أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مجدي الجزولي - كَمْ وكَمْ كَلْمَه.. أفلا تعقلون!؟















المزيد.....

كَمْ وكَمْ كَلْمَه.. أفلا تعقلون!؟


مجدي الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2392 - 2008 / 9 / 2 - 07:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


نقلت صحف الخرطوم الأسبوع الماضي خبرا يقول أن حركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد) وحركة العدل والمساواة (جناح خليل ابراهيم) وافقتا على مبادرة أطلقتها كتلتا التجمع الوطني وسلام دارفور بالبرلمان لحل أزمة الاقليم، تقرأ أزمة البلاد، لكن بشرط أن ينعقد ملتقى للتشاور حول المبادرة خارج الحدود. هذا وقد أبدت الحركات تحفظا على مبادرة الحكومة، بعنوان (أهل السودان)، كونها بين يدي الفيلين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وبالتالي رهن أجندتهما. المبادرة تتكون من خمسة محاور رئيسة: عودة النازحين، الاستقرار الأمني، التنمية، نزع السلاح والمصالحة (الأيام، 25/08/08)؛ أي الشروط اللازمة للبدء في البحث عن تسوية سلمية لنزاع دارفور بما يفوق تجلياته ويخاطب جذوره.
في ذات السياق كثفت الحكومة من دعاية "التحول الديموقراطي" لمواجهة أزمتها المحلية والدولية، فالرئيس البشير خاطب الثلاثاء الماضي دورة انعقاد مجلس التخطيط الاستراتيجي بلغة أقرب إلى "السودان الجديد"، بل بعضها من قاموس الحزب الشيوعي، منه إلى "الإنقاذ الوطني"، حيث تحدث بصيغ واثقة عن حرصه على إجراء (انتخابات حرة ونزيهة) في مواعيدها المحددة يسبقها تعديل القوانين التي تتعارض مع الدستور حتى تحقيق (الحكم الراشد). كما شدد على التمييز الإيجابي للمناطق المتأثرة بالنزاعات من خلال الصناديق المتخصصة، وأكد عزم حكومته على استئصال (التهميش) من خلال مشروعات (التنمية المتوازنة) حتى تحقيق (الوحدة الجاذبة)، ثم شرح أن حكومته تتبع منهجا يوازي بين الحركة الاقتصادية و(العدالة الاجتماعية). استشهد د. تاج السر محجوب، الأمين العام لمجلس التخطيط الاستراتيجي، في ذات اللقاء بعدد مشروعات (التنمية المستدامة) والتي بلغت في الربع الأول من العام الجاري 3107 مشروع، بالمقارنة مع 1926 في العام 2007 (الأيام، 27/08/08). لغير المؤمن، أي من يلدغ من نفس الجحر مرتين: يبدو كل شئ على ما يرام، سلام دارفور في الأفق والرئيس ضامن الديموقراطية والتنمية المستدامة!
بين شخصيات "آليس في بلاد العجائب" (1865) لكاتبها لويس كارول قطة عجيبة تثير حفيظة الفتاة آليس بملاحظاتها الفلسفية العميقة. ملكة وملكة القلوب يحكمان على القطة بضرب عنقها، لكنها تدهش الجميع باختفاء جميع جسمها إلا الرأس، لينشأ نقاش مطول بين المليكين والسياف حول إمكانية قطع رأس لا جسم له. في لحظة من اللحظات تختفي القطة تدريجا حتى لا يُرى منها سوى تكشيرة ساخرة، فتعلق آليس بالقول: "رأيت قطة دون تكشيرة، لكن لم أر قط تكشيرة دون قطة!" هكذا طنين (الديموقراطية) و(العدالة الاجتماعية) و(السلام) و(التنمية المتوازنة) على لسان "الإنقاذ"، تستحيل جميعها إلى عبارات خواء لا محتوى لها سوى تكشيرة قطة "شيشير" عديمة الجسم، فلا مضمون لهذه العبارات يعتد به إلا المعاكس الموضوعي لها، وليس ذلك لشر نابت في بيت الانقاذ، قدر محض، وإنما لحكم التاريخ، وأقصد الطبيعة الاجتماعية والطبقية لسلطة المؤتمر الوطني وحلفائه.
