أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - الخوف














المزيد.....

الخوف


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2404 - 2008 / 9 / 14 - 06:21
المحور: الادب والفن
    



خرج من البيت المضطرم محمولا على قدميه كسفينة تجر الصحراء، تتورد في جيوبه أحلام بيضاء، وشكوك غريبة تقتلع منه قرارة الأمان، وفي الداخل منه تغازله مرايا إسفنجية وخيوط ريح عاتية تنسكب بلطف وتملأ أضلاعه هواء وكبرياء. صفق الباب وراءه بأناة، أحكم سدة الإغلاق، تأكد من العادة، تفقد جيبه العمودي، ثبت الثبوت الشرعي أن المفاتيح السبع تنام في خوابيه، واطمأنت الهاجرة، ثم حين كان يهبط الدرج إلى أسفل المعمورة مسح شعره المستطيل قليلا بكفه بعد أن صنع منه مشطا، فتخللت أصابعه الخشنة خصلات الشعر، وأحس بارتياح منصوب، وسرعان ما تنسم عبق الفضاء الرحب فتناسى جزيرة الظلال التي اعتقلت ذاكرته.

رائحة الشارع المغلوب كانت تستطيل في مجاري الشرق والغرب، وفي كل اتجاه، لونها، لا لون لها على الإطلاق، لكن كابوسا كثيفا كالمدية يضغط على كيميائه، يحس بدوار، برائحة براز بري تنطفيء في قرارته.( هذه المدينة الأتان لا ترحم..). أدرك أن ثمة شيئا ما يقض جلده ويمسحه كغبار الزيادات في الأجور، هذا الهبوط لا يضر ولا ينفع، واجتمعت في عينيه ظلال من أمسيات عرجاء..في حزامه شبه العسكري يرسخ مسدس ما، نائم كطفل إفريقي، جائع كالدوامة، حين استلقت اليد ضاحيته أحس بجبال من الزهو، وانتفخت فيه مشاعل النقمة، عاود لمسه بالحذر الشديد، وهو يقول:
ـ آه.. أيها الصديق العتيق الموثوق، حامي الملة والدين، أنت سيدي..
كأنما المسدس لا يبالي، يغلق غرفته ولا يسمعه.

بعيدا عن شرار البيت أفنى دروبا طويلة، ودب في سواري قدميه عياء أثقل مسالك الدم فيه، شعر بالضيق يقضمه ويغزو مقاتله، حيث كانت غصة من أمل تثني عزيمته، وتزرع في فنائه أسلاكا شائكة من الغربة، حيث يخنقه السؤال: متى ينتهي هذا السفر المجهول، وتسقط أعتاب المهمة.
وفي مهاوي حارة شعبية مقلوبة ككومة من القش، التفت من الصدفة إلى الوراء، ولم يكن من العادة.كانت الحارة خليجا ممسوحا ولوحا محموما تطير من روابيها المرارة، لمح شخصا آخر بالمحاذاة منه تماما، يشبهه، لا يشبهه. حدق في الشخص، حدق الشخص فيه، تأمل كل منهما الآخر جيدا كأنما يعرفه شر المعرفة، طفت على بقاع وجهه أشباح ابتسامة عليلة، أدار الوجه، دارت في رأسه دوائر هروب عصي، فكر في أن يتوقف عن المسير، أن يبادل الشخص المحاذي ، الشبيه التحية المعهودة، تمنى أن تأخذه العثرة ويفسح له خيمة العبور، أن يسأله الطريق، أن يشهر في وجهه المسدس النائم في حزامه، ويفرغ فيه غضب رصاصة ما، وينتهي المشهد انتهاء. لكنه عدل عن جادة هذه الأفكار السوداء، واستدار في زقاق منفرج ليفلت من ضده الشبيه، ويبتعد عن مجاله البري ويكفيه شر الكلام والسلام. خطوات جارحة خطاها كالبرق تقذفه الأنواء، ولكن الشخص كان يلاحقه كالهواء، يخطو في عصمته، يقابله مرة، مرتين، يتفرس ملامحه بالقسوة، يكاد يحفظ صلابة الوجه، الأنف المستقيم، الجبهة المستطيلة، والأحلام الدفينة التي ترفرف في شبابيك ذاكرته.. داهمته سيوف من الذعر، وارتعدت المرافيء في شفتيه والرئتين والقدمين، فكر في أن يبدأ الخطيئة قبل الأوان لكنه استفاق على دوي الأوامر القاتلة، ينفخ فيها ذخيرة الاحتمال. انتبه بوراق الكلمات الصارمة لرئيسه:
ـ كلامك يا.. سيضيع الفرصة علينا. قد اخترناك لهذه المهمة، أنت صاحبها، فلا تخيب الظن فيك.
انسابت في تجاعيده التعليمات، اغتاظ القليل أو الكثير، لكن ذئاب القوة كانت تبلل فيه بركانا يناوئ تيجان القناعة، حينئذ كان قد انتهى لساحة تعج بالصخب والشغب، تتساقط فيها مدائن الشهوة وحجر الأقحوان، وتعاند الأرض فيها سماءها، والشمس خباءها.دارت به التعاليم العسكرية، واهتزت مراعيه من حزمة خوف يداعب فرائصه، وضع اليد على المسدس، كان المسدس نائما، أطلق من صلبه النار في وجه هواء يشق الساحة محمولا على السواعد، سقطت السواعد، واشتعلت في السماء غمامة سوداء..
باءت الساحة بالخراب، سقطت العصافير أسرابا، أسرابا، وعاد ذلك المساء إلى بيته آمنا إلا قليلا، فوجد الشخص ذاته في انتظاره، فغاظه الأمر. قال في نفسه:
ـ ليس لهذا الخوف وجه واحد.

1991.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء
- ولاء
- الضاحية
- الثلاثة
- الشجرة
- النفس غير المطمئنة
- فصول المودة القديمة
- حالة شبه خاصة
- تكوين
- الولدعديشان
- تلخيص جراح قديمة
- العربة
- سبعة ( رجال )
- بلاد
- باب انقلاب الحال
- باب-عبس وتولى-
- باب التلقيح
- ساعة ألم مضافة للزمن المغربي
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - الخوف