أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صبحي حديدي - حدود الجسارة














المزيد.....

حدود الجسارة


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2399 - 2008 / 9 / 9 - 08:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لعلّ الكثير من القرّاء صاروا الآن على علم بالدعوى التي رفعتها "رابطة مناهضة العنصرية ومعاداة السامية" في فرنسا، الـ Licra، ضدّ موريس سينيه Siné، أحد كبار رسّامي الكاريكاتير المخضرمين في فرنسا، بتهمة "التحريض على الكراهية العنصرية". وبعد طرده من وظيفته في أسبوعية "شارلي إيبدو"، المطبوعة ذاتها التي أعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية المسيئة لشخص الرسول محمّد، بذريعة الدفاع عن حرّية التعبير، سوف يمثل سينيه، يوم التاسع من هذا الشهر، أمام محكمة الجنح في مدينة ليون، حيث يمكن للعقوبة أن تبلغ الحبس خمس سنوات، وغرامة 45 ألف يورو.
الحكاية، لمَن فاتته متابعة وقائعها، أنّ يومية "ليبيراسيون" الفرنسية نشرت تصريحاً على لسان باتريك غوبير، رئيس الـ Licra، قال فيه التالي: "1) جان ساركوزي [نجل الرئيس الفرنسي] سوف يتزوج من وريثة مخازن ’دارتي’ الشهيرة، و2) أنه يفكّر في الإهتداء إلى اليهودية والتأقلم مع ديانة خطيبته". رسّام الكاريكاتير اقتبس التصريح بالحرف، ولكنه أضاف إليه العبارة التالية: "هذا الفتى سوف يذهب بعيداً"، وكانت تلك هي خطيئته الكبرى التي استوجبت سوقه إلى محكمة الجنح.
العنصر الذي يلفت الإنتباه، أوّلاً، هو أنّ الفتى صاحب العلاقة لم يرفع الدعوى بنفسه، ولا فعلت هذا خطيبته، وتلك حيثية قانونية صرفة قد تكون مثار أخذ وردّ في الجلسة الأولى من المحاكمة. كذلك بدا إصرار الـ Licra على استهداف سينيه وكأنه استئناف، على نحو ما، لقضية أخرى سبق للرابطة أن رفعتها ضدّ الرجل، سنة 1985، بالتهمة ذاتها، وأجبرته على الإعتذار العلني (كان، في سنة 1982، وتعليقاً على الإجتياح الإسرائيلي للبنان، قد صرّح بالتالي إلى إذاعة محلية: "هنالك دولتان عنصريتان، هما جنوب أفريقيا وإسرائيل. إذا سُئلتُ، وأنا أرى إسرائيل تقصف، هل كون المرء معادياً للصهيونية يعني أنه معادٍ للسامية، فإني عندها أقول إنني معادٍ للسامية، ولم أعد أخشى التصريح بهذا").
وبالطبع، ليس في وسع المرء، كما أنه ليس من حقّ أحد، أن يعزل هذه الواقعة الجديدة عن سابقاتها في تاريخ سينيه المهني، أو أن يجزّيء شخصيته الناقدة إلى "مراتب" منفصلة في مسألة التعبير الحرّ عن الرأي، والدفاع الجسور عن الحقّ العامّ، والوقوف خلف القضايا التي تلوح خاسرة لأنّ أصحابها لا يملكون مساندة كافية من مجموعة ضغط أو من شرائح نافذة في صناعة الرأي العامّ. ولعلّ ممّا له دلالة كبرى أنّ أولى "قضايا سينيه"، كما صارت اليوم تُسمّى في صيغة الجمع، لم تكن الدفاع عن استقلال الجزائر فحسب، بل إطراء "جبهة التحرير الجزائرية" ذاتها. آنذاك، اضطرّ جان ـ جاك سيرفان شريبر، رئيس تحرير أسبوعية الـ"إكسبريس" الفرنسية، إلى نشر اعتذار من قرّاء المجلة الفرنسيين الذين أغضبهم كلّ هذا النقد اللاذع لسياسات فرنسا الإستعمارية هنا وهناك في العالم. ولم يكن تفصيلاً عابراً أنّ المحامي الشهير جاك فيرجيس، وكان آنذاك محامي "جبهة التحرير" هو الذي ترافع دفاعاً عن سينيه.
