أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعيد هادف - الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحلقة الثالثة)















المزيد.....



الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحلقة الثالثة)


سعيد هادف
(Said Hadef)


الحوار المتمدن-العدد: 2403 - 2008 / 9 / 13 - 02:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أفريكوم والمسألة الشرقية: إلى متى ستبقى الجزائر مجرد مجال حيوي للقوى الصانعة للتاريخ؟
مع صيف 2012، يكون قد مر على الجزائر المستقلة نصف قرن. أربعة أعوام تفصلنا عن ذلك اليوم. فما الذي سيحدث خلال هذه السنوات التي تفصلنا عن 2012؟ وكيف سيكون العالم وقتئذ؟ وهل ستكون الجزائر على ما هي عليه اليوم؟ أم أسوأ؟ أم تكون قد أسست زمنها الجديد، زمن الديموقراطية والسلم والعدالة؟ وهذا ما نتمناه، ومانعمل في سبيله. لقراءة الحلقات السابقة اضغط على الرابط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=139145
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=139541

مع الحرب الروسية التركية وبعد انهزام العثمانيين عام 1774، أي قبل الثورة الأمريكية بحوالي سنتين، بدأ الحديث عن المسألة الشرقية. والمسألة الشرقية (Eastern Question) هي صراع الدول الأوروبية على الإرث العثماني إثر ضعف الإمبراطورية، و هي الحوار الذي دار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومطلع القرن العشرين في أوروبا حول مصير الأقاليم العثمانية وأرض الإسلام عموماً. وما نعيشه اليوم ليس سوى تجل جدلي وامتداد لذلك الصراع وذلك الحوار. فالإرث العثماني والإسلامي عموما الذي ورثته أوروبا أصبح بعد الحرب العالمية الثانية محل تفاوض أوروبي أمريكي. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تابعت أمريكا - رغم عزلتها- باهتمام بالغ أحوال أوروبا، وبشكل خاص الصراع الأوروبي العثماني. على المستوى الإعلامي انتخبت إعلاميين متمرسين في السياسة والثقافة للكتابة عن أوروبا، كانت جريدة "نيويورك تريبيون" على رأس المنابر الأمريكية في متابعة الشأن الأوروبي وخصوصا المسألة الشرقية، وكان كارل ماركس بمقالاته السياسية حول المسألة الشرقية، في طليعة هؤلاء الإعلاميين الأكثر شهرة في أمريكا. (1)
ترجع العلاقة الجزائرية الأمريكية إلى 1785، تاريخ سقوط سفينة دلفين في قبضة البحرية الجزائرية، كان عمر أمريكا الناشئة حوالي سنتين بعد أن استقلت عن التاج البريطاني، بينما الجزائر كانت لا تزال في ظل الحكم العثماني. في عام 1796 اعترفت الجزائر العثمانية باستقلال أمريكا. (2) وفي عام 1815، أي ثلاثين عام بعد حادثة دلفين، أجهزت السفن الأمريكية على عدد من السفن الجزائرية. أمريكا-أيضا- ساعدت فرنسا في احتلالها للجزائر. كما لو أنها كانت تقول في قرارة نفسها لبريطانيا وفرنسا: "اسبقاني للاستيلاء على كل ما باستطاعتكما، ريثما أفرغ من شؤوني الداخلية، اذهبا فأنا آتية".
*****
في عام 1803 اشترت أمريكا مقاطعة لويزيانا من فرنسا، والتي تبلغ مساحتها حوالي مليونين ونصف مليون كلم مربع. ثم دخلت في حرب مع إسبانيا حول القضية الكوبية عام 1895 وانتصرت عليها انتصارا سريعاً و تنازلت إسبانيا لأميركا عن بورتوريكو وغوام كتعويض حرب، و كذلك عن جزر الفيليبين مقابل عشرين مليون دولار. وبعد ثلاث سنوات أي عام 1898 مع بريطانيا حول حدود فنزويلا، و أعادت ترسيم حدود شبه جزيرة ألاسكا رغم الاحتجاجات الكندية. أبدت واشنطن الإستعداد للتدخّل في شوؤن أميركا اللاتينية مثل نيكاراغوا و هايتي والمكسيك و جمهورية الدومينيكان. بعد أن رتبت أمريكا بيتها ووطدت أركانه وعملت على تأمين الجوار خرجت لإعادة ترتيب العالم وجربت اللعب مع الشعوب الأسيوية ذات المنابع البوذية والكونفوشية المختلفة عن الثقافة التوحيدية، ثم انعطفت لاسترداد ما أخذته أوروبا. حدث ذلك مع الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية فالحرب الباردة وحرب الخليج والبلقان والقرن الإفريقي، لقد ظلت تلعب ولا تزال دورالقرصان الذكي.(3) أما أنشطتها العسكرية في أفريقيا بدأت بالحروب الهمجية عام 1801، ولكن هذه القارة لم تدمج في هيكل القيادة العسكرية الأمريكية حتى عام 1952 عندما أُضيفت العديد من دول شمال أفريقيا إلى القيادة الأوروبية (إيوكوم). ومنذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي حتى عام 1971 احتفظت أمريكا بأربعة آلاف عسكري في إحدى القواعد الجوية بالقرب من مدينة طرابلس الليبية، وكذلك في عدة قواعد أخرى أصغر بالمغرب. وفي عام 1957 أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية مكتبها في أفريقيا بعد أن قام نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بجولة في القارة استمرت ثلاثة أسابيع. ومع مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم تمركز نحو 25 ألفًا من القوات الأمريكية في شرق أفريقيا كجزء من قوات الأمم المتحدة التي تقوم بمهام إنسانية في الصومال، كما أن التعاظم الغامض للأنشطة الإرهابية في أفريقيا لم يكن له من تفسير سوى التذرع لوزارة الدفاع الأمريكية لكي تزيد من تمركز قواتها في القارة.
