أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى نطور - مصطفى نطور يخلخل الرواية الجزائرية















المزيد.....

مصطفى نطور يخلخل الرواية الجزائرية


مصطفى نطور

الحوار المتمدن-العدد: 2384 - 2008 / 8 / 25 - 07:32
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


"عام الحبل" تعلن ميلاد روائي كبير

انتظر مصطفى نطور طويلا ليلقي بروايته الأولى. وكان على حق. هو والانتظار كانا على حق "عام الحبل" ليست مجرد رواية صدرت كما تصدر نصوص أخرى تحت تسمية رواية دون أن تلفت الانتباه. ولكنها، بلا ريب، واحدة من أهم الراويات التي عرفها الأدب الجزائري. وفيها ينجح مصطفى نطور، ليس في كتابة رواية رائعة، فحسب .ولكن في خلخلة المعمار الروائي الجزائري.
سليم بوفنداسة
في هذا النص يحقق الكاتب المعادلة المستحيلة في المتن الأدبي الجزائري، يكتب نصا جزائريا، يحفر في عمق الذات والمجتمع بحرفية اركيولوجي دون أن يفرط في الشرط الفني، فيحقق الامتناع الذي هو غاية كل فن ويمرر أكثر من رسالة، أو بالأحرى يقدم روايته الشخصية للكيان الجزائري عبر نشيد عذب وشعرية متوحشة تؤرخ للقبائل الحضراء وعلاقتها بأقرب حاضرة هي مدينة صخرية يتولى أمرها البايات وليست الرحلة التي يقترحها الروائي هنا سوى بحث انتربولوجي في طبائع الاستبداد التي تحكم هذه الأمصار وما يحيط بها من خنوع وذل وغدر وتقلب الأمزجة.
ينفتح المشهد على رواية يتولى سرد الحكايات في الحارات وينغلق المشهد عليه أيضا لكن في وضعيتين مختلفتين ستنمو بينهما أكثر من حكاية وستنضج بينهما المأساة الضرورية. في المشهد الأول سيجد" بوقرة" عنوانا للحكاية التي تأكله، الحكاية التي صرف شهروا في البحث عن عنوان مناسب لها حتى أنه قرر أن يتركها، هكذا، بلا عنوان بعد أن تأبت التسميات واستعصت، فإذا بالعنوان يباغته وهو في سكرة الطبيعة، يباغته كلذة غامضة، لذة الخلق ودسائسه العجماء.
راوي الحكايات الذي فاجأه "العنوان" وهو يسند ظهره إلى شجرة الدردار سيحاول التخلي عن البندير والحكاية وحرارة القلب. وزف "البشرى" إلى زوجته:
- حليمة، سأخرج الليلة للصيد
وستحتفل حليمة "برجولة "بوقرة" المتأخرة هي التي تقول أن "البندير ما يوكل الخبز". وتقيم لذلك طقوس الفرح وتطير بالخبر إلى نساء حارة الحواتين وكأنها صدقت أن زوجها تخلى عن حرفة الحكايات وارتقى إلى مصاف الرجال العاديين لا تؤرقهم حكاية.
لكن رغبة الزوجة ستظل مجرد رغبتها هي في الانخراط، أما هو فإن أجمل ما يحدث له هو النقر على البندير وفتح صنابير الكلام لتتدفق الحكايات.
"عام الحبل" هو العنوان فاجأه. أما البحر فقد خلق لرجال آخرين يذهبون إليه بعيون مغمضة ويعودون بغلة لشيخ الصيادين، الذي يمن بلقب صياد على من شاء من سكان البلدة.
"عام الحبل" هي الحكاية القادمة التي سيطلقها بوقرة الذي قرر في لحظة الإشراق تلك أن يتخلى عن حكايات سيدنا علي ورأس الغول ولونجة ابنة السلطان، وخاتم سليمان وجمال بنات النعمان.
