أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد البغدادي - الزقاق















المزيد.....

الزقاق


سعد البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 09:03
المحور: الادب والفن
    



حاولت ان اتذكر الذي حصل لكني بعد عدة محاولات ايقنت اني غير قادر على معرفة تفاصيل الحادث.
في تلك الليلة خرجت بعد ان شعرت بضيق التنفس والاماً في صدري ، وبينما كنت اسير في ازقة الحي وجدت نفسي في زقاق ضيق لم ألفه من قبل ولم اشاهده، تعجبت كيف لم امرُ بهذا الزقاق ؟ على الرغم انه لم يبعد عن محلتنا كثيرا. كانت هذه الافكار تراودني وانا عند مدخل الزقاق لكنها انقطعت حينما سمعت صوتا اجشاً مبحوحاً يوحي بالكآبة والانطواء يقطع عليّ تأملاتي في هذا الزقاق
سألني ؟ و ِِلمَ تستغربه ؟ انه هنا منذ زمن طويل لكنك انت من لم يره.
لم يدع لي مجالا للسؤال او الاستفسار واشار اليّ ان ألزم الصمت. ما الذي جعلني لم اتكلم .. لم انطق .. لماذا استسلمت له بهذه السهولة واصبحت منقادا اليه ؟ ما السحر الذي يملكه هذا الرجل؟ المسن اصفر الوجه كأنه جاء من اطراف العالم وكأنه لم يتذوق قطرة ماء منذ سنين. كيف قبلت السير معه داخل الزقاق؟ هذا مالم ادركه حتى هذه اللحظة. وحينما سألني المحقق بعد عشرين عاما كيف تعرفت عليه وكيف دخلت الزقاق معه لم اجبه لان الاشياء في حينها لاتبدو اكثر صورة ووضوحا. قلت له انك تحدثني عن تاريخ صار عمره عشرين عاما لا اتذكر مطلقا. الاشياء في كل يوم تولد من جديد وتلبس عدة اوجه فكيف لي ان اتذكر او افسر الماضي ؟ لكنه اصر علي ان اتذكر لان جميع الادلة ليس في مصلحتي وربما يكون رأي الحكام اني كنت رفيقه او شريكه الذي جاء معه من اطراف العالم ومن ثم علي ان اقضي عشرين عاما اخرى في دهاليز التحقيق.
الزقاق لم يكن مثل ازقتنا فهو مظلم طويل بحيث اني لم ارى له نهاية قط ، لم تكن على جانبيه بيوت وانما كانت مجرد ابواب مصنوعة من حديد. ارتفاع الباب يصل الى خمسة امتار وكان على كل باب مفتاح ضخم جدا مصنوع ايضا من الحديد. لضخامته اثار انتباهي . الظلمة كان يبددها ضياء بعض الفوانيس المعلقة على مسافات متقاربة. بدأت اشعر بالفزع والخوف واصبحت اتنفس بصعوبة جدا.
وحينما حاولت ان اسأله نهرني بكلمات نابية ، حاولت ان افك وثاقي من اسره كيف شعرت باني اسير لديه هذا ما لااذكره ايضا. صرخت باعلى صوتي لكني لم اسمع صوتي ولم اسمع صداه جربت مرة اخرى ان اصرخ لكني شاهدته يضحك وحينما اقتربنا من احد الفوانيس رايت عينيه قد اغرورقت بالدموع.
استفزني صوته العالي ودموعه الصفراء وارعبني هذا المسير في هذا الزقاق الطويل حتى اني لخوفي لم اسأله الى اين نحن ذاهبان؟.
اي زقاق مجنون هذا الذي سلكته واي رجل مجنون هذا الذي اسير معه. كنا كلما نقطع مسافات اكثر كلما قل عدد الفوانيس وتباعدت بينهما المسافات وصار المكان اكثر ظلمة من قبل . سمعته يأمرني ان اختار احد الابواب ادركت انه لاخيار لي حينها قلت له انها ليس بيوت انها مجرد ابواب مكتوب على كل باب كلمات وطلاسم اشبه بتلك التي اعرفها في كتب الادعية لكن هذه الابواب لها تسميات غريبة جدا لم اسمع بها من قبل حتى ان قراءتها سببت لي احراجات كثيرة جدا اذ اخبرته اني اكملت كلية الهندسة وها انا الان لا اجيد قراءة اسم الباب.