"تنمية" الإنقاذ تعني إغراق الأراضي وتشريد السكان وسلب الديار لتنشأ فوقها قصور "تنموية" مهيبة، نعم، يصب ريعها في خزينة دولة تسيطر عليها نخبة رأسمالية ضيقة، ويعاد تدويرها في قفص الاستهلاك، ذلك وفق عقيدة الإسلاميين في سياسات صندوق النقد الدولي "الامبريالية" والتي تتبعها دولتهم حرفا ومضمونا منذ العام 1997. فالسودان بين يدي الإنقاذ لا يعرف من الإنتاج شيئا، بل يستخرج سلعة ريعية واحدة، هي البترول، يبيعها إلى دولة واحدة، هي الصين، بما يشكل 81% من صادراته (الجهاز المركزي للإحصاء؛ السودان في أرقام 2002- 2006، يوليو 2007). على هذا الأساس قفز الناتج القومي الإجمالي في البلاد عبر العشر سنوات الأخيرة إلى مستواه الحالي، إسميا 46,228 مليون دولار. في العام 2007 بلغ الحجم الكلي لصادرات السودان 8902 مليون دولار، 8443 منها أي 94,8% بترول، حيث تناقص نصيب الصادرات غير البترولية في الفترة 2004 إلى 2007 بالنسب التالية على التوالي 12,4%، 13,2%، و40,3% (صندوق النقد الدولي، مايو 2008). شهد السودان في فترات سابقة ازدهارا كاذبا كالذي تفاخر به الإنقاذ، أي زيادة في الريع، لكنه هوى به في أزمة الثمانينات والتسعينات الطاحنة، والناجمة عن عجز بنيوي في هيكل الدولة وسلطتها السياسية عن تحقيق التوسع المنشود في قاعدة الإنتاج وتنويع الصادر وفك الارتباط التابع مع السوق العالمي نتيجة الاعتماد شبه التام على تصدير القطن، الذي شكل عبر سنين الخمسينات والستينات حوالي 80% من صادرات البلاد.
أما السلام الذي تعد به الحكومة في دارفور فقوامه ما أصاب نازحي الحرب في معسكر كلمة بمدينة نيالا. قبل يوم واحد من حديث الرئيس (السلمي) وجهت الدولة بنادقها (الصينية) نحو صدور مواطنيها فسقط منهم 31 بينهم سبعة أطفال وعشرة نساء وشيوخ في الستين، إحدى القتيلات سقطت في حفرة لتلقى حتفها وهي تحاول الهرب من الرصاص، هذا بجانب أكثر من 50 جريح؛ عنف وصفه المسؤول الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنه "مفرط" (نيويورك تايمز، 29/08/08). عذر السلطات أنها تلقت معلومات عن أسلحة تم تهريبها إلى داخل المعسكر بنية استخدامها (ربما) في أعمال تخريبية (قد) تستهدف مواقع استراتيجية في المدينة، كالمطار والسكة حديد (سودان تريبيون، 28/08/08). من ناحيته أكد الرئيس في اجتماع مجلس الوزراء الخميس الماضي على ضرورة نزع السلاح من كافة معسكرات النازحين خاصة معسكر كلمة (الأحداث، 29/08/08). فهو إذن، بحسب عبارة الحكومة، سلام الأقوياء، أي سلام تفرضه قسرا وقهرا وفق شروطها وكيفما ترى؛ سلام يستدعي تجييش الدفاع الشعبي و"تطوير قدراته على ملاحقة المتربصين في كل المواقع" بحسب تعبير وزير الدفاع وهو يحتفل بتخريج (الكتائب الاستراتيجية) للدفاع الشعبي (الأحداث، 29/08/08). السلام الذي تبحث عنه الحكومة هو اكتمال الحرب بالظفر، والحلقة الختام في حسم ملف دارفور على طريقة "بسط هيبة الدولة"، هدف مستحيل ودارفور تتفلت من كل قيد للدولة عليها، السلاح فيها سلعة استهلاكية والسلب والنهب عصب الاقتصاد، فالدولة وإن استطاعت القضاء على أي فاعلية للحركات المسلحة في الميدان عاجزة عن تسكين قوى اجتماعية لم تعد ترى في الدولة القائمة ضامنا للأمن أو حكما في المنازعات بل طرفا أصيلا فيها. وقد امتد ذلك أبعد من تبسيط "الزرقة" و"العرب"، حيث حصد القتال بين قبيلتي الرزيقات والمسيرية في جنوب دارفور قبل عشرة أيام أرواح سبعين شخص (الجزيرة، 22/08/08)، قضوا بعلة الماء والكلأ وبقسوة الكلاشنكوف عند عجز الدولة القيام بأول واجباتها – احتكار العنف. بل بلغ تهافت الدولة مقدار إعلان د. أحمد عقيل "رئيس مجلس شورى" الرزيقات في مؤتمر صحفي عقده بمنزله مساء 22/08 ألا بد من (ترسيم الحدود) بين القبيلتين وحمايتها، أي الحدود، من (الاختراقات الأمنية)، اصطلاحات من قاموس الدولة القومية لا الجوار (القبلي)!
بطبيعة الحال، يصبح الحديث عن (الديموقراطية) تحت هذه الشروط تكشيرة أخرى من تكشيرات القطة في بلاد العجائب، إلا ما كان تمرين بيروقراطي على عد الأصوات. من لم يسلم من القتل بآلة الدولة أو بغيابها فاقد للمواطنة أول الأمر مهدد الإنسانية، لن تسعفه الآليات الديموقراطية مهما أجيد حبكها. لكن، كما تريد الإنقاذ إخراج ديموقراطية تسعفها من سيولة مشروعيتها، وقد أصبحت بأضابير اتفاقياتها المتعددة رقعا فوق رقع، ينظر التاريخ إلى السودان بعين الفرصة وقد حانت بتوازن الضعف، من يمسك بالسلطة قبل أن تسقط (ديموقراطية) في جب المؤتمر الوطني؟



