدد"، هو الذي يمكن ويجب أن يكون "بابويا" في أحد نصفيه.

الفاتيكان عوَّدنا على "فضيلة الاعتذار"، التي تحتاج هي، وقبل أي شيء آخر، إلى تفسير مُرْضٍ ومُقْنِع، فهو الآن مدعو إلى أن يوضِّح لجمهوره من المؤمنين، الذين شحنتهم الكنيسة الكاثوليكية، من قبل، وزمناً طويلاً، بالعداء لنظرية داروين، كيف، ولماذا، غدت تلك النظرية، التي أثارت جدلاً لم تعرفه نظرية أخرى، متَّفِقة مع "الإنجيل"، أو مع "التفسير الإنجيلي للخلق"، فلا يكفي أن يقول إنَّها متَّفِقة، متوقِّفاً بعد ذلك عن الكلام المباح، وكفى الله القائل شرَّ التعليل والتفسير.

وأذْكُرُ أنَّ أحد الباباوات حاضَرَ في نظرية "الانفجار الكبير"، فامتدحها قائلاً إنَّها تُفسِّر نشوء الكون، أو خلقه، بما يتَّفِق مع "الكتاب المقدس"، فلمَّا سأله أحد الحضور عن "الانفجار ذاته"، ولجهة ماهيته وسببه، أجابه على البديهة قائلاً: "لا تسأل هذا السؤال، فلحظة الانفجار هي ذاتها لحظة الخلق، والتي هي سِرٌّ مستغلَق فهمه على العقل البشري".

مأساة داروين أنَّ الكنيسة حاربته زمناً طويلاً مع أنَّ نظريته بقي فيها من "الفراغ المعرفي" ما يسمح للكنسية بملئه، وبمدِّ جسورٍ من المصالحة، بالتالي، بين نظريته وبين "الإنجيل"، فهو أوَّلاً لم يتطرَّق إلى تفسير "نشوء الحياة ذاتها"، ولم يُدْلِ، في هذا الصدد، بأيِّ رأي يمكن أن يُظْهِرَه على أنَّه ضد فكرة الخلق الإلهي للحياة؛ كما أنَّ "فرضية الحلقة المفقودة"، والتي بموجبها أسَّس داروين لهوَّة تكاد أن تكون سحيقة بين "القرد" و"الإنسان"، تسمح هي أيضاً بعقد نوع من المصالحة بين نظريته و"الإنجيل" في شأن نشوء، أو خلق، الإنسان ذاته.

أذْكُرُ في هذا الصدد أنَّني عندما كنتُ صغير السن قرأتُ (أو تجرأتُ على قراءة) كتاب "أصل الأنواع" لداروين، فما كان من والدي المتديِّن كثيراً إلاَّ أن حاول منعي من المضي قُدُماً في قراءته، قائلاً لي: إنَّ خطيئة داروين الكبرى تكمن في كونه قال إنَّ أصل الإنسان قرد، فالقردة إنَّما هم في الأصل يهود قد مُسِخوا.

ليس أبي وحده هو الذي يفكِّر في هذه الطريقة، فقبل بضعة أيام قرأتُ في صحيفة يومية أنَّ أحدهم اكتشف "مركزاً" لـ "اليابسة الأرضية"، فـ "مركز الكرة الأرضية" مُكْتَشَف منذ زمن طويل، ولا بدَّ لـ "الجهود العلمية" الآن من أن تُبْذل من أجل اكتشاف "مركز" لـ "اليابسة"، مع أنَّ السطح الكروي للأرض يسمح لأيِّ مدينة في العالم بأن تكون "مركزاً سطحياً" لسائر العالم!

داروين يمكن أن يكون قد أخطأ في تفسير كثير من ظواهر التطور في عالمي الحيوان والنبات، وتَرَكَ كثيراً من "الفراغ" في ثنايا نظريته؛ ولكن لا هذا ولا ذاك يمكن أن ينال من قوَّة "البنية التحتية" لنظريته.

ولعلَّ أهم ما جاء به واكتشفه هو "الانتخاب الطبيعي"، و"الفهم التاريخي" للأجناس والأنواع في عالمي الحيوان والنبات.

