أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رمضان متولي - أحيانا أندهش!















المزيد.....

أحيانا أندهش!


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 736 - 2004 / 2 / 6 - 04:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ فترة ليست قصيرة اعتقدت أني فقدت القدرة على الاندهاش، فقد حدثت "غرائب" كثيرة ولكنني لم أجد لها ذلك التأثير على نفسي الذي يجعل أي إنسان يفتح فمه على مصراعيه وتجحظ عيناه ويتجمد في مكانه زاعقا: "مش معقول"! ولكن يبدو أن القدر لا يريد لي أن أفقد هذا الشعور الإنساني الطبيعي إلى الأبد، سواء كان هذا الشعور مبهجا أو مقبضا. فقد توالت الأحداث "الغريبة" التي حاولت أن أتعامل معها بثبات ورصانة، وأن أستجيب لها بطريقة زميل لي في العمل عندما يواجه أي حدث جلل بكلمة "عادي!" ولكنني لم أستطع حتى أن أتلقاها دون أن أرتجف، وأصرخ وحيدا في غرفتي التي يملأها الدخان والأتربة بأعلى صوتي رغم إدراكي أن لا أحد يسمع ولا مجيب.

أعتذر عن هذه المقدمة المغرقة في الذاتية، ولكنني سأحاول أن أضعك أيها القارئ أمام بعض المفارقات التي استحقت ذلك.

إحدى هذه المفارقات حدثت عندما تصاعدت أحداث الانتفاضة الفلسطينية، وزادت عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، ففجرت إحدى منظمات حقوق الإنسان في مصر، هي جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، قضية شائكة عندما أصدرت بيانا يدين عمليات المقاومة الفلسطينية باعتبارها إرهابا يقتل الأبرياء من الأطفال والنساء في إسرائيل.
اندهشت حقا لصدور هذا البيان لأنه يمثل من وجهة نظري مفارقة – ليست سعيدة طبعا. أولا لأن الشخص الذي كتب هذا البيان وناقشني فيه كان محسوبا على تيار سياسي لا يدين العمليات التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية، وثانيا لأنه عندما حاول الدفاع عن وجهة نظره استند إلى "اتفاقيات ومواثيق دولية لحقوق الإنسان" و"اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين وقت الحرب" و…و…و…إلخ.

قلت إن القضية شائكة من وجهة نظري، ولكن ليس لأسباب تتعلق بمواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان وجنيف وغير ذلك، فهذه الاتفاقيات في النهاية وضعتها دول وأنظمة حاكمة وفقا لتوازنات سياسية معينة، ووجهة نظرها في حقوق الإنسان والديمقراطية وغير ذلك لا ترى إلا الإنسان البرجوازي وفي مجتمع برجوازي، هذا من جانب، كما أنها تنتهك كل يوم ألف مرة ويعاد تفسيرها وصياغتها من قبل الأطراف القوية في السياسة العالمية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرها، من جانب آخر، بالإضافة إلى أنها تضم مجموعة من المفاهيم المجردة التي تعامل وكأنها خارج التاريخ – مجموعة من القوانين والمفاهيم التي تفتقد أي قوة تدعمها، وبذلك يسهل انتهاكها وتبديل معناها من قبل الطرف الأقوى، وبذلك تظل مجرد أفكار مثالية من وجهة نظر معينة لا علاقة لها بالواقع.

