أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين جمو - قصة سقوط















المزيد.....

قصة سقوط


حسين جمو

الحوار المتمدن-العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24 - 06:30
المحور: الادب والفن
    


قطع عمله مساءاً , ووضع بضعة أوراق متناثرة على طاولته في الدرج , أسند ظهره على الكرسي وأغمض عينيه ,قلّما يتذكر على مدار اليوم أن للكرسي مسنداً ليريح الجالس عليه ظهره . تذكّر في مشهد خاطف الساعات الطويلة التي كان يجلسها على الكرسي البلاستيكي في بلده عندما كان عاطلاً عن العمل , يومها بحث طويلاً عن فتاة ما يتسمر معها على الطاولة وليس أبعد من ذلك. في القرية كان ينتظر فترة الغروب ليستمع إلى مقطوعة "صرخة العذراء" ل"فقي تيرا" الذي يعني اسمه بالعربية "فقيه الطيور" , ثم يشارك في واجب تناول العشاء المقدس مع العائلة ودون ذلك سيكون ارتكب خطأ كبيراً بحقهم.في قريته , يمكن أن تغيب طوال اليوم لكن ان تحضر الوجبات اليومية الثلاث فتكون حاضراً , أما إذا تناولت وجبة في الخارج في نصف ساعة غبت فيها عن المنزل , فأنت تعتبر غائباً طوال اليوم.

فتح عينيه على الاستنزاف الفكري الذي يسببه له العمل كصحفي يقضي كل وقته في الشارع ليستجدي من يدلي له برأيه حول موضوعات مبتذلة , ويتفنن الكثير من الهامشيين والتافهين في رفض الإدلاء برأيهم بطريقة غير مهذبة.
تذكر فجأة أن لديه دعوة تلقاها بمناسبة صدور جريدة أسبوعية جديدة .
- لم لا ؟ سأذهب وسيكون لدي ما أفعله
لا شيء يهمه من الحفلة التي لا شيء فيها سوى القشور البرجوازية التي يكرهها لكنه في نفس الوقت لا يمانع أن يكون حاضراً , فكل شيء بالمجان وليستمتع بمشاهدة الشيء الوحيد الذي يعجبه في البرجوازية , أي نساءهم. فاستقل سيارة أجرة ونزل قبل الوصول إلى مكان الحفل كيل لا يراه احد قادماً بسيارة أجرة مهترئة , وسار إلى القاعة الكبيرة.
وقعت عيناه على فتاتين يغطي القماش مساحة لا بأس بها من جسدهما , واحدة سمراء مثيرة ,ذو شفاه عريضة وعينين خضراوين من إنتاج العدسات اللاصقة, وحوض عريض ومشدود من الخلف بحيث تبدو كنصف الكرة الأرضية بفضل ما تسميه الفتيات "المشدّة". أما الأخرى شقراء , ذو شفاه رقيقة وصغيرة , وقامة رفيعة جداً بحيث لا تظهر عليها أي تضاريس حقيقية , لكنها موهت ذلك بارتدائها لباساً فضفاضاً عند مناطق التضاريس الجسدية . السمراء صدرها منتفخ جداً والذي لا يرحم لدرجة يخاف المرء أن تنفجر في وجهه , والشقراء شعرها الطويل يؤدي وظيفة تمويه لنمش كثيفة (شامات) أسفل رقبتها وعلى ما ظهر من جسدها.
- كم أنا تافه , ماذا لو كان أحد الرفاق الثوريين يراقبني ؟ هل سأقول ... أووو , كالعادة... سأتحجج بأني أفعل ذلك كي أبعد أنظار المخابرات عني , سيعتبرونني ساذجاً ولا أفهم بالسياسة !!. هه , سأعتبر نفسي في مهمة حزبية وكل شيء مباح لتنفيذ المهمة .

