أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد مسلم الحسيني - الوعي والديمقراطية...















المزيد.....

الوعي والديمقراطية...


محمد مسلم الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 2410 - 2008 / 9 / 20 - 01:09
المحور: المجتمع المدني
    


مقدار الوعي العام في أي مجتمع من المجتمعات يمكن قياسه بميزان صراع الأضداد والمتناقضات المطلق. هذا الصراع يحصل عادة بين خصائص المجتمع الإيجابية والسلبية ويشمل صراع العلم مع الجهل، التقدم مع التخلف، النشاط مع الكسل، النظام والإنتظام مع الفوضى والبعثرة، الحب مع الكراهية، الإنفتاح مع التقوقع....الخ ذلك من قائمة المتناقضات المطلقة الطويلة .
المجتمع الذي يسود فيه العلم على الجهل والتقدم على التخلف والإنسانية على الهمجية ، على سبيل المثال وليس الحصر، فانه دون شك سيكون مجتمعا واعيا على أساس تعريف الوعي الشامل الذي يتلخص بالإدراك العقلي لمتطلبات العمل الناجح الصحيح. أما إذا كان الفساد يطغي على النزاهة والتسيّب على الإلتزام والقساوة على الرحمة فأن ميزان الوعي العام سيشير الى تدن هائل في نسبة الوعي في هذا المجتمع . إذن درجة الوعي في أي مجتمع من المجتمعات تتناسب طرديا مع الخصائص الإيجابية الموجودة في ذلك المجتمع وعكسيا مع خصائصه السلبية، أي كلما زادت خصائص المجتمع الإيجابية زادت درجة الوعي العام فيه والعكس صحيح .
ميزان الوعي قد لا يتحدد فقط بالمتناقضات المطلقة في المجتمع إنما يتعداها ليشمل أضداد ومتناقضات أخرى لها صفة النسبية والتي قد تتسم بمنعطفاتها السياسية أو الدينية في ذلك المجتمع. فميزان الوعي قد يتأثر بطبيعة النظام السياسي المتبع في مجتمع من المجتمعات ويؤثر فيه أيضا. الأضداد السياسية والعقائدية التي تؤثر وتتأثر بدرجة الوعي في المجتمعات كثيرة أذكر منها : ديالكتيك الأضداد في النظرية الماركسية مثل صراع الإشتراكية مع الرأسمالية والبروليتاريا مع البرجوازية، والثنوية الضدية في مبادىء المعرفة الدينية كصراع المثالية مع المادية والخير مع الشر والإيمان مع الكفر، وصراع الأضداد في النظرية القومية العربية كصراع الوطنية مع العمالة والتقدمية مع الرجعية ....الخ ذلك من قائمة المتناقضات النسبية والتي تجرنا الى صلب الموضوع حينما ندرج مع هذه القائمة صراع الديمقراطية مع الدكتاتورية.
فكلما كان المجتمع واعيا كلما احتاج نظاما سياسيا ديمقراطيا متحضرا يتناسب مع درجة وعيه ليحقق الرؤى والآمال التي يطمح لها ذلك المجتمع المتطور. الوعي يصنع الديمقراطية ويحتاجها والديمقراطية لبنة الوعي ومصدر من مصادره، فالعلاقة جدلية بين الأثنين وهذه حقيقة مسلّم بها. إلاّ أن السائل قد يسأل ويقول: أيهما أولا الديمقراطية أم الوعي ، فمن هو الأب ومن هو الإبن ومن يخلق من؟. يرى بعض المفكرين بأن الوعي هو الأساس لأن المجتمع غير الواعي لا يمكن أن ينجح ديمقراطيّا فذلك يشبه من يعطي جوزا لمن لا أسنان له! ومنهم من يقول بأن الديمقراطية هي التي تخلق الوعي والتقدم والرفاه في المجتمع لو طبقت فيه، ودون الديمقراطية لا يمكن للمجتمع أن يتطور وينهض وتتحسن ظروفه العامة كي تطغي الكفة الموجبة في ميزان الوعي على الكفة السالبة فيه.