هذه القضية أيضا شائكة من الناحية السياسية، وهذا هو الأهم، ففصائل المقاومة الفلسطينية لا تملك قوة عسكرية تعادل قوة إسرائيل، ولا تستطيع الدخول ضد جيشها في حرب نظامية كتلك التي وضعت اتفاقية جنيف لتنظيمها (ولا تنظمها وليس لها أي علاقة بما يحدث فعلا في أوقات الحرب)، ولابد لهذه الفصائل أن تجد الوسائل الملائمة لوضعها وقدراتها حتى توجع أعداءها, وتحاول من خلال ذلك أن تبث الإحباط والشعور بالعجز في صفوف هؤلاء الأعداء. ولكنها من ناحية أخرى تعزز موقف اليمين المتطرف في إسرائيل وتجعله قادرا على حشد تأييد شعبي لسياساته العنصرية المتوحشة، مما يعني المزيد من الضحايا بين الفلسطينيين. وهناك ملاحظة أخرى، تجعل الأمر أكثر تعقيدا، وهي أن هذه العمليات كانت هي السبيل الوحيد أمام المقاومة الفلسطينية، وذلك بفضل بطولة الشعب الفلسطيني وقدرته على تحمل الأهوال، لبث هذا الإحباط في أوساط بعض القوى الإسرائيلية وإضعاف موقف شارون، في مقابل فشل الوسائل الأخرى – مثل المظاهرات السلمية، والإضرابات وتحريك الرأي العام العالمي الذي تتحكم فيه مؤسسات تؤيد إسرائيل بشكل عام، وعجز حركات مناصرة الانتفاضة الفلسطينية في المنطقة العربية عن زعزعة استقرار الأنظمة المستبدة الحاكمة في الدولة العربية، وعدم استجابة الإمبريالية العالمية ممثلة في الولايات المتحدة لولولة هذه الأنظمة خوفا على عروشها.

ولهذا رأيت أن عمليات المقاومة الفلسطينية البطولية، رغم أنها لن تستطيع إلحاق الهزيمة بالجيش الصهيوني، ولا أن تجبر إسرائيل الانسحاب حتى من أراضي 67، إلا أنها كانت مفيدة في بعض الأحيان وضارة في بعضها، ولكنها في النهاية وسيلة المقاومة الوحيدة التي تمثل شيئا أمام شعب يتعرض للتطهير العرقي والإذلال في بيئة سياسية عالمية معادية أو متواطئة. وشعرت أن المنظمة التي أصدرت البيان السابق ذكره لم تكن مدفوعة بقناعة حقيقية وإنما كان وراء البيان أشياء أخرى، حيث أنه ظهر أيضا في وقت يتعرض فيه الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين للقتل يوميا على أيدي جنود الاحتلال. 

المفارقة الثانية التي أيقظت ملكة الشعور بالاندهاش لدي، بعد أن كنت ظننت أنها ماتت وذهبت إلى غير رجعة، هي موقف بعض أصدقائي من الشيوعيين تجاه المقاومة العراقية، والتي وصفها أحدهم بالإرهاب، وقال آخر أن العراقيين لابد أن يلقوا أسلحتهم ويلجأوا إلى أشكال المقاومة السلمية! بل أن أحدهم استنكر تأييدي لها رغم ما يعتقد حتى الآن أنها مقاومة إسلامية وبعثية في الأغلب!

ولم أستطع إلا أن أندهش هنا أيضا، فأي مقاومة سلمية تلك التي يقصدها؟ المظاهرات والإضرابات؟ رائع! ولكن جيوش الاحتلال أطلقت الرصاص وقتلت المتظاهرين في العراق، مما يعني أن الجيش البريطاني والأمريكي لن يتوانيا عن مواجهة تلك الأشكال بإطلاق النار على المدنيين العزل. فهل يعقل أن تلقي مقاومة مسلحة أسلحتها أمام جيش احتلال، ثم تلجأ إلى مقاومته بمظاهرات وإضرابات لن تؤثر فيه شيئا بينما تستطيع أن توجه له ضربات موجعة وتحرمه من الاستقرار ونهب ثروة البلاد عن طريق العمليات المسلحة؟ وكيف يمكن وصف مقاومة الاحتلال بالإرهاب وهي تواجه أقوى جيوش العالم بكامل عتاده وعدته؟ وهنا أدركت أن مصطلح الإرهاب لم يعد يستخدم بطريقة مطاطة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وقوى الإمبريالية العالمية فقط، وإنما أيضا من قبل بعض الشيوعيين، حتى أن الحزب الشيوعي العراقي وجد مشتركا بينه وبين قوى الاحتلال في العراق.

