أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - جماليات الفن التشكيلي بين اللوحة المقروءة واللوحة القارئة















المزيد.....



جماليات الفن التشكيلي بين اللوحة المقروءة واللوحة القارئة


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2396 - 2008 / 9 / 6 - 08:06
المحور: الادب والفن
    


مهاد تأسيسي: أحمد فؤاد سليم
قديماً كان ابن عربي يرى الحروف أمة ، حيث يقول: "اعلم – وفقنا الله وإيّاكم- أن الحروف أمة من الأمم ، مخاطبون ومكلفون ، وفيهم رسل من جنسهم، ولهم أسماء من حيث هم ، وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف ، فمنهم عالم الجبروت ، ومنهم العالم الأعلى وهو عالم الملكوت ، وفيهم عامة وخاصة ، وخاصة الخاصة وصفا خلاصة خاصة الخاصة (الفتوحات 1/237).
وأنا أرى الآن أمة من الأمم ، لها كأمة الحروف صفاتها الخاصة وجواهرها. على أن إدراك ذلك الأمر هو خاصية لا يدركها إلاّ عاشق الصورة، الذي يؤمن بأن الألوان أمة عاشقة لمن يعشقها، وهي تمنح نفسها لمن يمنحها نفسه. فاللون سيد لا يستجيب إلاّ لسيد مثله.
وفي مصر سادة قلائل منحوا أنفسهم للألوان فمنحتهم الألوان نفسها ، ذلك أن الصورة عندهم لا تنتظر متلقٍ مدرّب على القراءة التشكيلية ليقرأها بل هي التي تبادر إلى قراءته. وما كان ذلك كذلك إلاّ لأن الصورة لم تكن غرضاً في ذاتها لأحدهم ، ولكن عشقه للتصوير هو الغرض كل الغرض ، ولا غرض سواه.
ولم تكن فصاحة الألوان عند أحدهم دليلاً على عشقه لفنه. وقديماً قال المتنبي: "أكلّ فصيح قال شعراً متيّما؟ " . ولاشك أن الفنان المرهف أحمد فؤاد سليم في مطلع الصف الذي يقف فيه سادة الألوان.
ولست أول من كتب عن أحمد فؤاد سليم ولن أكون آخر عاشق لفنه ، ينبري للتعبير كتابة عن عشقه لفن ذلك الفنان الشامخ، فقد سبقني كثيرون وسيواصل غيري تناول فنه بالتحليل أو بالتفكيك، وتلك مزية الإبداع الفني الحقيقي فهو مقروء وقارئ في الوقت نفسه لأنه إبداع له خبرة.
على أنه " لاشك أن سعة الخيال عند الكاتب أو الفنان مرتهن بسعة اطلاعاته ، ومن ثم تأملاته ، ومدى قدرة جهازه الذهني والفكري والنفسي على سبك المعارف والخبرات اليقينية وتوظيف المعارف غير اليقينية في عملية السبك أو إعادة صياغتها مختلطة بدوافعه الذاتية وصبها في قوالب جديدة يجري فيها الماء والدم – خلايا حية- فيها من ذاته وروحه" (أبو الحسن سلاّم، الظاهرة الدرامية والملحمية في رسالة الغفران،2003) .
هكذا كانت اللوحة عند أحمد فؤاد سليم جسداً حياً ، ترى وتشم وتلمس "الشيء الذي يرى ويشم ويلمس لابد أن يكون جسداً" – بتعبير الحاتمي - .
وبما أن اللوحة جسد فهي إما أن تكون حاملة دلالة أو معنى ، وإما أن تكون هي نفسها الدلالة والمعنى . فهي عندما تكون مقروءة قراءة بصرية تكون حاملة لمعنى ما بيد أنها تصبح الدلالة نفسها عندما تقرأ قارئها. فاللوحة تقرؤنا وتعيد صياغتنا وتغير خارطة ذائقتنا وتحول تفكيرنا من ترف التلقي المستهلِك إلى تلقٍ حررته اللوحة من نفسه ومن دعته، فيتحول من داخله إلى كائن لوني ، وبذلك تكون اللوحة نفسها معنى وليست حاملة معنى. والكثير من أعمال أحمد فؤاد سليم ينتمي إلى اللوحة القارئة لقارئها. ذلك أن لها ما للشعر الذي يقول فيه المعري : "والشعر للخلد مثل صورة لليد، يمثل الصانع ما لا حقيقة له. ويقول الخاطر ما لو طلب به لأنكره" (ديوانه : سقط الزند) .
وسليم يتلاعب بالألوان تلاعب المتمكن الأمكن، الخائل الألوان خيولا مطيته، يمسكها باللجم التكوينية البلاغية ليستعير من المحال إمكاناً. فالإفراط خارج الحقيقة وسيلة إقناع بصحة غير الصحيح – وفق الجرجاني في أسرار البلاغة -.
فالألوان عنده ، وعند من يُمّكن اللوحة من قراءتها له ليست غرضاً في ذاتها ، ليست له من حيث ينظر بعينيه ، بل من حيث ينظر بقلبه ويستعين بفكره ويعمل رؤيته ويراجع عقله ويستنجد في التكوين فهمه. ذلك أن الإبداع (اختلاق محال باختراق الحال) (سلاّم ، نفسه 2003) وهو (ارتكاز على ما هو كائن للإتيان بما لم يكن) والمبدع الحق أديباً كان أم فناناً ليس على الحقيقة كل فنه فهو كما قال المعري في (سقط الزند) :
" وليس على الحقيقة كل قولي ولكن فيه أصناف المجاز "
وقضية المعنى في الفن التشكيلي ليست من القضايا التي يمكن البرهنة عليها وينطبق عليها ما ينطبق على معظم الشعر – وفق قول ريتشاردز-: " من الواقع أن معظم الشعر يتألف من قضايا لا يحاول التحقق من صحتها إلاّ البلهاء" ذلك أن الفنان التشكيلي الرائد شأنه شأن رواد العلم والفكر والفن متطلع إلى ما فوق واقعه. تقول عائشة عبد الرحمن: "وما من رائد من رواد العلم والفكر والفن ، لم يتطلع إلى ما فوق واقعه ". (الأساطير والتاريخ 1980) . والتطلع إلى ما فوق الواقع يستند إلى التصور والتحصيل المعرفي وهو " ما يسنح به الخاطر والمركب من الحس والوهم والتخييل مع الإلف والعادة والمنشأ " (التوحيدي ، المقابسات) . كما يستند إلى المخيلات " لتخيّـل شيئاً على أنه شيء آخر ، وعلى سبيل المحاكاة. ويتبعه في الأكثر تنفير للنفس عن شيء أو ترغيبها فيه (أبو البركات البغدادي- المعتبر في الحكمة) كذلك يستند التصور - وفق الفارابي – إلى "قضايا كاذبة يحكم بها الوهم في أمور غير محسوسة" (آراء أهل المدينة الفاضلة).
ومن الحق القول إن إبداعاً ما لا يقوم دونما تصور سابق على صياغة الإبداع صياغة يمتزج فيها اللامتناهي بالمتناهي - بتعبير كارليل- وقديماً قال ابن رشد: "ما ليس بمتخيل ولا محسوس فهو عدم" والفن الخالد متعذر الإمكان ، لذا كان منيع الأركان – بتعبير قدامة بن جعفر في جواهر الألفاظ – وكثيراً فيما رأينا من أعمال أحمد فؤاد سليم ما كان متعذر الإمكان ، منيع الأركان ، لأنه أتى بجديد في مجال الفن التشكيلي فما بين نسج الأرضية اللونية بالتلوين المغاير للسطح قبل البناء عليه ، واختفاء هوية اللون المفرد في التركيب اللوني البارد الساخن ، المحايد للأبنية الإيقاعية والتكوينات ما بين الميل إلى خلق ملمس لوني ، والميل إلى تكوينات دائرية تستهدف خلق إيقاعات حركية للخطوط القوسية والخطوط المتوازية ، والتظليل المتدرج ، والميل إلى المركب التكويني اللوني السميك والمتعاكس والميل إلى الكشف عن التركيب الطبقي للألوان ، بما يقترب من فكرة كشف لعبة الألوان في التشكيل؛ على النحو الذي يلجأ إليه فنان المسرح الملحمي ، طلباً لكشف لعبة إعادة التصوير الدرامي لسمات الظواهر الاجتماعية ليعيد العصر تقييمها وتقويمها بكشف الفنان لأصول التركيب في اللعبة المسرحية . هنا تبرز قيمة فن أحمد فؤاد سليم ، وتتجلى خاصية أسلوبه التشكيلي ، وكأنه يريد القول: إن لا مزية للون الواحد منفرداً ؛ وإنما المزية في نظرية النظم اللوني . وذلك ذاته الذي نادى به بندتو كروتشه في تقدير قيمة اللون داخل سياق الصورة ، وهو نفسه الذي نادى به أ.أ.ريتشاردز ، حول إدراك قيمة النغمة الموسيقية داخل السياق اللحني ، وكلاهما مسبوق بقول عبد القاهر الجرجاني ونظريته في النظم التي مضى عليها أكثر من ألف عام ، تلك التي رأى فيها أن لا مزية للكلمة منفردة دون تآخيها في سياق الجملة مع ما قبلها وما بعدها من كلمات ، في مجمل قوله عن سر الإبداع في التعبير الأدبي والشعري.
لم يكتفِ أحمد فؤاد سليم – في تقديري – بوضع هذه الفكرة – فكرة النظم اللوني- ليحقق نظرية النظم التشكيلي؛ وهي النظرية التي تأسست عليها فيما بعد نظرية النقد السيميولوجي ؛ بل إننا نرى تأثير النظرية الشكلانية في إبداعاته التشكيلية حيث انحراف أسلوب التصوير عما هو قاعدي وعما هو تقليدي من ناحية ، وكشف أصول اللعب التشكيلي – من ناحية أخرى – على النحو الذي أصّله صاحب نظرية التغريب أو التبعيد في المسرح الملحمي (برتولت بريشت) وصولاً إلى خلق حالة الدهشة الإدراكية ، التي يعمد فيها إلى إصابة متلقي فنه لها. وهنا يكشف سليم عن طبيعة التمكن الأمكن في فنه.
ويبدو لي أن لمؤثرات التفكير الديالكتيكي دوراً فاعلاً في البنية الصراعية اللونية والتكوينية لنسيج أرضية لوحاته ، حيث التعارض في اتجاهين لونيين ؛ يجتذب كل منهما التكوينات البنائية التي رزحت فوقها ؛ بما يعطي عين المتلقي إيحاءً بالحركة المحتملة للمكونات البنائية – يميناً وشمالاً ، لأعلى أو لأسفل – بحيث تنتفي حتمية استقرار تلك الأبنية اللونية أو سكونها في موضع واحد. وهو ما يمنح اللوحة إيقاعها الحركي بما ينفي عن تلك الأبنية فكرة الاستنامة المغناطيسية وتقديس الأمكنة أو قداسة الحيازة المتوارثة.
والفنان بذلك ينحرف بالصورة عن أسلوب الفرجة النائمة – بتعبير الحكيم - .
وتتجلى تلك الانحرافات في أسلوب التلوين ، حيث يعمد الفنان إلى صنع صدمات في مناطق متعددة من البنية المنظومية للتكوينات ، سواء استعان بخطوط لولبية تخترق تلك البنية المنظومية اللونية ، عبوراً من يمين إلى يسار ، ومن أعلى إلى أسفل في مسيرة حلزونية ، متدثرة برداء لوني مغاير ؛ لا يخل بتوازن منظومة البنيات اللونية ، دون ميل إلى خلق تماثلات تخل بالتوازنات التكوينية أو بوحدة الإيقاع العام للوحة، مع ميل إلى اللعب بالألوان الساخنة مع الألوان الباردة. وهو ما يؤكد فكرة الصراع أو بذرته في فنه ، ويثري لغة نصه التشكيلي إثراءً فنياً .
يقول شكري عيّاد: " وليس كل انحراف هو سمة أسلوبية ، ولا يعد كذلك إلاّ إذا كان مثرياً للغة الفنية التي يستطيع المؤلف التعبير بها عمّا لا تستطيعه اللغة العادية ، وكان ذا غاية جمالية كالإثارة الذهنية والتسويق العقلي ولفت الانتباه أو التأكيد ".
كما يظهر ميل الفنان إلى فكرة الضم والتجميع في أعماله التي عوّل فيها على التراث الخطّي للحروف العربية وإعادة اللعب الجمالي أو التلاعب معها من حيث الشكل وبناء الشعار الناظم لوحدة تلك الحروف على المستوى الدلالي إسقاطاً ناقضاً للفرقة التاريخية للسان العربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً . ومن ناحية أخرى تأكيداً لفكرة النظم التي أشرت إليها من حيث افتقاد الحرف منفرداً عن بقية الحروف في الكلمة وافتقاد الكلمة واللون والنغمة المنفردة للمزية وللقدرة على الحياة خارج نسق جنسها الاتصالي . وهنا يكون لأحمد فؤاد سليم فضل ربط فكرة النظم التشكيلي بفكرة النظم اللغوي ، ويكون له قبل ذلك فضل نحت هذا المصطلح ممارسة وتطبيقاً لا تنظيراً في أدبيات الفنون التشكيلية، ذلك أن خبراته التشكيلية كخبرة الشاعر ، فكلاهما يتعامل بالأجساد الكاملة هذا بالألوان وذاك بالألفاظ لا برموزها الحسية .
أدرك أحمد فؤاد سليم فنان الإحساس أن طاقة الألوان وقدرتها على تعديل بعضها بعضاً ، وعلى تجميع تأثيراتها المنفصلة وتناسب موضعها المناسب لخلق الاستجابة وتحقيق المثير الانفعالي والوجداني في اللوحة لا تتجسد في الصورة دون إعمال لنظرية النظم التشكيلي . وأن اللوحة التشكيلية إن انطلقت من فكرة مسبقة ، فهي لا تحتمل سوى فكرة واحدة ، بينما يكون من الضرورة بمكان احتمالها للعديد من الانفعالات في كل مرة يعاود فيها فعل التلقي.
تعكس أعمال الفنان أحمد فؤاد سليم التشكيلية أصداء ثقافة جيل بأكمله ، أصداء إبداعات أدبائنا الكبار وإبداعات كبار موسيقيينا وأصداء معارك ساساتنا ومفكرينا الذين قادوا حركة التحرر العقلي والسياسي وأثروا الوجدان الوطني والشعبي بمعاركهم وصراعاتهم ، وبإبداعاتهم الأدبية والشعرية والموسيقية والتشكيلية ؛ ذلك أن أصداء الثقافة هي كل ما في أعمال أحمد فؤاد سليم فضلاً عن الحاضر المعيش، وهما ضدان فما من فنان حقيقي إلاّ وتتعارض فيه الثقافة والحاضر . وما من فنان ومفكر حقيقي إلاّ ويعيش بداخله صدام بين ثقافته وحاضره المعيش ، غير أن قدرة المبدع الحقيقي تتبدى في قدرته على أن يعكس صدام خبراته الثقافية مع واقعها لمعيش نائباً عن الوجدان الجمعي لأمته في حيز لا يزيد على عدد من السنتيمترات أو عدد محدود من السطور أو الأبيات الشعرية ، وقد تمكن الفنان أحمد فؤاد سليم من أن يجمع في اللوحة الواحدة صدى الكثير الفاعل والمؤثر من نصوص أدبية وشعرية وأعمال موسيقية وسينمائية ومسرحية لكبار أدبائنا ومبدعينا في حيز لا يتعدى عدداً من السنتيمترات مع قدرة فذة على نزع بصمة المباشرة من فوق صفحة الصورة . ذلك لتجاوز نصه البصري لكل وظيفة اجتماعية ولكل اشتغال بنيوي ، فالكثير من لوحاته ترضى الغموض الخالق للذة التي قد تتضمن شيئاً من المتعة البصرية وقد تعارضها. فالمتعة ماثلة في لوحاته التي يعمد فيها الفنان إلى صنع صدمات في مناطق متعددة من البنية التكوينية التي تخترقها الخطوط اللولبية – كما في بعض لوحاته في الستينيات والسبعينيات – مرحلة الرؤية الفردية النموذجية . تلك المرحلة التي يزن فيها الفنان الألوان بميزانها لا بميزان وعيه ، حيث الاهتمام بمهارات التشكيل اللوني والمنظومة الإيقاعية للتكوينات دون الاهتمام بالضياع التعبيري للمعنى. وحيث الاهتمام بتخليق حالة الإبراق التمعّني عن طريق مهارات الفصل والوصل اللوني ، تمكيناً لقارئ اللوحة من تعرية ما وراء النسق البنائي للوحة، إذ أن ظاهر النسق التشكيلي لا يكشف عمّا وراءه ، وذلك من شأنه إذكاء لذة القراءة البصرية للوحة في معاناة الكشف عن دلالة ما مسكوت عنها. ذلك أن الفنان تعمد بتر خطاب نصه البصري عن طريق خلق حالة عدم الاكتمال: (مينيمالزم Minimalism) في تكويناته. أو أنه في حالات أخرى تعمد فيها تعرية مكونات اللوحة ، كما لو كان يعيد إنتاج النص البصري في اللوحة ويكشف عن عناصر تكوينها كما في بعض لوحاته ذات الطبقات اللونية المخدوشة الأسطح تشويهاً مقصوداً منه لكشف مراحل اللعبة التشكيلية بقصد عدم توحد المتلقي للوحة مع نسقها التشكيلي أو مع الأثر الجمالي أو الدلالي ، ولإتاحة أفق التوقعات أمام المتلقي لملء ثغرات أو فجوات في البنية الإيقاعية للتكوين.
على أني بعد هذا المهاد النظري الذي تأسس على سياحة بصرية تأملية لهوية الفنان على اتساع جغرافية إبداعه أستطيع قبل أن أشرع في تحليل نماذج من أعماله التشكيلية على مدار رحلة إبداعه العريضة أن أرى إبداعاته وقد توزعت بين ثلاث رؤى متداخلة .. فهناك أعمال انطلقت من الرؤية الفردية النموذجية ، وهناك أعمال مدفوعة بالرؤية المأساوية ، وهناك أعمال تأسست على الرؤية الحلولية.