- ترى من أين هما ؟

خاطب نفسه وعثر على الجواب من طريقة المشي الاستعراضي والملابس المثيرة في هذه البلاد الغنية بالاحتشام الشكلي. عندما تكون هناك فتاة من لبنان فيجب على المرء أولاً أن يعرف إلى أي طائفة تنتمي كي لا يسقط المرء في مطب المواقف السياسية التي هي آخر ما يحتاجه في هذا المكان , وبسبب طغيان الطبيعة المدنية على لبنان , فليس من السهل تمييز فتاة من أخرى من لباسها كما هو الحال في أمكنة أخرى, لذا لا مفر من الادعاء بأنه لا ينتمي ولا يؤيد أي طائفة , وفقط يؤمن بالإنسانية , خاصة عندما تكون الإنسانية الطريقة المثلى لاختراق ليس فقط الجدران الطائفية بل إلى قلوب الجميلات أيضاً.
- كيف يمكنني مكالمتهما بطريقة تبدو وكأنها صدفة وليست نتاجا لخطة محكمة؟.
بدأ يخرج من القاعة إلى طاولة العشاء المفتوحة كلما خرجت الفتاتان لكن دون أن يأكل , يتنقل بين آنية الأكل هنا وهناك , يبقى صحنه فارغا ,لا يريد طعاما , وإنما يريد أن يطبخ ما في ذهنه.
لم تفلح محاولاته الكثيرة , لكن الفتاتين تتقصدان إثارته.
- إذا لماذ تمران من جانبي بكثرة ؟
لا مفر من الاستسلام , لكن دون إعلان الهزيمة ,بالتأكيد ما يجري ليس أسوأ من نكسة 67 ورغم ذلك لم تكن 67 هزيمة!!.
جلس على طاولته يراقب فقط بلمحة من عينه التي دائما تصيب نقطة جمال معينة على أجساد النساء المثيرات والمثقلات بالبرجوازية.
مرت الفتاتان بجانب طاولته , وتذكر صديقه الذي طبق حكمة "أكتر من قرد الله ما مسخ" وأصبح بفضلها مليونيراً , فغمز بعينه لواحدة وابتسم للأخرى ابتسامة .
أي فتاة لا تعير انتباها كبيرا لمن يحدق في جسدها كما يفعل جنود فرقة المشاة عندما تطأ أقدامهم منطقة مدنية, وإنما يتعلق ذهنها لمن يتأمل (يتأمل ولا ينظر) في عينيها.
مرت الفتاتان وعادتا واقفتين بجانب طاولته , فهيأ نفسه لساعة الحسم, فهذا النوع من الفتيات يأتين بعد أن يمل المرء من محاولاته في جذبهن , رغم انه يعتبر هذه القاعدة المتداولة شبابياً تبعث على القرف والتقيؤ , لكن كيف سيفسر الموقف بغير ذلك ؟
قالت الشقراء الصغيرة :
-عندك ولاعة؟

أخرج الشاب بكل هدوء ولاعته وأشعل لها السيجارة , ودعاهما للجلوس.