الحكاية القادمة لم يحكها قبله إنسي ولا جان إنها بدعته هو وصنيعه الذي سيدفع ثمنه بكل طمأنينة في نهاية الأمر كله. هو الذي لا يعرف يجيب عن سؤال: ما معنى عام الحبل؟ " الحكاية اللعينة المتحلزنة الصاخبة المزلزلة" رغم أنه تمرن عليها عدة شهور، حتى سأله طفل عن معنى الحكاية. لم يفكر في المعنى لأن الحكاية أنجزت نفسها بنفسها ولأنه أراد أن يرويها هكذا، تماما كصديقنا الروائي الذي أختار كرم الرمز ليسرج علينا هذه المحلمة الفريدة، واختار أن يسقط حكايات الراهن على شاشة الماضي كي يتفادى سؤال الطفل: ما معنى عام الحبل؟ لأنه يعرف أن من يلعب بالحبال ينتهي مشنوقا بها، ولأنه يعرف أن الحبل ذاته يمتد من عام الحبل إلى أعوامنا السعيدة.
أكثر من رواية تروى عن الحبل. العام الذي أصابت فيه الجائحة البلاد والعباد، واصفرت فيه الأرض و الوجوه ونهش الأجساد وسارت فيه الأوبئة في الأزقة وأصبحت قبائل الحضراء أمام خيار الهجرة إلى المدينة الصخرية، لكن المشايخ التي اجتمعت للبت في الأمر قررت إرسال وفد للباي "يخبره بأحوال البلاد والعباد لعل الله يرقق قلبه ويحننه، فيساعدهم ببعض خيراته الفائضة التي صارت ترمي في المزابل... اختاروا من كل قبيلة شيخا يحسن الكلام ويعرف كيف يقف أمام الحكام، يصور الأحوال ويشرح الأوضاع القاسية دون يوجع قلوب البايات" الحاجة الكافرة، يقول الرواية، جعلتهم يتخلون عن الأنفة ويفوضون شيوخهم لطلب المعنونة من الباي لأن "الجوع علمهم السقاطة.."وصل الشيوخ إلى القصر وهنا تتضارب الحكايات التي يرويها بوقرة: رواية تقول أنهم حين دخلوا على الباي يبست ألسنتهم، رغم أن الباي شجعهم على الكلام عدة مرات وأكرمهم بأصناف المشروبات والمأكولات، لكن ألسنتهم ظلت متخشبة حتى ارتاب الباي في أمرهم وحسبهم جواسيس ابن الأحرش المتحرش أبدا بالقصر، فأمر بتقييد أيدهم وأرجلهم بالحبال وحبسهم حتى غشيهم الذهول وصاروا كالبلهاء بكم لا ينطقون. ورواية تقول أن الباي استقبلهم عند مدخل المدينة وأقام لهم وليمة فاخرة وأخذتهم الملاهي وانزلقوا إلى المعصية مجاراة للباي الذي حين سألهم في رقة عن حاجتهم أخبروه بأن سكان القبائل الحضراء يتقلبون في نعيم الخلافة العثمانية ولا يرجون سوى رضاه ورضوان الداي وقد قدموا لتجديد الولاء. فأذهلته المفاجأة من موقف قبائل موصوفين بالخشونة والغدر وتقلب الأمزجة والجبن والقوادة. وتقول رواية ثالثة أن رسل القبائل دخلوا على الباي بلباسهم المبهدل وأرجلهم الحافية ووجوههم المصفرة. فرثى لحالهم وأمر لهم بعطايا غلبتهم نفوسهم الأمارة فتقاتلوا بشأنها ولم يبق منهم سوى ثالثة شيوخ استفردوا بالعطايا ومضوا في اتجاه مجهول وحين بلغ أمرهم مسامع الأهالي ساروا جماعة في اتجاه المدينة الصخرية "قافلة طويلة خرساء" النازحون خنقوا الشوارع والطرقات وبلغ بهم الأمر إلى حد شتم الباي الغائب في رحلة صيد.
