أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - في ذكرى الرحيل الصامت 2 - 2















المزيد.....



في ذكرى الرحيل الصامت 2 - 2


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 2404 - 2008 / 9 / 14 - 07:24
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


اربعة اعوام كاملة لغياب الفقيد ابراهيم كبة


ستدوس اقدام الشعوب كخرقة
مهروءة من كان سوط بلاء
فيرون كيف تجيد في ابانها
صنع المعاجز جذوة البغضاء
سيرى عتاد الاجنبي بعينه
مرمى عقيدة امة عزلاء

ابراهيم كبة علم بارز من اعلام الفكر في العراق والوطن العربي ومربي أكاديمي تخرج من مدرسته المئات من حملة الأفكار الاشتراكية،ومناضل صلب في سبيل السلام والحرية والتقدم الاجتماعي.

من نتاجات ابراهيم كبة

تأييد الموقف السوري ضد احتكارات النفط الدولية
ملاحظة من الكاتب:كتبت هذه البرقية في عهد اتسم بصعود نجم الفكر القومي البائس!
السيد رئيس وزراء الجمهورية العربية السورية المحترم
دمشق

نؤيد موقفكم الوطني الحازم ضد احتكارات النفط الدولية،ونؤكد ضرورة اتخاذ الخطوات التالية:-
1. مع تقديرنا لتصريحات رئيس وزراء العراق في دعم الشعب السوري الشقيق،نعتقد بضرورة مبادرة الحكومة العراقية الى شق طريق الاستقلال الاقتصادي بعيدا عن التبعية للاحتكار النفطي بانذار شركات النفط بتشغيل العراق المنشآت النفطية واستئناف الضخ ومباشرة الاتصال بالدول الصديقة والاسواق النفطية الاخرى لضمان التسويق في حالة عدم الاتفاق مع سوريا خلال مدة معينة.
2. دعوة الجامعة العربية لأتخاذ قرار بالزام الدول العربية المعنية بانذار الشركات لوقف انتاج النفط العربي ونقله عير بلدانها بما في ذلك قناة السويس في حالة اصرارها على موقفها المتعسف وبطلب من العراق وسوريا.
3. دعوة منظمة الاقطار المصدرة للنفط لأتخاذ قرار بانذار الشركات بوقف انتاج النفط في حالة اصرارها وبطلب من العراق.
هذا ونؤكد بان انتصار الامة العربية في هذه المعركة رهين بالتقاء القوى التقدمية على النطاق العربي في جبهة معادية للاستعمار.كما ان مستلزمات المعركة في العراق تفرض اطلاق الحريات العامة لتوفير المناخ الديمقراطي الضروري لألتقاء جميع القوى التقدمية في جبهة موحدة قادرة على تعبئة الشعب وقيادته الى النصر في هذه المعركة القومية ضد احتكار النفط الاستعماري.

مصطفى علي
عبد الوهاب محمود
ابراهيم كبة
محمد سلمان حسن

ابرقت بتاريخ: 16/12/1966

الحياة الحزبية في العراق
ابراهيم كبة

وجدت هذه المخطوطة في مكتبة ابراهيم كبة .. مخطوطة غير منشورة وغير مؤرخة .. لكنها بخط يده ، ويشير مضمونها انها كتبت اواسط اربعينيات القرن المنصرم . وفيما يلي جزء رئيسي منها(علما ان القسم الاول نشرناه في دراسة سابقة):
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=109494


