أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي ثابت - سكوت مَن ذهب














المزيد.....

سكوت مَن ذهب


محمد علي ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2393 - 2008 / 9 / 3 - 04:11
المحور: سيرة ذاتية
    


في رثاء صديق عزيز من زمن البراءة الجميل
هل تشتاق – مثلي – إلى رائحة المطر في أيام أغسطس الخانقة؟ وهل وبخت نفسك – مثلي – مؤخراً لأنك، كما في كل عام، سمحت للشتاء المنصرم بالانقضاء كاملاً بدون أن تشبع رغبتك الأثيرة في أن تقطع شارعك الطويل المفضل في وسط المدينة سائراً على قدميك تحت أمطار مدينتك الغزيرة؟

وهل أصبحت – مثلي – ممن يحتضنون مشغلات الأغاني الإلكترونية قبل النوم؟ هل سبق لك أن صحوت ذات ليلة بعد ساعتين – مثلاً – من نوم متقطع لتجد جهاز الأغاني الصغير لم يزل في يدك – أو بالأحرى: على صدرك وتحت راحتك اليسرى – والمطرب الكبير يردد على مسامعك في انكسار: "مالي خايف كده وحاسس بالخطر؟". أذكر أنك – أو أنني – في الصباح التالي لذلك اليوم بالتحديد سمعت خبراً ما كنت تتصور أبداً أنك بسامعه في يوم من الأيام وخصوصاً بتلك الكيفية وفي ذلك التوقيت: سمعت أن صديق طفولتك ومراهقتك المفضل قد مات منذ بضع سنوات وأنه كان عليك ألا تسمع بوفاته إلا في ذاك الصباح الكئيب وبشكل هو أقرب إلى المصادفة. هل تذكر يوم كتب لك "أوتوجراف" في "دوسيهك" الجديد، قائلاً: "إلى من سيظل صديقي إلى الأبد"؟؟ هل تذكر ذلك مثلي إلى الآن؟ كان ذلك بينما كنتما في الصف الثاني الإعدادي، وكان ذلك قبل انفراط عقد صداقتكما بعامين على الأكثر لأن مدرستيكما في المرحلة الثانوية كانتا بعيدتين جداً عن بعضهما، وكان ذلك قبل وفاته بنحو عشر سنوات، وكان ذلك قبل معرفتك بوفاته بنحو عقد ونصف العقد من الزمان. ياااااه!! أبتلك السرعة صارت تجري بك الأيام على رغم ما بها من ملل وجمود؟ ألتلك الدرجة صارت الأيام أقسى من أن تحقق مجرد أحلامنا الطفولية البريئة البسيطة في أن "نظل أصدقاء إلى الأبد"؟ وهل كان يمكن أن تتصور يوم كتب لك ذلك الـ "أوتوجراف" أن "الدوسيه" المحتضن لكلماته تلك – الرقيقة الهادئة من انسان كان من النادر أن يكون هادئاً ومتفهماً لتلك الدرجة مع غيرك – سوف يضيع بفعل فاعل، لا يقدر ذكريات الآخرين حق قدرها، في إحدى حملات النظافة المنزلية؟

وماذا عن أسئلتك وتساؤلاتك المتكررة لنفسك في أثناء نومك أو في صحواتك المتقطعة منه؟ كيف بدأت تلك العادة ولماذا تعودت عليها؟ أذكر حين صحوت بلا أي داع من نوم عميق لتسأل نفسك في بلاهة: "مش حتبطل بقى؟"، وأذكر حين قلت لنفسك في إحدى المرات قبل ثانيتين من شروعك في النوم الحقيقي: "هي كده على طول!". وبعد أغلب أسئلتك وتساؤلاتك تلك كثيراً ما تشعر بحيرة مضاعفة وتود لو كررت تجربة التساؤل الذاتي من جديد فوراً لتسائل نفسك بأمل حقيقي في سماع إجابة شافية (على أسئلة هي على الأرجح مجرد هلاوس): "أبطل ايه؟" أو "هي مين؟"، وهكذا.