*****
مع حرب التحرير تأخذ العلاقة الجزائرية الأمريكية منعطفا آخر، فأمريكا التي ساعدت فرنسا على احتلال الجزائر جاءت لتقف مع حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. وهي إذ فعلت فلكي تخلي فرنسا المكان وتحل هي محلها. فأمريكا تعاظمت وأصبحت في حاجة إلى مجال أوسع، إنه قدرها المتجلي.
ظل الترحيل القسري والإبادات الجماعية، ثم الحروب الوقائية والاستباقية، سياسة أمريكية تؤطرها عقيدة "القدر المتجلّي"، وهي العقيدة التي تواصل العمل بموجبها حتى يومنا هذا. إنها العقيدة التي تنص على حتمية وقدرية التوسع الأميركي، بالزحف مع دوران الشمس، من الشرق إلى الغرب إلى الشرق، غير آبهة لمصير "الأغيار" باعتباره أضراراً هامشية تبررها مصلحة الحضارة! (4)
لم تدخر أمريكا جهدا لتضطلع بدور القوة الساهرة على تحقيق الحلم الإمبريالي (5) ظلت تجتهد دون كلل وتبتكر الوسائل والأساليب لتنفيذ المخططات الإمبريالية، وبعد أن صالت شرقا وغربا، هاهي قريحتها تتفتق عن مشروع فذ لإنقاذ أفريقيا من أفريقيا. "فالبنتاغون تستعد حاليا لإقامة قاعدة عسكرية كبري تكون مقرا لأول قيادة استراتيجية أمريكية بالقارة السوداء وتسمى أفريكوم حيث ستدمج البرامج الإنسانية والاقتصادية والدبلوماسية في الخطط العسكرية التي يضعها وينفذها الجيش الأمريكي، جيوش الاستعمار الجديد ولم ينس المستعمرون الجدد أن يؤكدوا أن الحملة العسكرية الجديدة ستكون قريبة من الشعوب لأنها تتضمن فرقا للشؤون المدنية ستكون مهمتها حفر الآبار وبناء المدارس، ومد الجسور وتمهيد الطرق واقامة محطات توليد كهرباء لإنارة القارة التي وصموها منذ قرون بالمظلمة وأيضا تدريب الأفارقة لإعادة صياغة عقولهم لتتكيف مع النهج الاستعماري الأمريكي". (6)
يقول المستشار السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي‏.‏آي‏.‏ إيه تشالرز جونسون‏(‏ والذي يشغل منصب رئيس مركز الدراسات الصينية في جامعة كاليفورنيا‏)‏ في كتابه الضرب العكسي‏، إن المؤسسة العسكرية الأمريكية تكاد تكون خارج إطار السيطرة المدنية‏.‏ وإنها تلعب الدور الأساسي في تكوين قناعات الرأي العام الأمريكي وإنها تحتكر صناعة السياسة الخارجية‏!!‏ ويفسر ذلك بقوله أنه رغم انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي فان أمريكا مستمسكة بقواعدها العسكرية في العالم‏.‏
ويقول في كتابه أيضا أن واشنطن أقنعت نفسها بأنها إذا أغلقت قاعدة واحدة أو أنها إذا سمحت لدولة صغيرة في أن تدير شؤون اقتصادها الخاص‏،‏ فان النظام العالمي كله قد ينهار‏.‏
إن انتهاء الحرب الباردة، لم يكن إيذانا لزمن السلم بقدر ما كان نفسا عسكريا متجددا للإمبريالية في طبعتها الجديدة. لقد أكد وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس على ضرورة تجديد نظام التدخل العسكري الأميركي، واصفا النظام السابق بالقديم جداً ومن مخلفات الحرب الباردة.
*****
مسؤول عسكري أمريكى كتب أول مقال شهر نوفمبر 2000يدعو فيه إلى تشكيل قيادة أمريكية بإفريقيا.وتم تعزيز هذه الفكرة أعقاب أحداث مانهاتن 2001وفي يناير 2002 بادرت African Oil Policy Initiative Group إلى فتح النقاش حول هذا المشروع. و بدأ المحافظون الجدد يروجون بأن عناصر القاعدة سوف ينتشرون في المغرب العربي بقوة، ورأوا أن الساحل الإفريقي الممتد من موريتانيا غربا إلى القرن الإفريقي شرقا، مرورا بمالي والنيجر والتشاد والسودان والصحراء الليبية والجزائرية، سوف يشكل مجالا حيويا للجماعات الإسلامية المسلحة بما فيها الجماعة السلفية للدعوة والقتال وجميع الفصائل الإرهابية التي تتبنى فكرة القاعدة .
ومنذ أحداث مانهاتن2001 تدفقت البرامج العسكرية الأمريكية على دول إفريقية بهدف تعزيز أمنها، تم تشكيل فريق العمل المشترك- القرن الإفريقي، في جيبوتي عام 2002. وانصبت جهود عناصر الفريق البالغ عددها 1400 عنصر مدني وعسكري على جمع المعلومات الاستخباراتية وتدريب القوات المسلحة الصديقة• وعمل الفريق ضمن شراكة مع جيبوتي وإرتريا وإثيوبيا والسودان والصومال وكينيا واليمن. وعملت واشنطن على توثيق صلاتها مع دول المنطقة. وقد بدأت بجيبوتي، التي يوجد بها أكبر قاعدة فرنسية في المنطقة، ولعل سبب اختيارها جيبوتي يرجع لعدة اعتبارات كشف عنها تقرير لصحيفة نيويورك تايمز يوم 17-11-2002، من أهمها: موقع جيبوتي بالقرب من اليمن ومضيق باب المندب -صلاحية موانيها ومطاراتها للاستخدام في نقل العتاد الحربي إلى منطقة الخليج- تمتع جيبوتي بحالة من الاستقرار السياسي؛ وهو ما يؤدي إلى عدم حدوث مشاكل للقوات الأمريكية حال تواجدها- الموافقة المبدئية على القبول بالتواجد الأجنبي على أراضيها.
