أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - توفيق أبو شومر - موسم القحط الثقافي














المزيد.....

موسم القحط الثقافي


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2381 - 2008 / 8 / 22 - 02:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كيف نُفسِّرُ انتشار المشعوذين في الألفية الثالثة ، في الوقت الذي تشهدُ فيه العلوم والتكنلوجيا أوج ازدهارها؟
أعني بالمشعوذين كل الذين يستخدمون التضليل للإيقاع بفرائسهم من بسطاء البشر ، وهم كُثر، ومن المستغرب أنهم تمكنوا من التوالد والانتشار تحت عباءة الألفية الثالثة ، عباءة التكنلوجيا فائقة السرعة ، التي أطاحتْ بالثقافة بمفهومها الواسع باعتبارها واجبا وطنيا ودوليا، فأصبحت الثقافة في مفهوم هذه الألفية سلعةً ، لا يشتريها إلا القادرون ، فارتفعت أسعار الكتب ، وكل بضائع التكنلوجيا الرقمية أيضا ، ولم يعد عند الفقراء إلا أن ينصاعوا للشعوذة والمشعوذين، ممن يلبسون معاطف الأطباء البيضاء تارة ، ومن يلبسون ألبسة الأوصياء على الدين ، ومن يلبسون أثواب العرّافين وقُرَّاء الطوالع تارة أخرى .
ما زالت صورةُ الأستاذٍ الجامعي في أحد بلدان العرب ، الذي قرَّر أن يفُكَّ ضائقته المالية ، فتحوّل من أستاذٍ إلى كاتب أحجبة ومشعوذٍ تعمرُ ذاكرتي ، فكان ضحاياه من زملائه في سلك التعليم الجامعي ممن أقنعهم بقدراته حتى استحوذ على نسائهم ، كما فعل راسبوتين من قبله في روسيا فأفسدها بترَّهاته وشعوذته .
ومنذُ أيامٍ أفزعني شابٌ حاصلٌ على شهادة البكالوريوس في الإدارة ، وهو يصف لمريض بيت أحد الدجالين الذين يُعالجون بالأحجبة والرُّقى .
ومنذ فترة وجيزة أيضا رأيتُ ثلاث فتياتٍ يحملن كتبا مدرسية أو جامعية يبحثن عن كتابٍ اسمه " اعرف نفسك من برجك" تُروِّج له إحدى القنوات الفضائية ، ولما سألتُ البائع عن الكتاب قال :
إنه أربح الكتب فقد تهافت المشترون عليه ، وكنت أربح في النسخة الواحدة دولارين كاملين ، وقد نفد من المكتبة منذ أكثر من سنة ، ولما سألته عن ثمنه قال :
عشرين دولارا !
كما أن دكاكين بيع الأعشاب الطبية آخذة في التوسع والتكاثر وتحولت إلى بقالات لبيع الأعشاب والشعوذة، ومما يؤسف له أن كثيرا من أصحابها لا خبرة لهم ، ولا يملكون من الشهادات ما يؤهلهم لذلك ، وهذا بالطبع لا يشمل ذوي التخصص والخبرة.
ومما أفزعني أنني سمعتُ أبا أميا التحق مؤخرا ببعض المتفيهقين يُفاخر الجالسين بأنه أخرج أبناءه من المدرسة ، وأتبعهم لأحد المشعوذين يخدمونهم ويتعلمون منهم فنونهم ، لأن المدارس في نظر هذا الأب تُفسدُ الأبناء .
إذن هي العودةُ إلى الوراء ، وما يترتب عليها من فناء وجهلٍ . إذن هو التطرفُ والمُغالاة والشعوذة ، وإلغاء الثقافة وتوسيع العقول .
لقد كان مُبرَّرا لكاهنة معبد دُلفى( بيثيا) قبل الميلاد أن ترتزق من جهل أتباعها اليونانيين ، حين ادّعتْ بأنها ترى ما لا يرونه ، فهي قارئة الطوالع ، وكانت تتغذى على أوراق شجر الغار، وتتنفس من بخارٍ يجيء من أسفل كرسيها ، فكانت تستفيد من جهل أتباعها ، بل تسعى إلى تجهيلهم ، ولم يهتدِ الناس إلى أن البخار المتصاعد من باطن الأرض كان يتسربُ من عين ماء معدنية حارة ، فكانت تتاجر بشعوذتها وترزق منها حتى أنها نجحت في تحويل معبدها من معبد حجري إلى كنز ومعبد ذهبي.