الفنان أحمد فؤاد سليم والرؤية الفردية النموذجية:
تعتمد دراسة الصورة في أعماله التي انطلقت من الرؤية الفردية النموذجية – إبداعاته الستينية / السبعينية – على التركيب الأسلوبي وصولاً إلى التصور الفلسفي وأبنية الأنماط العليا في لوحاته واكتشاف النماذج وخاصة النموذج التشكيلي الجدلي الذي يعتمد على فكرة انقسام العالم ، وتقابل عناصره الثنائية في الأخيلة البنائية اللونية والفضاء اللوني. وعلى النموذج الدائري الذي يقوم على دائرية الأسلوب – تبعاً لدورة الطبيعة -. أما الفردية أو التفرد فماثلة في انجذابه للتراثي، وأما النموذجية فماثلة في ميوله الحداثية. من هنا ظهر البعد الجدلي في خطوطه وألوانه وتكويناته . فالتشكيلات الأرابيسكية الحروفية – على سبيل المثال – في بعض لوحاته تراثية من حديث مصدرها ومعادلها الحسي ، وحداثية من حيث مغايرة رسمها في التكوين للرسم وللوظيفة المألوفة المعادلة لمعرفتنا القرائية. وتكويناته الخطية الحلزونية والمنحنية لها الشكل الأرابيسكي التراثي ، وسماتها الحداثية في بنيتها الثنائية فيما هو أقرب إلى الديالوج الحركي في الثقافة الغربية.
وفي النموذج التشكيلي الجدلي ليس في مقدور الفنان إلا الاعتماد على الإشارة المكثفة باللغة اللونية في بنيتها الصراعية عبر التقابل والتماثل غير التام وعبر التناقضات في إطار وحدة تشكيل واهية ومراوغة الدلالة. وليس في مقدوره أيضاً أن يسهب في استخدام الألوان والتكوينات حتى لا يفقد الصورة عمق الطابع الرمزي ويفقدها التوتر الذي تخلقه تقنيات الاستعارة التشكيلية وتقنيات التورية والكناية اللونية المركبة التي تحقق بلاغة التلوين وبلاغة التشكيل وجمالياته:
وفضلاً عما تقدم حول الرؤية التشكيلية الفردية النموذجية تلك فإن التكوين في الصورة يعتمد على الإسناد التشكيلي ؛ حيث تجري عملية خلط الألوان لتعطينا مكوناً لونياً ذا هوية مغايرة لكل لون من ألوان الخليط لخلق وضعية انحراف دلالات التكوين بالتعدد والتدرج والتنميط اللوني لخلق بعد مجازي تشكيلي يؤدي إلى الخروج عن شفرة اللون. ومن ثم يفقد اللون المنفرد معناه الحسي ليكسبه معنى جديداً أو معانٍ جديدة متعددة بتعدد متلقي اللوحة . وبذلك يكون هناك اختلاف قائم بين فهم اللوحة وطريقة فهمها . حيث تكون اللوحة هي (المدلول) signified أما فهمها فهو (الدلالة) signifier ، وهي مختلفة من متلقٍ لآخر حيث هناك فهم ناقل وفهم يولد الإحساس والعاطفة التي تثيرها عاطفة الفنان المبثوثة في ثنايا اللوحة . إن الفنان التشكيلي الحق مثله مثل الشاعر الحق الذي يصفه بول فاليري بأنه (في حالة حلم دائم).
وفي مرحلة تلك الرؤية الفردية النموذجية لأعمال الفنان أحمد فؤاد سليم يقوم شعر اللوحة التشكيلية على كسر الفنان لقوانين الدلالات اللونية ، وعصيان قواعد البناء التشكيلي وكسر نظام الإمكانات اللونية الحامل لمعانٍ عادية . فاللوحة تقوم على بنية تحطيمية تظهر فجوات البناء التشكيلي . تترك لقارئها استنهاض طاقته التأملية في سبيل محاولة كل قارئ لنصها البصري – على حدة – ملء تلك الفجوات ؛ وبذلك تتحقق له اللذة. على أن مسألة نجاحه في ملء فجوات البنية التشكيلية في اللوحة لا تتحقق إلاّ بقدرته على تعرية عناصر التشكيل وصولاً إلى المسكوت عنه في اللوحة ، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن تكون عينه التي يرى بها الصورة ، هي العين نفسها التي تراه خلالها الصورة حيث تعمل الرمزية والتعبيرية عملها في اللوحة.
تنوعت أعمال سليم في فترة الستينيات والسبعينيات من حيث الخامات (الألوان والمسطحات) ومن حيث الأسلوب الذي تراوح ما بين التنويع على تيمات شعبية وأساليب تكعيبية هندسية وتشخيصية تجريدية تكعيبية وتجريدية غنائية ، كما تنوعت تقنيات البنيات التشكيلية من حيث شفافية التراكيب اللونية الدائرية والمتداخلة والتماثلات غير التامة وبرز من بين إبداعاته لوحة زيتية تشخيصية الأسلوب على توال لمسرحية (الكراسي) لثاني العبثيين المسرحيين العالميين (يوجين يونسكو) لقد كانت مرحلة تدفق فيها الدور الفكري والثقافي والإبداعي للفنان أحمد فؤاد سليم وبرزت جرأته المحمودة التي كان لها فضل الريادة في مجال التجريب المسرحي في مصر ، بإنشائه لمسرح المائة كرسي بالمركز الثقافي التشيكوسلوفاكي بالقاهرة في أواخر الستينيات ، وفتحه الطريق أمام فنانين مسرحيين شبّان أصبحوا فيما بعد أعمدة الإبداع المسرحي المصري.

