|
العَذراء والبرج 3
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 09:21
المحور:
الادب والفن
من مدوّنة مجهول " ريموند " ، الملك الغاليّ ، كان قد آبَ لبلده ، الأصليّ ، بعدما أمضى في أسر المسلمين فترة غير طويلة . في طريق العودة ، مرّ على " آفينون " ، مقرّ الكنيسة ، العظمى . ثمة ، تسلّم من البابا صليب الأرض المقدّسة ؛ وهيَ بدعة جديدة ، ستنعتُ في عصر آخر بـ " الوسام " . سلفُ البابا هذا ، كان قد توقف قلبه ، حينما جاءه خبر دخول الملك المسلم إلى " أورشليم " . قيل في حينه ، أنّ ملاكاً من لدن السماء ، هوَ من تعهّد إخبار الحبر الأعظم بالفاجعة تلك ، العظمى ؛ فلا غروَ إذاً أن يُرفع الرجل إلى مرتبة القديسين : الحقيقة ، أنهم لم يُنزلوه من مراتب القداسة هذه ، حتى لما أضحى معروفاً أنّ نظام المراسلة بوساطة الحمام الزاجل ، كان مُستخدماً في البريد البابويّ .
ملكنا الغاليّ ، كان قد علم قبل غيره بالحقيقة تلك ، آنفة الذكر . كيف لا ، وهوَ الوحيد بين الحكام الفرنجة ، المستوطنين في المشرق ، من إختار تمضية أوقات فراغه بتعلم لغة البلاد الغريبة ، حدّ إتقانها . بينما أنداده ، من حكام الأقاليم المجاورة ، شاؤوا صرف طاقة ضجرهم بنصب الكمائن لنساء البريّة والتسلي بإغتصابهنّ ومن ثمّ ذبحهنّ ، كيلا يُنجبن للكفار أولاداً تجري في عروقهم الدماء الزرقاء . وإذاً ، ففي عودته إلى بلاد " الغال " ، التي إفتقدها دهراً ، حملَ " ريموند " ثروة من الكتب العربية ، ومعظمها من وضع صوفيين ومعتزلة . في سبيل كنزه هذا ، كما قيل وقتئذٍ ، آثرَ الملكُ تركَ شؤون الحكم لأقربائه . ثمّ تحجج بوفاة زوجته ، بمرض الطاعون ، لكي يعتزل في جناحه الخاص في القلعة وينقطع أبداً عن العالم .
وكان أن طعن " ريموند " بالوباء نفسه ، ولحق برفيقة عمره . أوراقه الأثيرة ، التي أهملتْ تماماً من قبل الورثة ، الجشعين ، قدّر لها فيما بعد يدٌ أمينة تلملمها وتنفض الغبار عن حروفها ، المذهّبة . السليلُ الأمين ، المُتعهّد ذلك الإرث ، العلميّ ، كان قد عثرَ بين كتب المرحوم على مخطوطٍ إسماعيليّ ، نادر ، يُدعى " أمّ الكتاب " ، قد أتخمَتْ حواشيه بالملاحظات المسجّلة بالعربية واللاتينية . وما لم يكن يعلمه ذاك السليل ، أنه بإهدائه المخطوط لجلالة الملك ، شخصياً ، إنما يكون قد حفظ أولى محاولات تحقيق الكتب الإسلامية ، التي عرفها الغربُ . يبدو أنّ وسم المخطوط بـ " أمّ الكتاب " ، إنما بسبب كونه مصحفاً ، مقدّساً ، عند قرامطة البحرين ، والذين إستلهموا تعاليمه لتنظيم مجتمعهم هناك . عن طريق هذا المخطوط ، يؤكدُ السليل بدوره ، وَصَلتنا " رسائل الصفا " ، التي كانت قد فقدتْ إثرَ الغزوة المغولية ، المدمّرة ، التي تعرضت لها حاضرة الخلافة العباسية . ويبدو من حاشية الملك الغاليّ ، أنه في وحدة لياليه الطويلة ، المُضجرة نوعاً ، كان يترنمُ بمقاطع من نشيد الحرية هذا ، خصوصاً تلك الجملة البليغة ، التي توله بها : " وينبغي لأخواننا أن لا يعادوا علماً من العلوم ولا أن يهجوا كتاباً من الكتب ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب ، لأنّ رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم جميعها " .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العَذراء والبرج 2
-
العَذراء والبرج *
-
الطلسَم السابع 6
-
محمود درويش ، الآخر
-
الطلسَم السابع 5
-
الطلسَم السابع 4
-
زمن السّراب ، للشاعر الكردي هندرين
-
الطلسَم السابع 3
-
الطلسَم السابع 2
-
دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
-
الطلسَم السابع *
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة
-
حَواريّو الحارَة 6
-
النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
-
حَواريّو الحارَة 5
-
حَواريّو الحارَة 4
-
حَواريّو الحارَة 3
-
حَواريّو الحارَة 2
-
النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى
المزيد.....
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|