|
من قتل كامل شياع ؟
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 09:59
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
لكل جريمة فاعل ، ولكل جريمة سبب ، ولابد من تقليب الأوراق التي تخص قضية أستشهاد الباحث والكاتب كامل شياع بشكل موضوعي ودقيق ، فالقتلة لم يكن بينهم وبين الشهيد خصومة شخصية ، ولاعداوات عشائرية ، والقتلة لم يكن يقصدون التعرض لأي كان وقتله تعبيرا عن أختلال الأمن وتحديهم للسلطة ، والقتلة لم يمارسوا جريمة القتل سرا أو تحت جنح الظلام أو بعيدا عن القصبات والأماكن المأهولة بالسكان . تمت الجريمة فوق أرض طريق محمد القاسم ( الخط السريع ) بالقرب من شارع فلسطين ، وهو من الشوارع المأهولة والذي يربط أهم شوارع العاصمة ، ولايخلو من مرور السيارات ، غير أن القتلة أستعملوا السلاح الجديد الذي دخل العراق حديثا ، فكاتم الصوت سوف يستعمل بكثرة في عمليات الأغتيالات الفردية . السيارات التي لاحقت سياة الشهيد لم تك أختارته بالصدفة ، فقد كانت ترقبه وتخطط الى اللحاق به ، وكانت بالتأكيد هناك أشارات من جهة تعرف حركة الشهيد ، وكان هناك تنسيق بين أكثر من جهة حول التصدي وأرتكاب الجريمة ، وهذه الجهات تعيش بيننا وتزعم أنها تمارس دورا سياسيا ، غير أنها تعرف غطست في وحول الجريمة وخسة الفعل ، وتلطخت بدماء العراقيين مع أنها شريك في اللعبة السياسية وتزعم أنها تقود العراق . وأختيار كامل شياع ليس دون معني مطلقا ، فقد كانت معانيه واضحة ، وعبر مقتله ليس خسارة للثقافة العراقية والكلمة الحرة الشجاعة ، إنما كان خسارة للحركة الوطنية في العراق ، فقد كان كامل شياع ابنا بارا ومخلصا للعراق ولمستقبله ، ولم يهادن ولم يستكن ، فقد وظف كل ما كان له من العمر في النضال ضد السلطات الغاشمة ، وتحمل المطاردة والأغتراب والعذابات ، مثلما تحمل شجاعة قراره فى العودة الى بغداد حاملا روحه فوق كفيه ، عارفا انه يمكن أن يضيء طريق العراق الجديد بدمه . وليس فقط لأن كامل شياع عضوا في المكتب المركزي في لجنة الأعلام للحزب الشيوعي العراقي ، وليس فقط لأنه أحد المسؤولين عن تحرير مجلة الثقافة لجديدة التي يعتز بها كل صاحب ضمير حي ووجدان وطني عراقي ، أنما كان كامل شياع صوتا معتدلا وداعية من دعاة وحدة المجتمع وتفعيل منظمات المجتمع المدني وترسيخ أسس النظام الفيدرالي الديمقراطي في العراق . وكان هذا الصوت مقترنا بما عرف عن الشهيد من خلق سامي ، وبما يحمله من فكر وضاء كان القتلة يرون فيه أشعاعا يبهر عيونهم ويعمي قلوبهم ويدحر افكارهم التي لاتتم قرآئتها الا في ظلام الكهوف وبعيون الخفافيش ، كانوا يريدون أن تندحر أفكاره وتخفت مطالباته بالمجتمع الذي يليق بالعراق ، وكانوا يريدون أن تموت الكلمة الطيبة وتندحر المحبة ليشيع الجدري والجذام فوق وجه العراق ، واستعملوا كاتم الصوت ليس بقصد أن يموت كامل شياع ، فلا أنسان يبقى مؤبدا في حياته ، ولكل أنسان أجله ، ولكنهم ارادوا أن تثقب رصاصاتهم أحرف الكلمات الجميلة فتشلها عن الحركة . وفي كل الأحوال يكون المجرم متجردا من عمقه الأنساني ، ففي لحظة الجريمة يتجرد الإنسان من أنسانيته ويتخلص من معانيه البشرية ، يتحول لحظتها الى وحش كاسر وخطير تتهيج غرائزه متعطشة للدم وأيذاء الآخر ، المجرم بهيمة من البهائم التي تسرح وتمرح تتبرقع بوجوه بشريه وتتحدث بلسان الناس ، غير أن هناك من يوظفها ويأمرها فتطيع دون أن تتعرف على الأسباب ، تقاد كما يقاد القطيع ، والأهم منها هي تلك الجهة التي تحرك هذه البهائم ، لن يكون كامل شياع الأخير في هذا الدرب ، والمتمعن في تدقيق شخوص الثقافة العراقية ، وفي وزارة الثقافة تحديدا ، فلم يكن الشهيد قاسم عبد الأمير عجام أول الشهداء ، ولن يكون الشهيد كامل شياع أخر الشهداء ، فلم تكن تلك العقليات توظف تلك البهائم تمدها بالمال والسلاح وكواتم الصوت والسيارات الا لأرتكاب مثل تلك الجرائم . ليس صعبا ومستحيلا معرفة القتلة ، وهذه المهمة التي ستتولاها الجهات التحقيقية والمخلصين من أبناء العراق ، وستكشف القتلة وربما تعرضهم علينا في الفضائيات ، غير أن الأهم أسماء من هم وراء القتلة ؟ من حرك هذه البهائم لتقتل وتشرب من دمائنا ؟ فقد شبعنا موتا وشبعنا تبريرا ووعود ، وربما كثرت ملفات الجرائم وتم اعدام العديد من القتلة ممن أدانتهم المحاكم القضائية بعد أن توفرت الأدلة كاملة وواضحة ، وبعد أن اكتسبت قرارات الأحكام الصادرة بحقهم الدرجة القطعية ، غير أن تلك القرارات ناقصة ومبتورة وربما تم بترها تتلخص في عدم كشف الأسماء التي دفعت القاتل ووفرت للقاتل وأمرت القاتل ، وتلك جريمتها الأخطر وستبقى . من هم قتلة كامل شياع الحقيقيين ؟ ومن هم وراء هذه الجريمة الواضحة وضوح شمس تموز في العراق . لم يقبل كامل شياع أن يبقى في مدينته الصغيرة والهادئة (( لويفن )) في بلجيكا ، ولم يتقبل أن يشرب قهوة الصباح في شقته وعلى انغام فيروز في التلفزيون ، ولا على متابعة ما يجري من بعيد من فضائيات تدخل البيوت دون استئذان ، ولم يقبل أن يبقى يتمشى مع ولده (( ألياس )) يوميا في حديقة المدينةا لعريقة والتمتع بأزهارها وأشجارها وبحيرتها الصغيرة ، فقد فظل ن يكون ضمن أهله في بغداد تحت شمسها اللافحة ، وغبارها الذي يعمي الأبصار ، ووسط جدران من الكونكريت تقبض النفس وتحز الروح ، فظل أن يشرب أستكان الشاي من باعته في ساحة النهضة أو العلاوي وان يتسامر مع رفاق دربه وهم يمسحون عرقهم من جباههم بأياديهم ، ولم تكن وظيفة المستشار أكبر منه ، فقد كبرت به بشهادة كل الذين عملوا معه أو تعرفوا اليه . من هم قتلة رموز العراق وشخصياته الوطنية ؟ ربما نكون بحاجة ماسة للتصارح والتكاشف وتشخيص لخلل ، ولايمكن إن تستقر الامور ونعيد للعراق بهاه ونقاءه أذا كان القتلة يسرحون ويمرحون ويقررون بيننا ، نحن بحاجة لكشف هذه الأسماء دون أن نضع للأعتبارات السياسية أو المذهبية حضورا في التهام ، نريد تشخيصا حياديا لوجه العراق يعين لنا الجهات التي تقتل رموز الثقافة والتنوير والفكر الوضاء والطيبين من ابناء شعبنا ، وخصوصا اولئك الذين يتسلحون بحماية شعب العراق ، وثقتهم عالية بستقبل العراق . نريد من الأحزاب العراقية الوطنية مراجعة ضميرية ووجدانية في تشخيص المجرم والخلل الموجود في مفاصل حياتنا ، ونحن نزعم إننا على أعتاب زمن ديمقراطي جديد ، زمن يتيح للعلماني واليساري واليميني والوسط والمعتدل والمستقل أن يكون جزء مهم من هذا العراق ، وأن لاجهة تهمش أخرى ولاحزب يقود الأحزاب ، ونريد من الحكومة بأعتبارها حكومة لكل العراقيين أن تسعى بجهد صادق لكشف الحقيقة خلال مدة قصيرة ، وأن توظف كل أجهزتها التنفيذية في سبيل أن تستثمر قضية مقتل الشهيد كامل شياع لكشف حقيقة الأغتيالات الجارية في العراق ، وتسمية القتلة بعد أن تم حجب تلك الأسماء خمسة سنوات سالت فيها دماء عراقية غزيرة ، وفقدنا فيها أرواح عراقية لن يكررهاا لزمن ، ولن يعوضها القادم من الأيام الا بصعوبة كبيرة ، خسارتنا كبيرة والأنسان اغلى من المال العام ، والمثقف العراقي ثروة لايمكن تعويضها ، والرموز العراقية نتيجة من نتائج المخاض والزمن العراقي المرير ، متحملين كل تجربته ومراراته ، ولايمكن تعويضهم أو ابدالهم بيسر . من قتل كامل شياع يريد أن يقتل الضوء في العراق ، ومن قتل كامل شياع يريد أن يحارب الأعتدال والمحبة والسلام ، ومن قتل كامل شياع يفكر في أخصاء شعب العراق ، ومن قتل كامل شياع يعتقد انه يقتل الكلمة الحرة . وكلنا نعرف انه واهم وساذج فالمحبة والكلمة الطيبة والموقف لايموت بالرصاص ، وسيبقى شعب العراق وقوافل المخلصين من أبناءه يرفعون شعار المحبة والتآخي المجتمع