في إحدى لوحات تلك المرحلة (s60) ( 1340_000) تنفتح الأكوان على بعضها بعضاً خلال التركيبات اللونية الدائرية المتداخلة (ألوان الطيف) مع تكعيبية التماثلات المستطيلة وسمات الطقوس المثلثية الزخرفية النوبية ، وصلابة التكوين بخطوطه الحلزونية العلوية المعلقة والمحففة بالتظليل الأسود الثقيل ، الرابض على سطح فضاء رمادي مشبّع بالزرقة الداكنة ، متربصاً بخطوط عرضية متفاوتة بين نحافة الخط وامتلائه ، وتعرجه إلى حد ما ؛ بما يشي بصراع مرهص – على وشك النشوب– بين التكوينات حيث عالم علوي حلزوني متماسك يهدد عوالم هي مجرد خيوط اتصال منفردة ومتباعدة (بيضاء / حيادية) تتأرجح في فضاء عريض ملبد بالدكنة، متشح بالسواد في مقابل الدوائر وأنصاف الدوائر وأرباعها المتداخلة في تدرج لوني متداخل ما بين البرتقالي المشع بشعاع شمسي والوردي الناصع والوردي القاني المتوازيين في تكوينين ربع دائريين ، تعلوهما – في وسطهما – دائرة تامة حفف محيطها باللون الأبيض ، وتدرجت ألوانها البرتقالية المشبعة باللون الوردي، تبعاً للقرب من الفضاء العلوي البرتقالي المشع ، الذي يسقط من علٍ كما لو كان ألسنة نار غيبية ، تشعل الكون كله من تحتها ، وتمده بالطاقة التي عبر عنها الفنان في اللوحة بالتدرج اللوني الوردي ، بدرجاته المتفاوتة ، تبعاً لقربه أو لبعده عن مصدر تلك الطاقة المشعة ، وصولاً إلى منطقة متشحة باللون الأخضر الزيتوني في قاع فضاء اللوحة ، وكأن تلك الطاقة العلوية المشعة التي تغمر الكون هي التي تمد الكون في النهاية بالخضرة والربيع الدائم ، ليس هذا فحسب بل تمدها بالوجود ذاته فهي مدينة لتلك الطاقة بنعمة الوجود.
على أن هذا التدرج اللوني ما بين الألوان الساخنة وصولاً إلى اللون البارد (الزيتوني) الذي يكسو قاع فضاء اللوحة ، إنما هو انعكاس لصورة دراما الكون في مخيلة الفنان.
ويتبدى النموذج الدائري في إبداعه التشكيلي في لوحة قائمة على تجريد هندسي بالحبر الشيني وأخرى تقوم على تجريد هندسي لانقسام عالمين أحدهما تأسس على التجريد الزخرفي لأشكال كائنات هلامية بيضاء تسبح في فضاء شديد الإعتام ، والآخر الذي يشكل ثلث التكوين المستدير بلون أبيض لا تشوبه شائبة؛ يتلاحم في محيطه شكل هلالي أسود هو استكمال لدائرية الكون.
ولوحة ثالثة تعتمد على اللعب التشكيلي بالحروف العربية على فضاء أرضية سوداء.
وفي لوحة أخرى تعتمد على توظيف تشكيلي موسيقي بصري بالحروف العربية في خطوط عرضية بلون أحمر مخلوط ببرتقالي وفي خطوط رأسية بتنويع لوني بني في عدة أعمدة كتابية تشكيلية في الطبقة العليا من فضاء اللوحة في تجاور تتخللها أعمدة رمادية لحروف بصرية يتردد صدى سماعها عبر الذاكرة التخيلية الجمعية. وفي أرضية فضاء اللوحة الذي يغمره لون فيراني تشكيل أفقي في خط عرضي باللون البني القاتم على أن التنقيط بالنقاط الرمادية المائلة إلى الزرقة السماوية والنقاط البنية والنقاط البرتقالية القاتمة متحررة في الفضاءات المسافية ما بين حرف تشكيلي وحرف تشكيلي آخر لتبدو اللوحة كقاعة كرنفال راقص لحروف آدمية من كائنات فضائية.
وفي لوحة خامسة تتجسد كائنات فضائية بهلال أحمر كبير مقلوب ، وهي سابحة في فضاء اللون الزرعي الذي يسوح في فضاء اللوحة ولا يحده من أعلى سوى شريط رمادي تنسرب من تحته انعكاسات الخضرة الفضائية وتتدلى من سقف اللوحة شواهد خضراء مقلوبة كتلك التي تحف سطوح المساجد القاهرية الفاطمية والمملوكية . وتتدرج ألوان الكائنات السابحة في فضاء الخضرة الغاطة من فضاء اللوحة من تحت الهلال المتدرج الحمرة من وسطه إلى طرفيه حيث تنعكس حمرة قاتمة تحت الهلال تظليلاً له ، بما يشف عن دلالة استظلال تلك الكائنات بظل الهلال الكبير الذي هو بمثابة قبة سماوية متدرجة الإضاءة . ويتنوع فضاء اللوحة إذ يحد المساحة الأرضية الخضراء بشريط أزرق قاتم قسمت مساحته بخطوط خضراء مائلة في مسافات متساوية وموحدة ، كما لو كانت هذه الخضرة متفرعة على المساحة المائية. على أن اللوحة تشف بعناصرها الزخرفية العلوية والسفلية المتساوقة مع الهلال الذي تستظل بظله تلك الكائنات الهائمة في فضاء الخضرة والناعمة بخيرها (على مستوى الرمز) ، تشف اللوحة عن روحانية أو حالة من التصوف أو الصفاء الذهني التي عاشها الفنان في رحلة سياحة مع هذه اللوحة ذات السمات الروحانية ، وبذلك يحقق الفنان التناسب في التركيب الدلالي . وهي لوحة تحسب على الرؤية الحلولية – المرحلة الثالثة من مراحل فنه - حيث تداخلت الرؤى الثلاث في إنتاجه الإبداعي ما بين المراحل التاريخية التي عبرها الفنان .

الإسناد اللوني في اللوحة التشكيلية :
يشكل الإسناد انحرافاً في التعبير اللغوي والأدبي وهو كذلك في التعبير اللوني ، إذ هو انحراف في التعبير التشكيلي يعتمد على التعدد والتدرج اللوني وعلى عدم التنميط ، وهو يؤدي هنا إلى التناسب في التركيب اللوني دون الدلالالي لتبهرنا الألوان في انسجامها ما بين البقع والأشكال الهلامية اللونية الساخنة (الحمراء والسوداء) والبقع والأشكال الهلامية اللونية الباردة (الزرقاء والخضراء والبيضاء) وكلها تتداخل وتتمازج في حالة من الانسجام ، فيما يشبه حالة من التلاحم والتماسك والتوازنات اللونية والإيقاعية الملحمية، حيث تتراكب الألوان فوق بعضها بعضاً دون أن يطغى لون على آخر في وحدة المتضادات اللونية والتشكيلية التي تبدو طافية على سطح بحيرة مياة داكنة أو على محيط لا قرار له. مع تنويع في الأشكال الهلامية ما بين تكوينات هي الأقرب إلى الأميبا الدائمة الانقسام والمتوالدة في فضاء كوني عريض.
وفي لوحة أخرى (70s-PA220622) تتجلى فيها الرؤية الفردية النموذجية - من مرحلة السبعينيات – يتواجه تكوينان زخرفيان حيث يتلاعب الفنان بوحدتين من وحدات فن الأرابيسك إحداهما تشغل ثلاثة أرباع الفضاء العلوي من اللوحة وهي على هيئة وحدات لولبية أقرب ما تكون إلى انعكاسات لمآذن ومنارات إسلامية على صفحة بحيرة من الدماء ، وهي تتأرجح فتتلوى انعكاسات هياكلها المعمارية على صفحة تلك البحيرة الدموية التي يتغير لونها إلى الخضرة الزيتونية تحت انعكاسات تلك المنارات والمآذن المتراقصة على صفحة تلك البحيرة الدموية.
أما الثلث الأخير في أسفل اللوحة حيث الفضاء الأخضر الناصع فيشكل خلفية لتكوين أرابيسكي متماسك لأشكال لولبية صفراء ملتصقة أو كولاجية بأرضية سوداء تتفرع منها ألسنة أشبه بالزوائد على صفحة تلك الخضرة . وتشكل كل من المساحة العليا من اللوحة والمساحة السفلى منها عالماً قائماً بذاته، فالتكوين المنعكس على بحيرة دموية بأعلى فضاء الصورة يشكل عالماً قائماً بذاته ، بينما يشكل التكوين اللولبي المتماسك على أرضية خضراء فاقعة الخضرة عالماً مغايراً قائماً بذاته . وبين التكوينين صراط مستعرض ملتوٍ ومتعرج فاصل بين هذين العالمين المتبايني الاختلاف . وهو تقسيم وإن كان تقسيماً زخرفياً تجريدياً ، إلاّ أنه من جهة نظري يشكل حالة فارقة بين عالم له طابع شكلي متوحد مع شتات وانفصال يكشف عنه تكرار الوحدة الزخرفية الأقرب شبهاً بمآذن انعكست صورتها المتكررة والمتجاورة في حالة من الانفراد على صفحة أو أرضية دموية. وهي تشف من حيث الدلالة الكلية عن انتشار نمط فكري أو طقسي أو اعتقادي انتشاراً دموياً يشكل في تجاوره المتقطع وحدة شكلية لم يتبق منها سوى ظلها المتراقص أو المتذبذب في وحدة إيقاع حركي ، في مقابل عالم واحدي النمط واللون أيضاً فيما يقترب من وحدة فكر أو وحدة عقيدة على أرضية سِلْم وسلام وخير عميم. والدلالة عندي تشف عن ملحمية فكر أو عقيدة أو نمط عقائدي قام اعتماداً على القوة وملحمية فكر أو عقيدة أو نمط عقائدي قام اعتماداً على دعوة مسالمة بالحكمة والتسامح.

