أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - برهان غليون - إعادة اكتشاف المعرفة















المزيد.....

إعادة اكتشاف المعرفة


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 2395 - 2008 / 9 / 5 - 11:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تحية للمترجمين العرب ومشجعيهم
بعد حقبة طويلة ماضية سيطر على المجتمعات العربية فيها هوس تأكيد الهوية الثقافية والدينية، يسود اليوم بشكل متزايد، لدى المثقفين وبعض المسؤولين العرب شعور عميق بأن فجوة المعرفة قد اتسعت بين العرب والعالم الصناعي، إلى درجة أصبحت تشكل فيه خطورة على مستقبل العالم العربي وصلاح علومه ومعارفه وتكوين أبنائه واجياله الجديدة. ومن هنا بدأ الاهتمام بالتواصل مع المجتمعات الحديثة والاقتداء بها والتعلم منها يطغى في السنوات الأخيرة، بالرغم من مظاهر التعصب القومي والتزمت الديني، على خطاب التأكيد على العصبية والهوية الدينية أو القومية. فمنطق الهوية بالضرورة خصوصي، يسعى إلى تأكيد التمايز والمغايرة مع الآخر كمرتكز لوعي مستقل بالذات، فاقمت من خطورته عندنا ذكرى الاستعمار والاحتلال السابق والقائم الذي غذى ولا يزال الشعور الأليم بالدونية وضعف الذاتية. وبالمقابل لا يمكن لمنطق المعرفة أن يكون إلا منطقا كونيا، أي يخترق الهويات والاختلافات، مؤكدا وحدة العقل الإنساني وامتداده عبر الزمن، أي تراكميته، وتفاعله عبر المكان، وتواصل الباحثين والعلماء المعاصرين بعضهم مع البعض الآخر وتحاورهم. فوحدة العقل المفترضة هذه هي الفرضية الأساسية في وجود العلم بالمعنى الحديث للكلمة، أي من حيث هو مشروع لبناء معرفة موضوعية، ترتفع على شروط إنتاجها العقائدية والثقافية والاجتماعية، وتؤسس نجاعتها ومشروعيتها معا على مناهج تحصيلها وتقنيات مراجعتها لنفسها وتحقيقها في الواقع وفي التجربة. فإذا كانت الذرة لا تنشطر في الظروف ذاتها، أو إذا كانت تخضع في انشطارها لاعتقادات المجتمعات وثقافة الباحثين وذاتياتهم، لن يكون هناك علم. فالعلم واحد بينما الثقافة متعددة.
وبمقدار ما يدفع الشعور بهذه الفجوة المعرفية الأجيال الجديدة من العرب إلى التخلي عن ثقافتهم العربية وهجرها باعتبارها ثقافة فقيرة ومفوتة لا تصلح للعصر، ولا تنفع في فهم إشكالياته الكبرى، وهو ما يعبر عنه الاندفاع نحو التعليم الخاص وباللغات الأجنبية أيضا، يطرح على المجتمعات العربية مسألة إعادة التواصل مع بحر المعرفة الإنسانية وتجديد أسس الثقافة العربية ومحتواها. وهذا ما يعكسه الاهتمام المتزايد عند بعض الحكومات والناشطين الاجتماعيين بمسألة الإبداع العلمي والأدبي، وبشكل أكبر بمسألة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية. فهناك اليوم أكثر من مشروع لتكريم المبدعين والباحثين الجادين، وأكثر من مركز أيضا لرعاية الترجمة وتشجيع المترجمين على نقل ما حصل تجاهله من كتب ومراجع علمية في جميع الميادين في الحقبة السابقة. ومن بين هذه المشاريع جائزة الشيخ زايد للكتاب عموما وللكتاب المترجم خصوصا، التي أقامت في معهد العالم العربي في السابع من تموز (2008) أول ندواتها لتكريم الحائزين على جائزة الترجمة، بعنوان الترجمة كوسيلة للتواصل مع الآخر.
وليس هناك أدنى شك، كما أكد على ذلك جميع الباحثين المترجمين الذي قدموا آراءهم في الموضوع، في أن الترجمة تشكل أكبر وسيلة لتجاوز التمحور حول الذات النابع من التاكيد على الهوية، وهي وظيفة لا يمكن لمجتمع أن يتجاهلها أو يتنكر لها، وهي بالتالي أهم مجال لتعريف المجتمعات بعضها على إبداعات بعضها الآخر وثقافته وأنماط تفكيره وتجربته الخاصة. لكن الأمر كما ذكرت في مداخلتي ليس مطلقا وحتميا. إنه يتوقف على نوعية الترجمة. فالترجمة الفاسدة قد تفضي إلى نتائج معاكسة تماما للمطلوب، فلا تعجز عن مد جسور التواصل مع الآخرين وإنما تحرم العرب أنفسهم من التواصل في ما بينهم بمقدار ما تؤدي إلى نزع الاتساق عن لغتهم وزرع الاضطراب والفوضى في عبارتهم، وتشويش فكر وعقل ناشئتهم وقارئهم. وهذا ما نعيشه اليوم حقيقة في العالم العربي. فبسبب غياب سياسة متسقة وجدية تستحق هذا الاسم للترجمة، وتركها سائبة تتحكم بها رغبات دور نشر فقيرة وصغيرة ومزاج المترجمين الشخصيين الذي لا يهمهم سوى تلبية طلب السوق، وفي الغالب الرد على فضول جمهور محدود من القراء، وسعيهم وراء الكتب الذائعة الصيت أو الأكثر مبيعا، وهي غالبا لا علاقة لها بالعلم، تحولت الترجمة إلى أكبر وسيلة لتفكيك اللغة العربية وتشويش عبارتها وبث الاضطراب والفوضى في تفكير أبنائها وأجيالها الجديدة وقرائها. هكذا تملأ المكتبات العربية ترجمات سلبية من حيث الأسلوب والمحتوى معا. وبسبب تعدد المفردات المستخدمة لمصطلح واحد، نتيجة تعدد البلدان والمرجعيات اللغوية الخارجية وغياب العمل القاموسي الجامع، تكاد اللغة العربية تفقد اتساقها ووضوحها.