قال لي انك تكذب دائما؟
بدأ ضوء الفوانيس يخفت لم اعد اميز بين الاحرف في الحقيقة لم اعرفها كانت احرفاً غريبة عني كما اني لم اميز بين الابواب. اثارتني جدا تلك الرسوم الواضحة والبراقة رغم الظلام. صورة ذئب يسيل الدم من بين انيابه واخرى لارنب ممزق الاحشاء واخرى لوحش كاسر وهو يفترس فريسته ، منظر هذه الصور كان مجسما حتى اني حاولت ان ألمسها لكني فجأة وجدتني داخل احد الابواب بعد ان شعرت بيده على كتفي.
2
بكيت كثيرا حينما اخبرني شقيقي بوفاة والدتي. بكيت كالطفل رغم اني بلغت من العمر عتيا واشتعل الراس شيبا بكيت كثيرا لانها وهي على فراش الموت لم تتذكرني ولم تعرفني ابدا بذلت جهدي لاقول لها اني ولدها البكر واني عدت من ذلك الزقاق المظلم واقسمت لها اني لن افارقها بعد اليوم ، لكنها لم تعرفني . ذكّرتها بشجرة الرمان التي زرعتها في حديقتنا قالت نعم اذكرها زرعها ابني الذي تركني .
سألتني اتعرف من خطفه؟
قلت لها اني هو؟
اشاحت بوجهها عني .
كان يحب ان ينام تحت هذه الشجرة قالت لاخي الاصغر ويحب ان يأتي لي من رمانها كل صباح ، سألته متى يعود وهل ستراه قبل الموت؟.
لماذا لم تتذكرني امي.
الطبيب يقول ان ذاكرتها اصبحت ضعيفة ربما مع الايام سوف تتعرف عليك قال هذا الكلام قبل ان يودعني .
في منتصف الليل ماتت وآخر كلماتها اسمي .
كيف اصبحت بعيدا عنها وكيف فقدت هي ذاكرتها فهذا يعود بجزء كبير منه الى ذلك الزقاق والى ذلك اليوم حيث خرجت من الدار؛ كانت هي واقفة طلبت مني ان اذهب الى البستان وابقى هناك ازرع الرمان واعتني بالاشجار لكني رغبت عنه واتجهت الى ذلك الزقاق. هل كتب علينا دائما مفارقة الاحبة؟ كي نبحث عنهم مجددا في المقابر هل كتب علينا المسير دائما من اجل الاختيار والبحث عن سعادتنا الغائرة بعيدا عنا ؟ هذا ما كان يخطر ببالي وانا ارى صفوف الكراديس وهي محشورة داخل هذه الابواب الحديدية رأيت امهات تبكي اولادها نحيب كان عاليا ورأيت فتيات جميلات في الجانب الاخر وهن يضعن احمر الشفاه بشكل صارخ. ادركت اني اصطف في احد المجاميع او الكراديس ، لكن منظر الزقاق مازال في مخيلتي، زقاق مظلم ابوابه من الحديد عالية جدا ليس بيوت بل مجرد ابواب . سمعتهم ينادونني باسمي الجميع كان يعرفني كانهم ينتظرونني. لاحظت فيما بعد اني ايضا اعرف اسماءهم. كان علي ان احفظ هذه الاسماء بعضها كان غريبا والاخر كان مألوفا لدي مثل اسمي تماما .قلت لاحدهم كم علينا البقاء .
