أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - روسيا واميركا: الحرب السرية الضارية















المزيد.....

روسيا واميركا: الحرب السرية الضارية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2405 - 2008 / 9 / 15 - 10:29
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في الربع الاول من القرن العشرين، في نهاية الحرب العالمية الاولى، اكتشفت الجماهير الاوروبية المخدوعة (ومعها شعوب العالم قاطبة) ان برلماناتها المنتخبة وحكوماتها "الدمقراطية" واحزابها "الشعبية"، لم تكن سوى "بارافانات" لـ"حكومات سرية"، هي الحكومات الفعلية التي كانت تتحكم بمصائر الشعوب، وتتمثل تلك "الحكومات" في الكتل المالية والاحتكارات الكبرى التي كانت توجه السياسة الدولية عبر ما يسمى "الدبلوماسية السرية"، من وراء ظهر الرأي العام والبرلمانات والحكومات المنتخبة. وقد رفعت الجماهير في تلك الايام، في المظاهرات الاحتجاجية على الحرب ونتائجها المأساوية شعارات مثل "تسقط الدبلوماسية السرية!".
وفي الربع الاخير من القرن العشرين، اطلق الرئيس الاميركي الاسبق دونالد ريغان شعار "امبراطورية الشر"، قاصدا بذلك الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت الجماهير الشعبية في بلدان المنظومة السوفياتية السابقة تناضل ضد السلبيات التي كانت تلازم النظام التوتاليتاري السوفياتي السابق، وهي السيلبيات التي تتحمل مسؤوليتها بالكامل البيروقراطية الحاكمة آنذاك؛ وقد رفعت الجماهير حينذاك شعارات "الدمقراطية المباشرة" و"النقابات الحرة" و"التسيير الذاتي" و"المجتمع المدني" و"الاشتراكية ذات الوجه الانساني".
وظن الكثيرون من معارضي النظام التوتاليتاري السوفياتي السابق ان السياسة الاميركية يمكن ان تصب في اتجاه "دمقرطة" النظام الاشتراكي، دون المس بالمكتسبات الاجتماعية والثقافية والانسانية التي كانت البيروقراطية مضطرة لتوفيرها للجماهير الكادحة، كحق العمل المضمون، وثبات المداخيل عبر ثبات العملة الوطنية، والطبابة المجانية، والتعليم الابتدائي والثانوي المجاني، والجامعي المدعوم، والسكن شبه المجاني، والخدمات العامة (المواصلات، التدفئة، المياه، الكهرباء المنزلية) شبه المجانية الخ.
ولكن الادارة الاميركية، واجهزتها المخابراتية، وحلفائها الستراتيجيين الصهاينة، استغلت رغبة التغيير لدى الجماهير في المنظومة السوفياتية السابقة، لتخوض "حربا سرية" حقيقية، لاسقاط "امبراطورية الشر" او النظام الاشتراكي المشوه، ليس بهدف احلال نظام "دمقراطي" افضل منه، بل للقضاء على المكتسبات الاجتماعية للجماهير الشعبية، ولاسقاط الاستقلال الوطني للبلدان الاشتراكية السابقة، وبالاخص روسيا العظمى، وللسيطرة عليها ونهبها واستعمارها وتحويلها الى بلدان عالمثالثية متخلفة لا اكثر ولا اقل.
وبعد سقوط ما كان يسمى "الستار الحديدي"، طبقت الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية على البلدان الاشتراكية السابقة السياسة التخريبية ذاتها التي تطبقها اليوم على البلدان العربية ـ الاسلامية: المؤامرات، الاغتيالات، "فرق تسد"، "الفوضى البناءة"، النزاعات الدينية والاتنية والقومية، الحروب الاهلية والاقليمية الخ. ونجحت في تنظيم عدد من "الثورات الملونة" بالوان الثمار والزهور: البرتقال والورد والبنفسج وربما كان سيأتي دور الزعفران والبطيخ والباذنجان ايضا.
ولكن الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي، واخذت تطلب من عملائها "الدمقراطيين" الذين اوصلتهم الى السلطة، ان يلقوا في المزبلة "الزهور" و"الثمار" الديكورية التي حمـّلتهم اياها في البداية، وان يحولوا بلدانهم الى قواعد عسكرية صاروخية وغيرها ضد روسيا. وتجلى ذلك بالاخص في البلدان القريبة من روسيا، كبولونيا واوكرانيا وجيورجيا.
ولكن الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية اصطدمت بواقع صعب (والواقع عنيد، كما يقول الانكليز) هو ان "الدب الروسي" ـ وايا كان النظام السياسي والاجتماعي في روسيا ـ هو كبير وقوي وعصي الى درجة لا يتسع له معها فم القرش الاميركي ولا تقوى عليه انيابه.