القسم الثاني
امكانيات العراق الحزبية

خلاصة ما تقدم اذن عن الأحزاب القائمة في العراق،إن واحدا منها لا يكفي بمفرده وبشكله الذي عرضناه ان يكون محل الاعتماد والثقة لقيادة الحركة الحزبية في العراق ورفع لواء المعارضة الجدية في سبيل تغيير الوضع الاجتماعي فيه.بل لابد من حزب جديد يجمع بين العناصر الحية في الأحزاب القائمة ويستغل الامكانيات الاجتماعية في العراق.ويستفيد منها جميعا وفق الخطة العلمية العامة والوسائل العلمية الخاصة التي أشرنا اليها.
على إن معرفة إمكانيات الحزب المذكور تتوقف بطبيعة الحال على دراسة امكانيات العراق الاجتماعية أي على دراسة الطبقات الاجتماعية في العراق بمعرفة عناصر القوة وعناصر الضعف في الحياة الحزبية.ولا يمكن في هذه العجالة طبعا الا الاشارة إشارات عامة الى الخطوط الرئيسية في الوضع الاجتماعي من العراق.
يمكن استعراض الطبقات الاجتماعية في العراق فيما يلي:
1) البدو : لا شك إن طبقة البدو الرحل لا يمكن التفكير في الاستفادة منها في أي عمل حزبي آني لعدم استقرارها و لانعدام الوعي العام فيها.ومشكلة الاستقرار في الطبقة المذكورة هي المشكلة الأساسية الممهدة لجميع الامكانيات الاجتماعية الأخرى فيها .
2) الفلاحون : من المعلوم ان هذه الطبقة تكون الأغلبية الساحقة من سكان العراق.ومشكلة المشاكل في هذه الطبقة هي نظام الاقطاع القائم خاصة في الجنوب.ونظام الاقطاع كما هو معلوم،وان كان نظاما اقتصاديا من حيث الأساس،يستند الى ملكية رؤساء الاقطاع للأراضي الخاصة أو الأميرية أو الى التصرف الدائم بها،الا انه نظام له مستلزماته السياسية والقانونية وحتى الفكرية،ولا يمكن دراسة هذا النظام بكلمات.لهذا أجلتها الى فرصة أخرى لأهميتها البالغة في حياة العراق العامة واكتفي بالاشارة الى بعض الخطوط الرئيسية الواجبة الدرس في هذا الصدد..
ان نظام الاقطاع يستند الى أربعة مصادر قوى أساسية. فهو يقوم في قوته الاقتصادية على ملكية الأرض أو التصرف بها،ولذلك يجب دراسة نظام الأرض في العراق على ضوء قوانين الأراضي القديمة وقوانين التسوية والتصرف وهي قوانين وضعت خصيصا لتقوية نظام الاقطاع وتثبيته بعد ان بدأت تدب فيه عوامل الانحلال بفضل التطور الاجتماعي.
كما انه يقوم على قوة بشرية هائلة هي قوة جماهير الفلاحين الخاضعة لمشايخ العشائر ورؤسائها(أي لرجال الاقطاع)بحكم تبعيتها الاقتصادية من جهة،وبحكم نظامها الأخلاقي والثقافي القائم على الطاعة والايمان بالقدر والاستسلام للعصبية القبلية وسيادة الخرافات الدينية.ومصدر القوة الثالثة هو النظام التشريعي السائد في العراق والمكرس في اغلب نواحيه وتفاصيله لتثبيت الاقطاع وخدمة رجاله.فقوانين العشائر والاختصاصات الادارية القضائية الواسعة واكثر قوانين الأرض والزراعة- خاصة قانون حقوق و واجبات الزراع- وأكثر نظم ولوائح الري والسداد،كل ذلك مكرس لخدمتهم ولتثبيت مصالحهم.بل يمكن القول بدون مبالغة بان الجهاز الحكومي و بسائر فروعه موجه في الأرياف لخدمة النظام الاقطاعي واخضاع جماهير الفلاحين لنيره.
ولا ننسى طبعا القوة الخارجية التي تكمن وراء جميع هذه الأنظمة وتعمل على ادامتها وتثبيتها والمتمثلة في الاستعمار الخارجي وطبقة كبار الموظفين التي تعيش الآن على رجال الاقطاع ومنحهم ورشواتهم،وخاصة رؤساء الوحدات الادارية ورجال القضاء،ورجال الأمن،والقائمين على مشاكل التموين .
ومع ذلك فان التطور الاجتماعي الاخير في العراق،وخاصة التطور الاقتصادي،بدأ يعمل على انحلال هذا النظام وتفسخه وسيؤدي لا محالة الى القضاء عليه في النهاية.ومما يجب درسه في هذا الصدد :
• الضعف الاقتصادي المريع أحيانا الذي بدأ يصيب بعض كبار رجال الاقطاع ويبهضهم بالديون الثقيلة لأثرياء المدن الكبرى،ويلزمهم بدفع المبالغ الطائلة بالربى الفاحش للجماعة المذكورة( آل شلال مثلا وسيطرتهم على الفرات الأوسط)،وجاءت الضربة الثانية على رجال الاقطاع من جراء دخول أبناء المدن واثريائها في معترك الحياة الزراعية،وغزوهم غزوا قويا لمعاقل الاقطاع.وقد كان ذلك نتيجة عوامل مختلفة منها نمو الثروة الخاصة في المدن الكبرى وعدم امكانية استغلالها في المشاريع الصناعية لأسباب مختلفة،واضطرار اصحابها على تثميرها في الحياة الزراعية(الدامرجي،عبد النبي الدهوي مثلا وغزوهما مناطق كبيرة في لواء ديالى)،ومنها اضطرار بعض رجال الاقطاع وخاصة اولئك الذين فسحوا المجال من الوجهة الاقتصادية على اشتراك أبناء المدن وخاصة كبار رجال السياسة والمتنفذين من رجال الطبقة الحاكمة في حياتهم الزراعية املا في انقاذ موقفهم المرتبك.ومن المعلوم ان فريقا كبيرا من رجال السياسة اليوم اثروا عن هذا السبيل واصبحوا يعدون من كبار ملاك الأراضي الزراعية (المدفعي واراضي كرارة ؛العسكري،عبد الكريم الازري).
• والعامل الآخر من عوامل انحلال النظام الاقطاعي هو بداية دبيب الوعي في سكان الأرياف ونشوء مراكز كثيرة في مراكز الألوية والاقضية وبعض النواحي المهمة في صميم الريف يصح ان تسمى (مراكز ثقافية تعليمية ) بدأ ينتشر الوعي فيها الى الأرياف نتيجة دخول التعليم فيها،ولاشك ان هذا العامل سيكون حاسما في القضاء على النظام الاقطاعي .
• ومن العوامل الملحوظة في تفسخ النظام الاقطاعي الهجرة العامة خاصة اثناء الحروب،من الأرياف الى المدن الكبرى بسبب الضائقة الاقتصادية التي ترهق كواهل الفلاحين وترغمهم على الانتقال الى ميادين أوسع فيها.
وقد خلقت هذه الهجرة مشاكل جديدة في المدن الكبرى وخاصة في بغداد،مشاكل تتصل بالتموين والأمن والأجرام الا أنها على كل حال عامل هام من عوامل تفسخ النظام الاقطاعي الذي يعتمد على طاعة وتبعية جماهير الفلاحين.
• واخيرا فان الطبقة الاقطاعية فقدت قوتها الداخلية وتضامن رجالها نتيجة النزاعات المختلفة التي احتدم أوارها في الفترة الأخيرة من تاريخ العراق نتيجة تدخل السياسة فيما بينها،وتنافسها وتكالبها على الحصول على وسائل القوة الجديدة التي نشأت عن نظام الدولة الجديد،من عضوية النيابة الى عضوية الوزارة أحيانا الى غير ذلك.وبالرغم من بعض المحاولات الفاشلة في الفترة الأخيرة لجمع شملها وتوحيد جهودها ضد عوامل الانحلال المذكورة(من المؤتمرات العشائرية الأخيرة الى محاولة ايجاد حزب جديد)،فان المحاولات المذكورة انتهت الى الفشل بسبب طغيان التطور الاجتماعي الجديد.
والخلاصة فان طبقة الفلاحين بحكم خضوعها للنظام الاقطاعي لا تصلح كمصدر مباشر للامكانيات الحزبية المنظمة وان كان من الممكن القيام بمحاولات جزئية في نشر الوعي فيها عن طريق المدارس الريفية خاصة.
3) سكان المدن :ان المدن هي المصدر المباشر لإمكانيات العمل الحزبي ويمكن تقسيم سكان المدن من وجهة الإمكانيات الحزبية الى ثلاثة أقسام.
أ‌. العمال الصناعيون - لاشك ان طبقة العمال هي أهم عنصر قابل للاستفادة منه في العمل الحزبي الجدي.وبالنظر لأهميتهم من جميع الوجهات في أي عمل حزبي فعال،وبالنظر الى ان تنظيمهم السياسي والنقابي من أول مستلزمات العمل المذكور،اصبح للنقابية اكبر الأهمية في الحياة الحزبية،ولا يمكن في هذه العجالة الا الاشارة لهذه الأهمية فقط.أما الدراسة التفصيلية للنظام النقابي في العراق وقوانين العمل الأخيرة وامكانيات التنظيم النقابي بموجبه،وتجارب النقابات التي تكونت فعلا،فكل ذلك يحتاج لبحث خاص.