ثماني سنوات؟ ولما نظرت اليه وجدته مغشيا لم يكن لي الحق ان انظر اليه او احمله او حتى اودعه علي ان استمر الى الامام علي ان احفظ جميع الوصايا او اصبح مثلهم هياكل عظمية ، اكداس من اللحم المشوي ، رؤوس تركض الى منازلها بلا اجساد ، زقاق مظلم دائما، ورجل مسن يحاول ان يجمل نفسه دائما. صفوف الكراديس كانت تملاء الزقاق ، الان لم تعد تلك الكراديس محشورة ، هي ايضا تحولت الى هياكل عظمية ، اجساد من اللحم المشوي، رؤوس تركض بلا اجساد. سألته كم بقي لنا حتى نجتاز الطريق . احسست في هذه اللحظة اني اشفق عليه، كان منظره يأساً كمن يبحث عن نصر في كومة الهزائم والخراب الذي خلفه لهذا الزقاق لكنه ابداً لن يحصل عليه لانه في الحقيقية لايعرف ان الموت يخلق الحياة وانه كلما حاول ان يعيد التجربة لن يحصل سوى تلك الرؤوس المقطوعة وذلك النحيب الذي سيظل في ذاكرته كما حدثني ذات مرة، قال انه تجشم العناء كي يجعل الزقاق اكثر سعة للاخرين لكن نحيب النسوة جعله يتردد كثيرا في كل قرارته. شعرت بالعطف والشفقة عليه لاني وجدته منكسرا ضعيفاً. شعر اني ادركت ضعفه حاول ان يتظاهر بالقوة والسمو والرفعة لكن ملامحه تفضحه كان في الحقيقية ضعيفا تغيرت نبرة صوته وبكى رايت دموعه ، قلت له لنخرج من هذا الزقاق اللعين .
لكن نحيب النسوة والرؤوس المتطايرة ومنظر الهياكل العظمية جعله اكثر قوة وتحولت دموعه رايتها تتحول الى شرر لم اعد اقوى البقاء بالقرب منه سارعت الى احد الكراديس ، جثثاً بالقرب من بعضها، رائحة الموت ملئت اطراف الزقاق. ورايت خلف الرجل المسن كلابا من فصيلة لم ارها سابقا وحينما سألت عنها قال لي احدهم انها ذئاب فيما سمعت الاخر يقول غير ذلك ،ادركت انها فصيلة لايعرفها سوى هذا الرجل المسن . اشتعلت فيّ الرغبة لاعرف عنه المزيد ،في الحقيقة انا مازلت اجهل اسمه وحينما سالت الكراديس لم يتعرف احد على اسمه ،استغربت كيف قضينا هذه الفترة الطويلة معه ولم نسأله حتى على اسمه. قال لي مرة ان الاسماء لها دلالات ورموز وكل حرف منها يعني اكثر من معنى لكن المعنى الوحيد لهذه الاسماء او الاشارات ان تعرف اين انت ذاهب معها اوالى اين هي تقودك . كان ضليعا بعلم الحروف كما يقول فهو يعرف متى يموت الانسان ومتى يصبح غنياً ومتى يكون فقيراً كما انه يعرف متى السماء تمطر ومتى تندلع الحروب ومتى تنتهي كل هذا يعرفه من خلال اسماء الاشياء والدلالات ، كنا نراه لم يخطئ ، في الحقيقية هو لم يخطئ ابدا فكل الذين قال لهم سوف تموتوا اصبحوا اجساداً من دون رؤوس. ولم نرى فقراء قط في زقاقنا كما لم نرى اغنياء ابدا. اصبحنا لفترة طويلة نهتم بامر اسمه لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل، حتى حينما ذهبنا الى المكتبة؛ المكتبة الوحيدة في الزقاق كانت كبيرة جدا استطاع ان يشيدها لنا كما قال ذات مرة من جماجم الاعداء .بحثنا في كل الموسوعات عن اسمه او عنوان يدلنا على المكان الذي جاء منه لكننا نرجع بخفي حنين ، وحينما نعود الى الكراديس نتداول اساطير كثيرة عن اسمه او عن المكان الذي جاء منه بعض هذه الاساطير تقول انه من نسل انكيدو وانه يريد الانتقام من خمبابا ، وبعض هذه الاساطير تقول ان والده قبل ان يرحل من هذا العالم جعله في الصحراء مع الذئاب لكنه في اليوم التالي استطاع ان يقود هذا القطيع ولما يبلغ الفطام .