إن هذه الاعتبارات التي أوردتها الجريدة وجيهة، فجيبوتي مكان مثالي للمشروع الأمريكي في أفريقيا كونه يتوفر على القابلية من جهة ومن جهة ثانية تصفية النفوذ الفرنسي، أو بعبارة أخرى وضع اللمسات الأخيرة للاحتفال الخاص بنقل السلطات (passation des pouvoirs)، بين فرنسا و أمريكا.
ومن هنا تمت الاتصالات الأمريكية التي أسفرت عن قبول الرئيس عمر جيله السماح بوجود قوات أمريكية على أراضي بلاده. وبالفعل وصلت القوات الأمريكية للبلاد أوائل عام 2002، وتمركزت في قاعدة "ليمونيه"؛ وبلغ عددها 900 جندي، وإن كانت بعض التقديرات الأفريقية تقدر عددها بـ1900 جندي. واكتمل قوام هذه القوات نهاية 2002 بوصول حاملة الطائرات "يو إس إس مونت ويتني" للمنطقة، وعلى متنها 400 جندي ينتمون لكافة فروع القوات المسلحة الأمريكية. كما عملت إثيوبيا وإريتريا على كسب ود واشنطن بأي وسيلة لكي تقف بجانبهما في مواجهة بعضهما البعض.
فقد عرضت إريتريا -التي تعاني حالة أشبه بالعزلة الإقليمية بسبب تجدد خلافاتها مع دول الجوار (اليمن، إثيوبيا، السودان)- على واشنطن أثناء زيارة رامسفيلد لها في العاشر من ديسمبر 2002 استخدام ميناءَي "عصب" و"مصوع" في حالة ضرب العراق. وأكد الرئيس الإريتري عقب المقابلة أن سماح بلاده لواشنطن بإقامة قواعد عسكرية بها هو أقل شيء يمكن أن تقدمه أسمرة!!
وتبع ذلك مبادرة مكافحة الإرهاب لدول شرق إفريقيا، وهي مبادرة بمئة مليون دولار أُطلقت في عام 2003 لتقديم أجهزة مكافحة الإرهاب والتدريب والمساعدة لكل من جيبوتي وإرتريا وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا•
بداية يونيو 2004، تم الكشف عن تقرير يتناول سياسة الدول الأمريكية المتحدة حيال القارة السوداء، ويقترح التقرير، الذي طلب الكونغرس إعداده، توسيعا طموحا في عمل هيئات الاستخبارات الأمريكية والوجود الدبلوماسي الأمريكي، مع تركيز أكبر على دبلوماسية الأزمات ، التي وصفها التقرير بأنها تروّج أكثر للمصلحة الأمريكية، ودعا التقرير وهو بعنوان المخاطر الأمريكية المتعاظمة في افريقيا إلى تخصيص مبالغ مالية أكبر من قبل الدول الأمريكية المتحدة لجهود حفظ السلام الدولية في افريقيا، كما أوصى بزيادة التمويل وتكثيف الاستخبارات وتعميق التعامل مع المجتمعات الإسلامية في أفريقيا السوداء.
كما تم إطلاق مبادرة دول الساحل الإفريقي المعروفة باسم بان ساحل أو عموم الساحل، وهي مبادرة بـحوالي خمسة مليون دولار ، وقد شملت أربعة دول (موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد) عملت على تدريب ست سرايا مشاة مسلحة بأسلحة خفيفة على المهارات اللازمة للمساعدة في ضمان السيطرة على المناطق الحدودية الشاسعة ومكافحة الإرهاب، وقالت تيريزا ويلان، نائبة مساعد وزير الدفاع للشؤون الإفريقية، أنه على الرغم من النجاحات التي حققتها مبادرة عموم الساحل، إلا أنها كانت مقيّدة منذ استهلالها بالتمويل المحدود والتركيز المحدود، كجزء من ميزانية وزارة الخارجية لم يشكل سوى نقطة في بحر قياسا إلى الاحتياجات. واعتبرت ذلك مجرد (عملية ترقيعية).
البرنامج يركز على الأمن الساحلي والحدودي، وتدريب أفراد أجهزة الشرطة وتنفيذ القوانين، والهجرة والجمارك، وأمن المطارات والموانئ، وتأسيس قاعدة معلومات لتقفي آثار الإرهابيين، وتعطيل التمويل الإرهابي، ومساعدة المجتمع من خلال التعليم والمشاريع، والاستعلامات وإجتثاث الملاذات الآمنة للإرهابين ومعالجة المشاكل الأساسية التي تعتبر منبتاً ومرتعاً للإرهاب وتقويض الملاذات العقائدية والذهنيات المناصرة للجماعات المسلحة.
و بالنسبة للبرنامج العسكري الخاص بمنطقة الساحل تم التركيز بشكل دعائي على مبادرات تعليمية، وأمن المطارات و تشديد القيود المفروضة على النشاطات المالية في المنطقة.