هي، من جانب آخر، قضايا لا تقتصر على فرنسا وحدها، إذْ أنّ الرجل كان ضحية واحدة من أبشع وقائع الرقابة في التاريخ الإنساني: إعدام الكتاب، عن طريق إحراق كامل النسخ المطبوعة. ففي سنة 1966، أقدمت دار نشر "بنغوين"، بقرار فردي من مؤسسها ألن لين، على إحراق 50 ألف نسخة من كتاب سينيه "مجزرة"، لأنه اعتُبر إهانة لمشاعر المسيحيين، رغم أنّ الكتاب كان ترجمة عن الأصل الفرنسي (يُروى، هنا، أنّ لين ـ الذي سبق له أن دافع بقوّة عن طبع "عشيق الليدي شاترلي"، رواية د. هـ. لورانس ـ ترك إدارة الدار منهمكة في مناقشة ما يتوجّب عمله بصدد كتاب سينيه، وانسلّ مع أحد المستخدمين الموثوقين، وحمّل الطبعة كاملة على ظهر شاحنة صغيرة، ومضى بها إلى مزرعته الخاصة، فأحرقها هناك!).
ولقد توفّر معلّقون فرنسيون، لا يُعرف عنهم أيّ عداء للسامية، بل لا يُعرف عنهم إلا العكس ربما، تساءلوا عن السبب الذي يجعل اليهود يشعرون بالإهانة إذا كان نجل رئيس الجمهورية الفرنسية ينوي الإهتداء إلى ديانتهم؟ آخرون أشاروا، كذلك، إلى أنّ أيّ قدح محتمل في العبارة التي أضافها سينيه إلى تصريح رئيس الـ Licra، يصعب أن يُرى موجهاً إلى اليهود أو اليهودية، لأنه ببساطة نقد ـ يمكن اعتباره ملطّفاً بعض الشيء، بالقياس إلى سواه من التعليقات ـ من طراز أخذت تنشره معظم الدوريات الفرنسية، ويطال جانب الإنتهازية السياسية في شخصية جان ساركوزي.
أم هي محاكم تفتيش معاصرة، من عيار خاصّ يناسب الديمقراطيات الغربية، حيث حرّية التعبير وقائية أو موسمية أو انتقائية؟ بلانتو، رسّام الكاريكاتير الآخر الشهير، وأحد التلامذة النجباء لمدرسة سينيه في الجرأة والجسارة وعمق النقد، اختار الصيغة التالية للتعليق على قرار طرد سينيه من عمله: لقد رسم فيليب فال، صاحب المطبوعة ورئيس تحريرها، وهو يرتدي الزيّ النازيّ، ويرفس سينيه بالحذاء العسكري، وخلفه عبارة على المطبوعة تقول: "شارلي أيبدو" مجلة يُسمح فيها بكلّ شيء، مع إضافة على لسان فال نفسه: بما في ذلك طرد الرسّامين!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -اعتدال- النظام السوري: الوقائع تكذّب الخرافة
- تحوّلات -القيادة السورية-: العصيّ على الإصلاح ممتنع عن الإنف ...
- روح سيطان الولي
- الأسد في باريس: مجازفة الإرتهان وعسر الإنفتاح
- سياسة ساركوزي في الشرق الأوسط: أقرب إلى حصاد الهشيم
- استئناف المسار السوري الإسرائيلي: ماذا سيصلح العطّار التركي ...
- مدنيّة الوحش
- جنوب اليمن: انتفاضة المظالم أم نار تستعر تحت الرماد؟
- نبض الشارع العربي
- اغتيال عماد مغنية: علام استمرار الصمت الرسمي السوري؟
- إعلان دمشق في المحكمة: كاريكاتور القضاء بعد سوط الجلاّد
- نساء البيت الأبيض
- بوش الإيديولوجي: مشعل الحرّية أم تصنيع الحزام الناسف؟
- أيّ عاصمة، دمشق؟
- إعلان دمشق: آلة القمع دائرة ومطحنة المصطلح قاصرة!
- الساكت عن الحقّ
- إدوارد سعيد: عود على بدء
- نمطان في -تكريم- حقوق الإنسان: هراوة الأسد وممسحة ساركوزي
- شحارير الرياء
- اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية: زواج أضداد أم سفاح قربى؟


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صبحي حديدي - حدود الجسارة