المدني فيئا فوق رأس العراق ، وسيصدون رصاص الكاتم من الصوت بأجسادهم فقوافل الشهداء لن تتوقف مادام ا لقتلة وأسيادهم يتسترون بأردية واغطية وأشكال نعرفها جميعا ، ولكننا بحاجة للجرأة لتشخيصها وتوجيه أصابع الأتهام لها ، ليكون القضاء العراقي الذي نثق به دائما هو الفيصل في أثبات الأتهامات والأحكام . كان كامل شياع يريد الحياة ويعرف انه هدف للقتلة ، وكانوا يريدون الموت ويعرفون أنهم يتلثمون وجوها وضمائر ، فهم ميتون ومشطوبين من العراق ، وهو باقي مابقي الإنسان والتأريخ في العراق . وما يحز في النفس أن تسجل كل تلك القضايا الأجرامية ضد المجهول ، وهو ليس مجهول ، ونعرف يقينا انه ليس مجهول ، وحين نقوم بتوجيه أصابع الأتهام ، وحين تشخص السلطات التحقيقية المتهمين القتلة وتقدمهم الى العدال وحين تقول العدالة كلمتها وقراراها ، حينها سترف فوقنا ليس فقط روح كامل شياع وقاسم عجام إنما أرواح كل شهداء العراق المغدورين ، حينها تتبدد لمخاوف من أن يستمر المجهول يتصدى لرموزنا ومثقفينا يقتل ويخطف ويهدد دون رادع ، حينها نطمئن حقا أن الأمن والقانون سيد الموقف . لامجهول في القضايا الأجرامية ، ولاقضية تغلق لعدم معرفة لجناة ، ولايمكن القبول بالتستر على القتلة والمحرضين والمخططين ، ولايمكن السكوت عن كل هذا حتى لايستقوي المجرم على القانون ، ولا عدو الشعب العراقي على أبناء العراق المجاهدين ، وحتى لاتستمر لعبة القتلة ونمنحهم فرصة أخرى لأغتيال عدد أخر من أبناء العراق ، علينا أن نطالب الدولة بكشف أسماء القتلة وفضح اسيادهم والجهات التي يتسترون بها ، وهي مهمة وطنية لاتقل أهمية من المصالحة الوطنية ومن سيادة القانون والأمن في العراق . ومع أن رحيل كامل شياع المبكر يشكل خسارة كبيرة لاتعوض للعراق ، الا انه كان يعرف حقا أنه راحل مع الخالدين .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المطالبة بالكشف عن مصير الدكتور أحمد الموسوي
-
الطاقات العراقية الوطنية .. البروفسور كاظم حبيب أنموذجا
-
الأطار الديمقراطي لقوانين ثورة 14 تموز 1958
-
الحكم الذاتي أو الأدارة المحلية للكلدان الآشوريين السريان
-
ملف الكورد الفيليين .. الى متى ؟
-
وداعا وداعا .. كامل العامري
-
حق الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة سياسة الأنكار من وجهة ن
...
-
ناجي عقراوي .. باقيا في القلب دوما
-
مكافحة إرهاب الأنترنيت
-
البصرة التي كانت ثغر العراق الباسم
-
الحصانة البرلمانية
-
وردة نابتة في طين الحلة نضعها فوق قبر الشهيد قاسم عجام
-
السيد وزير الداخلية .. المندائيون بحاجة الى موقف عراقي وطني
-
صافية مثل قلب صافيناز كاظم
-
شركة بلاك ووتر تستمر بالعمل رغم أنف القانون العراقي
-
استشهاد الشيخ طالب السهيل في الذاكرة 12/4/1994
-
ما يصيب القلب يضر بالجسد
-
يرحل الكبار وتبقى الجذور ثابتة مثل جذور النخيل
-
الفتنة الطائفية من يوقظها ؟ من يخمدها ؟
-
كلمة قصيرة الى خاطفي المطران بولص فرج رحو
المزيد.....
-
طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز
...
-
اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك
...
-
كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع
...
-
ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر
...
-
في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة
...
-
تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
-
-الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
-
تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص
...
-
جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل
...
-
كيف اتفق صقور اليسار واليمين الأميركي على رفض دعم إسرائيل؟
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|