أما نوستراداموس الذي جاء في منتصف القرن السادس عشر فكان يؤشر إيضا إلى عصر الشعوذة ، حين جعلَ منه المحيطون به عرَّافا ، ليرتزقوا من وراء موهبته ، فانتشر فقهاء نوستراداموس يفسرون أقواله الغامضة ، غير الواضحة ، وامتدّتْ سلالالتهم إلى قرننا الحالي ، فما أكثر الكتب التي جعلتْ من أقواله الغامضة دليلا على ظهور الزعماء والطغاة ، فقد أشار بعضهم أنه تنبأ حتى بولادة شارل ديغول وموته وصدام حسين وموته ، وهتلر وموته ، ونابليون وموته .
ولم يستفد الناس كثيرا من أن نوسترادموس لم يتمكن من التنبؤ بموته ، فمات في نهاية العقد الخامس من عمره بمرض غامض ، وكذلك ماتت الكاهنة بيثيا ، ولم يتمكن الاثنان من إشفاء نفسيهما من المرض.
وانتشرتْ الشعوذةُ أيضا في عصر المماليك في القرن التالي ، وظهرتْ في عصر السلاطين أقاصيص وروايات الخرافات ، فظهرت أقاصيص علي بابا، ومصباح علاء الدين ، والشاطر حسن ، وطاقية الإخفاء وغيرها من الشعوذات التي استسلم لها الناس ، وصاروا من أتباعها .
وما أزال أذكر في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كيف ازدهرتْ شعوذةُ استحضار الأرواح ، وكيف أصبحت طبقا شعبيا يمارسه كثيرون ، ويُقسمون في الصباح أنهم نجحوا في الحديث مع الأموات ، بعد أن جعلوهم يكتبون لهم أشواقهم ، بوضع قلم أسفل سلةٍ مغطاة في مكان مظلم يُحركها الميِّتُ ويكتب بها ما يريد ، مع استخدام تمتمات وقراءة بعض التعاويذ المحفوظة عليها .
نعم إن غياب الثقافة بمختلف أشكالها وأنواعها ، الثقافة الفكرية والدينية والعلمية هي المسؤولة عن ظهور الشعوذة ، فالثقافة تتانسب تناسبا عكسيا مع الشعوذة ، فلا مكان للشعوذة في مجتمع مثقفٍ ثقافة فكرية ودينية سليمة ، ولا مكان للشعوذة عندما يدرس الأبناء المناهج التي تقوم على تفتيح العقول ، لا حشوها ، ولا مكان للمشعوذين عندما يسحب المتنورون البساط من تحت أقدام المشعوذين والمرتزقين بواسطة نشر الجهل في المجتمعات ، فيقررون بأن الله لا يحتاج إلى وسطاء بينه وبين عباده كما قال:
"وإذا سألك عبادي عني، فإني قريبٌ أُجيبُ دعوة الداع إذا دعان " البقرة 186
كما أن بعض الدول العربية لجأتْ إلى مطاردة المشعوذين جسديا ، وسجنهم وملاحقتهم بحجة أنهم ينشرون الجهالات ، ولكنها لم تتمكن من إرساء البُنية الثقافية القادرة على عزل الجهل والجاهلين ، وهذه البنية الثقافية ، تبدأ أولا بالمناهج الدراسية في كل مستويات التعليم ، وتنتهي بمجموعة من برامج التثقيف والتوعية ونشر المعارف والعلوم والموسوعات .
ويجب أن نتذكر بأن الفنون الراقية بمختلف أنواعها تُعتبر من أفضل الطرق للحدّ من المشعوذين ، فالمشعوذون يكمنون في كل المجتامعات كما الجراد ، ينتظرون موسم قحط الثقافات ، وعفونة الجهالات.



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بذرة خضراء.. آخر أُمنيات محمود درويش
- الفضائيات والتلوُّث العقلي
- هل تبخَّر اليسارُ الإسرائيلي ؟
- نصائح للراغبين في ركوب قطار العولمة !
- هل المثقفون هم فقط الأدباء؟
- أوقفوا (جموح) الصحافة الإلكترونية !
- الآثارالعربية ... ومحاولة هدم الأهرامات !
- كتب مدرسية ( مُقرَّرة) في الجامعات !
- عوالق شبكة الإنترنت !
- من يوميات صحفي في غزة !
- الإعلام وصناعة الأزمات !
- محمود درويش يبحث عن ظله في الذكرى الستين للنكبة !
- مجامع اللغة العربية ليست أحزابا سياسية !
- لا تَبكِ.. وأنتَ في غزة !
- كارتر وهيلاري كلينتون وأوباما !
- الزمن في قصيدة محمود درويش (قافية من أجل المعلقات)
- أوقفوا هذا العبث في غزة !
- سؤال ديوان : لماذا تركت الحصان وحيدا لمحمود درويش ، حقلٌ من ...
- جمعية المختصرين !
- مأزق التعليم الجامعي في العالم العربي !


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - توفيق أبو شومر - موسم القحط الثقافي