ب‌. الطبقة الوسطى الصغيرة - لهذه الطبقة في حياتنا الاجتماعية الحاضرة أهمية قصوى لم تلتفت لها الأحزاب الحالية كما يجب،بالاضافة الى أهميتها العددية في المدن الكبرى والصغرى على السواء اذ تكون الأغلبية الساحقة من سكانها بدون ريب،لذلك فانها اكثر الطبقات العامة وعيا بحكم معارفها العملية الناشئة عن أعمالها التجارية وظروفها المهنية واتصالاتها المباشرة بدوائر الدولة ومراكز التجارة الكبرى في المدن كالشركات التجارية وتجار الجملة والمستوردين والمصدرين الكبار،وهي مراكز ليست تجارية فقط بل مراكز ثقافية في الواقع تكسب المتصلين بها خبرة عملية فتزيد في معارفهم وتوسع من نطاق آفاقهم للحياة.كما ان لهذه الطبقة خبرة سابقة في الاشتغال بالمسائل الوطنية العامة. وكانت من أهم مصادر قوة الحزب الوطني.وكان لتنظيمها النقابي اكبر الأثر في لم شتاتها وجمع كلمتها وقيامها ببعض وسائل الضغط الهامة على الحكومات القائمة آنذاك(اضرابات 1930 ومقاطعة شركة الكهرباء الأجنبية ومقاطعة الانتخابات النيابية).والاهم من كل ذلك ان هذه الطبقة اكثر الطبقات تأثرا بالتطور الاجتماعي والاقتصادي في المدن الكبيرة خاصة. وقد ظهر تطور اقتصادي جديد قبيل الحرب العالمية الثانية في المدن الكبرى في العراق وزادت الحرب(بما تجمع لدى البعض من ثروات طائلة)في حدة التطور فنشأت شركات كثيرة في بغداد والبصرة تحاول السيطرة بل احتكار التجارة الداخلية والخارجية في بعض المواد الأساسية كالشاي والسكر والأقمشة علاوة على تجارة الأراضي المربحة.ولاشك ان هذا التطور يقضي على حياة الكثيرين من أفراد الطبقة الوسطى الصغيرة،مما يجعلهم بحكم مصالحهم الاقتصادية اشد وعيا من غيرهم واكثر ادراكا لأهمية تنظيمهم واقرب مثالا من جميع الطبقات الأخرى لأمكانيات العمل الحزبي الفعال.على ان هناك خصائص خاصة في هذه الطبقة تضعف الامكانيات المذكورة،فهي من جهة تفصل بين المهنية والعمل السياسي اذ هي تشعر بحكم مصالحها بأهمية تنظيمها المهني لكنها لا تدرك بحكم ضيق افقها الاجتماعي أهمية العمل السياسي في هذا المجال.وهي على العموم جامدة لا تثق كثيرا بالتغيير والتطور وتكره دائما الأساليب الثورية ووسائل العنف وتشعر بحاجتها للدوام والاستقرار وابقاء ما كان على ما كان.هذا فضلا عن مزاجها الديني الحاد وتعصبها الشديد له وكراهيتها الفطرية لجميع الأفكار والاتجاهات التي تمس المشاعر الدينية من قريب أو بعيد.
هذه الحالة الاقتصادية والعقلية الخاصة لهذه الطبقة يجب ان يحددا الوسائل اللازمة لكسب هذه الطبقة والتكتيك المناسب لضمها للحركة السياسية الحزبية . فيجب أولا اعادة الحركة النقابية لهذه الطبقة والاهتمام الجدي بذلك والتعاون معها من الوجهة السياسية ..كذلك يجب توجيه الحزب وجهة ثابتة مقصودة نحو الاهتمام جديا بمصالح هذه الطبقة المباشرة سواء أكان ذلك في منهاج الحزب ومبادئه وأهدافه المباشرة ،أو في شعارات الحزب ووسائله في الدعاية والنشر أو في أعمال الحزب الفعلية وحركاته في العمل. ومن الوسائل اللازمة المناسبة لكسب هذه الطبقة الاستفادة من اجتماعاتها التقليدية وخاصة الدينية منها لنشر الوعي العام فيها بالطرق الملائمة لثقافاتها وعقلياتها.وعمل الحزب الوطني في هذا السبيل أيضا كاستغلال التعازي والأعياد والزيارات،الخ.وقد كانت لشخصية رئيسه المحترمة وبعض عناصر القيادة فيه الأثر الخاص في نجاح تلك الفعاليات .كما ان انضمام كبار رؤساء هذه الطبقة وزعمائها النقابيين للحزب المذكور اثر واضح في ذلك أيضا.
ت‌. المتعلمون- وهم فريقان :1- اليساريون . لاشك إن لليساريين في الطبقة المتعلمة في العراق كل الأهمية في العمل الحزبي المباشر إذ يجب أن يكونوا وحدهم المسيطرين على عناصر التوجيه في الحزب ومراكز القيادة فيه،ولذلك يجب دراسة هذه الجماعة بشيء من التفصيل. أول ما يلاحظ عن هذه الجماعة قلة العدد وسبب ذلك معروف يتعلق بالأنظمة العامة في العراق،وخاصة نظام التعليم المتصف بالطبقية من جهة،وبالمميزات الأخرى التي سيأتي ذكرها بعد حين .
وثاني ما يلاحظ في هذه الفئة قلة الدراية التي تتمثل في مظاهر مختلفة منها نقص المعلومات المنظمة عن النظرية الماركسية نفسها وعن تطبيقاتها المختلفة وتطوراتها الدائمة عند الأمم واتجاهاتها المختلفة في ظروف العالم الحديثة؛ومنها نقص المعلومات عن أحوال العراق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعدم الاهتمام الجدي بملاحظة مشاكله ودراسة ظروفه الخاصة،ومنها أيضا نقص المعلومات الاجتماعية العامة وعدم الإلمام بالاتجاهات المختلفة المعارضة للماركسية في الوقت الحاضر.هذا النقص البارز في الكفاية الفكرية وفي المعلومات العامة اتضح كل الوضوح في كتابات ونشرات وترجمات اليساريين في العراق وخاصة في مطبوعات صحيفة حزب الشعب.واذا استثنينا عزيز شريف من الحزب المذكور لوجدنا تأخرا مؤسفا في كتابات قادة هذا الحزب،وفي معالجتهم لمشاكل العراق المختلفة( توفيق منير والآخرين )،على ان المظهر الأكبر لنقص الدراية المذكور هو الخطأ في وسائل التطبيق أي نقص الالمام بالتكتيك الحزبي وعدم الاهتمام بالعوامل النفسية المحيطة بالأفراد والجماعات.وقد كان لهذا العامل أثر واضح في اختلاف اليساريين واهتمامهم بالتوافه دون اللباب.
كذلك من الظواهر الواضحة في هذه الفئة هو الانقسام والتشتت وكثرة الخلافات،ولاشك ان لهذه الظاهرة عوامل اجتماعية عميقة،بعضها يرجع الى الاختلاف الطبقي في هذه العناصر والظروف الاجتماعية المختلفة التي نشأوا فيها،والروح العامة المتباينة التي نشأت عن ذلك، والأمزجة المختلفة المتفرعة عنها ( عزيز شريف و كامل الجادرجي )والبعض الآخر يرجع الى المنافسات الشخصية و الاختلافات الخاصة التي ترجع أحيانا الى أصول تتصل بعهد التلمذة والدراسة والاشتغال المبكر غير الناضج في المسائل العامة،على ان أحد العوامل الكبرى في هذا الاختلاف هو العقلية الدوغمائية النظرية التي تتصف بها الطبقة المثقفة عامة والعناصر غير الناضجة منها خاصة.هذه العقلية التي تبعد أصحابها عن المشاكل العملية وتضفي عليهم طابعا خاصا من المثالية الفلسفية والتفريعات النظرية الفكرية البعيدة.ولعل اكبر سبب في تطرفهم ومغالاتهم(أمثال/ داود الصائغ)وعدائهم لجميع اليساريين العراقيين وتوجيههم جميع جهودهم وقواهم للقضاء عليهم بدل توجيه الجهود للقضاء على القوى الرجعية يرجع الى هذه(الدوغمائية)الفكرية.