3-
لا ارغب في الذهاب الى المدرسة .قال لامه
حاولت ان تتظاهر بانها لم تسمع كلامه
قالت له :احضرت لك الفطور .
- لكنها بعيدة جدا والجو بارد لاارغب في الذهاب اليها.
حاولت ان تثنيه عن قراره، تعرف انها ستعطيه المصرف ويذهب قبل ان يستكمل فطوره . لم تكن معاناتها لتنتهي عند ابنها ورغبته في الذهاب الى المدرسة ولا عن الفتيات الاربع الذي تركهن والدهن وذهب الى الزقاق ، بل كيف يمكن لها ان تؤمن حياة هذه العائلة في غيابه فالبستان الذي كان بحوزتهم طيلة تلك السنوات تبين ان ملكيته ليس لهم واستطاع احد ابنا ء الزقاق الاثرياء الاستيلا ء عليه بعد ان قدم للمحكمة اوراقا قال انها تثبت ملكية جده لهذا البستان . كل محاولاتها لاسترجاعه فشلت مما اضطرها ان تعمل كخياطة او بعض الاعمال الاخرى ، في الحقيقة كانت بعض الاعمال كريهة لها ولا تستطيع ان تستمر بها اما لانها متعبة وشاقة واما لانها لاتدر عليها المبلغ الكافي لذلك كانت تغير من مهنتها باستمرار . تغيير المهنة اضفى عليها عدة اسماء والقاب كانوا ينادونها بها او ينادون ابناءها فبعضهم يقول ابن الخياطة والاخر ابن الخبازة ، لم تكن هذه الالقاب تثيرها او تستفز ابناؤها لان جميع النسوة في الحقيقة كن يعملن لاعالة عوائلهن، خاصة وان المبالغ التي تاتيهم من الزقاق لاتكاد تسد معيشتهم . كانت جميع الاشياء والصور تترائ لها بشكل يوحي بان ازمة الزقاق ستنتهي بشكل سريع وانها لن تطول الى درجة تضطر معها هي ونساء القرية الى العمل والانتظار، صعوبة الحياة ستتضطرهن الى بيع ممتلكات المنازل قسم من النسوة سوف يضطّرن الى بيع الاثاث والقسم الاخر باعت كل اشياء المنزل . الزقاق المظلم كيف اكتشفه رجال الحي وكيف تجمعوا كلهم في وقت واحد للذهاب الى هناك هذا ايضا لاتعرفه نساء الحي ،لان احدا من الاهالي لم يخبرهم بما يحصل له او متى ان يعود. كان ضوء الفوانيس خافتا وصورة الزقاق تحولت في نظرهم الى شبح، حتى ان كثير من الاطفال باتت تعرفه ،بعضهم قرر ان يذهب اليه لكن الجميع ترك الاحياء المحيطة به من دون ان ينظر الى ما سوف يتركه خلفه ،
4

الطريق الى المحكمة كان يمر ايضا عبر زقاق ضيق ذكّرني كثيرا بزقاق الرجل المسن سوى ان الابواب تحولت الى خشب بدلاً من ابواب الحديد الصلب. طولها ايضا خمسة امتار منقوشا عليها ايضاً لوحات مجسمة اكثر جمالاً من تلك المنقوشة على الابواب الحديدية لكن الشئ الذي اثار انتباهي ذلك النقش الخشبي البارز الذي كنت اراه دائما في زقاق الرجل المسن صورة ارنب ممزق الاحشاء، سوى انه كان هنا منقوشا من الخشب الصاج وحينما سالت البواب كيف تحتفظون بهذه النقوش؟ نهرني بصوت عالِ كانه يحاول ان يسمع مرؤوسيه، لكنه طلب مني ادخل من الباب الخلفي فهو الباب المخصص لامثالي اولئك الخانعين تحت سياط الرجل المسن ، قطع كلامه بان دفعني عنوة الى داخل القاعة من ذلك الباب الخلفي بعد ان سار معي عدة خطوات لم يتكلم خلالها باي كلمة حتى حينما طلبت منه سيكارة اشار براسه بانه لايملك او لايدخن فهمت منه انه لن يتكلم.