كما تم تأسيس صندوق خاص يسمى "هيئة تحدي الألفية الأمريكية" و مبادرة عمليات السلام الكونية الأمريكية لدعم عمليات السلام بافريقيا ويتوقع ان يصل مجموع هذه المبادرة إلى 660 مليون دولار خلال خمس سنوات. ويوجد برنامج مساعدات أمريكي خاص هو برنامج غرب افريقيا الإقليمي وتقدم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سنويا مبلغاً لتمويل البرامج المعنية بتحسين الحياة المعيشية في منطقة الساحل، وتمثّل هذه الاعتمادات مساعدة مباشرة لشعوب بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا، النيجر والسنغال .
و كمتابعة لهذه المبادرة، استهلت الدول الأمريكية المتحدة مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء لعام 2005، بدأت رسمياً في شهر يوليوز من نفس العام بمناورة عسكرية أُطلق عليها اسم فلنتلوك 2005 . وهي مبادرة ضمت دول الساحل الإفريقي الأربع بالإضافة إلى الجزائر والسنيغال ونيجيريا والمغرب وتونس، وسعت الدول الأمريكية المتحدة إلى ضم ليبيا إليها• و تصل الإعتمادات المخصصة لهذه المبادرة إلى 500 مليون دولار على امتداد ستة أعوام • في منتصف عام 2006 ، بادر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى تشكيل فريق للتخطيط وتقديم المشورة بشأن الاحتياجات الجديدة لإقامة قيادة موحدة للقارة الأفريقية. و أثناء زيارة رامسفيلد في أواخر العام 2006 أكدت أديس أبابا على إمكانية قيامها -نيابة عن واشنطن- بشن حرب ضد القوى الإسلامية في المنطقة، في إشارة إلى الاتحاد الإسلامي الصومالي تحديدا. كما أن كينيا دخلت الخط ، خاصة بالنظر إلى أهميتها في دعم حركة جارانج في جنوب السودان، ويوجد بها وحدة استخبارات تابعة للمخابرات الأمريكية. وقبل نهاية عام 2006، قال رامسفيلد أنه قدم توصية إلى الرئيس جورج بوش ، الذي أعطى الموافقة للقيادة الجديدة في اليوم نفسه الذي استقال فيه رامسفيلد.
أوّل ما أعلنت الإدارة الأمريكية بشكل رسمي مشروع أفريكوم، كان في السادس من فبراير 2007 عن طريق بيان جاء فيه أن وزارة الدفاع الأمريكية ستنشئ قيادة عسكرية أمريكية جديدة خاصة بأفريقيا سوف تعرف باسم (أفريكوم-Africa Command)، وذلك لتنسيق المصالح الأمنية والعسكرية لأمريكا في جميع أرجاء القارة، باستثناء مصر، التي تقع ضمن اختصاصات القيادة الأمريكية الوسطى. إن الهدف من أفريكوم، حسب الرئيس الأميركي هو التصدي للإرهاب في إفريقيا.

أفريقيا هي القارة الأكثر بؤسا وتخلفا في العالم، وهي القارة التي نجحت أنظمتها في تحويلها إلى نموذج رائع في المجاعة والحروب الأهلية والإرهاب وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي يقول أن الدول الضعيفة المفلسة تشكل مصدرا لعدم الاستقرار الدولي، وأنها قد تصبح ملاذا آمنا للإرهاب".
*****
وقد علق الصحفي الألماني "كنوت ملينثون" في صحيفة "يونغا فيلت" على إعلان الرئيس "بوش" قائلاً: " قوة أفريكوم هي سادس قوة أميركية للتدخل الإقليمي السريع في العالم، وجاء تأسيسها تنفيذا لخطة وضعها المعهد الإسرائيلي الأميركي للدراسات السياسية والإستراتيجيات المتقدمة التابع للمحافظين الجدد".
وأوضح "ملينثون" أن القوى العسكرية الخمس الأخرى هي "نوردكوم" لأميركا الشمالية، و"ثاوثكوم" لأميركا الجنوبية والوسطى، و"أويكوم" لأوروبا وروسيا، و"سنتكوم" للشرقين الأدنى والأوسط وأفغانستان وآسيا الوسطى وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، و"باكوم" للمحيط الباسيفيكي والصين، وأشار إلى أن الأنشطة العسكرية الأميركية في أفريقيا تم توزيعها في السابق على ثلاث قوى هي: "سنتكوم" وتشمل مصر والسودان ومنطقة القرن الأفريقي، و"باكوم" وتشمل مدغشقر والجزر الصغيرة في شرق أفريقيا، و"أيكوم" لباقي الدول الأفريقية.
واعتبر أن الأهداف الحقيقية لتشكيل "أفريكوم" هي تأمين واردات النفط الأميركية القادمة من نيجيريا، والسيطرة على منابع النفط في منطقة خليج غينيا الممتدة من ليبيريا إلى أنغولا. وأرجع الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة إلى اكتشاف النفط هناك مؤخرا بكميات هائلة لم يسبق اكتشافها في أي مكان آخر في العالم.
ويعدد الدكتور "علي الفرجاني" الأسباب الحقيقية لإطلاق "أفريكوم"، على النحو التالي: السيطرة على منابع البترول الإفريقي و تحجيم النفوذ الصيني والهندي وإحتواء أي تصاعد للقوي المعادية لأمريكا وتحجيم الحضور العربي والإسلامي (حتي الشكلي) في قيادة الاتحاد الإفريقي. ويتضح هذا الهدف من الإصرار الأمريكي على تحجيم الدور المصري في إفريقيا وإبقاء مصر تحت قيادة المنطقة الوسطى على الرغم من أهمية العمق الإفريقي للأمن القومي المصري.