وفي لوحة تالية للوحة السابقة (70s-PA220623) يتكرر من حيث التشابه في التصميم مع سابقتها ثنائية الفصل بين تكوينين قائمين على المواجهة الجماعية بين هذين التكوينين المتماثلين من حيث إعادة إنتاج الحروف العربية حتى تعطينا هذه المرة قراءة تشكيلية بصرية سمعية ، بديلاً عن القراءة الكلامية. وتتشكل اللوحة بتكوينيها المتماثلين من تركيب كولاجي تتمثل فيه الأشكال أو الوحدات الزخرفية على سطح الفضاء (الليموني) وفوقه تحت الوحدات الزخرفية نفسها أرضية بنية ثقيلة وكثيفة تسمح للأشكال التي تعلوها بالظهور المتأنق والناصع ، ليضع الفنان فوق تلك الأشكال والوحدات الزخرفية المبرقشة بالبقع الحمراء المتناثرة على السطح (البيج) لتلك الأشكال الزخرفية حروفه الراقصة على أرضية اللون الأخضر الزرعي. مع تكرار ذلك التشكيل الطبقي اللوني بكل وحداته المتماثلة مع التشكيل العلوي في الربع السفلي من اللوحة مع تحديد لأعلى اللوحة ولأسفلها بخطوط بنية مائلة من أعلى اللوحة ومن أسفلها هي أشبه بوحدات زخرفية لسياج حديدي بنية اللون يحدها من أعلى ذلك التكوين الزخرفي الذي يعيد إنتاج الحروف العربية ليوظفها توظيفاً تشكيلياً حداثياً متماثلاً فيما يشبه نوعاً من الحماية لهذين العالمين (التكوينيين المتماثلين) من حيث الشكل واللون والتعارض والانسجام ، ومن حيث الدلالة الموحدة فيما بين التكوينين المنفصلين فيما يشف عن تيارين من منبع فكري عقيدي أو تصوفي واحد في حالة من الاستنفار الذي يتواجه فيه كل منهما مع الآخر عن بعد دون رغبة في تلاحم من أي نوع مع أنهما يقفان على أرضية واحدة ويتوحدان من حيث التنميط أو الشكل.
تتجلى إبداعات الفنان عندما تهيمن عليه أو تستغرقه الرؤية الحلولية في حالة أقرب إلى حالة التصوف أو التأمل في الأحوال الفكرية خاصة تلك المتقلبة ، حيث الخروج من مرحلة الستينيات في مجتمعنا وهي حالة التنميط الفكري أو التقولب حول فكرة القومية ، ليدخل المجتمع إلى حالة التنميط أو القولبة الفكرية التدينية. وهو ما يتجلى في إحدى لوحاته السبعينية حيث التوحيد أو التجييش الانتظامي للحروف ، التي تبدو هنا بمثابة أفراد في مجتمع واحد صفت فيه الأجساد في سبيل إحياء فكرة ولو أدى بهم هذا إلى الفناء من أجل إحياء تلك الفكرة الشمولية التي ماتت قومية وبعثت عنصرية . على أن المواجهة هنا في مكونات هذه اللوحة من أعمال الفنان عام (1978) وهي تصوير لوني زيتي على توال على هيئة مربعة (136x136) تأخذ وجهة أخرى، حيث يتوحد التجميع التشكيلي للحروف التي تزيّت بالزي الزيتوني على أرضية بنية مشوبة بالبرتقالية اتخذت هيئة مثلث قائم الزاوية في الثلث الأسفل من يمين اللوحة (بالنسبة للناظر إليها) لتصبح كرأس سهم موجه إلى الركن الأيمن لأسفل اللوحة وفي مواجهتها في الركن الأعلى ليسار اللوحة مثلث متساوي الضلعين لصفوف عرضية منتظمة على هيئة محاور مستعرضة بداخل المثلث وهي متعددة الألوان ما بين الخط البرتقالي في المواجهة يليه الخط البني المحروق الذي يليه الخط الأحمر المستعرض نوعاً ما ، يعلوه الخط البنفسجي الذي يعلوه الخط الأحمر المساوي له في نحافته ليعلوه الشريط (البيج) المستعرض والخط الأحمر يتوجها جميعاً في رأس المثلث الموجه إلى الخارج نحو ركن اللوحة العلوي يساراً مفضلاً اللون الأبيض. والدلالة تشف في هذه اللوحة عن مواجهة سلبية قائمة بين عالم منمط واحدي اللون والشكل والأرضية الفكرية ، وهو يشغل الحيز الأكبر من فضاء اللوحة ، وعالم متعدد الألوان في أعلى يسار الصورة ، وهو يشغل الحيز الأصغر من فضاء اللوحة. وللتحديد المكاني يميناً للحيز الذي يشغله التكوين المتعدد الألوان والمنتظم في حدود لها استقلاليتها دلالته أيضاً (التوجه الفكري المتحرر أو الليبرالي) وبينهما فضاء أو مسافة تباعد ما بين هذا التكوين المنمط وذاك التكوين المتعدد والمنفتح والمنظم . واللوحة تعكس الرؤية الفردية النموذجية.
وفي لوحة (زيت على توال 135 x 135) (s70) يعلوها في النصف العلوي الشفقي الأرضية هرم أو شكل ثلاثي هرمي متدرج الألوان ، أما النصف الثاني من اللوحة والذي تسبح في فضائه الرمادي الداكن المخلوط بالأزرق النيلي تكوينات زخرفية شبه خرافية تتخذ لوناً موحداً (لبنياً) مائلاً إلى البياض وهي تصوير زيتي على توال من أعمال الفنان في السبعينيات. تبدو الصراعات في حيز واحد وهي صراعات وتشابكات في الحيز أو الرقعة الجغرافية الواحدة ، في محاولة الخروج من تلك الحالة الصراعية بين أبناء مجتمع واحد أو مكون اجتماعي واحد وصولاً إلى التعدد الهرمي ، الذي هو بالنسبة لهم أملاً أو مطمحاً يحاولون الوصول إليه ، بوصفه أعلى درجات التعايش وأفضلها ، حرصاً على حياة مشتركة أفضل.
وأنا أرى أن كثيراً من أعمال هذه المرحلة ، فيما بدا لي كلها تنطلق من اعتمال فكر سياسي وطني مهموم بالوطن ، ومشغول حتى النخاع بما يدور فيه من صراعات تحاول التخلص من حيز الفكر القومي الضيق إلى حيز فكري عنصري وعصابي أشد منه ضيقاً. وهنا لا يمكن القول: إن الفن التشكيلي فن منعزل عن المجتمع وعما تجري فيه من تحولات أو تقلبات سياسية بهلوانية، عاشها جيل الفنان العظيم أحمد فؤاد سليم.

في لوحة أخرى (زيت على توال 140 x 140) (s70) يكتسي الفضاء بخضرة متماوجة تقطعها خطوط رفيعة ودقيقة سوداء وبيضاء أو أكثر خضرة وأثقل في خضرتها من الخلفية الخضراء التي تغطي النصف العلوي من اللوحة ويقطعها شريط أحمر عريض في الجزء العلوي منها في خط أفقي، كما لو كان يقسم تلك المساحة اليانعة بالخضرة إلى قسم أصغر وقسم أكبر بكثير منه بما يشكل أضعافاً مضاعفة له. أما النصف السفلي من اللوحة فيكتسي بالزرقة الداكنة التي أسقط عليها شكل مثلث هرمي مقلوب الرأس إلى أسفل وهو متدرج الألوان من القاعدة إلى رأسه بشريط بنفسجي أسفله مباشرة شريط أسود بأسفله شريط برتقالي له نفس اللون الذي لأضلاع المثلث ، وأسفله خط أسود خفيف مائل إلى الرمادي الداكن وأسفله شريط أسود عريض ، بأسفله شريط بني متدرج ما بين محروق وبني فاتح، وفي أسفله شريط عريض أصفر بأسفله شريط أخضر (كرنبي) بأسفله مساحة مثلثية زرقاء تشغل قمة المثلث المقلوب. وكأني بالفنان المفكر يلفت النظر إلى أن رقعتنا الجغرافية الخضراء المتدرجة العطاء ، طاردة لأهلها أو من هم على ظهرها في اتجاه البحر المتوسطي حيث التعدد . تعدد الألوان الفكرية والسياسية ، وتعدد التوجهات مما يمكّن الإنسان من حرية الاختيار . ولعمري لقد كانت فترة السبعينيات بالنسبة للناس مفكرين وبسطاء في الدول الواحدية البعد الاتجاهي السياسي للدول التي تسيطر عليها العسكرتارية كما في (العراق وسوريا ومصر وليبيا) هي فترة طاردة . فكم من الملايين قد هجرت أوطانها أو لفظتها الأنظمة العسكرتارية السبعينية التي ترفع شعار القانون والعلوم والإيمان والديمقراطية ذات الأنياب إلى أوروبا وإلى أمريكا.

في اللوحة (زيت على توال 100 x 100) (s70) التي تتشح تكويناتها وتشكيلاتها باستلهامات الحرف العربي حيث تعيد صياغة الشعارات الدينية أو مقاطع من الكتب السماوية ، وخاصة القرآن تعلو اللوحة في جلال علوي ووقار يمنحها إياه اللون الأسود الدكنة وتمنحها إياه مكانتها من حيث موقعها في سماء اللوحة على أرضية يقترب ملمسها من الملمس الرخامي البارد ، وهي تعلو شكلاً هرمياً متداخلاً ضاماً لأهرام مصر الثلاثة الشهير في منتصف أسفل اللوحة راسخة رسوخاً أبدياً صلباً ، رفع شعار الإسلام عالياً ، على اعتبار رسوخ الديانة الواحدية الإخناتونية التي بزغ نورها على العالم من مصر وتلتها أو استنسخت منها الواحدية الموسوية على اعتبار أن اخناتون و(طفل الماء) قد تزامنا في منظومة الدراسات الآتونية المصرية القديمة.

أما هذه اللوحة المربعة الزيتية على توال (100x100) (s70) وهي تصوير من مرحلة السبعينيات أيضاً فهي تشكيل زخرفي تجريدي تشف في نظري عن تنظيم من خيول تعدو ، يرفع الفرسان من فوق ظهورها الرايات السود ، فيما يشبه الإغارة أو حالة من حالات الغزو القديمة التي يقتحم فيه الفرسان بخيولهم بلاداً ليست بلادهم ويغزون أراض ليست لهم فيروعوا أهلها.
وتحيلني هذه اللوحة التي يشتبك فيها اللونان الأسود والبني المشوب بالبقع الصفراء في حركة الكائنات أو التكوينات المتلاحمة والمتسارعة في حركتها المندفعة إلى الأمام في حيز شريط أفقي مستعرض من يمين اللوحة انطلاقاً نحو يسارها بما يوحي بخروج تلك التكوينات المتسارعة عدواً نحو المجهول، فيما يشبه الصراع (الدون كيخوتي) مع طواحين الهواء بسيف خشبي . فهو استنفار لتجليات الفكر الشمولي الماضوي الذي شاهدناه في السبعينيات وهو يزيح الفكر الشمولي القومي، ومازال يدهم حياتنا وثقافتنا ويغير عليها تحت سمع الحكام وأبصارهم ، فما من رصيف إلاّ وافترش بالكتب الصفراء والزوايا وما من شارع أو زقاق إلاّ وأصبح مأو سكنياً ، وما من حي إلا وحوصر بمكبرات الصوت الزاعقة ليل نهار تحسب نفسها في البرية ، دون أن يكون لها ورع المعمدان أو مصداقية دعواه.
ومما يجعلني أميل إلى هذا التأويل هو ذلك الفضاء الذي تدوس عليه تلك الحروف والتكوينات الخيول الغازية التي هي شبيهة بالسحب الكثيفة الخفيفة التي تحيلني إحالة معرفية أسطورية إلى خيول الآلهة الغرانيق الأغارقة بزعامة زيوس وهي تجوس بهم فوق سحائب الأولمب الشهيرة حسبما حكى أفلاطون في محاورات (فيدون) ، فضلاً عن أرضية اللوحة التي يشغل حيزاً عرضياً في قاعها شريط قماشي ذو خطوط طولية رأسية متوازية ومتماثلة في السمك استعراضاً ونحافة فيما هو موحٍ بأقمشة خيام البدو.