إنَّ كل حيوان يتكاثر؛ ولكن ليس كل فرد من نسله يبقى على قيد الحياة، فالفرد (من نسله) الذي يملك من الخواص والصفات ما يجعله قوياً، صالحاً، متفوِّقاً، في بيئته هو الذي يبقى، وهو الذي، بالتالي، يُورِّث نسله هو تلك الخواص والصفات الجيِّدة، نسبةً إلى بيئته، فيتراكم هذا الاختلاف في الخواص والصفات، جيلاً بعد جيل، حنى تَظْهَر أنواع، أو أجناس، جديدة.

و"الصفات الوراثية" ليست بالصفات السرمدية الخالدة التي لا يعتريها تغيير، فهي في تفاعل دائم ومستمر مع البيئة المحلية والأرضية والكونية، فتتغيَّر، بالتالي، في استمرار، ويُورَّث، أيضاً، هذا التغيير. حتى "البيئة الاجتماعية ـ التاريخية" تُراكِم أثرها في "الصفات الوراثية".

أمَّا "الفهم التاريخي" فهو الذي بفضله تفهم الأنواع، أو الأجناس، على أنَّها "الحاضر"، الذي جاء من "الماضي"، والذي يصعد إلى "المستقبل". وهذا إنْ عنى شيئاً فإنَّما يعني أنَّ الشيء في حاضره يجب أن يكون مختلفاً عمَّا كان في ماضيه، وعمَّا يصبح عليه في مستقبله، فانْظُر إلى هذه التفاحة التي على غصنها لتتأكَّد أنَّها لم تكن (في خواصها وحجمها ولونها وشكلها..) في ماضيها كذلك، ولن تكون في مستقبلها على ما هي عليه الآن، فكيف إذا ما نظرنا إلى ما كانت عليه الأشياء الحاضرة قبل آلاف، أو ملايين، السنين؟!

بقي أن نقول، في مأساة داروين، إنَّ كثيراً من أولئك الذين تطرفوا في إظهار العداء لها لم يتورَّعوا عن أن يشتقوا منها قوانين ومبادئ ومفاهيم للتطور الاجتماعي والتاريخي، فأساءوا إليها أكثر من سواهم إذ جعلوها شريعة لهم في الاجتماع والتاريخ!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى نجرؤ على اغتنام -فرص الأعاصير-؟!
- إنَّها دولة وحكومة -وول ستريت- فحسب!
- مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!
- -الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
- -تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
- -القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!
- عندما تتصحَّر -الليبرالية- ويزدهر -الليبراليون الجُدُد-!
- تهاوي -ثقافة الحقوق- في مجتمعنا العربي!
- -العرب الجُدُد- و-العرب القدامى-!
- أُمَّةٌ تبحث عن فلك تسبح فيه!
- ما ينقص -الفكرة- حتى تصبح -جذَّابة-!
- -خيار أوكسفورد- لا يقلُّ سوءاً!
- ثقافة -الموبايل- و-الفيديو كليب-!
- لقد أفل نجمها!
- أسبرين رايس والداء العضال!
- خطر إقصاء -الأقصى- عن -السلام-!
- العالم اختلف.. فهل اختلفت عيون العرب؟!
- -الإعلام الإلكتروني- يشبهنا أكثر مما نشبهه!
- -العلمائيون- و-السياسة-.. في لبنان!
- -إيراروسيا-.. هل تكون هي -الرَّد-؟!


المزيد.....




- أب عراقي يشتكي شركة نفط بريطانية بعد وفاة ابنه بسرطان الدم
- حبوب منع حمل ذكورية.. هل يُقبل الرجال عليها؟
- تراجع أرباح الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال 21% في 2023 ...
- لماذا يتوجه المعماريون للدمج بين الطبيعة والبناء؟
- لافروف يوصي الأوروبيين بقراءة غوغول ودوستويفسكي
- باحثون -يزرعون الجلود ويصبغونها- في الوقت نفسه.. السر في الب ...
- العمليات التشغيلية في مطار دبي الدولي تعود إلى وضعها الطبيعي ...
- العمليات التشغيلية في مطار دبي الدولي تعود إلى وضعها الطبيعي ...
- “الطبيعة تكسب دايمًا” .. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجديد ...
- “نزلها واستمتع بمشاهدة ممتعة” .. تردد قنوات mbc الجديد مجانً ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!