حتى تكون الترجمة وسيلة فعالة للتواصل بين الثقافات والمجتمعات التي تحملها، ينبغي في اعتقادي أن تقوم على أساس متين، وتتحول إلى مشروع يخدم الإنتاج العلمي المبدع، ويصب في عملية تجديد الثقافة العربية وتنشيط ديناميكاتها الذاتية. وهذا ما يتطلب مشروعا متكاملا للترجمة يتكون في نظري من ثلاث حلقات. الأولى برنامج طويل المدى، متسق ومنهجي، يهدف إلى ترجمة المراجع الأساسية في جميع الميادين العلمية إلى العربية خلال السنوات العشر القادمة، بحيث يستطيع أي طالب علم، في أي ميدان علمي، أن يجد باللغة العربية مادة أساسية ومتكاملة في المجال الذي يريد أن يتخصص فيه. وهو ما يحتاج إلى مجلس أعلى للترجمة يبلور التصور والسياسة العامة، ويعد قوائم الكتب المختارة، وينسق بين جميع النشاطات العربية في هذا الميدان بحيث يتكامل جهد جميع المراكز والمتخصصين معا على مستوى العالم العربي. والثانية حلقة تأهيل المترجمين وذلك من خلال إنشاء مدرسة عليا للترجمة على مستوى العالم العربي، تؤهل المترجمين وتعمل على تطوير أساليب عملهم، وتوحيد أسلوبهم ولغتهم، وتحويل الترجمة ذاتها إلى ميدان من ميادين البحث العلمي. فلا يكفي أن يكون المترجم عالما في ميدانه وإنما لا بد أن يكون ملما أيضا بأصول الترجمة ومصطلحاتها حسب الميدان الذي يترجم فيه. والحلقة الثالثة تتعلق بنشر ما ترجم وتوزيعه وبناء التواصل مع الجامعات والمعاهد العلمية والتعاون معها.
وفي اعتقادي لا يمكن أن توجد اليوم في العالم العربي سياسة ثقافية من دون سياسة للترجمة. إذ تكاد الترجمة تشكل اليوم الجزء الأكبر من ثقافتنا الحديثة، بل جميعها، بما في ذلك تصورنا لأنفسنا وتمثلنا لما نعتقد أنه قيمنا وآدابنا وعقائدنا. فقد تكونا جميعا، بما فيه جيلنا، على قراءة الآداب والعلوم الحديثة عبر الترجمة، وتمثلنا صورتنا عن تاريخنا وثقافتنا وخصائصنا، من كتابات الآخرين المترجمة عنا. وطالما بقينا بعيدين عن مرحلة البحث والانتاج العلمي الأصيل أو الأساسي، ستبقى تآليفنا في المعارف الأساسية والعلوم التطبيقية، باستثناء محاولاتنا النقدية، تلاخيص لأبحاث تجري في العالم وشروحا على معارفها وعلومها.
ولذلك يتوقف صلاح ثقاتنا العلمية والنظرية على صلاح ترجماتنا. وعلى هذه الأخيرة يتوقف أيضا حظنا من الانخراط في المغامرة العلمية والنهضة الفكرية والمعرفية العالمية، وبالتالي بالنهضة عموما. فإذا استمرت الترجمة في جزئها الاكبر من إنتاج إرادات فردية ضعيفة وفقيرة بالتأهيل والموارد وإمكانات التوزيع والنشر، سوف نجد أنفسنا بعد فترة أمام لغة عربية غير صالحة للاستعمال العلمي، ولا تفيد القراءة فيها شيئا، تؤسس لسوء التفاهم بين الأفراد وتغذي بالتالي التوتر وأسباب النزاع، أكثر مما تقود إلى التفاهم والتواصل، ومن باب أولى إلى الإبداع. وربما كان هذا هو ما يدعونا إلى تقديم الشكر والاعتراف بالجميل لجميع أولئك الذين قبلوا من العلماء والباحثين العمل في ميدانها وجميع أؤلئك الذين سعوا إلى تكريمهم وتسليط الضوء على عملهم الإبداعي والتنويري بالمعنى الحقيقي للكلمة.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصير الحلم الجمهوري
- السكون الذي يسبق العاصفة
- مبادرة قطرية خلاقة في لبنان
- الاتحاد المتوسطي، ورقة نعوة الوحدة العربية؟
- أزمة لبنان: خطايا الآخرين وأخطاؤنا
- في معنى المعارضة السياسية ووظيفتها
- العالم العربي في مهب الريح
- في أسباب تهافت ثقافتنا السياسية
- مشكلتا العرب: الديمقراطية والاتحاد
- القمم العربية جعجعة بلا طحن
- نفاق الغرب
- في جذور الثقافة السلبية
- في مخاطر الاستهتار بحق المعارضة وهدر القانون
- حتى يمكن فك الحصار عن غزة
- الليبرالية وتجديد ثقافة العرب السياسية
- الجماعة والجماعة السياسية والمواطنة
- إلغاء الوصاية شرط انبعاث الشرق الأوسط
- دفاعا عن تكتل إعلان دمشق
- مستقبل المعارضة الديمقراطية في سورية
- بين العداء للغرب ومقاومة سياساته


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - برهان غليون - إعادة اكتشاف المعرفة