تستمر تلك الثنائية في أعمال أحمد فؤاد سليم خلال مرحلة السبعينيات ، ربما لأنها كانت على مستوى الواقع السياسي المصري المعيش ، فترة تحول من واقع عسكرتاري شمولي يتقنع خلف قناع رأسمالية الدولة ويشيع أنه يطبق الاشتراكية على نمط يزعم أنه الأنسب لمجتمعنا إلى واقع عسكرتاري شمولي يتقنع خلف قناع سيادة القانون وأخلاق القرية ويبشر بديمقراطية ذات أنياب . فربما كانت لهذه الازدواجية في حياتنا السياسية والاجتماعية والفكرية المعيشة انعكاساتها على فناننا المبدع أحمد فؤاد سليم مثلما كانت ظلالها غاطة على حياتنا الفكرية والثقافية والفنية آنذاك.
لذلك لا تندهش إذا وجدنا تيمة الازدواج ماثلة في الكثير من لوحاته في السبعينيات.
على أنه من الحق أن نقر بحق الفنان في أن يكون له ما يشغله ويؤرق فكره وأن نقر بحقه في أن تكون له بصمته وخصوصية أسلوبه.
وفي هذه الحدود تطل علينا تلك اللوحة (120x 122) المتشحة بالخضرة الصافية في ثلاثة أرباعها من أعلى تتوسطها دائرة منقسمة في ثلاثة أقسام دون انفصال إذ يتخذ نصفها الأيسر اللون الأخضر القاتم وينقسم نصفها الأيمن إلى قسمين لونيين أحدهما أثقل خضرة من الأرضية التي يطير فوقها أما الآخر الملاصق في شكل قوسي للنصف الأخضر القاتم فيتخذ لوناً مهجناً بين الأخضر والأزرق.
أما الثلث الباقي في أسفل اللوحة فتكتسي أرضيته باللون البنفسجي الثقيل تسبح فوقه كائنات هلامية خضراء . وربما تشكل هذه الألوان الباردة التي تسيطر على اللوحة انعكاساً للحالة النفسية للفنان وتعكس أمله في حياة تتسم بالرخاء وبالاستقرار النفسي وتعكس الحاجة إلى حياة حالمة.

وربما تكون من ابتكاراته التجريبية انقسام اللوحة الواحدة إلى لوحتين كما في التصوير الزيتي على توال (128x118) إذ نحن بإزاء لوحتين في لوحة واحدة ، وهو قريب من أسلوب المتتالية الموسيقية . وكأن الفنان هنا يبتكر قالباً في الفن التشكيلي شبيها بالمتتالية الموسيقية وهو قالب المتتالية التشكيلية ، فكلا اللوحتين يتماثل في بعض جوانبه من حيث التصميم معاً حيث التماثل غير التام في توظيف المثلثات اللونية في الركن الأسفل يميناً في اللوحتين . وفي الركن الأيسر شمالاً من أعلى اللوحتين مع تماثل في التكوينات الحروفية في كلا اللوحتين في غير تماثل تام ، مع تماثل متقابل بين مثلث الركن الأيمن من أسفل القسم العلوي (اللوحة العلوية) ومثلث الركن الأيسر العلوي من القسم السفلي (اللوحة السفلية) من حيث لونهما الأخضر . وإن حمل المثلث في اللوحة العلوية مثلثاً لبني اللون في داخله . كما يعتمد الفنان التعارض اللوني في مقابلة المثلث الأخضر بالركن الأعلى من يسار القسم الأسفل من اللوحة المركبة مع مثلث في نفس حجمه وإن تعارض معه من حيث وضعه قائماً حيث أعطاه اللون الأحمر.

وفي لوحة ( حفر طباعة على ورق .5040x 40) يعلو فيها مثلث مقلوب رأساً على عقب ويتخذ اللون الليموني وتسبح بداخله كائنات هلامية خرافية ، تتقابل معه دائرة لونها خليط بين الأحمر الممزوج بالبرتقالي تسبح فيها نفس الكائنات الهلامية دلالة على وحدة الكائنات مع تنوع أشكال الوجود ومواقع الموجودات فيه.


الرؤية المأساوية ( أعمال الثمانينيات)
الفن اللتشكيلي التسجيلي:
تميل المرحلة السوداوية (الحبرحمضية) في فن سليم إلى الرؤية المأساوية . ففي لوحة تشخيصية : (تجريدية تكعيبية) وكلها تتأسس على كتلة منقسمة إلى عدد من الكتل الملتحمة في بداية تلك المرحلة حيث تتحصن خلفها الجماعات المتقاتلة ، سرعان ما تبرز انقسامات في هذه الكتل لتتحول إلى أربعة كتل كلها تتحصن خلف كتلة سوداء ضخمة وصلدة. هي رموز لكتل سياسية متحاربة ؛ تبدأ باقتتال بالأسلحة من وراء تحصينات أو من فوقها . على أن حرص الفنان على سيادة اللون بتدرجاته في أقسام الكتل الصلدة الجامدة تخلق تشابهاً لونياً وتماثلاً دلالياً وتكراراً تكوينياً متنوعاً يكشف عن فقدان الهوية الصراعية .
على أن الإرهاص بالاقتتال تشخصه لوحة (14) (أحبار وأحماض s80) أشبه بوعاء مخروطي ضخم تنحشر فيه مجموعتان ، الأولى في النصف شبه المنحرف الأعلى المحكم من أعلاه بغطاء ثقيل ، يمنع الدخول أو الخروج ، وقد اكتسى ذلك الجزء العلوي باللون الأسود ، وحشرت فيه حشراً تكوينات ملتحمة بيضاء ، بينما حشرت في الجزء السفلي المخروطي تكوينات متماثلة ملتحمة . واللوحة من حيث الأسلوب هي أقرب إلى التشخيصية ومن حيث توظيف اللونين الأسود والأبيض تعبيراً عن حالة مواجهة صراعية مرهصة ، محبوسة على وشك الانفلات من قمقمها ومن ثم الانفجار . وتتسم اللوحة بالإيقاع الملحمي.
ومن المناسب هنا أن نشير إلى أن تلك المرحلة ارتبطت بأحداث الحرب الأهلية في بيروت ، التي كانت مدخلاً يمهد لغزو الجيش الصهيوني للبنان ، واحتلال بيروت انتهاء بمذبحة (صبرا وشتيلا) الأولى 1984.
تتسم هذه المرحلة من أعمال أحمد فؤاد سليم بالتنويع على موضوع واحد هو موضوع الانقسامات الطائفية في لبنان ، وهي بمثابة مرحلة تسجيلية ، أشبه ما تكون بفن تشكيلي وثائقي يتخذ من التشخيصية أسلوباً ؛ إذ يجمع ما بين التجريدية والتكعيبية ، مع الارتكاء على حروف الخط العربي في تكوينات لامة لعناصر فردية ملتحمة ، ومتدرعة من خلف كتلتين أو ثلاث كتل أو أربع كتل ضخمة متراكبة فوق بعضها بعضاً مع انفصال واضح بينها وغموض أو التباس في الهوية لتوحد لونها الذي يغرق في السواد . ليس ذلك فحسب بل كثيراً ما تنقسم الكتلة الواحدة منها إلى قسمين ، كما لو كانت هناك شروخ تخترق الكتلة الواحدة . وهذا لعمري تعبير يعكس ما كان يعتمل في نفس الفنان سليم نفسه ، حيث تتمزق نفسه أو تكاد لما آلت إليه حال لبنان خلال تلك الفترة. وهو أمر أصاب كل فنان أو أديب أو مفكر ذا ضمير وطني وحس قومي بشروخ نفسية عميقة هو بمثابة نائب عن الحسي الجمعي القومي.
تكشف لوحة الكرسي عن طبيعة الازدواجية المركبة في السياسة اللبنانية حيث تتراكب ألواح سميكة (أربعة ألواح) متربعة على مسندي الكرسي الضخم ، تعبيراً عن تزاحم أربع كتل سياسية على كرسي الحكم وهي لوحة ينحو فيها الفنان نحو التعبيرية.
هذا بعد أن كنا أمام كتلتين اثنتين اتخذت إحداهما لوناً رمادياً تهشيرياً مع انقسامها إلى أربعة طبقات في كتلة واحدة .
وتكشف الصورة عن انحراف هو خاصية من خصائص الصورة في الشعر وفي الفن التشكيلي فتربع كتل أربع بديلاً عن جلوس فردي من ناحية ، ولا معقولية استبدال البشري بالجماد على كرسي السلطة هو انحراف ينتج معنً جديداً موحياً ، بأن أربع كتل صماء لا هوية لأحداها تتربع على كرسي الحكم ، والعنصر اللامعقول هنا في ذلك الانحراف باستبدال المألوف وهو جلوس شخص واحد على الكرسي بجلوس أشخاص . واللامعقول في انحراف أشد هو استبدال الأشخاص بالكتل الخشبية أو الحجرية المتراكبة بعضها فوق بعض دلالة تصلب وجمود فتربع أربع كتل سميكة على مقعد فيه انحراف وتنافر بين الفعل والفاعل -فالكرسي وما عليه مفعول بهما هنا – والمألوف هو جلوس شخص واحد . وما البال والمتربع على كرسي الحكم هي كتل صماء . هذا يدخل في اللامعقول ، إذ يحيل إلى وضع خارج حدود المألوف بالإحالة المعرفية لشؤون السياسة ومجريات الصراع الطائفي اللبناني أو الفلسطيني .
واتخذت الكتلة الثانية - التي انتصبت قائمة إلى جوارها - اللون الأبيض مع التهشيرات العرضية التي تغطي واجهتها. ومع أن الكتلتين كليهما ملتصقتان ، إلا أن اختلاف اللون فيما بينهما – يشف عن إرهاصة بانفصال وشيك. وهي لوحة تعبيرية الأسلوب أيضاً.
في لوحة أخرى نرى تكويناً حجرياً أشبه بساتر حجري أو حائط تحصيني رصت فيه الأحجار مختلفة الأحجام بشكل رأسي بحيث تظهر أسفل الحجر الأساسي مجموعة أقدام ، توحي بأن الحائط التحصيني كله يتحرك بمن خلفه من البشر. والتكوين أميل إلى أن يكون إيقاعه إيقاعاً ملحمياً ، حيث الخطوط الفواصل المستعرضة والمستطيلة (الأفقية والرأسية) المتقاطعة . والانحراف في كون هذه الكتلة الحجرية من حيث هي كتلة بشرية تتحرك متحصنة صلبة دون تمايز لوني أو عرقي (اللون الأسود والأبيض) مع انقسامها في وحدة الأزمة.
في لوحة أسبق منها (أحبار وأحماض - 8)(s80) هي أقرب إلى كتلة قريبة إلى أن تكون رسالة ضخمة (مغلـّف) محمول على رؤوس مجموعة من الطيور تطير بها في الفضاء ، كما لو كانت رسالة تهديد أو إنذار ، بما يرهص مبكراً بما حدث بعد ذلك من احتدادات أو إنذار أو ما حدث من تحرشات طائفية مسلحة انتهت إلى دخول قوات العدو الصهيوني وإلى تدخل قوات المارينز الأمريكية فضلاً عن مجزرة (صبرا وشاتيلا) التي ارتكبها العدو الصهيوني.

وفي لوحة ذات طابع تعبيري (أحبار وأحماض - 5)(s80) نجد المدينة بأكملها (عمائرها ومآذن مساجدها) وهي على (جرفٍ هاوٍ) وطائرات العدو تحلق فوقها ، كما لو كانت تستعجل سقوطها . ويتسم التكوين في اللوحة بالسيمترية (مأذنتان متماثلتان إحداهما على حافة التكوين يميناً والأخرى على حافته شمالاً) كما لو كانتا دلالة على الاتجاهين الدينيين الإسلاميين الشيعي والسني، أو الاتجاهين الدينيين الإسلامي والمسيحي). هذا ويشكل التهشير لوناً من ألوان تحديد الكتلة العلوية الموشكة على السقوط في الهاوية من جوانبها ، كذلك لتتمكن ظلال المدنية المهددة من الانعكاس على حواف ذلك التكوين الرئيسي . والمنظر يعكس حالة قلق وتوتر وخوف من سقوط المدينة في الهاوية وهو خوف الفنان بديلاً عن أمته ، وهنا يكون موطن الانحراف في التصوير.

