أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - العَذراء والبرج 4















المزيد.....

العَذراء والبرج 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2387 - 2008 / 8 / 28 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


هوَ ذا يومي السادس ، مذ أن وطأتْ قدمي أرضَ البلد الأمين .
ما فتأتُ في ضيافة المنزل ذي المصباح الورديّ ، الشحيح ؛ في صحبة حجرة أيام زمان ، الخالية من حضور الغريبة . بالمقابل ، فإنّ شقيقتها الصغيرة ، ذات الشعر الأحمر ، قد رسّخت حضورها في الدار هذه ، شبه العمومية . من جهتي ، ما كان لي إلا الإعتياد على المسلك الغريب ، المُلغز ، للبنت الفاتنة والغريبة الأطوار في آن : عريها المُستهتر ، الدائب ، والتهويمات الغامضة ، المُتماهي فيها دندنات فاحشة التعابير مع أمثال وحكم راعية طفولتها ، المَسحورة . ما ضافرَ من إلتباس المكان ، أنّ " زين " ، راعيه الأول ، قد غادره إلى غير رجعة ، تاركاً شؤون " تهاني " بيد الحاجّة الحازمة ، الحريصة . هذه الأخيرة ، لم تتوانَ عن التشنيع أمامي بالرجل الذي كانت تنعته ، قبلاً ، بـ " الربّ " وتؤمن بشدّة بكراماته ومعجزاته : " دَعَنا من سيرته ، بالله عليك ! " ، تقولها بتضجّر وتأفف . بيْدَ أنها ، من ناحية اخرى ، ما زالت وفيّة لإمرأته وتتحسّر بإستمرار على مصيرها : " لقد مرضت المسكينة " فريدة " بالسلّ ، فما كان من الظالم إلا رميها إلى قارعة الطريق . تدبّرتُ لها مأوىً ، في باديء الأمر ، ولكنه لم يتركها بسلام " . ثمّ تتابعُ الحاجّة بنبرتها المعتادة ، الشاكية : " إستغلّ ذلك المأفون أعراضَ مرضها ـ كالعته والهذيان ، لكي يودعها في مشفى المجانين . ولكنهم هناك ، لحسن الحظ ، تنبّهوا لحالتها الحقيقية ، فأرسلوها سريعاً إلى دار الأمراض الصدرية . و أما عنه هوَ ، فسمعتُ من يؤكدُ أنه فقدَ أخيراً عقله وصارَ مُشرّداً في الشوارع . لقد إنتقمَ الربّ منه !! " .

***
حينما قررتُ والحاجّة أن نتوجّه إلى " القدموس " ، لزيارة المريضة ، فإنّ شقيقتها الصغيرة فجأتنا برغبتها في مرافقتنا . ثمة ، أفادَ الطبيبُ ، الذي يُدير المشفى ، بأنّ صحّة " فريدة " أضحتْ أفضلَ بكثير قياساً لحالتها الحَرجة ، حينما أحضرتْ للمرة الأولى . أضافَ الرجلُ العجوز ، الودود اللهجة ، أنه أفردَ للمريضة موظفة ترافقها وتعتني بها . " إنّ حوادث الإعتداء ، الجنسيّ ، مألوفة في هكذا أمكنة " ، إختتمَ الطبيبُ كلامه وهوَ ينظرُ بطرف عينه إلى " تهاني " . ثمّ دُعينا إلى إنتظار " فريدة " في منتزه المشفى ، لأنها ومرافقتها في طريق الإياب من جولةٍ في الحَرج ، المجاور . على مصطبة حجرية ، مُطلة على الوادي الساحر ، إقتعدَ ثلاثتنا مُستمتعين بشمس حيية لنهار شتويّ ، أقلّ تحفظ ٍ. برهة اخرى ، ثمّ تناهى إليّ صوتٌ من بعيد ، أليفٌ ومُفتقد : " فاطمة ! خذي بيدي ، لو سمحتِ " . وكان على القلب أن يخفقَ بألم ولوعة ، ما أن شخصتْ نحوي عينان سوداوان ، ما بقيَ من بريقهما ، الغابر ، سوى لمعة واهية . أشارتْ لها الممرضة بإتجاه " تهاني " ، قائلة : " أختكِ هنا . ولا بدّ أنّ هذا التاج ، الذي شغلتِهِ أنتِ ، يليقُ برأسها الجميل " . بنظرة مديدة ، متأملة ، راحت " فريدة " تتفحص شقيقتها الصغيرة ، حتى غضتْ هذه من بصرها . ثمّ بادرَتْ المريضة بعدئذٍ إلى تتويج " تهاني " بباقة الأزهار تلك ، المُقتطفة من خريفٍ راحل للتوّ : " عروسنا تبكي .. ".