ومن العوامل المهمة في هذا الاختلاف أيضا عدم ظهور شخصية ماركسية قوية تفرض احترامها على الجميع وتتمتع بمزايا خاصة من تاريخها أو ثقافتها أو مركزها الاجتماعي ينظم تحت لوائها الجميع.أي بعبارة أخرى ان تساوي مركز العناصر التي تشغل مراكز القيادة في هذه الفئة في الوقت الحاضر،أو شعورها بهذا التساوي عامل مهم في منافساتها واختلافها ورغبة كل منها في عدم السير تحت لواء الآخرين ..واحسن دليل على ذلك هو قبول اكثر عناصر هذه الفئة الالتفاف حول جعفر أبو التمن بالرغم من افتقاره الى جميع عوامل اليسارية الواعية،فلو ظهر رجل له مركز أبو التمن مثلا،ويعتنق الماركسية نظريا وعمليا بنفس الوقت لاستطاع لحد كبير ان يوحد جهود هذه الفئة ويقضي على الاختلافات المصطنعة بينها.
وملاحظة أخرى عن هذه الفئة هو عدم تحرر البعض منها للأسف الشديد من النزعات الرجعية المناهضة للماركسية فبعضها يوفق بين الشيوعية والعنصرية ويستغل الأولى منها لتطبيق وتحقيق الثانية وكثير من الشيوعيين اليهود من هذا القبيل.والبعض الآخر لم يتحرر بعد من عوامل الطائفية ولم يدرك الطبيعة الاجتماعية والأسباب العامة لظهور الطائفية. واخيرا فان بعض أفراد هذه الفئة بل بعض كبار التقدميين فيها لا ينظرون الى الشيوعية والاتجاهات التقدمية الأخرى الا بمنظار ثقافي خاص أي لا يدركون مضمونها الثوري وقيمتها في تبديل المجتمع ووسائلها في هذا التبديل .هذه الفئة تضع الشيوعية وضعها لسائر المدارس الفكرية الأخرى،باعتبارها تيارا عاديا من تيارات الفكر البشري بدون التفات الى الصفة الأساسية منها،صفة الكفاح الاجتماعي لتبديل المجتمع،أو بكلمة واحدة تضع هذه الفئة نفسها موضع المتفرج على(الرواية الاجتماعية)ان صح التعبير،وليس موضع المشترك في التمثيل.ولعل اكثر عناصر الحزب الوطني الديمقراطي من هذا القبيل.
والخلاصة عن هذه الفئة انها قليلة العدد ضعيفة الكفاية،موزعة الاتجاهات،ولكنها على كل حال المصدر الوحيد في الوقت الحاضر لإمكانيات الحزب الماركسي المطلوب وتسلم مراكز القيادة فيه،وسنرى بعض الوسائل الممكن استخدامها للعمل على توحيد هذه الفئة وشحذ وعيها الماركسي العام .
2- باقي المتعلمين(ولا أقول المثقفين لأن ثقافة هؤلاء الاجتماعية خاصة لا يمكن ان تعد ثقافة علمية بالمعنى الصحيح).ان أهمية هذه الطبقة واضحة في كل عمل اجتماعي حزبي في العراق لأنها الطبقة الواعية من جهة ومصدر القوى التوجيهية لطبقات الأمة الأخرى من جهة ثانية ، ولا يمكن في هذه العجالة دراسة هذه الطبقة بالتفصيل المطلوب بالرغم من الأهمية البالغة لهذه الدراسة لمعرفة الإمكانيات الإيجابية فيها واستيعاب مصادر القوة والضعف في ثقافتها وأمزجتها واتجاهاتها الفكرية.
أول ما يلاحظ على هذه الطبقة أحوالها الاقتصادية المزرية في الوقت الحاضر، ويرجع ذلك الى عوامل عميقة تتصل بالوضع الاجتماعي العام في العراق وأنظمته السياسية والاقتصادية .وقد زادت الحرب الأخيرة في تردي الأحوال المذكورة لزيادة مستوى المعيشة وثبات إيرادات اكثر أفراد هذه الطبقة أو ايرادات آبائها.ولنأخذ مثلا على ذلك المحامين _ باعتبارهم أقوى عناصر هذه الطبقة في الإمكانيات العامة وانشطها فعالية في العمل …نظرة واحدة الى أحوال المحامين في العراق والى أسباب سوء أوضاعهم الاقتصادية ترينا ان مرجع ذلك يعود في الواقع الى تردي جهاز الدولة العام كله ، فيعود من جهة الى نظام العراق السياسي غير الديمقراطي حيث ان الرشوة والنفوذ الشخصي أهم الوسائل الموصلة اليوم لحل النزاعات القانونية ، فانفردت فئة قليلة من كبار المحامين باحتكار الدعاوى الهامة على حساب ضياع كل عناصر الكفاية القانونية والنشاط الفعلي لأغلبية المحامين وخاصة العناصر الناشئة فيها . كذلك يعود ذلك الى نظام العراق الاجتماعي حيث لا تتوفر في الأرياف والأماكن البعيدة وسائل المواصلات الكافية ووسائل الراحة البسيطة ، فتركز اكثر المحامين في بعض المدن الكبرى فقط في الوقت الذي يفتقر فيه الريف وهو موطن المنازعات الأساسي الى ابسط المحامين واقلهم كفاية . كذلك يعود التردي في الوضع الاقتصادي الى النظام القضائي العراقي خاصة حيث جرد القضاء العراقي الاعتيادي من أهم اختصاصاته الطبيعية ووسع اختصاص رجال الإدارة وكبار موظفي الدولة في المسائل الإدارية والمالية والعشائرية ومسائل التموين والتغذية ومشاكل السداد والري ، واصبحت المحاماة في جميع هذه المسائل الأساسية وقفا على فئة قليلة من أرباب النفوذ واصحاب الدراسات السابقة وكبار المتنفذين ، حتى من غير المحامين أنفسهم… وضاع بذلك على المحامين مصدر واسع كبيرمن مصادر دخلهم المشروع .كذلك يعود التردي المذكور الى نظام العراق الاقتصادي حيث تنعدم فيه المؤسسات الاقتصادية الشعبية التي تعتمد في البلاد الديمقراطية في كثير من أعمالها القانونية والاقتصادية وكل ما يحتاج الى استشارات عامة على المحامين واصبحت المؤسسات القليلة الناشئة في العراق كبعض الشركات الجديدة لا تعتمد بحكم طبقيتها وبحكم صلاتها ومصالحها مع رجال الحكم الا على الوزراء السابقين وبضعة أفراد من كبار المحامين .واخيرا يجب ان لا ننسى نظام العراق التعليمي وأثره في التردي الاقتصادي للمحامين حيث اقتصر على أعداد المحامين الناشئين أعدادا نظريا فقط ، فضعفت لديهم بعض الوسائل المهمة التي تربط فئة قليلة من المحامين الآن في العراق بالبنوك وبعض الشركات الكبرى كالتمكن من اللغة الأجنبية والاطلاع على قوانين التجارة الأجنبية والخبرة في بعض المعلومات العملية ك( مسك الدفاتر ) والمعلومات الحسابية …الخ…مما جعل هذه الأعمال وهي تكون مصدرا مهما لدخل المحاماة في العادة وقفا في العراق على بضعة أفراد من المحامين العراقيين ،وخاصة اليهود منهم ( يوسف الكبير – شينا وغيرهم).
والخلاصة ان الوضع الاقتصادي لطبقة المتعلمين ، وضع سيء جدا ، وهو يسير نحو التردي بالتدريج حيث تنحسر امكانيات التوظف ويصعب الاعداد للامتهان الحر.
بعد هذا ننتقل الى حالة المتعلمين الثقافية ومزاجها العقلي الخاص واتجاهاتها الفكرية ، وأول ما يصدم الانسان في دراسة هذه المسألة هو النقص الفاضح في المعلومات الاجتماعية لهذه الفئة والضعف البالغ في وعيها الاجتماعي والسياسي بالمعنى العلمي الصحيح ،ويمكن أن يلاحظ بهذا النقص مظهران أساسيان :
الأول - عدم تطبيق المقياس العلمي الموضوعي في المعارف والعلوم الاجتماعية . من المعلوم إن المعرفة بوجه عام سواء أكانت المعرفة الطبيعية أو المعرفة الاجتماعية ، ماهي الا صورة للعالم الخارجي المادي القائم فعلا في حيز الوجود . فالمعرفة الطبيعية ماهي الا دراسة وفهم الطبيعة الخارجية أي معرفة قوانينها وتطورها ومصدرها وسيرها بوجه عام. وكذلك المعرفة الاجتماعية ماهي الا دراسة المحيط الاجتماعي الخارجي القائم فعلا. أي دراسة الانسان بسائر علاقاته الاجتماعية بأخيه الانسان ، أو علاقاته بالطبيعة الخارجية بمعناها العام .والمقياس العلمي كما هو معلوم أيضا لا يمكن أن يكون الا انطباق هذه المعارف على حقيقة سير العالم الخارجي المذكور.وفي مجال العلوم الطبيعية لا نشك الآن في هذا المقياس الموضوعي . فإذا قلنا مثلا أن الماء يتألف من أوكسجين و هايدروجين فيمكن التأكد من صحة هذه النظرية بتطبيق المقياس الموضوعي بأخذ كمية من الماء فعلا وتحليلها في المختبر واكتشاف حقيقة تكونها من العنصرين المذكورين. أي إن هذا الرأي في الماء رأي صحيح من الوجهة العلمية لأنه ينطبق على حقيقة تكوين الماء.وبالرغم من بديهية هذا المقياس في العلوم الطبيعية فاننا نجد انه لا يزال بعيدا عن الهضم والتمثل في المعارف الطبيعية …ولنأخذ مثلا ( على كيفية تطبيق المقياس الموضوعي في المعارف الاجتماعية ) المثل الآتي من علم الاقتصاد :