فأحتار "مولى البلاد" في كيفية التصرف مع القادمين، حتى أشار عليه ربي اليهود بإيوائهم في الكهوف الصخرية، وهو ما كان فعلا غير أن النازحون عادوا إلى الانتشار في الشوارع، فأشار الربي على مولى البلاد بتقييدهم بحبل خلال استضافتهم بالكهوف وبالطبع فان الضيافة ستطول وسيصبح مطلب العودة هو المطل الوحيد للقادمين وحين تم إطلاق سراحهم واقتيادهم نجح بعضهم في مغافلة العساكر والاختباء في الأحراش والبقاء على تخوم المدينة. منذ ذلك الوقت أصبح "البلدية" يصفون كل وافد بغرض الشغل بقولهم: هذا من عام الحبل. بوقرة سيمعن في سرد "تاريخ الحبل" وفضائله منذ اهتدى إليه صياد بقر الوحش، وفق الحكاية التي يرويها لابنته مربوحة التي تؤمن بحكاياته وتقول أن الحكايات لا تكون حكايات إلا إذا جرت على لسانه. ولمربوحة تاريخ سري أيضا تحفظه البلدة، فالرجل الذي يخترع الخرافات لم ينجح في اختراع الأطفال حتى عثر على مربوحة على شاطئ البحر وقد تضاربت الروايات أيضا حول مربوحة: وهناك من يجزم بأن نسرا ضخما ألقى بها هناك... وسواء أكانت من وضع النسر أو قذف بها البحر أو حملت إلى هناك، فهي في نظر سكان البلدة مغلفة في الحرام، حتى في عرف الذين جرى اشتهاؤها في نفوسهم. ويتساءل الحكاء هل أن مربوحة هبة من هبات البحر أم أنها خطيئة بشرية ولعنة أرسلها الله لتلتف حول رقبته كحبل.
الرواية التي تستحضر حكايات الحبل تجري في زمنها الراهن أيضا في تلك البلدة التي تشبه القل تمارس فيها. سلطة "بالشكل أياه، عبر الحلف الشيطاني بين الحاكم و الإمام وكبار التجار، ومن الطبيعي أن تزعج القائمين على الشأن العام حكاية" عام الحبل" التي يلقيها بوقرة في حلقاته وتعتبر "تحريضا".
وفي حكايته الأخيرة سيتحول بوقرة إلى حكاية حين ينفض الجمع من حوله ويلتحق حوله ثمانية عساكر تظهر عليها إمارات العافية والصحة وحسن العناية ليقيدوا يديه بحبل ورجليه بحبل آخر.."شدوا الحبلين في سروج الأحصنة، أربعة متجهة إلى البحر وأربعة متجهة إلى المدينة، ركب العساكر وهمزوا الأحصنة بكعاب أرجلهم، فانطلقت في الاتجاهين المتعاكسين تجر كل مجموعة نصف جسد ممزق ودمه يرش أطراف ساحة البلدة المحاصرة بالنباتات العتيقة المتساندة المتأهبة للانزلاق في تعانق متداخل، مما يعطي ذلك الالتفاف تقابلا متسقا بين الهضبة والجبل النازلين نحو زرقة البحر الذي تزيت في ذلك اليوم بعد ثلاثة أسابيع من الهيجان".
هكذا تدخل المقتلة في ديكور عام في خاتمة الإنشاء البديع الذي صاغه الكاتب مصطفى نطور في تسع لوحات تتقاسم الملحمة، إنشاء عز نظيره في الرواية الجزائرية وكأن رواية الجزائر لا تكتب إلا الآن، ولا تضاهي هنا "عام الحبل" سوى نجمة كاتب ياسين من حيث الموضوعة غير أن رواية نطور تقدم الأجوبة السرية للإشكالات الراهنة من المنظور السوسيولوجي مع الحفاظ الصارم على فنية الرواية. وفق هذا وذالك تصوغ الجزائر فنيا بلا خجل بلا تمشرق وبلا تغرب، وهذا بكل تأكيد ما كان ينقص الروايـة الجزائرية قبل "عام الحبل".
مصطفى نطور الذي عرفناه قاصا منذ ثلاثة عقود لا يوقع بهذه الرواية ميلاده الروائي ولكنه يضع علامة فارقة في تاريخ الرواية الجزائرية.
مالحبل؟
يأبى الراوي أن يحيلنا إلى الحبل لكنه يومئ بذكاء إليه ويقول دونما إفصاح إنه يمتد من عام الحبل إلى أزمنتنا السعيدة!
سننتظر بكل تأكيد روائع أخرى من هذا المد الكبير.
إحالة:
رواية عام الحبل صدرت مؤخرا عن منشورات الجزائر عاصمة الثقافة العربية.




#مصطفى_نطور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى نطور - مصطفى نطور يخلخل الرواية الجزائرية