هذا النقاش ربما يقودنا الى نفس النقاش الفلسفي المعروف بين أولوية المادة والوعي، حيث ترى الفلسفة المادية أولوية المادة على الوعي بينما يناقضه رأي الفلسفة المثالية التي ترى أولوية الوعي على المادة. رغم هذا التناقض حول مسألة السبق بين الوعي والديمقراطية إلاّ أن هنالك من يرى بأن الوعي والديمقراطية توأمان متماثلان متكاملان متلازمان لا يمكن الفصل بينهما ولا يصمد أي منهما بغياب الآخر.الديمقراطية تؤثر على الوعي وتتأثر فيه والوعي مادة الديمقراطية ونتاجها، فهما ينشآن وينموان ويتطوران كف بكف وكتف بكتف والعلاقة بينهما أشبه ما تكون بعلاقة الحركة مع الزمن، فلا حركة من دون زمن ولا زمن من غير حركة.
سؤال قد يطرح نفسه بإلحاح ملخصه هو : طالما كانت الصلة بين الوعي والديمقراطية هي صلة تكافل وتكامل وموازاة ، فما الذي سيحصل لو أجرينا تغييرا تجريبيا في ميزان المعادلة بين الوعي والديمقراطية فرجحنا كفة الواحدة على الأخرى ؟ أي ماذا سيحصل لو نزل الوعي بقدرة قادر على مجتمع يحكمه دكتاتور أو أرسينا الديمقراطية وجئنا بها من وراء البحار وزرعناها في مجتمع ينقصه الوعي؟.
هنا دون شك ستحصل ردود أفعال لحدث غير طبيعي تتباين في درجتها وطبيعتها، وذلك طبقا لحالة المجتمع وطبيعته. لا أعتقد بأن مشكلة ستحصل في المجتمع الذي ينزل عليه الوعي بشكل مفاجىء وسريع وهو في ظل الدكتاتورية. لأن المجتمع الواعي يستطيع أن يتعامل مع كل الظروف حتى مع دكتاتوره. الدكتاتور في المجتمع الواعي لا يجد مكانا له، فسيرى بأن أقرب الناس اليه يتخلون عنه، حتى حمايته الخاصة (الواعية) تسلط الضغط عليه كي يسير بطريق الحضارة والمدنية ويتخلي عن الحكم الشمولي خدمة للشعب وللديمقراطية. الدكتاتور في المجتمع الواعي سيشعر بعقدة النقص وسيصيبه الهلع بسبب ثقافة مجتمعه المتزايدة ووعيه الكامل. فيتبدل عنده شعور جنون العظمة بشعور الدونية ونهم السلطة بالتوجس منها وهكذا يتهاوى نفسيا وسلطويا وهو في حالة الوقوف. طبقا لهذا ربما لا يرى المحلل السياسي إرباكا أو إرتباكا ممكن الحصول لو غيرنا إصطناعيا معادلة الوعي مع الديمقراطية فزدنا مقدار الوعي في المجتمع وأبقيناه على حالته السياسية.
الطامة الكبرى ستحصل دون شك في الفرضية الثانية ألا وهي حالة ورود الديمقراطية الى مجتمع ينقصه الوعي وغير محضر للإرتقاء الديمقراطي. هنا سيحصل تفاعل يشبه تفاعل الحوامض مع القلويات غبر المتجانسة. سنلبس مجتمعا عاريا من الوعي ثوب الديمقراطية ، إلاّ أن هذا الثوب لم ينتج محليا وحسب مقاييس وعي المجتمع انما يلبسه المجتمع دون قياس ودون مواصفات مما قد يؤدي الى أن يكون هذا الثوب إما طويلا جدا فيعثر المجتمع فيه أثناء السير ويسقط على وجهه وربما لا يستطيع بعد ذلك النهوض، وإما أن يكون الثوب شديد القصر فتبان عورات ذلك المجتمع وخباياه.
الديمقراطية الواردة الى مجتمع دون حساب ودون توازن مع درجة الوعي والثقافة سوف تحوّل الأمراض الحادة في ذلك المجتمع الى أمراض مزمنة، وتمنح جراثيم الأفكار المتخلفة قابلية التوطن والنمو والإزدهار. في بعض مجتمعات العالم الثالث قد تكون عصا الدكتاتور حدّا فاصلا بين الممارسات والأعراف البالية ومظاهر الأمراض الإجتماعية الكامنة وبين خروج أعراضها وصورها مكشوفة نحو السطح. في ظل الديمقراطية تتحرر هذه الأمراض وتتشرعن هذه الممارسات والعادات وتنتشر دون مانع أو رادع، وهذا ما سيؤدي الى سير ذلك المجتمع نحو الهاوية سواء كان عاجلا أم آجلا!