قرأنا جميعا في كتب الاقتصاد المدرسية بأن عوامل الإنتاج أربعة هي : الطبيعة ، العمل ، الرأسمال ، المدير .فكيف نستطيع أن نقرر علمية هذه النظرية أي صحتها من الوجهة العلمية ؟ المقياس الموضوعي يقتضينا أن نأخذ الانتاج الفعلي كما يقع في الواقع . ولنأخذ مثلا إنتاج الأحذية محاولين تطبيق النظرية المذكورة عليه.ما هو عامل الطبيعة في عمل الأحذية ؟ لاشك إن الذي يقصده علماء الاقتصاد بالطبيعة هو جميع المواد الطبيعية قبل أن تعمل فيها يد الانسان. ولاشك إن المادة الأساسية الطبيعية في الأحذية هي الجلود.فكأن علماء الاقتصاد يقولون بأن الجلود هي العامل الأول في انتاج الأحذية …ولكن أليست الجلود هي مادة الأحذية بالذات أو بعبارة أخرى أليست الأحذية هي الجلود نفسها محولة من حالة طبيعية الى حالة جديدة بفعل عوامل الانتاج ؟ إن نظرة بسيطة الى هذه المسألة تبين لنا بكل وضوح بأن الطبيعة - وتمثلها هنا الجلود - ليست اذن عاملا من عوامل الانتاج ولكنها مادة الانتاج بالذات . وعليه فيمكن القول بكل اطمئنان بان الرأي المذكور القائل بأن الطبيعة هي العامل الأول في الانتاج ليس صحيحا من الوجهة العلمية.
كذلك يقول علماء الاقتصاد بأن العمل هو العامل الثاني من عوامل الانتاج ، ونظرة بسيطة الى انتاج الأحذية تقنعنا بوضوح بصحة هذا الادعاء من الوجهة العلمية لانطباقه على واقع الأمر لأن انتاج الأحذية لم يتم فعلا الا باشتراك العمل وتحويل المادة الأولية ( الطبيعة ) الى مادة منتجة قابلة للاستهلاك.
نأتي الى العامل الثالث وهو عامل الرأسمال .فمالذي يقصده علماء الاقتصاد بالرأسمال ؟ يقصدون في موضوعنا هذا ، ( أي انتاج الأحذية وسائر المنتجات الصناعية الحديثة ) المكائن والآلات .فما هو مقدار صحة هذا الرأي علميا ؟ لاشك إن الأحذية في هذا المثل لم تنتج الا بتشغيل المكائن والآلات ولكن ما هي طبيعة هذه المكائن والآلات ؟ نظرة بسيطة الى هذه الطبيعة ترينا بوضوح بأن هذه المكائن والآلات ما هي بدورها الا مادة أولية أي طبيعية ( حديد ، برنز وسائر المعادن الأخرى ) ، عملت بها يد الانسان أي اليد العاملة فحولتها الى منتجات اعتيادية كسائر المنتجات الأخرى ، وان كانت لا تستهلك مباشرة بل يتم استهلاكها في انتاج البضائع الأخرى ، وأذن فليست المكائن والآلات ،أي ليس الرأسمال ، عاملا اصليا من عوامل الانتاج بل هو مادة تنطبق عليها وعلى إنتاجها سائر عوامل الانتاج للبضائع الأخرى ، ولا يمكن أن تعتبر عاملا من عوامل الانتاج وعليه فأن الزعم المذكور في أن الرأسمال هو أحد عوامل الانتاج زعم غير علمي لأنه لا ينطبق على الواقع .
واخيرا نأتي الى العامل الرابع في الإنتاج وهو المدير ( الإدارة ) أو ما يسميه بعضهم ( بالتنظيم ) . ونظرة بسيطة الى هذا العامل ترينا انه ليس عاملا مستقلا اذ انه ينطوي تحت مفهوم العمل وهو لا يخرج عن كونه صورة من صوره بالذات .واذن فنتيجة تطبيق المقياس العلمي الموضوعي على هذه النظرية الاقتصادية في عوامل الانتاج اتضح لنا بأنها نظرية مغلوطة علميا ، لأن عوامل الانتاج تنحصر في عامل واحد ايجابي وهو العمل ، وما الطبيعة الا المادة المنتجة بالذات وما التنظيم والرأسمال الا صورتان للعمل بالذات .
على أن الطبيعة المتعلمة عندنا بوجه عام ويشمل ذلك حتى الطبيعة التي تحشر نفسها بين فئة العلماء من خريجي الجامعات الأوربية تفوتها هذه البديهية الاجتماعية فلا تعول في مقاييسها العلمية على هذا المقياس الطبيعي الموضوعي بل تتعداه الى مقاييس أخرى يمكن تقسيمها الى قسمين :
أ – أما مقاييس شكلية أي أنها تهتم بالشكليات والوسائل العلمية بدون اهتمام ( بالمضمون العلمي ) أي بانطباق المعارف الاجتماعية على الحقائق الاجتماعية الخارجية .من ذلك أنها تلتقي لاعتبار المعرفة علمية باحتوائها مثلا على الإحصائيات أو بكونها حافلة بالمصادر والوثائق والمستندات أو بكونها كتبت بأسلوب هادئ بعيد عن الحماسة والتأثر أو أنها منظمة مرتبة يجري فيها التسلسل السببي بشكل واضح .وليس وجه الاعتراض طبعا على هذه النظرة هو التأكيد على هذه الوسائل اذ من المعلوم أنها جميعا وسائل لازمة لمعرفة الحقائق الاجتماعية أي للتوصل الى السير الحقيقي للعالم الاجتماعي الخارجي ، ولكن وجه الخطورة والخطأ هو أنها تكتفي بهذه الوسائل وتعتبر توفرها كافيا لاستكمال الصحة العلمية بدون التفات الى أن هذه الوسائل جميعا لا تخرج عن كونها وسائل فقط ، قيمتها في أنها توصل الى الحقائق الاجتماعية وان المقياس الوحيد لصحة المعارف الاجتماعية هو المقياس الموضوعي المادي المشروح آنفا أي انطباق المعارف الاجتماعية على الحقائق الاجتماعية الفعلية.
ب – واما أن تكون مقاييسها مقاييس ذاتية شخصية أي الاهتمام بالأسماء سواء أكان ذلك أسماء الأشخاص واصحاب المعرفة أو أسماء الفلسفات والمعارف الفكرية نفسها . وهذه الظاهرة ، ظاهرة التأثر بالأسماء دون التأكد من صحة الأفكار على الطريقة المذكورة ظاهرة خطرة مريعة حقا في الطبقة المتعلمة في العراق وقد جعلتها سهلة المأخذ ، سهلة التأثر بل الانقياد والخضوع لمجرد الأسماء المعروفة في عالم الفكر والشهرة الفكرية . ولا اظنني بحاجة الى ذكر الأمثلة على هذا المزاج المعروف لدى الجميع ولكن المهم انه موجود حتى في الطبقة المثقفة ثقافة عالية فانها تفترض وتسلم بصحة النظريات الاجتماعية لمجرد كونها صادرة من العالم الفلاني أو المفكر الفلاني بدون التفات الى التيارات الخفية التي توجه المعرفة والأفكار بوجه عام والتي سيأتي ذكر بعضها بعد قليل.
ولكن ماهي أسباب هذا المزاج لدى الطبقة المتعلمة بوجه عام ؟إن لذلك أسباب كثيرة يمكن تلخيصها من الوجهة الفكرية بكلمة واحدة معروفة لدينا نحن الشيوعيون . وهي المثالية :
لا يمكن طبعا بكلمة مثل هذه أن يستعرض الإنسان المثالية الفلسفية وعوامل نشوءها والمصالح الاجتماعية التي تنبثق عنها ، ولكن النتائج العملية لهذه النظرة هي نتائج سيئة جدا أدت في الحقيقة الى سطحية اكثر ما كتب عن العراق حتى الآن من قبل الطبقة المتعلمة .إن المثالية باختصار هي تصور وجود مستقل للأفكار وكيان خاص لها بصرف النظر عن أساسها المادي في العالم الخارجي الاجتماعي أو الطبيعي .ولنضرب بعض الأمثلة مما كتب عن العراق فعلا ومما يدرس الآن في المدارس العالية في العراق كضرب من ضروب المثالية .لنأخذ مثلا الكتب الدستورية التي وضعها الأساتذة المصريون عن نظام العراق الدستوري .من الطبيعي إن أي بحث عن الحياة الدستورية للعراق معناه البحث عن هذه الحياة للعراق المادي أي هذه القطعة من الأرض التي يسميها الوطن العراقي مختلف الطبقات من السكان الذين نسميهم الشعب العراقي وهذه المؤسسات الحكومية التي نسميها بجهاز الدولة .والحياة الدستورية في العراق معناها حياة هذا الشعب العراقي القائم فعلا ، وحقوقه المختلفة الدستورية وعلاقاته بالسلطات العامة القائمة …الخ…ولكن الأساتذة المذكورين لا يبحثون عن هذه الحياة المذكورة بل يبحثون عن حياة دستورية أخرى لوثيقة أو وثائق جامدة معينة ،لحبر و ورق و مادة مطبوعة ،هي وثيقة الدستور العراقي والقوانين الدستورية الأخرى المتصلة به، وبتطبيق هذا المقياس المثالي أي دراسة الأفكار القائمة في الدستور ،بصرف النظر عما تمثله من حقائق بشرية واجتماعية وسياسية وقانونية قائمة في الخارج ، انتهت الى نتائج في منتهى الغرابة والبعث عن السخرية والألم …انتهت مثلا الى أن العراق : بلد ديمقراطي دستوري برلماني في حين اننا كلنا نعلم إن العراق بعيد كل البعد عن أن يوصف بهذه الصفات ، انه عراق الدستور الورقي ، وليس العراق القائم في الفعل.
