طورّت المعارضة السورية في الداخل أشكال وأساليب عملها السياسي بحيث تماهت مع منظمات السلطة، الشعبية وغير الشعبية ،كاتحاد النقابات العمالية ، واتحاد الفلاحين ، واتحاد طلبة الإيفادات الخارجية، وغيرها الكثير _ مع رجاء الانتباه إلى كثرة الاتحادات _ المترافقة مع إنجازات لا غبار عليها على صعيد تعميق الانفصال العربي الذي تميزت به الأنظمة التي رفعت شعار الوحدة (بشرط أن لا يغلبها غلاّب) هذا على الصعيد القومي.. وتشويه الوحدة الوطنية بعودة الانتماءات ألما قبل سياسية ،حيث ظهرت في الفضاء الاجتماعي السوري خلال العقود الثلاثة الأخيرة اصطفافات مذهبية ،وعائلية، وعشائرية.. وانتعشت كل أشكال الانتماءات التاريخية المتخلفة في عصرٍ سمته الأساسية : التمدّن ،والتحضّر ،والرقي.. إضافة إلى انتشار واسع النطاق ومعوّلم لمفاهيم حقوق الإنسان والحريات بكافة أشكالها ،وميادينها .. و مع احترامنا الشديد لتضحيات كوادر أحزاب المعارضة التي دفعت أثماناً باهظةً نتيجةً لأخطاء قياداتها ،ولفاشية الأنظمة في الوقت نفسه ،لا بدّ من الإقرار بالحالة الراهنة التي أصبح فيها المواطن (يتفرَّج) على أحزاب لا تمَّل من رفع العرائض إلى القصر الجمهوري، وكما هو معروف ،كل القصور الجمهورية في الأنظمة الشمولية عائدة ملكيتها للشعب ..! وذلك بفضل دعم المصارف العقارية بقروضها المجزية..!ولماذا الزعل من وجود هكذا قصور ،وهي تساعد في امتصاص جزء من البطالة الحرزانة، حيث يعمل في خدمتها فارغةً وملآنة، آلاف مؤلفة من المواطنين العاطلين عن العمل..؟ومن أساليب نضال المعارضة المطَّورة أيضاً، تسوّل المشاركة كلما حلَّت دورة انتخابية في أي حقلٍ كان ، لكن، من باب الأمانة ،نذِّكر بأنها تتسول المشاركة ليس كيفما كان ،بل على قاعدة تلبية بعض الاستحقاقات.. ومن باب الأمانة أيضاً نقول :إنها سرعان ما تبادر إلى إعلان المقاطعة وذلك طبعاً بعد تطنيش السلطة وعدم اكتراثها بهكذا مشاركة .. و بمثل هذه المقاطعة المتأخرة تكون قد ضيِّعت فرصة تسجيل موقف مبدأي، مطلوب سياسياً أمام الناس الذين لم تعد تنطلي عليهم كل أنواع الانتخابات في هذا البلد العزيز ..وأهمية تسجيل الموقف ،تكمن في استمرار التضليل الأيديولوجي المعمّم إعلامياً ..! في نفس الوقت تكون قد مثلَّت دور الشريك العابر ، لكنه المؤثِّر بتفاصيل عملية التضليل الممارس منذ عشرات السنين ..!
و..حين تتعرض السلطة لضغوط من هذا الطرف أم ذاك ،نتيجةً لتضارب الحسابات والمصالح ،سرعان ما تهبّ تلك الأحزاب الطيِّبة،وذلك بفعل وطنيّتها التي تخشى عليها من السلطة القابضة على حقيبة الوطنية بالأصابع العشرة ،وتروح تصدح بكل أنواع الشتائم الثورية التي تحفل بها قواميس الأحزاب وخاصةً الأصولية منها،يليها التهديد باقتلاع جذور الإمبريالية والصهيونية وغير ذلك ..!مضيِّعةً مرةً أخرى فرصة استثمار مسألة جدل الداخل والخارج ،في عصرٍ لم تعد فيه للحدود تلك المعاني المخبأة بعناية أصولية في جعبة هؤلاء الوطنيين الأشاوس ..!
المعارضة السورية طيبِّة إلى درجة الاستعداد للتوحّد مع الفساد ،والأجهزة، والشيطان طالما أنَّ ذلك يتيح لها فرصة
المشاركة الحميدة فوق طاولة الحكم والتحّكم ،والمقصود بكلامنا طبعاً، قيادات المعارضة ،تلك القيادات التي من فرط ديموقراطيتها، تسامحت ،وقبلت أن تظلَّ في مواقعها حتى تلفظ أنفاسها،(بعد عمرٍ طويلٍ طبعاً)..لكن، كيف تستريح من أعبائها والكفاءات معدومة في طول البلاد وعرضها ..؟
ولأنها، بمواقفها هذه تكون قد عززت مقولة السلطة بأنها الوطن بلحمه وشحمه، وبالتالي باركت ادعاء السلطة بأنَّ الوطن هو المستهدف كلما استهدفت هي ، فقد ضاع كلُّ شئ في مهب الريح ..وبات منطقياً أن تتراجع حقوق المواطنة في كل أوجهها، وأن تبقى على السطح معزوفة واحدة اسمها الوطن ،بالأحكام العرفية الدائمة، والتوسع المذهل في عدد ،وعديد الأجهزة الأمنية، وانتشار بالأرقام القياسية للفساد ،عامودياً وأفقياً .. و انسداد أفق تام أمام الأجيال المتتالية ..واستمرار تدبيج قوانين وتشريعات مخجلة بمقاييس العصر الراهن ،كقانون الإعلام ( الشمولي )الذي صدر في عزِّ الدبكة التطويرية وغير ذلك الكثير مما يمكن ذكره ..!
أخيراً ، نقول : مسكينة أحزاب المعارضة فعليها وحدها تدور الدوائر، في حين لم يترك لها الحزب ( المليوني) القائد، من الجسم الاجتماعي، ما يكفي لتأسيس قاعدة يمكن الركون إليها..فمعروف أنَّ الحزب عقائدي.. إذاً ، لا بدَّ أن يكون الجيش عقائدياً مثله ..وهو حزب الكادحين فلا يمكنه ترك الشغيّلة على قارعة الطريق إن كانوا فلاحين أم عمال ..وهو حزبٌ طليعيٌ، فمن الواجب إذاً أن يتلقف مواليد الشعب كافةً في حاضنات الطلائع ..ومن ثمَّ لأنه شبابي، تستمر كفالته حتى يشبَّوا فينقلهم إلى اتحاد الشبيبة ،وبعدها مشكوراً الى اتحاد الإيفاد(الطلبة) للدراسة الخارجية ..! ولكونه راعي الأدباء ،قام [بعرسنة كلّ الراغبين] حتى أصبح عديد اتحاد الكتاب ينافس عديد اتحاد الفلاحين.. :كذلك وحَّد النساء في اتحادٍ ناعم لطيف ..وأخيراً فرش مظلته السميكة فوق جميع الاتحادات المهنية .ثمَّ بعد كلِّ ما تقدم يعتبون على المعارضة لعدم فعَّاليتها بدل أن يسألوها، ويدغدغوا وطنيتها الفائضة :عن ماهية السياسة الوطنية، الخارجية ،التي يعلنون عن دعمهم لها ليل نهار، ولنسألها نحن بدورنا :ماذا يقولون لنصف الشعب المهاجر بفعل الفيضان الوطني ..؟ وماذا سيقولون لأغلبية النصف الثاني الذي يبحث عن الفرص التي تتيح له اللحاق بنصفه الآخر ..؛؟ ..
7/1/2004