وعن الاحتمالات المستقبلية، والسيناريوهات المطروحة الآن يقول د. علي الفرجاني: "مع اكتمال تشكيل أفريكوم سيتم استيعاب واحتواء كافة الدول الإفريقية راضية أو مكرهة تحت الغطاء العسكري الأمريكي وسوف يصبح القائد العام الجديد لأفريكوم الآمر الناهي في القارة الإفريقية والمهيمن علي القرارات والتوجهات الاستراتيجية للاتحاد الإفريقي، وقد اقترح تقرير استراتيجية الأمن الوطني الأمريكي NSS - الصادر عام 2002- أربع دول إفريقية رئيسية للقيام بدور الحليف الاستراتيجي والتدخل العسكري تحت الغطاء الأمريكي وهذه الدول هي جنوب إفريقيا، كينيا، نيجيريا، وإثيوبيا. ولقد باشرت إثيوبيا العمل بالفعل في ديسمبر 2006 بتدخلها العسكري المباشر في الصومال تحت الرعاية السياسية والعسكرية الأمريكية والدعم المباشر من سلاح الجو الأمريكي الذي ينطلق من جيبوتي، فيما عُرف بـ"الحرب بالوكالة".
أما الكتورمحمد ضريف يرى أن- الإدارة الأمريكية جعلت من الإرهاب فزاعة في المنطقة تبرر من خلالها مساعيها لنقل مقر أفريكوم إلى شمال افريقيا، وهناك بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا التي يهمها تضخيم التهديد الإرهابي بالمنطقة لأمن أوروبا، من أجل إضفاء المشروعية على سياسات تعاطيها مع المهاجرين ومخططات ساركوزي في هذا المجال ليست بالبعيدة عنا (7)، إن أمريكا تريد إنشاء منطقة حرة للمبادلات التجارية تكون هي الرابح الأكبر فيها(8).
*****
ظلت أمريكا تحافظ على استقرار علاقاتها مع الجزائر، " علاقات جيدة..، وبالتحديد خلال فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حيث تميزت بتعدد وتنوع الزيارات بين مسؤولي البلدين، وفي المجال الأمني انتعش التعاون بشكل ملحوظ ، وترجم ذلك بافتتاح فرع لمكتب التحقيقات الأمريكي في الجزائر أف.بي.آي . من المفيد أيضا القول إن توقف رايس بالجزائر في إطار جولتها المغاربية، يعني تقديم الشكر وتوديع للمسؤولين الجزائريين وتوكيد على ضرورة المحافظة على المستوى الجيد في العلاقات.. ونفس الشيء ينطبق على تونس والمغرب"(9).
كودوليزا رايس بدورها أكدت، يوم السبت 06-09 -2008 أن الجزائر وأمريكا تربطهما "علاقات صداقة وطيدة" وأملها في أن يتم "توسيع وتنويع" العلاقات الاقتصادية الثنائية. (10).
الشمال الأفريقي ظل محل الاهتمام الأمريكي.وقد أوصى تقرير وضعه عام 2005 معهد الدراسات الإستراتيجية الدولية، بوضع الدول الإفريقية الغنية بالنفط وفي مقدمتها الجزائر، ضمن أولويات السياسة الأمريكية، مشيرا إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بإقامة عدد من القواعد العسكرية. ومنذ ذلك الوقت عملت البنتاغون علي جمع تسع دول إفريقية من بينها الجزائر والمغرب ضمن المبادرة العابرة للصحراء لمواجهة الإرهاب حيث بدأت العمل لإقامة قواعد عسكرية في المغرب وموريتانيا وتشاد والسنغال، من خلال الادعاء بمساعدة وتعزيز الجيوش النظامية في هذه الدول لتتمكن من مواجهة الإرهاب.
المنسق الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب، كوفر بلاك، خلال زيارته للجزائر شهر أكتوبر 2004 في مؤتمر حول الإرهاب ومكافحته في إفريقيا: أكد أن أفريقيا عرضة للإرهاب وأنه "لا يمكن لأي دولة بمفردها أن تهزم هذا التهديد النشط في دول متعددة بمفرده".
وقد طفا إلى السطح جدل حول نزول المارينز بالجزائر من أجل إقامة قواعد عسكرية أمريكية بجنوب البلاد في إطار استراتيجية مكافحة الإرهاب على مستوى منطقة الساحل، وكذا المنطقة المغاربية، حينها سجل محمد بجاوي وزير الخارجية إسمه في الحدث، مؤكدا بأن الجزائر لا ولم ولن تنخرط في الخطة العسكرية الأمنية ضد الإرهاب بالمنطقة. تصريحات بجاوي لم تمر مرور الكرام على مسامع المسؤولين في واشنطن، حيث بعد نفي السفير الأمريكي روبرت فورد طلب واشنطن من الجزائر إقامة قواعد عسكرية، خرجت نظيرة بجاوي كوندوليزا رايس ترد بدورها على التصريحات الصحفية التي أدلى بها وزير الخارجية بجاوي، مؤكدة بأن الدول أمريكا لاتعتزم إنشاء قواعد عسكرية في الجزائر، رغم ذهاب المسؤولين في البيت الأبيض في العديد من المرّات الى القول، بأن الإرهاب الذي يضرب في كل مرة في الجزائر وبروز الخلايا النائمة في المغرب وانتعاش التيار الاسلامي المتشدّد في تونس يثير إهتماما أمريكيا بالغا يستعدي تحركا ميدانيا.