يدرس مجيد خدوري مثلا - جريا على المصادر التاريخية الشائعة في الدول الغربية – تاريخ أوربا الحديث على أساس حركة الأمم والقوميات فيتحدث مثلا عن الوحدة الألمانية والوحدة الايطالية وكيفية تحققهما بجهود بسمارك وكافور وان الأخيرين خدما أمتيهما احسن خدمة الخ…ولا يكلف المومى اليه نفسه عناء البحث في هذه الدراسة القائمة على افتراض سابق معين هو تصور الأمة الالمانية والإيطالية كوحدة معينة منسجمة المصالح والأهداف ، موحدة العلائق والاتجاهات ..وان بسمارك مثلا ،اذ حقق الوحدة الالمانية السياسية ، قام بخدمتها جمعيا وعمل على توحيدها من الوجهات المختلفة .إن المومى اليه بافتراضه هذه الفرضية وبتسليمه بها إنما سار على المثالية في التفكير .لأنه لم يكلف نفسه عناء البحث في حقيقة الشعب الألماني في زمن بسمارك. وكلنا نعلم بان الشعب المذكور كان يجتاز في أواخر القرن التاسع عشر اخطر ظاهرة في تأريخه وتاريخ أوربا حينذاك ، هو نشوء واستفحال قوة الطبقات الحاكمة الالمانية ، وخاصة طبقة كبار الاقطاعيين ( يونكرز ) والطبقة البورجوازية الكبيرة التي لم يكن بسمارك الا وسيلة من وسائلها وآلة في يدها استعملته في القضاء على الحركات التقدمية الالمانية ، ويرجع لبسمارك بالذات ولسياسة الدولة الالمانية آنذاك ، اثر القضاء عليها وعلى جهودها السياسية والاجتماعية ، وتأخير الحركة الاشتراكية الأوربية مدة طويلة أو بكلمة أخرى فان بسمارك لم يقم بتوحيد الأمة الالمانية في الواقع بل بالعكس قام بشحذ حدة التناقض الاجتماعي بين طبقاتها ولم يقم بخدمة الأمة الالمانية بل قام بخدمة الطبقات الحاكمة فيها على حساب أكثرية الشعب الألماني.
والخلاصة في الظاهرة الأولى للنقص الثقافي في الطبقة المتعلمة لدينا الآن هي تشبثها بمقاييس شكلية لصحة المعارف الاجتماعية وان مرجع ذلك يعود للمثالية في التفكير.
الثاني - أما الظاهرة الثانية للنقص المذكور فهو التجريد الفكري أي عدم أدراك مضمون مادي للمفاهيم الاجتماعية وعدم أدراك طبيعة التطور في المفاهيم المذكورة . مثال ذلك إن الكتب الدستورية التي تبحث عن الديمقراطية في العالم وتعرف عناصرها وخصائصها يجري التكلم عنها كأنها ذات مفهوم واحد في كل التاريخ البشري منذ ظهور الديمقراطية اليونانية حتى الآن ولا تدرك البديهية الاجتماعية في أن الديمقراطية في المدن اليونانية لا يمكن أن تكون عين الديمقراطية في المجتمع الحديث لاختلاف النظامين الاجتماعيين اليوناني والعصري.
مثل آخر مستمد من الدراسة القانونية في فرنسا : يذهب ( سل ) مثلا الى أن أساس القانون بوجه عام هو التضامن الاجتماعي .وليس المقصود هنا مناقشة صحة هذه النظرية من الوجهة العلمية إذ أنها تناقض الواقع في المجتمع الطبقي ولكن مظهر التجريد في هذه الدراسة هو أن التكلم عن القانون بوجه عام يجري بدون ملاحظة اختلاف القوانين وتباين أسسها باختلاف الأنظمة الاجتماعية التي تمثلها .والواقع إن التجريد صورة من صور المثالية مصدره عدم أدراك طبقية المعارف الاجتماعية وإنها نتيجة طبقية المجتمع بالذات.
هذا وقد أدت الحالة العقلية السالفة الذكر بأكثر أفراد الطبقة المتعلمة الى نتائج كثيرة تتصل باتجاهاتها الثقافية والفكرية نذكر منها على سبيل المثال :
1 - تعلق الكثير منها بالقومية وانتمائها الى الأحزاب والمنظمات الداعية لها باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتوحيد الأمة وقد ساعد على ذلك عدم فهم الطبيعة الطبقية للقومية البورجوازية ودورها التاريخي المرسوم ، كما ساعد على ذلك الدراسات التاريخية المغلوطة المقررة في العراق ( كما هو الحال في الوحدة الالمانية والإيطالية كما ذكرنا )
2 - تعلق الكثير من أفراد هذه الطبقة بالمبادئ الدكتاتورية والمعادية للسامية وسائر مفاهيمها ومستلزماتها الفكرية كمبادئ العنصرية ومبدأ الزعامة وتمجيد الروح العسكرية وتفسير التاريخ الفكري وتاريخ الحضارات على الأسس والاتجاهات القومية وتسخير جميع المعارف والعلوم حتى الوطنية منها لخدمتها . وقد ساعدت على ذلك عدة عوامل محلية منها مثلا :
- التأكيد على دور الأبطال في دراسة التاريخ العربي والتاريخ الأوربي الحديث في المدارس العراقية . مثال ذلك : تاريخ الأمة العربية للمقدادي وتاريخ عزت دروزة . والتأكيد على دور أمثال بسمارك وكافور ونابليون واتاتورك في التاريخ الحديث.
- انتشار المفاهيم الفاشية بسائر ضروبها وصورها نتيجة الانتصارات المؤقتة التي أحرزتها النازية الالمانية كأحتقار الديمقراطية واحتقار الجماهير وانتشار الفلسفات الدكتاتورية الى غير ذلك من الاتجاهات الفكرية التي استفحلت قبيل الحرب الماضية والتي كانت تعبر عن جنون البورجوازية الغربية من جراء توسع الشيوعية في العالم.
- عدم فهم الطبيعة الطبقية للحركات السياسية الحديثة وخاصة النازية الالمانية . وتوهم الكثيرين من الطبقة المتعلمة لدينا بأنها كانت حركة جماهيرية واعية لمحاربة العناصر الناشزة الداخلية والأخطار الداهمة الخارجية جريا وراء الدعايات الخاصة في هذا الصدد . ولعل اكثر ما ظهر من المطبوعات الخاصة بهذه الحركات باللغة العربية تثبيت لهذه النظرة.
- تشجيع بعض رجال السياسة والمعارف في العراق لهذا الاتجاه وتلوين اكثر فروع الثقافة الاجتماعية المدرسة في المدارس بهذا اللون وإنشاء المنظمات الاجتماعية التي تثبت هذا الطابع . مثال ذلك - سياسة ياسين الهاشمي ونظام الفتوة ودور سامي شوكت .
3 - كراهية المبادئ اليسارية وخاصة الشيوعية أما باعتبارها عنصر من عناصر تفكيك وحدة الأمة على أساس المغالطة السابق ذكرها في الخلط بين وسيلة الشيوعية في القضاء على التناقض الاجتماعي الطبقي وممارسة الكفاح الطبقي و( هدف) الشيوعية في ازالة التناقض المذكور .واما باعتبارها مظهرا من مظاهر العقلية اليهودية لتفكيك وحدة الشعوب تمهيدا للسيطرة عليها وهي سخافة قائمة على تفسير مغلوط للتاريخ على أساس القوميات والشعوب وتفسير مغلوط للتاريخ العقلي والحضاري قائم على أساس تعاقب الحضارات أو النفسيات أو العقليات القومية .واما أخيرا باعتبارها تمثل الاتجاه الدولي الاممي المحارب للقوميات والقاضي على كيان الأمم وهو تشويه مغلوط للمسألة القومية.