في لوحة تعبيرية أخرى (أحبار وأحماض - 4)(s80) يجسد الفنان حالة الدمار التي أصابت المباني السكنية تجسيداً يجمع ما بين الجمالية والتدمير ، أو الجمالية والحوشية ، في روعة وتشويه بحيث يمكن معها قراءة اللوحة قراءة لذة لأنها تجمع بين عنصرين كل منهما نقيض للآخر، وتأتي اللذة من انحراف الصورة ، وهي حالة تصوير حركة شبه انهيار للنصف الخلفي من المبنى مع بقاء واجهته وطائرتان تحلقان فوقه ، إحداهما فوق الجزء الخلفي المنهار مباشرة والأخرى فوق الواجهة التي لم تتعرض للدمار، فيما يشف عن حالة إرهاص بوشوك قصف الطائرة الأمامية للواجهة التي لم تتعرض للانهيار بعد فاللذة كامنة في زعزعة الفنان هنا للقواعد التي يبني عليها العمل الفني ، حيث الأصل هو الجمالية التي تؤدي إلى المتعة ، بينما تؤدي اللذة وهي مرحلة تالية للمتعة إلى حالة امتلاء ورضى بالمنتج الإبداعي – بتعبير رولان بارت – إذ أن قارئ مثل تلك اللوحة بالذات لا يعكس نفسه في دلالتها أو بمعنى آخر لا يشارك في صنع مقولتها أو دلالتها. فاللذة هنا مرتبطة بالذات المبدعة وبالذات المتلقية للإبداع ، حيث يتمثل المتلقي حالة معايشة لتجربته. واللذة مرتبطة هنا بتماسك الأنا الفنية للمبدع الفنان نفسه، حيث يفرض نفسه في عمله بوصفه (قيمة من قيم الطمأنينة والحيوية والراحة) ، حيث يجعل فنه وإبداعه حقيقة جسدية. وهذا ما فعله أحمد فؤاد سليم.

فاللوحة في هذه المرحلة (الحبرحمضية) (أحبار وأحماض - 3)(s80) المتسحة بالسواد المكتسح في مواجهة القليل من البياض أو الإضاءة ، عبارة عن كتلة من جسد الحياة المدنية سواء في حالة تحصنها – فيما قبل المواجهة الدموية المسلحة – أو في حالة هجرتها ، كما في اللوحة التي تشخص كتلة صخرية ضخمة حاملة لمبنى ضخم ذي قبة ، تقبع فوق سطحه طائرة ، متمركزة في طيرانها فوق نقطة واحدة ، تهدد تلك الحياة المدنية ، وتدفعها دفعاً نحو الهرولة رحيلاً عن موقعها ، ليكون مصيرها السقوط في الهاوية.
إن النظر إلى اللوحة التشكيلية نظرة تأويلية تكشف عن إمكان القراءة المتعددة لأنساقها ، وصولاً إلى دلالة نصها البصري ، لا تتوحد مع الدلالة التي يضمرها النص التشكيلي في اللوحة هو الذي يولد اللذة لدى قارئ النص البصري في اللوحة. فالحصول على لذة النص البصري في لوحة ما يتحقق عند قارئها حين تتآلف لغات نصها التشكيلي وتتداخل وتتعاضد ، فيكشف رائيها مناقضة النص التشكيلي لنفسه ، وذلك عندما خرج المبدع عن الطور المألوف بوساطة التفكيك أو عامل الهدم والتشويه المشروع. على أن حرص المبدع الفنان على ذلك لا يضمن له – مع ذلك – حِظْيَةَ قارئ لوحته باللذة – حسبما رأى بارت – إلا في حالة وحيدة ، هي أن يسعى المبدع الفنان إلى إغواء قارئه المجهول.
وتكمن لذة التلقي لعمل فني ، في قدرة المتلقي على إخراج الفنان المبدع للوحة عن طوره غيباً دون أن يراه. وربما دون أن يلقاه وذلك بالكشف عن تناقض ما في اللوحة.

فقه اللغة البصرية بين ثنائية الروعة والتشويه
في إبداعات أحمد فؤاد سليم

في المرحلة المأساوية (الثمانينية) التي شغلته فيها مذبحة صبرا وشتيلا والصراع الطائفي اللبناني تتبدى الروعة في لوحة الصمود حيث المقاتلون يتسنمون كتلة صخرية أو صرحاً صلداً قائماً بذاته كما لو كان جبلاً في جزيرة مقطوعة الأوصال جغرافياً ، كما لو كانوا جزءاً من تلك الصخرة منحوتاً في أصل جسدها الصلد البارد والمعتم ، أما التشويه فقائم في انحراف الصورة من التشابه التكويني لأولئك المقاتلين مع الصخرة الصلدة من حيث كونهم بمثابة نتوءات من الصخرة نفسها ، ومن التنافر الدلالي من حيث كونهم معادلاً رمزياً لفكرة الصمود، والتناسب الدلالي هنا مؤكد وثابت بوحدة اللون بين الصخرة العالية ووحدة ارتفاعها وارتفاعهم فوقها بوصفهم رأساً لها من حيث التكوين ، ومن حيث دلالة العلو والصمود .
هكذا حقق الفنان حالة من التناسب قي التركيب اللوني والدلالي ، وفي ذلك مناط الروعة وحقق التنافر في كون الرجال المقاتلين ليسوا صخوراً ولا نتوءاً من جبل أو صخرة صلدة ، وإنما أعطاهم بذلك التناسب الذي هو خارج نطاق التجربة الشخصية صفة الصخور للدلالة على صمودهم وصعوبة النيل منهم.
مر الفنان سليم بالرؤية الفردية النموذجية في مرحلة السبعينيات حيث عاصر التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وهو من جيل الستينيات ، كما مر بالرؤية المأساوية في مرحلة الثمانينيات ، حيث عايش الصراعات الطائفية والانقسامات العربية والحرب الأهلية اللبنانية، كما مر بالرؤية الحلولية في مرحلة ما بعد الثمانينيات .
وإذا كانت دراسة الصورة تبدأ بإدراك كيفية التركيب الأسلوبي وصولاً إلى التصور الفلسفي القابع وراء إنتاجها ، أي إلى سببية ظهور الصورة على تلك الكيفية التي أمامنا ، ومن ثم الوصول إلى طبيعة أبنية الأنماط العليا التي تضمنتها الصورة واكتشاف النماذج الجدلية (قيمها التكوينية والدلالية) التي تنعكس في وحدتها التنافرات الثنائية اللونية والتكوينية في حالة مواجهات تعمل وحدة الأسلوب أو المعنى المستتر أو المسكوت عنه على إخماد شعلة أو وهج تنافرها والعمل على انسجامها وتآخي مجاوراتها ؛ أما النموذج الدائري فهو الذي ينعكس في دائرية تكويناتها أو أسلوبها ، وهي الدائرية التي تجسد دورة الطبيعة نفسها ، حيث تظهر في لوحاته التي تعتمد على عناصر الثنائية في الأخيلة اللونية وفي الأخيلة التكوينية ، وفي تقسيم فضاء اللوحة إلى قسمين ، وفي التكوينات اللونية أو الخطية أو التهشيرية أو الهندسية المتماثلة سواء أكان ذلك التماثل تماثلاً تاماً أم كان غير تام. هذا فضلاً عن الدائرية الأسلوبية في فنه ، حيث يتميز فنه عبر رحلته الإبداعية كلها بخاصية هي بمثابة البصمة الشخصية التي تجسد هويته الفنية حيث تتقابل في أعماله عناصر أو ثنائيات تتكرر بشكل أو آخر في معظم أعماله.
ولأنه ليس في مقدور الفنان التشكيلي – مثله مثل الشاعر – أن يشرح ، لاعتماد كل منهما على الإشارة المكثفة ، الشاعر باللغة الكلامية والفنان التشكيلي باللغة اللونية ، وليس في مقدور أي منهما أن يسهب ؛ حتى لا يفقد عمله الطابع الرمزي العميق ، أو يفقد التوتر ، لذلك يعتمد كل منهما على الاستعارة والمجاز تشبيهاً أو كناية أو تورية لا يحفل فيها المبدع بظاهر الصورة أو الدلالة الظاهرة ، بل بما اختفى تحت سطحها بالمسكوت عنه في الصورة. وهذا ما يفعله أحمد فؤاد سليم حيث اللوحة (أحبار وأحماض 1984-1985 ) (s80) التي تحبك فيها عناصر تشكيلية متوحدة لوناً وتشكيلاً في مجاورة أشبه بوحدات أو عيدان فردية تجمعت فحبكت بحبكتين أو بحزامين أحدهما من أعلى والثاني من أسفل كناية عن وحدة متجاورات على وشك الانفلات من عقالها أو رباطها الذي يوحدها أو يجمعها كحزمة أو أمة واحدة. فالفنان التشكيلي إذن شأنه شأن الشاعر ، كلاهما لا يسمى الأشياء بأسمائها ، وليس بوسع أي منهما ذلك ، فالأول ينتهك قوانين اللون المألوفة ، والثاني ينتهك قوانين اللغة المألوفة. الأول لا يسمح بتلاقي الألوان بوصفها دال حسي (الأحمر بديل حسي للنار ودال على الثورة أو الدموية أو الهياج ، والأصفر بديل حسي للصحراء وهو دال على الغيرة والمرض والحقد إلى آخر تلك الدلالة المعتادة) والثاني لا يسمح بتلاقي الكلمات على النحو المألوف (القمر دال على كوكب دوار في الفضاء حول الأرض).
فإعادة إنتاج الفنان سليم نفسه للوحة السابقة نفسها من حيث كونها تجميعاً لاماً محبوكاً بحزامين يحيطان من أعلى ومن أسفل لمجموعة عناصر تشكيلية في حالة استقامة رأسية هلامية المعالم مع تنويع لوني للحزامين اللذين يحبكان ذلك الجمع ويمنعانه من الانفراط يمنح فعل الحبك نفسه صفة اللون نفسه ، ودلالته دون مباشرة ، فاللون الأزرق الصافي يوحي بالصفاء وبالبرودة وبالمسالمة وبالاطمئنان، واتخاذ الأزرق حزاماً لاماً وجامعاً لعناصر متفردة ومتجاورة تجاور حماية ، يوحي بالأمن والطمأنينة ، فاللون هنا يعطي دلالة إيحائية تبعاً لموضعه في سياق التكوين ، ذلك أننا نتلقاه تلقٍ تأملي حيث يتحول اللون إلى دال له طبيعة وجدانية وطبيعة إيحائية بعد أن فقد معناه الحسي (بوصفه بديلاً حسياً عن البحر أو عن السماء) واكتسب بوصفه عنصراً في سياق البنية التكوينية اللونية معنى إيحائياً. وهنا يكون اللون قد انحرف عن معناه الحسي المعتاد ، لأنه استعير هنا ليصبح أداة تجميع وتوحيد من حيث صفته الدالة في التكوين ، وعنصر طمأنينة وأمن من حيث صفته اللونية بوصفه دلالة إيحائية وجدانية.
والأمر نفسه ماثل في الدلالة الوجدانية الإيحائية للون الأزرق بتدرجاته في لوحة تالية (أحبار وأحماض 1985 ) (s80) يتربع فوق الكتلة الأعلى التي تتربع فوق كتلة أسفلها وهي على وشك الانزلاق من فوقها بمن تحصن بأعلاها في طمأنينة منحتهم إياها دلالة اللون الأزرق الصافي الذي اكتست به اللوحة كلها بتكوينها المنقسم المتراكب الذي تفصل بين قسميها العلوي والسفلي وحدة زخرفية مخروطية أرابيسكية ، تشي بانزلاق المتحصنين المطمئنين في تربعهم على قمة السلطة . والانحراف هنا في التضاد بين روعة الارتكان عند المتربعين على قمة النظام المنقسم إلى الاطمئنان والتشويه الناتج عن الإرهاص بانزلاق هذا التكتل دون أن يدرك أولئك المنتشون بالتربع المطمئن على قمة البناء . فاللون الأزرق الصافي هنا لا يعطي دلالة الطمأنينة ، كما أن التربع على قمة البنية أو النظام لا تعطي دلالة الاطمئنان والأمان ، حتى مع ظن من تربعوا على القمة أو اعتقادهم بأنهم في أمان وسلام . فالاستعارة اللونية الحسية في اللوحة لا تعطي الإحساس بالأمان والصفاء لكون اللون هو الأزرق ، وإنما تعطي شيئاً حسياً آخر تحله محل الإحساس بالأمان ، وذلك تبعاً للاستعارة التكوينية في سياق اللوحة نفسها . فاللون هنا وإن توحد في تدرج ، إلاّ أن وجوده في السياق يبدل دلالته .
والأمر يختلف من حيث دلالة اللون الأصفر في لوحة تالية من لوحات الأحبار والأحماض في مطالع الثمانينيات (1984) حيث تنحصر كتلة هلامية من تكوين يعيد فيه الفنان تشكيل حروف عربية تكويناً متجاوراً بين كتلة صفراء فوقه وكتلة صفراء تحته وكل من الكتلتين الصفراويتين أقرب من حيث الشكل إلى كتاب أصفر مفتوح فإذا كان اللون الأصفر وفق المألوف هو بديل حسي للصحراء وهو في التعبير الثقافي الشعبي بديل حسي للغيرة وللوحشة ، وفي التعبير الثقافي السياسي بديل دلالي للرجعية فإن فك شفرة الكتلتين الصفراويتين المطبقتين على الهوية القومية يكشف عن دلالة ذات صبغة سياسية ، مؤداها أن الرجعية تطبق على هويتنا القومية .

