أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - محاكمة كراديتش.. «شيطان الشعر» أم لوثة التلذذ بالدم؟















المزيد.....

محاكمة كراديتش.. «شيطان الشعر» أم لوثة التلذذ بالدم؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2403 - 2008 / 9 / 13 - 02:48
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


هل تصح مقولة الشاعر الأميركي اللاتيني أكتوفيو باث، الحائز على جائزة نوبل، بأن «رأس السياسي إذا خلا من الشعر تحول إلى طاغية»؟! لكن رأس كراديتش، رئيس صرب البوسنة السابق، والذي ألقي القبض عليه مؤخراً كان ممتلئاً بالشعر والمعرفة والثقافة، فلماذا إذن يتحوّل إلى سفاح؟ إذ اتهم بارتكاب جرائم شنيعة، لا سيما خلال حصار سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، ومجازر سيبرينستا العام 1995. وكان كراديتش قد اختفى منذ العام 1997، وظلّ ملاحقاً حتى ألقي القبض عليه بعد اختفاء دام 11 عاماً.
وإذا كانت مقولة أكتوفيو باث لا تنطبق على كراديتش، فلكل قاعدة ثمة استثناءات، وإن كانت غير قليلة أحيانا، فالسياسي دون عدّة ثقافية ومعرفية يصبح مثل مضمّد القرية، فقد يجعل من نفسه حكيماً، الأمر الذي يلحق ضرراً كبيراً بالناس، لا سيما إذا سمح لنفسه بارتكاب الأخطاء والخطايا دون معرفة أو زاد ثقافي، ناهيكم عن اعتبار للجمال والإحساس الإنساني وقيمة الحياة البشرية. لكن وضع كراديتش كان شيئاً آخر!
جاء كراديتش من الوسط الثقافي، وكان مثقفاً بامتياز. ومن يقرأ سيرته يصاب بالذهول والحيرة. وقد عكست حياته العادية وحساسيته العالية وذكاؤه الحاد وروحه السمحة سجّيته؟ فكيف أصبح جلاداً؟
ولد كراديتش عام 1944 (أي في نهاية الحرب العالمية الثانية وقبيل تحرير يوغسلافيا) في قرية شافانيك في جمهورية الجبل الأسود حالياً، وذهب إلى سراييفو لدراسة الطب العام 1960 وتخرج من جامعتها. ثم تابع دراسة علم النفس في الولايات المتحدة، وشارك هناك في دراسات ومحاضرات عن الشعر الأميركي. وفي العام 1989 أسس الحزب الديمقراطي الصربي، الذي سرعان ما حظي بنفوذ كبير، وترأس جمهورية صرب البوسنة في أوائل التسعينات. وبعد اتهامه بارتكاب مجازر، استمر في الحكم حتى 30 يونيو 1996، ثم تخلّى عن الرئاسة لنائبه بيلينا بلافشيتش، واختفى عن الأنظار كلياً منذ العام 1997، حتى ألقي القبض عليه في يوليو 2008.
كان كراديتش قد غيّر اسمه إلى دراغان دابيتش، واستبدل هيئته، فأطال لحيته التي تحوّلت إلى بيضاء، ووضع نظارات فوق عينيه، الأمر الذي جعل التعرف عليه غير سهل. كما تحوّل من طبيب نفسي وسياسي وشاعر، إلى اختصاصي في الطب البديل (طبيب أعشاب)، وكان يتردد على إحدى الحانات دون أن يلفت الانتباه إليه. وبإلقاء القبض عليه كرأس مطلوب للعدالة، يبقى مساعداه ميلاديتش وتموران هاديتش فارّان من وجه العدالة!
قبل ذلك ألقي القبض على الرئيس الصربي السابق ميلوسوفيتش ونُقل إلى لاهاي لتقديمه إلى المحاكمة، لكنه توفي في ظروف غامضة في زنزانته، قبل أن يصدر القضاء الحكم بحقه!
لا شك أن جهود المدعي العام سيرج براميرتز قد دفعت القضية باتجاه إلقاء القبض على كراديتش وتقديمه إلى المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وهكذا وصل رادوفان كراديتش إلى لاهاي للدفاع عن نفسه. ولحظة وصوله، وصف المحكمة بأنها سياسية، والهدف منها تحميل الصرب مسؤولية الحرب، وقرر عدم الاستعانة بمحام، كما رفض الإجابة عن أسئلة المحققين الصرب، بل قام بازدرائهم كما فعل ميلوسوفيتش من قبل!
وترددت أنباء عن صفقة سياسية بين حكومة صربيا وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مفادها تسليم كراديتش إلى المحكمة الجنائية الدولية مقابل اندماج صربيا في الاتحاد الأوروبي وتقديم مساعدات اقتصادية لها. ويبدو أن حكومة صربيا قررت حسم أمرها وأنهت موضوع تسليم كراديتش لإثبات «حسن نواياها»، وهو ما عبّر عنه وزير خارجية صربيا، فوك جريميتش، حين قال «إن اعتقال كراديتش يؤكد حرص الحكومة على تلبية الشروط التي تسمح لها بالتقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي». وكانت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قد نقلت معلومة مهمة مفادها: أن أجهزة الاستخبارات البريطانية والأميركية أسهمت في القبض على كراديتش الذي كان يتردد على حانة في بلغراد يملكها صربي بوسني. وحسبما يبدو من مضمون الخبر، فإن كراديتش كان يتلقى حماية مباشرة أو غير مباشرة من شخصيات تتوّلى مناصب رفيعة المستوى في الحكومة، الأمر الذي جعله في شبه مأمن طيلة السنوات الـ11 الماضية.