الديمقراطية المسلوبة من الوعي ستثير النعرات الدينية والطائفية والأثنية والعشائرية في نفوس أبناء المجتمع وتؤدي الى تفتته وإنقسامه على المدى المنظور. سيموت المشروع الوطني في ذلك المجتمع ويصبح العرق قبل التراث والطائفة قبل الوطن. كما ان هكذا ديمقراطية ستبث الفوضى والبعثرة وتزيد من نسبة الجريمة بكل انواعها خصوصا السرقة والإختطاف بسبب مطاطية القانون أو تساهله في مجتمع معتاد على اساليب القوة والإضطهاد في تعاملاته مع أبنائه. سوف تنطلق ظاهرة شبق السلطة بكل زخمها لتعبّر عن الحرمان والعوز الذي عانى منه المجتمع وهذا ما سيجعل الساحة منطلقا لصراع المصالح التي تتفاوت بين المصالح الفئوية الى المصالح الفردية الذاتية.
الأسماك الكبيرة في عالمنا الثالث لا تملك إلاّ عينا واحدة ضيقة الأفق لا ترى الأمور إلاّ بمنظار واحد محصور ومشوش، بينما الأسماك الصغيرة هي التي تتميز بسعة النظر وبعده وبقوة الحركة وحيويتها. إلاّ أن الأسماك الكبيرة تأكل عادة الأسماك الصغيرة في هذا العالم ولا تدع لها إمكانية الحركة والنمو أو حتى الوجود! وهكذا تصبح الساحة في ظل الديمقراطية المجردة عن الوعي ملكا للأقوى دون الأجدر وحكرا للأشقى دون الأنبل!
الناخب غير الواعي في ظل الديمقراطية سوف لا ينتخب ممثلا واعيا في أكثر الحالات ، عندها نكون في نهاية المطاف قد إستبدلنا دكتاتورا متعجرف بديمقراطي متخلف وسيكون هذا المجتمع خال من الكفاءة والقدرة ويسير الى الوراء بدلا من أن يتقدم ، مما يجعل المجتمع المظلوم والمتعب يتباكى على أيام الدكتاتورية المرّة يوم كانت عيونه رمداء ، فالرمد أهون عليه من العمى وما أقسى معاناة المجتمع حينما لا يرى النور في وضح النهار!



#محمد_مسلم_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غياب المشروع الوطني: العرق قبل العراق والطائفة قبل الوطن !
- الحرب الروسية الجورجية : النتائج والأبعاد...
- يا وزارة خارجية العراق أحسني إختيار السفراء
- تحديات ل - إتحاد من أجل المتوسط-
- القمة الأوربية الجديدة في ظل التحديات.....
- أسود في البيت الأبيض، حقيقة أم وهم!؟
- حمّى الأرض تقتل الأرض، فأين البشر!؟
- استنزاف العراقيين مسؤولية من؟
- اوربا تنوي التخلص من ثمانية ملايين مقيم غير شرعي!
- من المستفيد من قمة بوخارست؟
- -فتنة- من أجل الفتنة
- إنتصر لأمّه وخذل أباه : أنه رئيس وزراء بلجيكا الجديد
- عبد الأخوة التميمي في ذمة الخلود
- العراق ينتظر الثورة...
- إنقلاب الصحوة أم صحوة الإنقلاب؟
- من سينتصر: دهاء إيران أم قوة أمريكا !؟
- الفتن الأمريكية في العراق
- عاصمة اوربا بلا حكومة! : دروس وعبر...
- نداء في يوم العيد...
- مشروع تقسيم العراق، تحصيل حاصل أم هدف مرسوم؟


المزيد.....




- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد مسلم الحسيني - الوعي والديمقراطية...