وفي النزاع الذي نشب مؤخرا بين روسيا والنظام العميل لاميركا في جيورجيا، وقفت اميركا مذهولة امام اسوأ كابوس يمكن ان تتصوره واشنطن وهو: عودة روسيا القوية!!
وقد علق راديو "دولتشيه فيليه" على هذا الوضع بالقول "ان اميركا تريد معاقبة موسكو، ولكن امكانياتها تبدو محدودة، والعلاقات الثنائية بين البلدين مهددة". اي "العين بصيرة، واليد قصيرة". وهذا ما يجعل "ردود الفعل" الروسية اللاحقة، تخرج عن نطاق تنبؤات جهابذة الستراتيجية الاميركية ـ الصهيونية ككيسينجر وبريجنسكي وبيريز وغيرهم.
ويعترف غالبية المحللين وممثلي الادارة الاميركية في الايام الاخيرة ان النزاع الروسي ـ الجيورجي وضع الولايات المتحدة الاميركية وحلفاءها الغربيين في وضعية صعبة للغاية، ليس لديهم فيها وسائل كافية لايقاف روسيا، او حتى للتعبير عن غضبهم حيالها.
وحسبما يقول زينو باران من مؤسسة "هدسن"، فإن هذا العجز يرسل اشارة الى كل الاقليم المحيط بروسيا، من اوكرانيا الى كازاخستان وجميع دول الكتلة السوفياتية السابقة، التي انضمت او تريد الانضمام الى الناتو والاتحاد الاوروبي، ومفاد هذه الاشارة "في الوقت الراهن ليس الغرب في وضع يسمح له بالدفاع عن هذه البلدان، بوجه روسيا".
وبلغ الامر حدا ان وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف وصف ميخائيل سآكاشفيلي (الرئيس الجيورجي) بأنه "جثة سياسية" وطلب بالتلفون من وزيرة الخارجية الاميركية غونداليزا رايس ان يتم ازاحته من السلطة. ويعلق زينو باران على ذلك بالقول "مثل هذه القحة لم يكن بالامكان ان تحدث في اسوأ مراحل الحرب الباردة؛ من الواضح انه قد بدأ عهد جديد في العلاقات بين روسيا والغرب".
وحسب المحللين فإن روسيا سوف تعمل كل ما هو ممكن لعرقلة عودة ابخازيا واوسيتيا الجنوبية الى جيورجيا، من اجل عرقلة المشاريع الاميركية لمد انابيب البترول والغاز من بحر قزوين الى تركيا عبر جيورجيا، وبالالتفاف حول روسيا. ويقول هؤلاء المحللين بأنه لا يمكن فعل شيء للوقوف بوجه روسيا.
وحسب المحللين انفسهم، فإن روسيا تحاول ان تبدل وجهة السياسة الخارجية لاسيا الوسطى. فإذا نجحت في جيورجيا وآسيا الوسطى، فإنه لن يكون بالامكان التنبؤ عن انعكاسات ذلك على العلاقات بين موسكو وواشنطن، وبين موسكو والغرب عموما.
ان جل اهتمام الادارة الاميركية يتركز الان على الوسائل التي يمكن بواسطتها ممارسة الضغط على روسيا. ويبحث هؤلاء الممثلون في الوقت الحاضر، مع شركائهم من الدول الاخرى امكانية اسقاط روسيا من عضوية نادي (G-8) الثمانية الكبار.
وتقول المعلومات الواردة من البيت الابيض ان الرئيس بوش قد تحادث مع قادة الدول السبع الكبرى ومع قادة الدول الموالية للغرب في الكتلة السوفياتية السابقة، والح عليهم للقيام برد فعل حاد ضد التدخل الروسي في جيورجيا.
ولكن بعض الخبراء الاكثر واقعية يقولون ان القيام بتبديل مهم في تركيبة (G-8) الثمانية الكبار، يبدو غير واقعي؛ ولكن من الممكن اتخاذ تدابير اقتصادية وقانونية ضد روسيا. ولهذه الغاية ينبغي توفير وحدة تامة في مواقف الحلفاء الغربيين، وبالاخص فيما يتعلق بألمانيا، التي يتوجب عليها ان تعيد النظر في علاقاتها الثنائية، وخاصة على صعيد الطاقة (وخصوصا الغاز)، مع روسيا.