***
أسبوعٌ آخر ، كان قد مضى على تنحية المُدوّن لقلمه ؛ كما على ذلك اليوم ، الشاهد لخروج الأمّ من الحجرة العلويّة ، مجددة دمعها وثوب حِدادها . في ضباب هذا المساء وسكونه ، شاءَ اللحنُ الحزين ، العتيق ، أن ينسابَ ببطء ورويّة حتى أعماق مساربي الداخلية . كنتُ وحيداً في المَشرَب ، أستعيدُ صحبَة أصدقاء العمر ، المفقودة ؛ صحبة أولئك المُشتتين بين الغربة والمنفى والسجن . وحيداً كنتُ ـ كشجيرة الزينة هذه ، المخضوضرة ، والمُزينة بأنوار عيد الميلاد المجيد . من نافذة البار ، المحدّقة بالشارع العام ، أرسلُ بدوري نظراتٍ ساهمة ، ضائعة ، نحوَ ندف الثلج ، الدقيقة ، الما فتأت تنهمرُ بحيوية وحبور ، مُجللة كل شيء بنصاعتها المُفضضة . رأيتني إذ تبخرتْ طاقة صبري ، أغادرُ المشربَ وعيناي عمياوان إلا عن إحورار حائر ، ملموم في قطيفةٍ حمراء . في الحجرة الرثة ، المُعطرة بأنفاس الغريبة ، أخذتُ في التمعّن بالحضور الطاغي الفتنة للفتاة ، مستغرباً ألا يعتورها السأم من العري العنيد ، اللا مبالي . وكعادتها ، كانت متيقظة الحواس ؛ هيَ من تمحضُ الخمرة مقتاً صادقاً . رَنتْ إليّ بعينيها المخمليتين ، ثم ما عتمت أن إنقلبت بجسدها ، لتمسي عجيزتها الصلبة ، المُعجّزة ، بمتناول رغبتي الجائعة . بثقل ساحق لنزوةٍ منفعلة ، طارئة ، إنحنيتُ فوقَ الظهر البهيّ ، المثير . فما كانَ من فتاتي ، المُستسلمة ، إلا إطلاق آهة شبقة ، مُفتتحة إنتفاض جسدها . مع خمود شهوتي ، سريعاً ، إنتهضتُ مرتبكاً إلى الحمّام . كانت ملتحفة البطانية ، حينما عدتُ ، فيما رأسها ملقىً بين ركبتيها . من بعد ، لا أدري ما إذا تسنى لي الإغفاء لبرهةٍ ما . فها هيَ ترنيمة مهمهمة ، ترافقُ جذوة العينين ، المُنيرة العتمة السائدة : " جلى الربّ عن أمَته غيابَة الذلّ ، وإذا راكبها سائسُ خيل ، وشانئها قرادة ذيل " . برودة الرهبة ، إنسلتْ إلى أعضائي المحرورة ، موقظة ً رأسي وأسئلتي سواءً بسواء :
ـ " أيّ أمَة ، هذه ؟ "
ـ " أوَ تدرونَ ما هيَ ، نارٌ حاميَة "
ـ " والربّ ، أهوَ من آل عمران ؟ "
ـ " هوَ من ذرية إبراهيم ، المُختلي ببنات كنعان "
ـ " أهوَ السابعُ ؛ إنتظارُ " مريم " أخت " زين " ذاكَ ؟ "
ـ " أجل . ولكن سيكون المُبَشّرُ به هوَ إبنُ " مريم " ؛ أختكَ "
ـ " عمّن تتحدّثين .. ؟؟ "
ـ " ماتت وهيَ حاملٌ ، فشقّ بطنها عن الوليد الذي لم تلده إمرأة " .