انتهى

مقدمة حول التجارب الثورية
ابراهيم كبة

ملاحظة:الدراسة المخطوطة غير منشورة سابقا وكتبت في عهد تصاعد نجم الفكر القومي البائس.
في الوقت الذي يحاول فيه البعض صياغة مايسمونه(نظرية الثورة العربية)انطلاقا من منطلقات مثالية او طبقية ضيقة او تبريرية واضحة،متجاهلين غالبا أو مشوهين احيانا معطيات و دروس التجارب الثورية الكبرى في التاريخ القريب،يتحتم على جميع الثوريين الحقيقيين ان يدرسوا مجموع التراث الثوري الحديث بعمق وانفتاح وبروح علمية نقدية،ليستوعبوا دروسه ويستفيدوا منها في عملهم الثوري.ان وضع نظرية خاصة بثورة ما يتطلب دراسة شاملة لتطور المجتمع المعين،بهياكله المختلفة ونمطه الاقتصادي السائد و مؤسساته الفوقية،وتقاليده الفكرية وسماته القومية،واكتشاف تناقضاته الرئيسية والثانوية وطبقاته التقدمية والرجعية،فضلا عن علاقاته المتفاعلة مع الوضع العالمي ككل،وكل ذلك،لا انطلاقا من الفراغ،بل استنادا الى معطيات الاشتراكية العلمية،وتطبيقها المحدد الخلاق.
ان أي نقل آلي او محاكاة حرفية لتجربة الثورة الروسية مثلا،في ظروف تاريخية جدا مختلفة،هو تشويه بالغ وانحراف عن اولويات المنهجية العلمية.الدراسات الجادة اليوم تلقي بعض الضوء على كثير من القضايا التي تبحث الآن في بعض البلاد العربية،كقضية العلاقة بين الثورتين الديمقراطية والاشتراكية،ونظرية وحدة ومراحل العملية الثورية،ومسألة القوى الثورية والقوى المناهضة للثورة،وقضية القيادة والقاعدة والجبهة في العمل الثوري،ومسألة اشكال النضال الثوري المتعددة والمتحولة،وطرق الانتقال الى الاشتراكية،وعلى الاخص مسألة(السلطة)باعتبارها المسألة المركزية في الثورة..الخ.وبالرغم من ان لنا بعض التحفظات حول جوانب معينة من هذه الدراسات وخاصة قيما يتعلق بطبيعة وقوى(الجبهة الموحدة)في مرحلة الثورة الديمقراطية في العصر الامبريالي واعتقادنا بانتهاء الدور الثوري اساسا للبورجوازية الوطنية والقيادي للبورجوازية الصغيرة،في مرحلتنا الثورية الحالية وفي ظروف سيادة الاستعمار الجديد،وكذلك في مسألة العلاقة بين الاحزاب الثورية واعتقادنا بان استقلال هذه الاحزاب في وضع استراتيجياتها وتكتيكاتها الخاصة يكون الشرط الاول للممارسة الثورية الناجحة ويمثل الجوهر الحي للاممية،واخيرا في طبيعة ومعنى وابعاد مفهوم(التعايش السلمي)،نقول بالرغم من تحفظاتنا هذه،فنحن نعتقد ان تجربة الثورة الروسية،هي من اغنى التجارب الثورية واولاها بالدراسة المعمقة واحفلها بالعبر المفيدة.
اننا اذ ننشر هذه الدراسة الموجزة نأمل ان تسهم في تصحيح كثير من الآراء الخاطئة التي تمتلئ بها الكتب والمطبوعات والمواثيق والمناهج السياسية في السنوات الاخيرة،والقائمة على الاضطراب والخلط في جميع قضايا الثورة تقريبا،خلط بين طبيعة الثورات التحررية والديمقراطية والاشتراكية بحجة وحدة العملية الثورية- خلط بين الحركة القومية(التي تستهدف الوحدة السياسية للامة المجزأة)والحركة الوطنية(التي تهدف الى تحرير الامة من الاستعمار)- خلط بين وحدة القوى الثورية(وحدة طبقات وفئات اجتماعية)والوحدة العربية(وحدة الدولة).هذا بالاضافة الى المنطلقات المثالية والتجريدية والاصلاحية لاغلب هذه الآراء والنظريات،كفكرة(الطبقة المجردة)او اللاطبقية لتفسير تخلف بعض المنظمات السياسية في البلاد العربية ومفهوم(وحدة الفكر والعقل)في الامة العربية لتحديد طابعها القومي،ومقولة(اولوية الخلق والابداع على مهام التدمير)واعتبار(الاصلاحات) القوة المحركة للتغير النوعي في بعض البلدان الافريقية،وفكرة الفصل المنهجي بين الاساس الموضوعي لوحدة العملية الثورية(الواقع المركب للاقتصاد)والاساس الذاتي المزعوم لتعدد وتطور مراحلها(الوعي والتنظيم والممارسة)،ومفهوم(الحقيقة القومية)-مقابل السمات القومية-والخلط بينه وبين مقولة النظام الاجتماعي،والتركيز على مفاهيم تكنولوجية(تنمية قوى الانتاج)او سلبية(مجرد رفض الطريق الرأسمالي الخاص)او اخلاقية(العدالة مثلا)او شوفينية(تطور العنصر العربي)او نفسية(ارادة التغيير)او غيبية(رسالة السماء)لتحديد سمات الاشتراكية العربية،مع اهمال متعمد لأهم المقولات العلمية،او تشويهها وافراغها من محتواها الطبقي(مقولات الجماهير،الطليعة،الشعب العامل،الرأسمالية غير المستغلة..الخ)،وفي اغلب الاحوال تجاوز المسألة الاساسية في الثورة،مسألة(السلطة)ومقوماتها المختلفة(الاحزاب،نظم الانتخاب،اجهزة الدولة،المنظمات الجماهيرية..)وكل ذلك لهدف واضح هو تبرير القيادة الانفرادية لبعض مراتب البورجوازية الصغيرة اعتمادا،على اجهزة بيروقراطية،معادية للثورة في الغالب.
ومن الطبيعي ان مثل هذه المنطلقات غير العلمية لابد ان تؤدي في الممارسة الى اخطر النتائج في اعاقة العمل الثوري وتحقيق وحدة القوى التقدمية.ونظرة عجلى الى الآراء والمقترحات الغريبة والمتناقضة التي تطرحها الفئات المختلفة التي تسمى(بالقومية)في هذا الصدد سواء اكان ذلك فيما يتعلق بمعاييرها للقوى الثورية او الشروط التعجيزية الضيقة التي تشترطها لوحدة القوى(الانصهار،وحدة الفكر،وحدة التنظيم،وحدة الاداة الثورية،تقديم حساب عن الاخطاء...الخ)او فرض آيديولوجيا او قيادة معينة،او طرح اهداف خيالية للقاء القوى..الخ تكفي لأدراك خطورة مثل هذه الآراء.
من الطبيعي ان الموقف السليم من مثل هذه النظريات لا يمكن ان يكون التجريح السلبي المطلق جملة وتفصيلا،فنحن مثلا نؤيد انظمة الحكم القائمة في بعض البلدان العربية(سورية،المتحدة،الجزائر)في كل ما يتعلق باجراءآتها لتنمية(قوى الانتاج)كأساس مادي لكل التبدلات الجذرية الحتمية في المستقبل،وفي كل ما يتعلق بتصفية(نظم الانتاج)او الهياكل الاجتماعية المتخلفة كعقبة لابد من ازاحتها من طريق التغير الثوري،ومن كل ما يتعلق بتأميم او تصفية(مؤسسات الانتاج)الاستغلالية الاجنبية او المحلية..الخ.ولكننا- بنفس الوقت- لا نعتقد ان الموقف السليم من هذه النظم وما يقدم لتبريرها من نظريات،هو اضفاء صفة القدسية عليها،واعتبارها(النموذج )الوحيد او الرائد للتجارب الثورية في البلاد العربية،بل على العكس لابد من نقدها ومقاومتها في كل ما يتعلق بالاجراءات المعرقلة لمسيرة المجتمع نحو الاشتراكية بمفهومها العلمي،اي تحرير الطبقات المنتجة لنفسها من الاستغلال وسيطرتها على السلطة،وخاصة في اجراءآتها السلبية في الميدانين الرئيسيين:ميدان اساليب الحكم(اي مقومات الديمقراطية)،والميدان الآيديولوجي.
وبالرغم من يقيننا بان الكثير من هذه النظريات والآراء ذات طابع تبريري واضح،وتهدف مباشرة لأسناد نظم الاحتكار السياسي وعزل القوى الاجتماعية الرئيسية للثورة،الا ان من اسباب انتشارها،بدون شك،هو جهل الكثير من الفئات التقدمية المخلصة لأغلب التجارب الثورية الكبرى في عالمنا الحديث،وذلك بسبب الطابع غير العلمي السائد في الفكر العربي المعاصر.