. القاعة كانت مصممة على شكل زقاق مستطيلة الشكل طولها اكثر من خمسين متر في نهايتها جلس ثلاثة رجال كانوا يرتدون الزي الرسمي للمحاكمة جذبني اليه ايضا ذلك النقش الذي رايته عند الباب ،ارنب ممزق الاحشاء، انتبه كبيرهم اليّ وانا اطيل النظر في الرسم؟
لم يسألني لماذا ذهبت الى الزقاق سالني عن علاقتي بالرجل المسن ،حاولت ان اكتم ضحكة مكبوتة .ترى كيف يمكن لهذا الرجل ان يتجاهلني بل كيف له ان يسالني عن الزقاق ،هذه الاسئلة سوف اجد لها جواب حينما سمعت الرجل الثاني يتحدث واصبحت الصورة اكثر وضوحا حينما تحدث الرجل الثالث؟
لم افهم عليهم ، حاولت القول انك كنت معي في الزقاق، وفي الكردوس الاخير حينها قلت له : كنتَ تغسل الاجساد من الدماء ،وانك كنت تنظف تلك الرؤوس من الدماء التي تلصق بها وانك كنت من يمنحنا فرصة التلذذ بمنظر الدم الكريه وانك كان من يطارد الجميع من اجل بقعة دم. وانك من كان يتبول على الاجساد المشوية ويمنحها لحظة الهدوء الاخير ، حاولت تذكيره بقصة الانابيب حينما حاولنا ان نخرج بواسطة انبوب المياه لنحشر اجسادنا فيه حشرا، انك من افسد علينا الخطة حينما اخبرت عنا الرجل المسن. لكني ادركت ان الاخرين لن يصدقوني ، خاصة واني لم اسمع صوتي ولم اسمع صداه. سمعته يصرخ، متى التحقت بالزقاق، ومتى عدت من الزقاق، نظرت الى حمرة وجه ، رايت اوداجه تنتفخ ، وبهدوء جلس كانه تذكرني. قلت لنفسي؟
الاقواس التي تحيط بقاعة المحكمة اشبه بتلك الاقواس التي تحيط بكراديس الموت ، بعضها كان تصميمه طبيعياً والاخر صمم بشكل معكوس ،فتحتة كانت للاعلى ، بعض هذه الاقواس صمم بشكل سلجوقي والاخر بشكل يوحي بانه يعود الى العهد التركي ، اما ابواب المحكمة من الداخل فقد صممت بشكل هندسي على الطراز الغربي الحديث، كنت مندهشا بهذه التصاميم بعضها كان مالوفا لديّ.لكني سرعان ما تقيأت علي ارضية الغرفة ، شعرت بان جزء من احشائي خرج ابصرت ارنبا ممزق الاحشاء ، طلب مني القاضي ان انظف المكان وبينما انا احاول وجدت القضاة سبقوني لتنظيف المكان ، شعرت بالاطمئنان . في هذا الاثناء قرر القاضي تاجيل المحاكمة لمدة ساعتين. طلب من الحراس ان يقتادوني لغرفة الحجز، لكنها لم تكن غرفة كان شئ اشبه بالزقاق وجدته محشورا ايضا بكثير من المتهمين بعضهم عرفته كان معي في الزقاق وكثيرين لم اعرفهم ولم اتبين قسمات وجوههم ولا ملامحهم حتى لغتهم لم اتبينها ؟ بعضهم مضى عليه سنوات وهو ينتظر مثوله للمحاكمة بعضهم دخل حديثا.