***
" شيريْ " ، صارتْ الآن فتاة ناضجة ، جميلة ، بسنوات عمرها المقاربة الرابعة عشر . رسائلها المطوّلة ، الطريفة ، كانت تصلني حينما كنتُ طالباً في عاصمة القياصرة ، العتيدة . إنها ما فتأتْ سلوة جدّتها . بل وتضافرَت صلتهما ، الحميمة ، بعدما غادرتْ " صافيَة " وإبنتها إلى لبنان للإقامة هناك نهائياً . لا غروَ إذاً أن تكون إبنة أختي ، في الصباح الذي تلى عودتي من الساحل ، على قلق بيّن ، مُقيم ، فيما هيَ تبثني خبرَ إختفاء الأمّ : " لا أثرَ أيضاً للحافها ووسادتها " . لم أحتج ، في واقع الحال ، سوى لبرهة هيّنة من التفكير . هكذا قمتُ من فوري متوجّهاً نحوَ البيت الكبير . ثمة ، وجدتُ والدتي ، كما سبق وتوقعتُ ، مضطجعة على سرير زواجها ، الأول ، المُتخلّف في غرفة المرحوم " قادريكيْ " . ما قدّر لها أن تشعرَ بدخولي الحجرة ، أو جلوسي من ثمّ بالقرب من رقادها ؛ مما أوحى بنومةٍ متأخرة ، مُفعمة بأشباح الدار وأطيافها . شملتُ المكان ، المهجور دهراً ، بنظرةٍ عابرة ، سريعة ، لحظة سَرَتْ فيّ قشعريرة وغثيان ، مبعثهما رائحة غريبة ، كريهة ، لا بدّ أنها صادرة عن فئران نافقة ، مُتناثرة بين الأثاث الأنتيكيّ ، الكئيب . إذ نبهتُ أمّي برفق ، فإنها تناهضتْ منزعجة ً . ثمّ ما لبثتْ أن عادت لتلقي رأسها على الوسادة ، مطمئنة على ما يبدو لحضوري : " دعوني أرتاح ، ولو لساعة واحدة يا ربّي " . ولكنني بالرغم من تذمّرها لم أدَعَها تعود لرقادها :
ـ " قد تأتي " شيري " ، بين لحظة واخرى "
ـ " لتذهب أنتَ إليها ، فلا ينبغي لها أن تراني هنا "
ـ " وماذا لو رآكِ الجيرانُ ، إذاً ؟ "
ـ " هذا بيتي ، ولا شأن لهم بي "
ـ " هل نسيتِ ما كانوا يشيعونه من أقاويل ، في حياة " عايدة " ، المرحومة ؟ " . أحنقها ما قلته . إلا أنها أطاعت إلحاحي ، أخيراً . في طريقها ، خارجاً ، لم تتنبّه لأحد الفروع الوطيئة للتينة ، فإصطدم رأسها به بعنف . ترنحتْ وهيَ تتأوّه ، فسندتها من خاصرتها . خيط رفيع ، قان ، إنزلق رويداً من خدش بسيطٍ في جبهتها . تهالكت المسكينة على مقعدٍ خشبيّ ، مهمل ، ثمّ راحت تعرض أمامي المنديل الملوّث بالنجيع : " كلّ دم أهرقته سلالتنا ، سببه تلك التمائم اللعينة ، المسحورة .. " .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَذراء والبرج 3
- العَذراء والبرج 2
- العَذراء والبرج *
- الطلسَم السابع 6
- محمود درويش ، الآخر
- الطلسَم السابع 5
- الطلسَم السابع 4
- زمن السّراب ، للشاعر الكردي هندرين
- الطلسَم السابع 3
- الطلسَم السابع 2
- دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
- الطلسَم السابع *
- أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
- أسمهان : أيقونة وأسطورة
- حَواريّو الحارَة 6
- النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
- حَواريّو الحارَة 5
- حَواريّو الحارَة 4
- حَواريّو الحارَة 3
- حَواريّو الحارَة 2


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - العَذراء والبرج 4