الشاب : أنا أريد أن أبني تمثالا لهذه الولاعة !!!
فقالت السمراء بلهجة لبنانية شديدة المحلية :
- ليش؟
- الشاب : لأن رؤساءنا ليسوا أكثر قيمة من ولاعتي , هذا أولاً , أما ثانياً ,لأنها حققت لي ما فشلت فيه.
فحركت رأسها من الكلام الذي ربما نال إعجابها.
فقال لنفسه: " الآن بدأ العمل" .
كل حركة لها ثمنها , بدءاً من طريقة إشعال السيجارة مروراً بطريقة نفخ الدخان وانتهاءاً بإطفائها , كل هذه الأمور يمكن لها أن تلعب دور مؤثرات إما إيجابية أو سلبية .
- ما اسمك؟
قالت السمراء : تينا , من جنوب لبنان
فهزّ الشاب رأسه وعلى لسانه سؤال يوشك على الإفلات , هل هي شيعية أم مسيحية أم درزية. لكن تينا السمراء خدمته في ذلك وأردفت :شيعية.
وأردفت الشقراء الناعمة : ماريا (مسيحية بدون شك)
في غمرة الحديث حول من أين الشاب وماذا يعمل , خرجت تينا للتحدث على الهاتف , فبقي الشاب مع ماريا , وليستغل فرصة خروج الأخرى , بادرها بقوله :
- أنت جميلة جدا وطاغية على الحضور , أنا لا أجامل , وإن اعتبرتني قليل الأدب فهذا حقك , لكني مخلص لما أشعر به كإخلاصي لمبادئي اليسارية.
أجابت , وهي تحدق في عيني الشاب لدرجة انه شعر بالخجل عندما ظنّ للوهلة الأولى أن هذه الفتاة تتميز ببراءة الأطفال:
- شكرا
تمتم لنفسه: إييييه .... سبع سنوات وأنا أنتظر أن تبادر فتاة أو امرأة في إغوائي منذ سماعي ذلك من صديق لي اقتنعت بأنه كاذب في كل شيء إلا هذه النقطة.
جاءت تينا وجلست على مقربة من الشاب ولفت قدميها على بعض , وبالتالي لا مشكلة من التحديق في ساقها العاري حتى ما قبل بطنها.
بعد حوالي نصف ساعة من الحديث الفارغ من أي مضمون , دعاهما الشاب إلى البار الكائن في الفندق نفسه , لكن تينا قالت أنها تشعر بالنعاس وترغب في ان تمدد جسدها على شيء .!!
- اقتربت من تحقيق الهدف , آه .. أصبحت في متناول اليد , قال لنفسه.
فكر بمشكلة يحسب لها ألف حساب , لكنه أزاحها عنوة ,.وينبغي عليه أن يلتف على الموضوع بوقار وكبرياء. وبما أن المشهد ما زال في الفندق , فلا يوجد ما يهدد كشف زيف انتمائه إلى المجتمع الراقي الذي يبدو عليه ليس فقط من خلال الملابس وحذاء جلدي يلمع بحيث تعكس صور المئات من الناس يومياً من الذين يمرون بقربه , إضافة إلى وجهه الذي لا يفارق حذاءه إلا عندما يلفها تحت الطاولة, فهذه أمور أي فقير يمكن أن يقتنيها , وإنما من طريقة التعامل وهو في هذه الملابس ... ما تزال الاشتراكية متخفية في عقر دار البرجوازية.
خرج ثلاثتهم ليغادروا دون أن يقرروا إلى أين , فبادرهم الشاب وهو يحاول جعلهما تشربان شيئا ليسهل الإغواء أو حتى ليسهل تدفق الكلام لتبادر الفتاتان بذلك , من يدري ,,ربما:
- لماذا لا نذهب إلى الشيراتون , هناك بار جيد هناك.
فردت تينا : لا أنا أشعر بالنعاس , وأريد أن أرتاح في سيارتك قليلاً !!
تذكر وهو يلعق مرارة الخجل والخيبة والفشل , عندما طردته فتاة من غرفتها قبل البدء برسم أشكاله على جسدها الذي كان يشبه القطن , وذلك لظن الفتاة أن الإنسانية والتواضع واحترامه للمرأة وتسويقه لمفهوم محاربة من يرون في المرأة فقط جسداً يعني لها أنه ضد الرجل في كل شيء حتى على السرير !!.
هنا انتهى كل شيء كالعادة, فضاعت فرصته هذه المرة ككل مرة و التي إذا ما تحققت بهذا الشكل سيقول:
لقد انتقمت للفقراء .
تمتم لنفسه: أي برجوازي يمكنه الادعاء أنه من الطبقة الفقيرة وينجح في ذلك خلاف الاشتراكي .لماذا يفشل دائماً أن يكون غير اشتراكي ؟.

فتابع طريقه وهو يسأل نفسه : لماذا لا أجد فتاة اشتراكية ؟, على الأقل لن تستطيع معارضتي عندما أطالبها أن تشترك معي في دفع أجار المنزل.
وضع الشاب سترته على يده , وتابع طريقه إلى غرفته التي استأجرها مع ثلاثة آخرين سيراً على الأقدام , وأجمل ما كان لديه في تلك اللحظات هي السيجارة الأميركية الفاخرة التي كان يداعب دخانها وجهه.



#حسين_جمو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء عن -احتفاء بشيء ما - ل أميرة أبو الحُسن
- هكذا تدعم أميركا الدكتاتورية و الإرهاب
- حكم مؤقتة لصاحبها
- لهذه الأسباب هدّد البارزاني تركيا
- ماذا بقي من الشرق الأوسط الجديد؟
- تحديات التحرك السياسي للطلبة الكرد
- نحو استراتيجية كردية شاملة
- الصمت في زمن الثورة
- ديار بكر حزينة لأجل أنقرة
- القضية الكردية و أزمة الطرح
- الجبهة التركمانية : الإصلاح أو الإفلاس
- تركيا: بين تصاعد إسلامي ويمين أوروبي
- تركيا ...أزمة اقتصاد أم أزمة دولة ؟
- القضية الكردية بين تركيا و الاتحاد الأوروبي


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين جمو - قصة سقوط