#مجدي_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وما الوطنية: البشير وموغابي
- وَه... وليامسون!
- أها يا كيزان: الحركة الإسلامية..إلى أين؟
- الاقتصاد السياسي للتحول الرأسمالي في الصين: مقدمة
- بوش في افريقيا: الضيف أم رب المنزل؟!
- تسعون عاماً على نوفمبر 1917م: ألحقنا يا إليتش!!
- مباحث ماركسية: حول تنوير ماركس
- وما الحياة: صراع البقاء في دارفور وأخواتها -2
- وما الحياة: صراع البقاء في دارفور وأخواتها - 1
- حال النسابة: ما بين الحكومة السودانية والغرب
- تنمية بالبندقية
- مباحث ماركسية: تقديم
- الحركة الإسلامية: يَهْدُوكْ مِنْ المَبيتْ تَقَيِّل كُتُرْ-2
- الحركة الإسلامية: يَهْدُوكْ مِنْ المَبيتْ تَقَيِّل كُتُرْ - ...
- فالتر بنجامين: يسار الفلسفة، أثناء الفن
- الإضراب: حباب الشعب السوداني
- حول هابرماس: إنقاذ الحداثة
- الصين الشعبية وديكتاتورية الطبقة الخاملة
- حالة الطبقة العاملة في الصين الشعبية
- الرفيق لينين: وداعاً ومرحباً


المزيد.....




- شاهد تطورات المكياج وتسريحات الشعر على مدى الـ100 عام الماضي ...
- من دبي إلى تكساس.. السيارات المائية الفارهة تصل إلى أمريكا
- بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل: ما هي الدول المنخرطة؟
- السفارة الروسية: طهران وعدت بإتاحة التواصل مع مواطن روسي في ...
- شجار في برلمان جورجيا بسبب مشروع قانون - العملاء الأجانب- (ف ...
- -بوليتيكو-: شولتس ونيهمر انتقدا بوريل بسبب تصريحاته المناهضة ...
- من بينها جسر غولدن غيت.. محتجون مؤيدون لفلسطين يعرقلون المرو ...
- عبر خمس طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني
- هاري وميغان في منتجع ليلته بـ8 آلاف دولار


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مجدي الجزولي - كَمْ وكَمْ كَلْمَه.. أفلا تعقلون!؟