هل ستنجح اميركا في حربها السرية الجديدة ضد روسيا، في عهدها "البوتيني"، كما نجحت في العهد "الغورباتشوفي ـ اليلتسيني"؟
يقول بعض الخبراء ان فرص اميركا للنجاح في المرحلة الراهنة تكاد تكون معدومة، لسببين رئيسيين:
الاول ـ ان اميركا هي التي تتحمل المسؤولية الاولى عن ازمة الطاقة العالمية، التي حشرت فيها جميع دول العالم، وبالاخص الدول الاوروبية، في زاوية ضيقة؛ وهذه الازمة تهدد بانهيار اقتصاديات هذه الدول، اذا لم تتعاون مع روسيا. والدول الاوروبية خصوصا لا يمكن ان تقف لامبالية حيال العروض الروسية المغرية بمدها بالنفط والغاز. وامكانية معاداتها لروسيا، على حساب مصالحها الجوهرية، "مسألة فيها نظر!!".
الثاني ـ ان اميركا استنفدت "احتياطها السياسي" في دول الكتلة السوفياتية السابقة؛ فبعد انهيار النظام التوتاليتاري جاء الى السلطة في جميع تلك الدول تقريبا "الطابور الخامس" الموالي لاميركا. وقد "انكشف" هذا الطابور الخامس وانفضح بشكل تام، وظهر خصوصا عدم حرصه على مصير ومستقبل بلدانه وشعوبه. وفي حين ان قادة وكوادر هذا "الطابور" اثروا واغتنوا بفضل سياسة "الانفتاح" و"الاجواء المفتوحة" وما اقتضته تلك السياسة من تعميم للفساد، فإن بلدانهم سارت في خط انحداري على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ؛
وبعد انفضاح هذا الطابور الخامس، لا يبدو في الافق انه يوجد لدى اميركا "طابور سادس!!!" بديل تعتمد عليه في تخريب، ومزيد من تخريب هذه البلدان، التي انخدعت لفترة قصيرة من الزمن بالشعارات "الدمقراطية الاميركية" الجوفاء، من ضمن الحرب السرية الاميركية؟؟
ويقود ذلك حتما الى السؤال المضاد:
ـ ان اميركا ينطبق عليها المثل القائل "لا تراشق الاخرين بالحجارة اذا كان بيتك من زجاج". فهل ستصمد اميركا (ومعها الحلف الاطلسي والحليفة الستراتيجية اسرائيل) امام الحرب السرية المضادة، التي من المحتم ان تشنها روسيا بالتعاون مع حلفائها القدماء والجدد، المتزايدين "بفضل" غباء واخفاقات السياسة الاميركية، بشكل يهدد وجود الامبريالية الغربية ورأسها الاميركي ـ الصهيوني؟!
يبدو ان العد التنازلي للهيمنة الاميركية قد بدأ...
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اميركا تتلقى لطمة جديدة(!!) من اذربيجان
- جيورجيا: -حرب صغيرة-... وأبعاد جيوبوليتيكية كبيرة!!
- الامن العالمي و؛؛الامن القومي الاميركي؛؛
- جورجيا: قبضة الخنجر الاميركي الصهيوني التركي في خاصرة روسي ...
- وروسيا تخرق -اتفاقية يالطا- وتمد -حدودها- الى حدود اميركا
- -عملية باربروسا- الاميركية: وهذه المرة سينقلب السحر على السا ...
- -حزب ولاية الفقيه- والمسألة الشرقية
- فخامة الجنرال
- مطب السنيورة، و-الارصاد الجوية- الاميركية!؛
- -حلف بغداد- يطل برأسه مجددا: من انقره -الاسلامية!-؛
- كوميديا الدوحة وأيتام دجوغاشفيلي
- حزب الله و-فخ الانتصار-!
- المشكلة السودانية
- لبنان في الساعة ال25
- -نبوءة- نجيب العزوري
- -نبوءة-نجيب العازوري
- الهوان العربي
- ازمة الكتاب العربي
- ستراتيجية المقاومة وتحديد الاعداء، الاصدقاء والحلفاء
- الكيانية اللبنانية ...الى أين؟!


المزيد.....




- فرنسا تدعو روسيا وليس بوتين للمشاركة في احتفالات ذكرى إنزال ...
- الكرملين: كييف تسعى لوقف إطلاق النار خلال الألعاب الأولمبية ...
- الإيرانية والإسرائيلية أيضا.. وزير الخارجية الأردني يؤكد -سن ...
- المتنافسون على السلطة في ليبيا -يعارضون- خطة أممية لحل الأزم ...
- وزيرا الدفاع الأمريكي والصيني يعقدان أول محادثات منذ 18 شهرا ...
- باريس -تدعو- روسيا من دون بوتين للاحتفال بذكرى إنزال الحلفاء ...
- زيلينسكي يوقع قانون التعبئة الجديد لحشد 500 ألف جندي إضافي ب ...
- أوكرانيا أرادت تصفية الصحفي شاري واتهام روسيا باغتياله
- الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس: إسرائيل سترد على إيران في ا ...
- لافروف: الولايات المتحدة وحلفاؤها يشعرون بقلق متزايد بشأن عم ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - روسيا واميركا: الحرب السرية الضارية