1/4/1967

اشراك الحزب الشيوعي في مسؤولية الحكم
ابراهيم كبة

ردا على سؤال صحيفة عراقية حول الرأي في اشراك الحزب الشيوعي العراقي في الحكم عام 1959 اكد ابراهيم كبة وزير الاصلاح الزراعي العراقي مايلي:
لا نعتقد ان مطلبا سياسيا ظفر باجماع جميع الاحزاب السياسية والمنظمات الشعبية والديمقراطية وجميع الوطنيين والمستقلين على اختلاف عقائدهم فضلا عن الجماهير الغفيرة للعمال والفلاحين كمطلب اشراك الحزب الشيوعي في مسؤولية الحكم فما هو الداعي لهذا الاجماع من قبل الجميع؟
ان الاجابة على هذا السؤال تتطلب دراسة الوضع السياسي في العراق والشرق الاوسط بل وفي العالم بالمرحلة الحاضرة دراسة موضوعية مما لا يمكن اجراؤه بهذه العجالة.ولكن يمكن تلخيص اهم الاسباب الموضوعية التي تبرر مثل هذا الطلب الحيوي العاجل بما يلي:
1. ان اشراك الحزب الشيوعي في سلطة الحكم تستلزمه طبيعة ثورة 14 تموز الخالدة وطبيعة النظام الجمهوري الذي انبثق عنها.
من المعلوم ان ثورة 14 تموز هي ثورة وطنية تحررية ومثل هذه الثورات لا يمكن ان تنجز اهدافها الا بطريق واحد هو الكفاح الدائب الذي لا يهادن ابدا من اجل ظفر الشعب باهدافه.ومن الحقائق البديهية ان الحزب الشيوعي يلف حول رايته العمال والفلاحين وفئات متزايدة من احرار البورجوازية الوطنية والمثقفين.فهل يمكن ان تحقق الثورة اهدافها من دون مشاركة هذا الحزب الجماهيري وهو اكفأ واقدم الاحزاب الوطنية في السلطة؟
2. ان اشراك الحزب الشيوعي في الحكم عامل حاسم في توفير مستلزمات ترصين كيان الجمهورية.
لا يمكن ترصين كيان الجمهورية في مرحلتنا الحاضرة الا بالاتحاد الفولاذي بين قوة الجيش بسلاحه ووعيه وتطهيره من عناصر التآمر والخيانة وقوة الشعب المتحد المتمرس بمقاومة الاستعمار واعوانه،وما الجيش في حقيقة الامر الا فصيلة امينة منبثقة عن الشعب.ولكن ماهي مستلزمات هذه القوة المتينة،قوة الشعب والجيش؟
ان الاجابة على هذا السؤال تتطلب معالجة نقاط الضعف في الكيان الداخلي للجمهورية على الفور:تتطلب اولا المزيد من الحزم تجاه العناصر الموتورة المليئة بالحقد على ثورة الشعب وانطلاقته،وتتطلب ثانية تطهير اجهزة الدولة تطهيرا شاملا من عناصر الخيانة والتآمر والفساد والضعف واستبدالها بالايدي النظيفة الكفوءة المخلصة الى النهاية للجمهورية وللشعب،وتتطلب ثالثة تطبيق قانون الاصلاح الزراعي تطبيقا حازما جريئا لمصلحة جمهرة الفلاحين ولاسيما المعدمين منهم والاعتماد على نشاطهم الجماهيري وتنظيماتهم المهنية.وليس هناك شك في ان الحزب الشيوعي اقدر الاحزاب الوطنية على المساهمة الفعالة المسؤولة في توفير مستلزمات هذا الهدف الاساسي،هدف ترصين كيان الجمهورية واشتراكه في مسؤولية الحكم سوف يكون عاملا حاسما لبلوغ الهدف المذكور.
3. ان اشراكه في الحكم سوف يعزز النهج الديمقراطي للجمهورية العراقية ويساعد لحد كبير في استكمال استتبابه وبذلك يكون عاملا هاما في ضمان مساندة الشعب والرأي العام العربي والرأي العام الديمقراطي العالمي لجمهوريتنا.
كان النهج الديمقراطي الثوري لقيادة الحكم وخاصة بفضل الدور القيادي الذي كان ولا يزال يلعبه زعيم ثورتنا ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم من اهم عوامل القوة والصيانة لجمهوريتنا وتوفير امكانية استمرار سيرها الظافر عبر المؤامرات والازمات والمشاكل.كما ان هذا النهج الديمقراطي نفسه كان المصدر الحقيقي لالتفاف جماهير الشعب العراقي والشعوب العربية وجميع القوى الديمقراطية في العالم حول الثورة.وقد لعب الحزب الشيوعي اهم دور لتثبيت وتدعيم وتعميق النهج الديمقراطي الثوري لسياسة الحكم بالرغم من عدم اشتراكه حتى الآن في مسؤوليته.ولكن بقي هذا النهج حتى الآن ناقصا لم يستكمل جميع شروطه الضرورية بسبب عدم شمول تمثيل السلطة السياسية(الوزارة)لمجموع ارادة الشعب بسبب عدم تمثيلها لمجموع القوى الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي،اهم الاحزاب السياسية الجماهيرية من دون منازع.اننا نعتقد بان الموقف السليم من الديمقراطية انما يحدده في الوقت الحاضر على وجه الدقة الموقف من الحزب الشيوعي وان المحك الصحيح للسياسة الديمقراطية الاصيلة هو الموقف الايجابي من اشراك هذا الحزب الطليعي في سلطة الحكم لتقويم وضعها بما يؤمن لها المزيد من عوامل القوة والانتصار.
4. ان اشراكه في الحكم يسهل اعادة بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية على اوسع نطاق منظم وطيد بحيث تمثل جميع الاحزاب الوطنية الديمقراطية والمنظمات الشعبية الجماهيرية تحقيقا لمبادئ الديمقراطية الموجهة.
5. ان اشراكه في الحكم يمزق تهويشة(الخطر الشيوعي في العراق)التي يزداد زعيق وعويل الاستعمار بها لتغطية اعماله العدوانية والتآمرية من جهة وشن حرب نفسية مركزة لأبعاد الشيوعيين عن الحكم من جهة ثانية وشق صفوف القوى الوطنية من جهة ثالثة واضعاف ثقة الشعب بالحكومة من جهة رابعة وحرف السلطة عن اتجاهها الديمقراطي المعادي للاستعمار من جهة اخرى.من الضروري جدا ان يفهم الجميع بان العلاج الوحيد لتمزيق هذه التهويشة واخراس الاستعمار الى الابد واحباط مساعيه العدوانية انما هو بالضبط الاسراع في اسهام الحزب الشيوعي في الحكم لا استنادا الى اعتبارات حزبية ضيقة بل استنادا الى مستلزمات المصلحة الوطنية العليا دون التأثر بضغط المستعمرين واعداءهم الرجعيين في هذا المجال.
6. ان اشراكه في الحكم هو السبيل الوحيد لمعالجة مايسمى احيانا بحجة(استفزاز الاستعمار).ان الاستسلام لهذه الحجة يدل في احسن التقديرات على جهل تام بالقوانين الموضوعة لنظام الاستعمار المبني بطبيعته على الاستغلال والاستعباد.ان العلة في استفزاز الاستعمار لا علاقة لها اطلاقا بالشيوعية والشيوعيين بل سببها الوحيد هو سياسة ثورتنا الوطنية الديمقراطية المعادية للاستعمار.ولذلك فان مساهمة الحزب الشيوعي في الحكم لن يضعف سلطة الحكم امام الاستعمار بل سيوفر لها حتما المزيد من اسباب المنعة والتحدي والانتصار على الاستعمار.
7. ان اشراكه في المسؤولية هو عامل هام ايضا على ظاهرة(العفوية)التي تظهر احيانا في نشاط بعض المنظمات الشعبية وتظهر اكثر في سياسة الحكم نفسه.تعكس هذه الظاهرة في الحقيقة قلق الجماهير من وجود الثغرات الهامة في بعض مؤسسات الحكم او بعض نقاط الضعف في تركيب السلطة نفسها.وقد ظهرت للاسف بعض ردود الفعل السلبية من هذه الظاهرة في بعض الاوساط الوطنية حسنة النية،ولكن العلاج الحقيقي لكل ذلك لا يتأتى الا عن طريق معالجة نقاط الضعف وتصحيح اوضاع السلطة على اساس استيعابها لجميع القوى الوطنية المؤمنة حقا بالثورة والمستوعبة فعلا لمطامح الشعب المشروعة الملتهبة في الحرية والرفاه والازدهار.
8. واخيرا ان اشتراك الحزب في الحكم ضروري،خاصة في هذه المرحلة الانتقالية،مرحلة انتزاع السلطة من ايدي الطبقات المدحورة واقامة الشكل الجديد لنظام الحكم الديمقراطي.
ولا يخفى بان من اهم مستلزمات هذه المرحلة اولا شل نشاط العدو وخاصة في الداخل،وثانيا تعزيز المؤسسات الاهلية الديمقراطية لتكون الاساس المتين للمؤسسات الديمقراطية الرسمية.ان المطلب الاول يتبلور في شعار صيانة الجمهورية كما ان المطلب الثاني تبلور في شعار اطلاق العمل للمنظمات الديمقراطية الشعبية.وبالرغم من ان قيادة الحكم سارت في هذه الطريق السليمة خطوات كبيرة مشرقة جدا فلا تزال هناك بعض النواقص في مستلزمات مرحلة الانتقال هذه،ولعل من اهم هذه النواقص اكمال التطهير الجذري في اجهزة الحكم واطلاق حرية النشاط القانوني للاحزاب الوطنية الديمقراطية.وليس هناك ريب في ان مهام هذه المرحلة الخطيرة التي تعقب جميع الثورات الشعبية لا يمكن ان تقوم بها الحكومة وحدها باي شكل كان بل لابد من التفاعل الخصب المستمر بينها وبين جماهير الشعب ممثلة في احزابها الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي وباشراكها بسلطة الحكم.
هذه افكار عابرة تقفز الى الذهن حالا عند محاولة الاجابة على سؤال صحيفتكم حول الرأي في اشراك الحزب الشيوعي العراقي في الحكم.ونعتقد ان في هذا الكفاية.كما اننا لا نشك في ان القيادة الحكيمة لزعيمنا الديمقراطي الفذ مدركة لجميع المستلزمات الموضوعية التي تبرر تحقيق هذا المطلب الشعبي الواسع،مطلب اشراك الحزب الشيوعي في مسؤولية الحكم.

بغداد/1959
راجع للكاتب:
1. ابراهيم كبة غني عن التعريف.
2. السيرة الذاتية للدكتور ابراهيم كبة.
3. عام كامل على رحيل ابراهيم كبة.
4. عامان على رحيل ابراهيم كبة.
5. في الذكرى الثالثة لرحيل د. ابراهيم كبة.
يمكن مراجعة دراساتنا - في الروابط الالكترونية التالية :
1. http://www.rezgar.com/m.asp?i=570
2. http://www.afka.org/Salam%20Kuba/SalamKuba.htm
3. http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKuba/index.htm
4. http://yanabeealiraq.com/writers_folder/salam-kabaa_folder.htm
5. http://www.babil-nl.org/aasikubbah.html


9/9/2008



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى الرحيل الصامت 1- 2
- العملية السياسية في العراق والعودة القهقرى
- اغتيال كامل شياع..كيف؟..لماذا؟..من المستفيد؟..ولمصلحة من
- الماسونية ومعاداة الشيوعية واغتيال الثقافة الوطنية الديمقراط ...
- كامل شياع..من الد مناهضي ثقافة الخنوع
- الفساد - سوء استغلال النفوذ والسلطة
- الثورة الصينية والروح الاولمبية
- الثقافة الوطنية الديمقراطية وثقافة التخاريف الاجتماعية- الاك ...
- هل يعود العراق الى المربع الاول من العملية السياسية
- الادب الايتماتوفي والشبيبة الديمقراطية العراقية
- الموضوعية والسفسطائية في تقييم ثورة 14 تموز 1958 المجيدة
- خسرنا سيار الجميل واخوانه وربحنا ذكرى الصباح الجميل لليوبيل ...
- كهرباء العراق بين الواقع والتهليل والتضليل
- الثقافة العراقية بين الاصالة والطفيلية
- 14 تموز .. الثورة – المنعطف الكبير الحاسم في تاريخ العراق ال ...
- هيئة النزاهة واشباه الرجال
- النجف تُسرق ويُستعبد أبنائها في اكبر عملية سرقة في التاريخ.. ...
- ايران وتركيا وقصف اراضي كردستان العراق
- عقلية الوصاية على العقل والعلم والرياضة في العراق
- السياسة الوحيدة هي الديمقراطية الجذرية


المزيد.....




- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - في ذكرى الرحيل الصامت 2 - 2