صبرا وشاتيلا 83
سيطر الحزن والامتلاء بالغضب على الفنان بعد مذبحة صبرا وشاتيلا ، فانعكس على لوحاته الثمانينية حيث توشحت بالسواد ، وما كان الحزن أو الغضب أو السخط التشكيلي ؛ معادلاً للحالة النفسية للفنان فحسب وإنما هو خاصية من خواص العالم. فاللون الأسود الذي جلل لوحات الفنان أحمد فؤاد سليم في أعقاب مذابح صبرا وشاتيلا (1982 / 1983) هو حزن إنساني والكتلة الصماء المنقسمة في تلك الوحدات نفسها ، هي تعبير ليس عن غضب أو عن عدم رضا شخصي ، وإنما هو تعبير عن عدم رضا جمعي أو قومي. ولم يكن انفراط الحروف العربية في إعادة إنتاجه لها إنتاجاً تشكيلياً جمالياً ودلالياً معادلاً لغير ما عرفت به وسائل بنية كلامية اتصالية ، بل هي هنا وسائل بنية إيحائية وجدانية دلالية ، ولم تكن تعبيراً عن موقف رفض شخصي لحالات التشرذم والانفرادية في المجتمعات الناطقة بالضاد ، ولا كانت موقف رفض شخصي للصراع الطائفي الضيق الأفق الذي دار على أرض لبنان ، بقدر ما كانت رفضاً قومياً ينوب فيه الفنان عن وطنه (قوميته وانتمائه) هي تنويعات على معادل موضوعي لمشاعر أمة ، ناب عنها الفنان ، لإدراكه بأن الفنان هو بمثابة ضمير أمته ، وأن الفن والدين كليهما هما المحركان للضمير الجمعي . والأمر نفسه ينسحب على لوحاته عن مذبحة (صبرا وشاتيلا) حيث الجثث سابحة في بساط دموي يوظف فيها الفنان بإيجاز لوني مكثف ثلاثة ألوان ؛ فضاء رمادي ناصع في الخلفية وأرضية حمراء قانية عليها تكوينات يختلط صفارها بالسواد فيما يقترب من اللون (الفيراني) . تكثيف بليغ لحالة (الخروج إلى النهار) حالة الشهادة ، انتقال خطر ودموي من وجود فيزيقي إلى وجود ميتافيزيقي حيادي مسالم.
ولأن للموت جلاله ، لذلك اتسم التكوين بحالة السكون من حيث كونه حركة مضمرة ومرهصة باعتبار الضحايا شهداء لذلك صمم الفنان التكوين أقرب إلى الكولاج حتى يشي بحالة إرهاص الانتقال من عالم الملأ الذي لم يحسن حياته المشتركة على الأرض إلى عالم الملأ الأعلى فجاء موضع التكوين على حافة النهاية من الحدود الجغرافية المتناهية لموقع الفجيعة وحافة البداية من الحدود السماوية للعالم اللامتناهي. لم يستخدم الألوان هنا على إيجازها استعارات خارج المعنى الدلالي . فالتعبير اللوني متوافق مع التعبير الدلالي ، وكلا التعبيرين متوافق مع التصميم تأكيداً لحالة الانتقال الحتمي من حال ما كان إلى حال ما سيكون ، وهو انتقال تحريكي لأن الحركة فيه تأتي من مصدر خارجي الباعث . إن هذه اللوحة بل اللوحات التي سكنت فيها مأساة صبرا وشاتيلا وجدان الفنان ووجدان كل عربي ، وربما كل إنسان عرف بها تدخل في نطاق الرؤية المأساوية في فن أحمد فؤاد سليم. لذلك اختزلت ألوانها في ثلاثة ألوان : (الأحمر القاني والرمادي المائل إلى الفضي والفيراني) في اللوحة الأولى ، و(الأبيض الملطخ بالبقع السوداء والأسود والبنفسجي الزهري) في لوحة ثانية ، و(الأحمر والأسود المبقع بالأبيض والأزرق السماوي) في ثالثة . كذلك الأمر في بقية الأعمال التي تعرض لمأساة (صبرا وشاتيلا) كلها يتناسب فيها التركيب اللوني مع التركيب الدلالي. مع التنويع اللوني المركب والتنويع في تصميم بنية التكوينات من لوحة إلى أخرى ، ومع تنوع المادة والسطح المستخدم.
على أن فيها لوحة استوقفتني طويلاً وهي تصوير زيتي على كارتون من أعمال 83 فالتركيب اللوني فيها بليغ على بساطته واقتصاره على لونين أساسيين (الأبيض والأسود) وقد امتزجا في مناطق من التكوينين الرئيسيين في تخوم التكوين بلمسة اختلط فيها اللون البني مع الأسود الذي تغلب عليه. وهو التكوين الرئيسي في أمامية فضاء اللوحة (أرضيتها) وهو لجثث ضحايا تجمدت فكانت كتماثيل مسجاة على سطح بحيرة فضية اللون .
وفي موازاتها على الضفة تكوينات هلامية بيضاء مشوبة برتوش سوداء محففة بلمسة بنية هشة هنا وهناك ، والتصميم يعتمد على التماثل غير التام ، تشكل فيه جثث الضحايا المنتفخة مركز الثقل في اللوحة.
واللوحة في مجملها تمنح المتأمل لها من أول نظرة حالة من اللذة ، مع أنها بمثابة وقفة تأبينية جمعية أوقف فيها الفنان كل متطلع إلى اللوحة ترحماً على شهداء (صبرا وشاتيلا) واللذة تسري في شعيرات الناظر إليها من ذاكرته الانفعالية حيث تدفعه هذه اللوحة – تحديداً – إلى استعادة صور مماثلة مر بها في حياته مؤبّناً لقريب أو صديق أو عشيقة أو زوجة أو ابن عزيز عليه. فعندما لا يترك المتأمل لتلك اللوحة بقية تأمل لمتأمل بعده تتحقق اللذة وتسري كالكهرباء العاطفية للذكرى الأليمة في شعيراته الدموية.
فالتوازي ما بين التكوينين البشري في أمامية اللوحة والطبيعي في خلفيتها على الضفة المقابلة لا يجعل التكوينين يلتقيان ، غير أن اللذة في إيهام الفنان لنا بأن كليهما جزء من الطبيعة ، كما لو كانا كثيبين ثلجيين تنوعت تشكيلاتهما. واللذة الحزينة سببها أيضاً انحراف النظرة إلى إبداعها ، حيث يتقاذف إبداعها المتلقي لها هنا وهناك في مقارنة تأملية توازن ما بين طبيعة التكوين هنا وطبيعة التكوين هناك ، بحيث يصبح نظر المتلقي موثوقاً إلى اللوحة بالوهم. ذلك أن لذة تلقي الإبداع لا تمنح نفسها إلاّ عبر صيغة إبداعية غير مباشرة. لقد أسرتني تلك اللوحة ربما لأنها لم تمكني من قراءتها إلاّ عن طريق التلصص على أسرار بلاغتها. وقد مكنتني نظرات التلصص إلى أسرارها تلك من تبادل النظرات بين اللوحة وبيني فالعين التي رأيت بها الصورة هي العين نفسها التي رأتني بها الصورة . وتلك لعمري عظمة مبدعها. فالفنان فيها يتمتع بتماسك الأنا الخاصة به ، ويرفض الامتثال الثقافي . فالنص التشكيلي في هذه اللوحة ليس كنصوص (صبرا وشاتيلا) التشكيلية السابقة فهو يتجاوز كل وظيفة اجتماعية أو سياسية ، ويتجاوز الاشتغال البنيوي كما هو الحال في أعمال الأحبار والحمضيات في 84 المأساوية ، التي كانت بمثابة موقف توثيقي وتحليلي لما آل إليه الحال في لبنان وبلاد العرب.