وقد تناول الإعلام الجزائري نشاط الوفد الأمريكي، بقيادة ريان هنري وزير الدفاع الأمريكي المكلف بالقضايا السياسية، ولقاءاته بالمسؤولين السياسيين والعسكريين، في إطار الاستشارة الموسعة التي يجريها البنتاغون مع الدول المفتاحية في إفريقيا بشأن مشروع أفريكوم . وقالت مصادر تابعت أشغال اللقاءات إن المسؤولين بلّغوا أعضاء البعثة الأمريكية بأن الجزائر تفضل أن يضطلع الأفارقة بالقضايا الأمنية والدفاعية، بما فيها محاربة الإرهاب، بأنفسهم وفي إطار هياكل الاتحاد الإفريقي (11).
البعض يرى أن الجزائر يهمها كل جهد دولي أو اقليمي لتقويض نشاط مقاتلي الجماعة السلفية في الصحراء، لكن سياسيا تفضل عملا وتنسيقا مباشرا و ثنائيا مع واشنطن، لأنه الصيغة التي يمكن توظيفها في مقاربة متوازنة، تتحدّد فيها مصالح كل طرف، وما يقدّمه هذا أو ذاك في مسائل اقتصادية ودبلوماسية أخرى، قد لا تكون لها علاقة مباشرة بمكافحة ما تسميه أمريكا بالإرهاب.
إن هنري كرمبتون، السفير الأمريكي المتجوّل لشؤون مكافحة الإرهاب، قد أبلى بلاء حسنا في المؤتمر الذي احتضنته الجزائر حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا، لقد أكد على ضرورة الانخراط في محاربة العدو. جاء هذا الكلام بعد أن خصص الرجل جزءا كبيرا من كلمته للحديث عن التحدي الاقليمي الذي تشكله الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي أصبحت منظمة إرهابية إقليمية. وما استدلاله بهجوم يونيو من العام 2005 على المركز العسكري بموريتانيا سوى رسالة تحسيسية لمن يهمه الأمر بالخطر المتعاظم للإرهاب مؤكدا أن مثل هذه الهجمات ستتعاظم إذا لم يكن هناك ترحيب بالمشروع الأمريكي .
وانضمت في مرحلة لاحقة إلى هذا الطلب تيريزا ويلان، نائبة مساعد وزير الدفاع للشؤون الإفريقية، مشيرة إلى أن المناطق الشاسعة غير المأهولة نسبياً والافتقار إلى السيطرة الحكومية القوية تجعل بعض المناطق الإفريقية جذابة بشكل خاص للإرهابيين، و أنه يمكن لطرق القوافل التقليدية في هذه المنطقة، أن تؤمن للإرهابيين الإقليميين والدوليين والمجرمين الذين ينقلون السلع والأموال لدعم عملياتهم دون اكتشافهم أو التدخل في نشاطاتهم مخابئ وأماكن للإعداد للعمليات وتنفيذها".
وبصفة عامة، فقد زادت المشاركة الأمنية الأمريكية بصورة ملحوظة منذ عام 2001 وطرحت مبادرة الساحل والصحراء عام 2002 والتي تضم رؤساء الأركان في كل من: الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا والسنغال ونيجيريا ومالي والنيجر وتشاد، وتهدف إلى دعم التعاون بين هذه الدول في مجال مكافحة الإرهاب.
اضطرت قيادة البنتاغون كحل مؤقت الى وضع أفريكوم في ألمانيا بعد أن رفضت غالبية الدول الأفريقية وخاصة تلك التي كانت مرتبة على سلم أولويات استقبال قاعدة القيادة، ومن بينها المغرب والجزائر وليبيا. وخلال الفترة من 15 الى 21 أبريل 2007 سعى مسؤولون عسكريون أمريكيون في جولات في ست دول إفريقية بغرض "تصحيح المفاهيم الخاطئة عن القيادة الجديدة" حسب زعمهم، وقد زار المسؤولون في سياق ذلك عدة دول مثل إثيبوبيا، وغانا، وكينيا، ونيجيريا، والسنغال، وجنوب إفريقيا، إضافة الى أديس أبابا، مقّر الاتحاد الإفريقي، وخلال لقاءاتهم مع المسؤولين الأفارقة أعلنوا أنهم تمكنوا من تصويب ما أسموه "مفاهيم خاطئة عن القيادة المستحدثة".ومع مطلع عام 2008 أكد مسؤول عسكري أمريكي أثناء زيارته للجزائر أن 12 دولة أفريقية تبنت استقبال قاعدة القيادة. ومن المؤكد أن الإصرار الأمريكي لا يفتر ولم يستسلم، ولن يهدأ لأمريكا بال حتى تقيم مركز’’أفريكوم’’ في المكان الذي تريده بالقارة الأفريقية.
وفي 28 ماي 2008 أوضح الجنرال وليام وورد في مؤتمر صحفي عقده بالسفارة الأمريكية على هامش الزيارة التي قام بها إلى تونس ، حيث أشرف على مناورات مشتركة بين قوات تونسية وأمريكية في قاعدة بنزرت، أن المكاتب العسكرية الأميركية في أفريقيا "تقوم بالدور المطلوب منها في تنسيق التعاون العسكري تحت مظلة القيادة المركزية في شتوتغارت، مما يجعلنا غير محتاجين لقواعد خصوصا وأن الجيوش المحلية قد أظهرت كفاءتها في مكافحة الإرهاب". وتحمل تصريحات الجنرال وورد إشارة صريحة إلى أن واشنطن قد تغافلت على الأقل في الفترة الحالية عن فكرة إقامة "الأفريكوم" في شمال إفريقيا خاصة بعد الرفض القاطع الذي أبدته بلدان المنطقة والذي أدى إلى إقامة هذه القاعدة في شتوتغارت الألمانية غير أن عدم التطرق لنقل الأفريكوم من ألمانيا إلى شمال إفريقيا لا يعني أبدا التراجع. وقد نفى وورد أن تكون أمريكا قد طلبت من البلدان المغاربية استضافة مقر القيادة الخاصة بأفريقيا(12). وقد سبق خلال ندوة نشطتها في السفارة الأمريكية بالجزائر أن نفت ماري كارلين باتس أن تكون لأمريكا نية في نقل الأفريكوم إلى أفريقيا، غير أن الحقيقة خلاف ذلك، فمثل هذه التصريحات هي مجرد ذر للرماد في العيون.