ولماذا مازلت تحتفظ بنفس السر القديم الذي ألقاه عليك زميل الدراسة العابر في إحدى الفترات القصيرة التي اقتربتما فيها من بعضكما البعض لدرجة تشبه الصداقة في أخفت صورها؟ ليس من طباعك البوح بأسرار الغير أو نشرها، هذا مفهوم.. لكن لماذا مازلت تحتفظ بذلك السر في ذاكرتك إلى الآن؟ لماذا لم تنسه ولم تزحه جانباً إلى الأبد؟

*** *** *** *** ***

في العادة، نفقد القدرة على التواصل الإيجابي المباشر مع من رحل.. فمن يفارقنا لا يستطيع إسماعنا ولا نستطيع سماعه أبداً، ومن يذهب عليه أن يظل صامتاً إلى الأبد، وأن يظل في حالة سكوت متصل ربما لا يقطعه بين الحين والآخر سوى رحيل شخص جديد إليه محملاً بأخبارنا وأسرارنا المتعلقة بطموحاتنا التي - من المفروض أن - تنير الدروب لنا وبأحلامنا التي تحققت وتلك التي لم – أو لما – تتحقق. وفي العادة، فإننا نفقد تدريجياً حنيننا إلى الراحلين ونفقد بمرور الوقت متعتنا حين نسترجع ذكرياتنا معهم في الأمكنة والأزمنة المختلفة التي طبعنا معاً تلك الذكريات على صفحاتها. بيد أن بعض الراحلين يظلون في مخيلاتنا على الدوام ولا يفارقونها مهما جد ومهما طرأ، ربما لشعور منا بالتقصير النسبي في حقهم في فترة من الفترات (ولاسيما في فترات ما قبل رحيلهم)، وربما لأن أحلامنا ومشاريعنا التي بدأناها معهم قد تم وأدها تحت شفرة مقصلة الزمن القاسي الحادة بينما كنا نظنها – الأحلام والمشاريع الحياتية – على وشك السمو والتحليق، وربما تكون للأمر علاقة بمسحاتنا السلوكية والشخصية المميزة لنا التي تجعل البعض منا أكثر وفاء للعهود السابقة ولمحطات الزمن الفائت من البعض الآخر. والخلاصة: أن رائحة المطر قد رحلت مؤقتاً لأننا الآن في أغسطس / آب وما يكون لها أن تظل معنا في هذا الوقت من العام، لكنها بالتأكيد عائدة وربما تمهلك "لاجيلوتين" الزمن فرصة إضافية تشم فيها تلك الرائحة عديمة المعنى لدى أغلب البشر من جديد.. وأما الصديق الذي رحل وتأخر خبر رحيله في الوصول إليك، والذي رحلت من بعده كلماته وأمنياته الجميلة الهادئة لك – التي لم تتحقق، بالمناسبة – في "الدوسيه"، فهو من "الذاهبين" الذين يتعين عليهم أن يظلوا "ساكتين" تماماً بالنسبة إليك طيلة ما تبقى لك من أمد.. وأما السر القديم الذي مازلت تحتفظ به في ذاكرتك بلا سبب مفهوم فعليك أن تدفنه – ذات يوم قريب – في طي النسيان وأن تسمح له بـ "الذهاب" وأن تفرض عليه بإرادتك البشرية السكوت إلى الأبد والكف عن تذكيرك بين الحين والآخر بأن هناك من صرح لك يوماً بأن فلاناً يحب فلانة لكنه لا يستطيع البوح لها بذلك.

لكن ماذا عن عادة مخاطبة النفس في أثناء النوم أو عند الصحو المفاجئ اللامنطقي منه: أما آن لها من سكوت وشيك؟



#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نتجه حقاً إلى نظام دولي متعدد الأقطاب؟


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي ثابت - سكوت مَن ذهب