أحمد فؤاد سليم والمرحلة الحلولية – التسعينيات

لوحة عازفة البيانو 1990 :
يتوازن الفنان ما بين صدمات المجتمع والسياسة ، بما يعبر عن وجدانه وأفكاره وحالات انفصاله عن ذلك العالم الواقعي الكئيب ، باختلائه بنفسه مستمتعاً بسماع الموسيقى أو الانقطاع للقراءة أو للكتابة أو للإبداع مسلحاً بخبراته العريضة وبثقافته الموسوعية العميقة التي هي محصلة رحلة حياة ومحصلة تجارب لا أول لها ولا آخر.
وقد انتفع الفنان أحمد فؤاد سليم بثقافة عصره وفنونه حيث ضفرها مع تحصيله الثقافي والفكري والفني من عصور سابقة قديمة ووسيطة وحديثة ومعاصرة ، واجترها جميعاً لينسج منها بنية فكرية وفلسفية وجمالية تنعكس ظلالها على إبداعاته وعلى إنتاجه الفكري والنقدي ، ليس هذا فحسب ، بل تنعكس ظلالها على تعاملاته الراقية على المستوى الإنساني والحضاري لعلاقات العمل في كل المواقع التي كان على رأسها بدءاً من إدارته للمركز الثقافي التشيكوسلوفاكي مروراً بمجمع الفنون بالزمالك وانتهاء بمتحف الفن الحديث.
لذلك نجده في المرحلة التي يطيب لي أن أطلق عليها المرحلة الحلولية ، التي يحل فيها سحر الفنون في كيانه فيشغله عما عداه من هموم المجتمع والسياسة ، يكشف عن مضمون ذاته أمام نفسه بعد أن ارتدى خرقة التصوف الإبداعي ، ووقف وقفة تأمل موسيقية أمام مرآة ذاته ، فانهمك في كشف أثر الموسيقى والرقص على ضمير ذاته ، فحل الصفاء وحلت مرحلة كشفه عن متعته الدنيوية في التعبير عن طموح إبداعه إلى أن يكون إبداعاً تشكيلياً موسيقياً ، خاصة وهو رفيق لإحدى راهبات الموسا ، ففي لوحة عازفة البيانو لا يصور لنا حالة العزف في مكانها الطبيعي ، المألوف (في قاعة أو على منصة مسرحية مثلاً) لأن المقعد الذي لا تكاد تجلس عليه عازفة البيانو ، ليس هو المقعد المعروف الذي يجلس عليه العازف، وإنما هو كرسي له ظهر مرتفع مائل إلى الوراء ، وليست الإضاءة التي خلفها وهي جالسة على المقعد هي الإضاءة الملائمة على النحو المعروف في قاعات الموسيقى ودور العرض المسرحي ، وإنما هي إضاءة محمولة على عمود مرتفع كأعمدة الإضاءة في طرقات المدينة ؛ كذلك تقطع الأرضية البنفسجية (الوردية) في فضاء اللوحة بحالة الانتشاء العام بالمعزوفة أو بالعمل الموسيقي الذي انهمكت الفنانة في عزفه ، مما يوحي بالدور الكبير الذي قامت أو تقوم به هذه الفنانة ، حيث أسهمت في نشر ذلك اللون من الموسيقى الكلاسيكية العالمية في الشارع ، وهذا بالتأكيد تجسيد لحلم الفنان أحمد فؤاد سليم نفسه في أن يشيع لدى كل الطبقات حبهم للموسيقى الكلاسيكية. خاصة وأن الفنانة العالمية مارسيل متى - شريكة حياته- هي أستاذ البيانو بالكنسرفاتوار ، ولها دور كالدور الذي لعبته رفيقة حياة شومان ، التي نشرت فن زوجها الموسيقي وأعماله الموسيقية للبيانو في كل أرجاء الدنيا وفاءً لزوجها .
ويبدو أن حنين الفنان أحمد فؤاد سليم لعودة الصورة التي اعتدناها في طفولتنا ، وفي جزء من مرحلتنا الشبابية ، حيث كنا نستمتع بعزف فنان أو فنانين على آلة نفخ وآلة وترية حيث يتجلى فن كل منهما في حوارية بين آلتين متعارضتين في معزوفة لا ترقى إلى مستوى قالب الكنشرتو ، فيتجمع حولهما الصغار والكبار من الجنسين ويمن عليهما البعض بقطع صغيرة من النقود . لقد ولّى ذلك الزمان ، الذي ترتب على تجلياته في الموسيقى وحلقات الحواة والسحرة، وعازفي البيانولا مع خروج الجاليات الأجنبية من بلادنا تسرباً من عسف العسكرتارية وفرماناتها ووعدها ووعيدها الزاعق ليل نهار في الشوارع والميادين والإذاعات والصحف. والفنان هنا فيما يبدو يحلم أيضاً بعودة تلك الصور الجميلة إلى مياديننا ، ذلك أن الفنان الحق كما يقول بول فاليري في حالة حلم دائم. وما كان التنويع على موضوع العزف الثنائي لآلتين متعارضتين ، وهو موضوع أثير لدى تلك المرحلة من إبداع أحمد فؤاد سليم ، إلاّ تعبيراً عن حالة امتلاء بالموسيقى ، ويبدو أن مرحلة التسعينات كانت بالنسبة له مرحلة إعادة ملء وجدانه بالأنغام العالمية والانقطاع للاستماع الموسيقي وللقراءة.

تتبدى التشخيصية في حوارية الدف والمزمار في تصوير يجمع بين عازفين شعبيين في مواجهة أو حوارية موسيقية في قالب أقرب ما يكون مع الفارق بين قالب الكونشرتو الغربي وقالب المعارضة الموسيقية العزفية الشعبية بين عازفين شرقيين أحدهما على آلة نفخ شعبية والآخر على آلة نقر إيقاعية. ومع ذلك فإن التشخيصية قائمة فيما تشي به حركة العازفين في اللوحة من سماعنا لمعارضتهما العزفية مرة ولتوازي مهارة النافخ بمهارة القارع في مسيرة لحن شعبي واحد بسيط.
هذا من الناحية الدلالية ، الإيهامية التي يوهمنا بها الإيقاع الحركي في الصورة ، أما من الناحية التشكيلية فإن التشخيصية ماثلة في الجمع بين التكعيبية والتجريدية والتعبيرية أيضاً في ثنائية التكوين ، وفي تعارض إيقاع حركة النقر وإيقاع حركة العزف مع توحدهما في إيقاع عام بصري وسمعي (موهم به).

وفي لوحة أخرى يرق الفنان ويشف عند رسمه شبه التلقائي لعصفور وحيد حاط إلى جوار ثلاث نبتات واحدية العود قليلة الأوراق إلى حد الاختزال ، وفي رأيي أن هذه اللوحة تعبر بصدق وتلقائية عن حنين الرجل إلى عالم الطفولة ، كما لو كان في حالة بحث عن طفولة مرتجاه ، ينشدها في طفل من صلبه ، أو هي حالة انتشاء وفرح بطفولة تحققت بعد طول انتظار . وربما عبر عن هذه الحالة ؛ الخطان الرأسيان في حالة من التوازي والتماثل غير التام واللذان يرقبان في الخلفية ذلك الهبوط العصفوري الذي حط أمامهما عن بعد ، وفي حذرٍ وتخفٍ يعبر عنه الفنان بالخطين الرأسيين اللذين يظهران ظهوراً لا يشعر العصفور الرقيق بأن هناك من يتلصص عليه أو يشاركه في حيازته الوجودية أو أن هناك من يتطفل على عالمه أو ملكيته للروض وللفضاء. على أن قصدية الفنان من تصويره هنا اعتماداً على اللونين الحياديين الأبيض والرمادي في التكوينات التشخيصية التجريدية التلقائية وفي فضاء اللوحة ، هو في رأيي تعبير عن حالة وجود حيادي، يتناسب مع طفولة بريئة باكرة لا خبرة لها بعد. على أن لمحة من الرمزية تطل علينا من فيض وعي الفنان نفسه ، وتتمثل في الشريط الرأسي الأسود الذي يقطع اللوحة من أعلى حدها الأيمن إلى أسفله في مواجهة العصفور الرقيق. وكأني بأحمد فؤاد سليم يشير إلى المستقبل المعتم الذي ينتظر ذلك العصفور الوليد ، وهو ما تشف عنه الوقفة السكونية المندهشة لذلك العصفور الرقيق المتطلع إلى المجهول.

• ما وراء النافذة : تصوير زيتي مع خامات متنوعة على قماش (150x170سم).
في فضاء بني اللون متدرج الوحدات التي تظلل كل منها بلون بني أشد قتامة ، بما يشي بشيش نافذة ، لتعطينا اللوحة دلالة هي أشبه ما يكون بتكوين متكرر الوحدات المتكررة التظليل في الحجم وفي اللون وفي الاتجاه الأفقي من أعلى اللوحة إلى أسفلها . وقد علق به تكوين كولاجي مجزوء في قسمين أحدهما أصغر في أعلى اللوحة ، وفوق موقع من ذلك التكوين رقد تكوين آخر غارق في حُمرةٍ أرجوانيةٍ . والتكوين في مجمله يشف عن تفاعل متوهج يذكرني بالصورة التي بالغ فيها (ياجو) فأنشأ وصفاً تمثيلياً من بنات خياله التآمري المريض لوضع ابنة برابنسيو – عضو مجلس شيوخ فينيسيا (البندقية) – في حضن عطيل حيث يتصايح مع ردريجو تحت قصر والد ديدمونه ؛ الذي أزعجه ذلك التصايح المتبادل والمتتالي فتساءل عن سببه فكان رد (ياجو) الخبيث : " أنا أكلمك ، وفي هذه الساعة ، بل في هذه الدقيقة . فحل عجوز أسود يغشى نعجتك البيضاء. انهض انهض أيقظ على قرع الجرس أهل المدينة النائمين ، وإلاّ استولدها الشيطان حفيداً " . " تدع ابنتك يغشاها جواد من البربر؟ لتلدن لك حفداء يصهلون في وجهك ، وليكونن لك أبناء عم من الخيل وأقرباء من المهارى" . هكذا رأيت التكوين في اللوحة بالعين التي أرتني بها اللوحة نفسها .



• بيانو ذو شخصية : (من أعمال 2003 المجسمة بالمعدن والخشب والأوتار)
لا يكتفي الفنان بالتعبير عن مدى عشقه لآلة البيانو في عدد من لوحاته التشكيلية التجريدية ، وإنما يتجاوز ذلك ليعبر عن ذلك العشق لتلك الآلة التي شكلت محور الإبداعات الموسيقية الكلاسيكية العالمية العظيمة ، وصنعت بأدوارها كبرى المعزوفات أو محاورها - في العديد من القوالب الموسيقية الأوركسترالية والأوبرالية - أسماء رواد عظماء ذلك الفن السماوي ، يتجاوز إبداعاته التصويرية المعبرة عن عشقه لتلك الآلة ، إلى إبداع تجريدي تجسيمي يخلقه من خامات مادية من الحجر والمعدن والأوتار الحقيقية ، ليصنع لنا بيانو يقف رأسياً على الجانب المستوي من جوانبه ، عارضاً نفسه لأنغامه في هذه المرة ، التي هي بالتأكيد أول مرة تعرض فيها آلة موسيقية نفسها ، بوصفها آلة ذات شخصية ، وهو ما يذكرنا بلوحة (الحذاء) لفان جوخ التي يظهر فيها الحذاء حذاء ذا شخصية ، كما يذكرنا بلوحة الحذاء لماجريت.
ففي لوحة فان جوخ يعبر الحذاء لأول مرة ، وربما لآخر مرة عن شخصيته ، وكذلك كان حذاء ماجريت حذاءً ذا شخصية.
وفي لوحة أحمد فؤاد سليم ، يعبّر البيانو - وهو من الأعمال الإنشائية المجسمة (2003) - لأول مرة وربما لآخر مرة عن شخصيته ، مشفوعاً بقلب الفنان العاشق له، متعلقاً بأوتاره ، وربما لرمز ينوب عن كل عشّاق فن تلك الآلة وربما عشّاق تلك الآلة الكلاسيكية نفسها ؛ وهو ليس عشقاً عادياً ، وإنما هو عشق ملتهب، متوهّج لا يخبو لهيبه ؛ حيث علّق الفنان بأوتاره شريطاً أحمر ، في تكوين يشكـّل نصف الإطار الخارجي لرسم القلب البشري.
وإذا كان بيانو سلفادور دالي السريالي العازف في البرية هائماً في الصحراء ، فإن بيانو أحمد فؤاد سليم له أهليّة لأن قلب سليم نفسه معلّق به.

لقد كانت تلك الوقفة النقدية التحليلية التأويلية بمثابة محاولة للكشف عن أسباب ا ستمتاعنا بالفن.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فلسفية حول المسرح والمصير الإنساني
- التجريب واصطياد فراشات المعني بشبكة الصورة
- تقنيات الكتابة السينمسرحية في- تسابيح نيلية- لحجاج أدول
- المسرح في زمن الحكي
- حوارية القطع والوصل في الحديث عن المسرح الشعرى
- الفن بين ثقافة الاباحة وثقافة المنع
- أشكال الفرجة الشعبية وعناصرها في المسرح العربي (سيميولوجيا ا ...
- توازن الصورة الفنية بين المسرح والفن التشكيلى (1)
- مسرح إبسن بين المتخلفات والمتغيرات المعرفية المتلازمة
- محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكي
- التعبير المسرحي الشعري بين التأمل الذاتي والانفتاح على المعن ...
- بيرجنت وفن الإهانة
- تعليقا ً على دراسة ازدواجية اللغة لمهدى بندق


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - جماليات الفن التشكيلي بين اللوحة المقروءة واللوحة القارئة