وعلى خطى جيمز جونز وكوفر بلاك و ريان هنري و هنري كرمبتون وتيريزا ويلان و مايكل هيدين.. أكد وورد أن التهديد الإرهابي حقيقي في شمال إفريقيا " الإرهابيون قالوا ذلك وأنا أصدقهم، إنهم يريدون تدمير نمط عيشنا وسنعمل معا لمنعهم من ذلك". وكأن الجنرال الأفريقي الأصل أراد أن يقول: "إذا لم نتعاون معكم، الإرهاب سيبتلعكم، الإرهاب لا تهزمه إلا أمريكا"، لسبب بسيط لأن الروح الإمبريالية هي التي تتحكم في الأنظمة الحاكمة عبر شبكتها الاستخباراتية من جهة وتسهر على صناعة الإرهاب من جهة ثانية.
ويعلق المحلل السياسي "سمير عواد" قائلاً: " منذ سنوات يخطط الاستراتيجيون في واشنطن لنشر النفوذ الأمريكي في إفريقيا. وكانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولين باول إلي دول أفريقية قبل سنوات ذات مدلول رمزي إذ كانت واشنطن قد قررت مد الجسور إلي إفريقيا وأرسلت وزير خارجيتها الداكن البشرة الذي ينحدر مثل الزنوج الأمريكيين من أصول أفريقية" حتى يكون مخاطبا مثاليا ويسود بينه وبين أفريقيا شعور بالثقة والارتياح، وربما هذا ما حدا بالأدمغة الإمبريالية إلى تعيين الجنرال وليام وورد في انتظار باراك أوباما الذي بلا شك ستصطفيه العناية الإمبريالية، أو بالأسلوب التوراتي، سيمسحه الرب الإمبريالي (نبيا) على عالم القرن الواحد والعشرين، وعلى القارة السوداء بشكل امتيازي. (13).
*****
تزعم أمريكا أن مهمة أفريكوم هي تحرير أفريقيا من الإرهاب، فكيف يمكنها ذلك من خلال بضع مكاتب عسكرية، هي التي فشلت في تحرير العراق من الإرهاب رغم إقامتها الدائمة والمكثفة والمدججة بكل أسباب القوة؟ دون أن ننسى مؤسسة البلاك ووتر (المياه السوداء)، إن هذا السؤال يأخذ موضوعيته إذا سلمنا أن أمريكا فشلت فعلا في العراق. أما إذا كان الوضع المأساوي في العراق هو مجرد مسرحية تعمل قوى جهنمية على إخراجها لإطالة الوجود الأمريكي من أجل هدف نخجل من التصريح به، فإن السؤال ذاته لن يفقد موضوعيته إذا سلمنا طبعا أن الإرهاب صناعة إمبريالية الهدف منه هو جعل الشعوب تحت طائلة الشعور الدائم بالخوف، ومن ثمة الاستسلام للقدر الإمبريالي المتجلي.
لقد نجحت أمريكا في مساعدة فرنسا على استيطان الجزائر، ترى هل ستنجح أمريكا مثلما نجحت فرنسا؟ وسيتكرر نفس السيناريو بأبطال جدد ودماء زكية وأشعار وطنية حماسية ومآسي وحكايات خرافية جديدة... ممكن، بل مؤكد.. لكن ثمة إمكانية وحيدة تجعل الجزائر في منأى عن هذا المصير، قادرة على تأكيد سيادتها، وهي أن يبتكر الجزائريون دستورهم، فالثغر الدستوري الذي تسربت منه فرنسا لا يزال مفتوحا، ومنه ظلت تتسرب المشاكل التي تحولت إلى أزمات والتي تحولت بدورها إلى كوارث. الإرهاب مشكلة مغلوطة، عرض من الأعراض التي يعانيها كل مجتمع مريض، ومرض الجزائر باختصار هو غياب شروط انسجامها الذاتي والبيني: القبائل ومسألة المزوغة، التوارق، الإسلام والعروبة، عائدات المحروقات واتساع رقعة الفقر والبطالة والفساد، التباس العلاقة الجزائرية المغربية، والجزائرية الفرنسية، الأقدام السوداء، واليهود والحركى. الجزائر في حاجة إلى إعادة صياغة نظرتها الدستورية إلى ذاتها وإلى الآخرين.
منذ أكثر من قرن ونصف عبر مثقف جزائري عن حيرته وألمه قائلا "إني أتساءل لماذا تزعزع بلادي في جميع أسسها وتصاب في جميع مبادئها الحيوية. وإلى جانب ذلك أنظر إلى الأوضاع التي توجد عليها دول أخرى مجاورة لنا فلا أرى واحدة مجبرة على تحمل ظروف مشابهة للظروف المفروضة علينا... وعندما أدير البصر إلى الجزائر فإني أرى هؤلاء المساكين يخضعون للاستبداد معرضين للإبادة ولجميع آفات الحرب." (14)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر الرابط http://en.wikipedia.org/wiki/United_States_Africa_Command
(1) إن نيويورك تريبيون هي الجريدة الوحيدة في أمريكا وأوروبا التي قامت بانتظام بتقديم تقارير عن أحداث الحرب وفق مبادئ العلم العسكري، والتي جعلت القارئ بمستوى يستطيع معه أن يفهم هذه الأحداث من وجهة النظر العسكرية كما من وجهة النظر السياسية. (المسألة الشرقية/ كارل ماركس).
