أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - مالي أنا والشورى؟














المزيد.....

مالي أنا والشورى؟


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2381 - 2008 / 8 / 22 - 09:29
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لن أكتب عن حريق الشورى. مالي أنا ومبنى الشورى وسكانه وزائروه؟ أنا أنتمي إلى الأحياء الفقيرة الضيقة، التي تسميها الحكومة أحياء عشوائية، أنتمي إلى حواريها المزدحمة والخانقة في النهار والليل، رائحة مطاعم الفول والمقاهي وصيحات الباعة الجائلين، أنتمي إلى الأرض الطينية المزروعة وكآبة القرى. هناك أشعر بالأمان والألفة وسط أهلي الذين أعرفهم وأثق فيهم وأتعاطف معهم رغم كل ما في أحيائنا وقرانا من قبح وتخلف وإهمال.

مالي أنا ومبنى الشورى الفخم المهيب، الذي لم أشعر تجاهه وتجاه كل المباني الأخرى المرتبطة بالسلطة إلا بالخوف والريبة، بدءا من أسواره الطويلة وحتى بوابته العالية ورجل الأمن التكعيبي بنظرة عينيه الشرسة واستعداده الدائم لإطلاق النار على أصحاب الثياب الرثة والملامح الفقيرة المتعبة والعيون الزائغة إذا اقتربوا من هذه المناطق المحرمة التي عين لحراستها منهم هم بالذات، رغم الافتراض بأنها تمثلهم.؟!

مالي ومبنى الشورى والسلطة ورموزها؟ تلك البنايات الشاهقة الفخمة التي يعجب بها علماء الأثار والمؤرخون والفنانون التشكيليون لا تمثل بالنسبة لي إلا بيتا آخر للسلطان أو الوالي، ربما حفر تحت قبابه العالية قبوا مخيفا يعذب فيه المعارضون أو تخبأ فيه الثروات الطائلة المنهوبة من عرق العمال وبؤس الفلاحين.

مالي ومال الشورى؟ يقولون إنه مبنى البرلمان، يدخله رجال بياقات بيضاء ناصعة وروابط للعنق وبزات أنيقة، ونساء غاية في الأناقة والرقة رغم تجاعيد العمر وبريق المساحيق، إنهم كبراء البلد ورموزه ومن يهتمون بشأنه. يجلسون ويناقشون ويصفقون ويبتسمون ويتصافحون في نهاية كل لقاء بعد حصولهم على مكافآت سخية ومزايا تكفي لبناء عشرات المدارس والمستشفيات في أحيائنا المحرومة، ولكنهم يفضلون إنفاقها عادة في منتجعات الساحل الشمالي وفنادق شرم الشيخ.

يقولون أنهم يتداولون ويناقشون ويوافقون على القوانين التي تنظم البلاد وتسير أمور العباد. آه، وتلك هي الكارثة. إنها القوانين نفسها، تلك الغابة الكثيفة من النصوص المتشابكة والملغزة التي تنتهي في كل مرة إلى تسعيرة جديدة للرشاوى في مختلف أجهزة الحكومة. إنها هي التي جعلت موظف المجلس المحلي (أو المجلس البلدي الذي كتب فيه الرائع بيرم التونسي إحدى قصائدة الخالدة) يتحول بقدرة قادر بعد سنوات قليلة من التحاقه بالوظيفة إلى مالك عمارة كبيرة هي الأعلى في حينا الفقير. وهي نفس القوانين التي جعلت ضباط وأمناء الشرطة، بل وحتى المخبرين، أشباه آلهة في بلدتنا، يفعلون ما يشاءون ولا يسألون، وجعلت زوجة أمين الشرطة تباهي الجميع بما تملك من أساور الذهب التي تصطف من رسغيها وحتى المرفقين.