ورغم أن إلقاء القبض على كراديتش قد لقي ارتياحاً كبيرا لا سيما في العالم العربي والإسلامي، خصوصا بالنظر إلى التهم الخطيرة الموجهة إليه بارتكاب مجازر ضد مسلمي البوسنة والهرسك خلال فترة توليه الرئاسة، وهو الترحيب ذاته الذي قابل به المدافعون عن حقوق الإنسان اعتقال وتقديم كراديتش للقضاء الدولي، فإنه عكس في الوقت نفسه مدى التوظيف السياسي والتلاعب المصلحي بمسألة نظيفة، ألا وهي قضية حقوق الإنسان، لا سيما من جانب القوى المتنفذة. فلماذا لم يتم قبل اليوم إلقاء القبض عليه؟ ومن هي الجهات المتواطئة معه؟ ولماذا تهاون الغرب مع حكومة صربيا كل هذه الفترة؟ وما هو السبب في عدم «تدخلها» –لا سيما أجهزتها الاستخبارية- قبل هذا التاريخ لمساعدة حكومة صربيا في إلقاء القبض عليه؟ وهل أن المكافأة لإلقاء القبض عليه هي دخول الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا لم تطبق المعايير ذاتها بشأن العقوبات الدولية على صربيا، مثلما تم تطبيقها على دول أخرى مثل العراق، والسودان، وليبيا، وذلك طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بغض النظر عن الارتكابات والاتهامات السافرة التي اتهمت بها؟
هذه الأسئلة لا تقلل ولا يمكنها أن تشكك في أي مسعى لإلقاء القبض على متهمين بارتكاب جرائم، حتى وإن بقي هناك متهمون فارّون، أو متهمون لم تتمكن مواصفات وتوازنات الوضع الدولي من ملاحقتهم. لكنها في الوقت نفسه، تؤشر إلى محاولات تجزئة العدالة أو اللعب بها أو استخدامها لأغراض ضيقة بطريقة انتقائية ومصالح سياسية أنانية، الأمر الذي يقتضي تطبيق معايير مشتركة وموحّدة أساسها النظام الأساسي لمحكمة روما «المحكمة الجنائية الدولية»، بحيث تكون ولايتها العالم كلّه، ويخضع لها كل الذين تحوم حولهم الشبهات بارتكاب جرائم خطيرة ضد السلم والأمن الدوليين أو جرائم ضد الإنسانية، بما فيها التطهير العرقي والديني، وجرائم الاغتيال والتعذيب والاغتصاب، أو جرائم العدوان والحرب، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم رغم مرور الزمن.
وإذا كانت حكومة صربيا ستنال المكافأة جراء تسليمها كراديتش، خصوصاً بعد ثناء وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس عليها خلال جولتها الآسيوية مؤخراً، وكذلك ترحيب وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، فإن الجرائم المشار إليها لا تعفي مسؤولا أو حتى رئيساً أو متواطئاً من استحقاقات العدالة، مهما كان حجم الصفقات الدولية إن آجلاً أو عاجلاً، فلا يمكن حجب الحقيقة لكل الوقت!
ويبقى السؤال حائراً: كيف يمكن لشخصية مثل كراديتش بالمواصفات التي تم ذكرها أن تتحوّل هكذا فجأة إلى جلاد؟ أهو مرض السلطة «العضوض» ومحاولة كسر وإلغاء الآخر، بحيث تتحول هذه النزعة إلى عدوانية مرضية، تتضخم فيها «الأنا» والجوانب السلبية وربما الشريرة الكامنة، لا سيما الغرور الطاغي والشعور بالعظمة، بحيث يصبح «إذلال الخصم أو تركيع» العدو نوعا من التلذذ بالتعذيب، خصوصاً عندما تتحد غريزة الجنس مع غريزة الهدم حسب عالم النفس الكبير سيغموند فرويد، موجهة نحو الآخرين في نموذج من «السادية» المفرطة. فحين يُقدمُ المرتكب على فعلته، فكأنه يكتب قصيدة غزل أو مقطوعة عشق، ولعل الأمر سّيان مع كراديتش!
لكن هذه الجوانب كانت كامنة وخفية في شخصيته، وقد تكون عادت مجدداً إلى الكمون، لا سيما بعد ممارسة حياته الاعتيادية والاختفاء لدى عشيقته والظهور بمظهر الوداعة، والرقة والدماثة.. ربما عاد إليه «شيطان» الشعر بعد أن «كمنت» لوثة التلذذ بالدم. لكن العدالة، سواء ظهر الشيطان أو كمنت اللوثة، هي الباقية!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القنبلة النووية الباكستانية والإرهاب!
- الدب الروسي والمشاغب الجورجي
- روسيا واللحظة الجورجية
- من إرهاصات ربيع براغ!
- إمبراطورية الذهب الأسود: هل من خيار!؟
- مقطوعة الشرق الأوسط.. العازف التركي واللحن الأوروبي
- سجون عائمة.. يا لها من رومانسية
- اللاعب التركي في الملعب النووي الايراني
- انتخابات الرئاسة الأميركية وطريق الخداع!
- دراما العدالة في السودان والثمن المقبول!
- الخداع.. قبل العاصفة وبعدها!
- في كيانية حركة المواطنة ودلالاتها!
- المعادلة الطردية... الدولار والنفط!
- المواطنة الإلكترونية!
- المعاهدة الأمريكية - العراقية.. هل اقتربت ساعة الصفر؟
- اللاجئون وأوروبا: بين «مزدوجين»!
- السودان ومحنة العدالة الدولية
- أوهام التنمية العربية
- شبح الانسحاب الأميركي من العراق!
- شارل مالك الكبير ولبنان الصغير


المزيد.....




- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - محاكمة كراديتش.. «شيطان الشعر» أم لوثة التلذذ بالدم؟