لم يكن احدا من اعوان الرجل المسن يشك في انبوب الماء الذي يصل الى الزقاق وحينما قررنا الهرب لم نكن سوى ستة رجال ، وفي الليل تسلّلّنا اليه من دون ان يعرف احد بخطتنا، بينما نحن محشورون فيه اخرجتنا كلاب الرجل المسن كانت كلاب من فصيلة اجنبية قيل انه جلبها معه حينما كان هناك، في الصباح طلب من الكراديس ان يشكلوا دائرة كنا نحن خمسة رجال نشكل قطرها اما هو فقد وقف يضحك علينا عرفنا فيما بعد هو من وشى بنا، لم اعد اتذكر كعادتي من اين تاتي لنا الركلات جميع الكراديس تتسابق لضربنا لم يرحمنا احد وبعد ان تاكد من حرص الكراديس على ضربنا ارسل لنا الكلاب تركنا واياها وسط الدائرة رايت انيابها تنهش جسدي، حملت امعائي بكلتا يدي بينما هي تلاحقني وتترك انيابها في ساقي وفي رقبتي، شاهدت رفاقي يقلدون عواء الكلاب فعلت مثلهم ، رأيت لساني متدليا كما رأيت ألسنة رفاقي متدلية، لكن رفاقنا في الكراديس كانوا يضحكون علينا، سمعتهم يشتموننا :
اولاد الكلب هم من ازعج الرجل المسن ، دعوهم يموتون. وحينما انتهت حفلة الكلاب ارسلونا الى محاجر في نهاية الزقاق، محاجر مبنية من الطابوق الاحمر منفصلة عن بعضها ليس فيها اي فتحة للتهوية سوى الباب الحديدي الصغير، يجبرك على الانحناء عند دخوله او الخروج منه ، هذا المحجر صغير الى درجة انك لاتستطيع الجلوس فيه سوى القرفصاء ولاتستطيع الوقوف فيه لان سقفه منخفض جدا، قضينا فيه ثمانية اشهر وثمانية ايام وثماني ساعات، وحينما خرجنا كان تقوس ظهرنا هو علامتنا المميزة في الكراديس، تم نقلي الى كردوس اخر كما تم نقل رفاقي الخمسة وتوزيعهم على الكراديس ،لم ارى احدا منهم ولم اسمع اخبارهم قط، لكني في احد الايام رأيته هو من وشى بنا وتملق للرجل المسن ليصبح احد رجاله المخلصين، ثم رأيته هنا في قاعة المحكمة يوجه لي الاتهام لاني ذهبت للزقاق؟ جلب لي احد الرفاق قدحا من الماء وبدء يغسل وجهي .
انت تعاني من آلامِ تلك السنين؟
حينما التفت اليه وتمعنت في ملامحه تذكرته رجل مسن مثلي، ما زال تقوس ظهره علامة مميزة له حاولت ان انهض لكنه منعني وطلب مني الاسترخاء .
انفض الجميع من حولي ،شعرت اني عدت لوحدتي وغربتي ،اذن هو الزقاق الملعون سوف لن يفارقني حتى يستنزفني ،
حاولت ان اقضي على هذه الافكار ، حينها قررت ان ابتدء من جديد ، لكن كيف هذا ما قلته للقاضي.



#سعد_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات اولية حول الاتفاقية الامريكية العراقية.-1-
- صلاة الغضب
- اخطاء وزارة المالية؟
- اشكالات الهوية الوطنية
- شكرا للشيخ للحريري
- الفساد في وزارة الكهرباء
- السعودية وزيارة المالكي للخليج
- الائتلاف العراقي ووزارة الكهرباء
- في عامها الثالث... العراق بلا كهرباء
- باسمة الساعدي
- ماذا نريد من نجاد
- حتى لا تضيع حقوق السجناء السياسيين
- جمهورية كوسوفو الاسلامية واكراد العراق
- جذور الفكر الطائفي في العراق
- وداعا ابا شهد.....
- نعم يحتاج العراق الى زيادة انتاجه من النفط:
- صحوة الكهرباء في مجلس النواب
- الحركات المتطرفة في الفكر الشيعي المعاصر
- التحالفات الجديدة وتقويض سلطة المالكي
- ليس من السهل اسقاط المالكي؟


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد البغدادي - الزقاق