وبمناسبة هذه القوانين، سأروي لكم ما حدث لي مع سائق التاكسي هذا الصباح، رغم أنني نادرا ما ألجأ إلى استخدام التاكسي في تنقلاتي وأفضل استخدام الميكروباص أو الأتوبيسات العامة، لكنني اليوم كنت أحتاج السرعة والراحة للقيام ببعض المشاوير قبل الذهاب إلى العمل. المهم أنني ركبت التاكسي من وراق العرب حيث أسكن إلى المهندسين، دخنت أنا والسائق في الطريق ولم يطلب مني ربط الحزام أو أي شيء، ومشينا في شوراعنا المحطمة والمكتظة حتى دخلنا حي المهندسين الراقي، وبعد قضاء بعض الأمور ركبت تاكسيا آخرا متجها إلى عملي في الدقي. وأول دخولي السيارة الثانية، طلب مني السائق مباشرة ربط الحزام، ثم أخرجت سيجارة وقدمتها له لكنه رفض وقال لي إذا أردت أن تدخن يجب أن تجهز في يدك خمسين جنيها لرجل المرور، ورغم أنني لا أعرف مدى دقة هذه المعلومة استجبت ولم أدخن. المهم أنه دار حديث بيني وبين السائق، قال إنهم يصنعون هذه القوانين لنهبنا وحصارنا نحن، وأخذ يشير إلى السيارات الفارهة التي تنتظر على جانبي الطريق في صفين وثلاثة صفوف ويتساءل لماذا لم يتحرك أحد منهم هنا لتسجيل المخالفات أو سحب هذه السيارات من الشارع لتيسير حركة المرور، ثم فجأة أشار لي إلى أحد أمناء الشرطة وهو يتسلم بعض النقود من شخص بجانبه بملابس مدنية، وكان مقدم شرطة واقفا على بعد أمتار قليلة. وقال لي لا تعتقد أن أمين الشرطة يتصرف هكذا من تلقاء نفسه، إنهم يقتسمون الغنيمة في نهاية اليوم.

في أحيائنا الفقيرة لا يوجد قانون. وجهات تنفيذ القانون لا تنزل الشارع ولا تعبأ بالناس وإنما تنتظر في مكاتبها وتحصل على الغنائم دون أن تتحرك. أما في أحيائهم الغنية فإنهم ينزلون، ولكنهم ينفذون القانون بانتقائية وبطريقتهم الخاصة، بحيث تترجم النصوص المعقدة والملغزة إلى عبارة بسيطة لخصها لي أحد زملائي فيما يتعلق بقانون المرور قائلا: "المخالفة بإيصال = 500 جنيه، وبدون إيصال = 100 جنيه".

هكذا تعلمنا ألا نتعاطف مع القانون وألا نتعامل معه، إلا باعتباره مثل القضاء والقدر مصائبه تنتقي ضحاياها، ولكنها بخلاف القضاء والقدر تنتقي ضحاياها وفقا لقواعد أخرى يحكمها المال والنفوذ، ومن لا يمتلك مالا أو نفوذا فعليه الاستسلام لمصير لا يعلمه إلا الله. وتعلمنا أن الشورى، والبرلمان والقانون والسلطة ليست إلا طفيليات تتغذى على دمائنا وتتاجر بآلامنا – هكذا علمتنا التجربة، فلماذا نلام على الشماتة عندما تأكل النار رموز قهرنا؟ ولماذا يبرأون هم ويعيشون في رغد وطمأنينة وقد أحرقونا وأغرقونا في عبارات ممدوح اسماعيل، الذي كان عضوا في مجلس الشورى ولم ترفع عنه الحصانة قبل خروجه من مصر ملوثا بدماء أكثر من ألف من أهالينا؟





#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورصة ، بورصة – ولا عزاء للفقراء
- بربرية وأمل في عصر التطرف
- أصرخ يا نور
- هل يعود بونابرت؟
- درس في التواضع
- الواقع والرمز في الهجوم على عز
- على إسمك يا جاهين
- جمهورية الغاز
- مأزق المبرراتي
- نماذج من الإضراب الجماهيري(3)
- ضد العولمة
- ما هو البديل؟
- نماذج من الإضراب الجماهيري (2)- تأليف توني كليف
- نماذج من الإضراب الجماهيري - تأليف توني كليف
- بلادنا رغم أنف الحاكمين
- المحلة ورهان السلطة
- التنكيل بالمحلة لإرهاب الفقراء
- 6 أبريل على بوابة الأمل
- ثقوب في قبضة -الأخ الأكبر-
- عذرا يا شيخنا – نرفض الشهادة!


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - مالي أنا والشورى؟