(2) وقفت الجزائر مع فرنسا ضد أوروبا عام1789 عندما حاصرت أوروبا حكومة الثورة الفرنسية التي لم تجد أية مساعدة إلا من الجزائر. بعد حوالي أربعة عقود تلقت البحرية الجزائرية ضربة قاتلة عام 1827 في معركة نافارين عندما اشتركت مع الأسطول العثماني والأسطول المصري ضد الحلفاء (بريطانيا ، فرنسا و روسيا)، في ذلك السياق رفضت فرنسا أن تدفع ديونها للجزائر فبدأت الأزمة بين الدولتين بحادثة المروحة ثم الحصار البحري وأخيرا الاحتلال الفعلي. أما اعتراف الجزائر بأمريكا جاء بعد أن شبعت أمريكا استقلالا، أي بعد عشرين عام من حرب أمريكا على بريطانيا. فما هو السبب الذي كان وراء وقوف الجزائر مع فرنسا ضد أوروبا؟ وما هو السبب الذي جعل الجزائر تتأخر في اعترافها باستقلال أمريكا؟
(3) القرصان مورغان ، من الأبطال المحبوبين لدى الشعب الأمريكى، تمكَّنَتْ أُسْرَتُهُ في عُصورٍ لاحقة مِنَ العُثورِ على كَنْزِهِ واسْتَعْمَلتهُ في رأسِ مَالِ بَنْكِ مورغانن. وتتلخص فلسفةِ ذلكَ القُرصانِ الذّكي فيما يلي: "إن القرصان العادي هو الذي يُغيرُ على السُفُنِ المسافرة ويقتلُ رُكَّابَها الأبرياء وينهبُ حمولاتها من الأشياءِ والنقودِ ، وأما القُرصانُ الذكيُّ فإنّه لا يُغيرُ إلا على سُفُنِ القراصنةِ الآخرين ، بل ينتظرهم قُربَ مَكَامِنِهِم عائدين مُحَمَّلين بالغَنائمِ، ينقضُّ عليهم مستوليا على كنوزِ عدّةِ سُفُنٍ دون عناء كبير ودون شعور بالذنب. إن القُرصانَ الذكيَّ بهذا الأسلوبِ يصنعُ لنفسهِ مكانةً وهيبةً أحبها و أعجب بها الشعب الأمريكى .
(4) ومن أبرز مبّررات هذه العقيدة الوحشية ما يسمونه "نظرية الجغرافيا الحيوية" التي تقول بأن المكان الجغرافي للدولة المتفوقة كائن حيّ ينمو باستمرار! إن نظرية "القضاء والقدر الجغرافي" الأنجلوسكسونية تزعم أن يد القضاء هي التي ترسم الحدود الجغرافية للأمم، ولذلك فإن أمريكا، مثل "إسرائيل"، لا تعترف بحدود جغرافية لها، وليس في دستورها أية إشارة إلى ذلك.انظر كتابات- نصر شمالي.
(5) كان اجتياح غرب الميسيسبي وتصحيح مسار رحلة كولومبس إلى الهند الحقيقية محور قصيدة (والت ويتمان) القومية (معبر إلى الهند) التي أعطت عقيدة القدر المتجلي أعذب معانيها الشعرية. ومن المفارقات أن الشاعر (ويتمان) لم يعبر الميسيسبي في حياته ولم يشهد هذا الغرب الذي غناه في قصائد كثيرة من أبرزها (أيها الرواد Pioneer, O Pioneer) التي تغزل فيها بأبطال اجتياح الغرب الذين خلقوا مصيراً جديداً للعالم. ونعود إلى قصيدته (معبر إلى الهند) التي نشرها عام 1871، ومجد فيها ثلاثة إنجازات إنسانية ربطت أوصال العالم.. هي شق قناة السويس وإنشاء سكة حديد الهادي ومد خط الاتصال الأطلسي تحت الماء، وقد باح (ويتمان) بإيمانه بقدر أميركا المتجلي وراء البحار، وقال "إن التاريخ البشري كشف عن هدفه الغامض بعد أن وصلت رحلة كولومبس على نهاية مطافها". ويرى الأميركيون أن هذه القصيدة تعبر عن ذروة الطموح إلى مد جسر إلى الشرق الساحر، وتفسر الإيمان الشائع بأن أميركا بدأت تمسك بخيوط التاريخ الإنساني- انظر كتابات منير العكش
(6) الراية القطرية/ جاسم الجاسم/16-08- 2008
(7)الخبر/ 24-05-2008
(8) الجزائر نيوز- الخبير الفرنسي ديديي شودي / 08-09-2008
(9) الخبر- حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات حول الوطن العربي والمتوسط في جنيف/ 07-2008-09
(10)الشروق/ 62008-09-0
(11) الخبر/2007-06-12
(12) (SawtAlahrar ـ1-6-2008 )- (29-05- 2008- أخبار/ ا ف ب)
(13)يدعي الرؤساء الأمريكيون عادة أنهم يأتمرون بأمرإلاهي، ومهمتهم سماوية.
(14) حمدان بن عثمان خوجة /كتاب "المرآة"



#سعيد_هادف (هاشتاغ)       Said_Hadef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحل ...
- الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحل ...
- نصف قرن على مؤتمر طنجة: الشرط الغائب في مسألة الاتحاد المغار ...


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعيد هادف - الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحلقة الثالثة)