وأظن أن الأجدر بحزب شيوعي في مثل هذه الظروف أن ينضم إلى صفوف المقاومة اتساقا مع مبادئه المعادية للإمبريالية، وأن يحاول تقدم الصفوف في هذه المقاومة حتى لا تسيطر عليها القوى الرجعية ولا تجرفها إلى التصالح مع الاحتلال وخيانة الجماهير في لحظة حاسمة. ولكن، يبدو أن هذه المفارقة حدثت هي الأخرى، لمجرد أن يندهش عبد فقير مثلي ظن أنه فقد القدرة على الاندهاش!

المفارقة الثالثة حدثت مؤخرا في مصر، حيث قررت الحكومة إنشاء مجلس قومي لحقوق الإنسان، وليست المفارقة في أن الحكومة المصرية منافقة عندما تعلن عن إنشاء مجلس لحقوق الإنسان وهي تعتقل في سجونها آلاف السجناء السياسيين دون محاكمة، وتحول المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وتعذب المواطنين والمعتقلين حتى القتل أحيانا، وغير ذلك كثير. فالنظام المصري يعتمد الشكل الديمقراطي في إدارة الحكم ومع ذلك يحافظ على إفراغ هذا الشكل من أي مضمون – تماما مثل أي ديمقراطية برجوازية، خاصة في بلد متخلف حيث الطبقة الحاكمة ضعيفة لا تتحمل التقلبات السياسية الحادة فتعتمد أكثر على القمع المباشر، وأقل على الخدعة البرلمانية.

ففي مصر برلمان "منتخب"، ولكن انتخاباته مزورة. وفي مصر أحزاب سياسية، ولكنها أحزاب بلا جماهير، ويشترط عند تأسيسها أن ترضخ تماما لشروط لجنة الأحزاب التي تفرغ أي حزب معارض جديد من أي معنى للمعارضة، وتفرض الحكومة أيضا قانونا لمباشرة الحقوق السياسية، نتيجته التي نراها هي منع أي نشاط سياسي معارض من الوصول إلى الجماهير، ومنع الجماهير من مباشرة الحقوق السياسية الحقيقية إلا أن يذهبوا إلى صندوق الانتخابات، بل حتى هذه الأخيرة منعتها الحكومة في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي أشرف عليها القضاء جزئيا، فأتت بالشرطة أمام لجان الانتخابات لمنع الناس من التصويت في بعض الدوائر. هذا إلى جانب وجود قوى سياسية محرومة أصلا من تكوين أي أحزاب. وفي مصر نقابات، ولكنها نقابات تفرض الدولة هيمنتها عليها، وتتدخل في تشكيلها وتمسك بقيادتها أو تهيمن عليها، بما يجعلها نقابات شكلية لا تهش ولا تنش. وفي مصر فصل بين السلطات، ولكن حتى تكون السلطة التنفيذية هي السلطة الوحيدة الحقيقية في البلاد. وفي مصر قضاء ومحاكم، ولكن المحاكم الاستثنائية تجثم على أنفاس المعارضين وتهددهم بمحاكمات ليس فيها أي ضمانات لمحاكمة عادلة. وفي مصر حكم القانون، ولكن القانون الأعظم الذي يحكم البلاد هو قانون الطوارئ، بالإضافة إلى زيف البرلمان الذي يضمن صدور القوانين التي تخدم مصالح الطبقة الحاكمة وتعزز قدرة السلطة التنفيذية على ممارسة الاستبداد والفساد. وفي مصر صحافة، ولكنها صحافة مكبلة وضعيفة تفتقد القدرة على الحصول على المعلومات وتعمل داخل خطوط حمراء مرسومة بدقة. وحتى مجلس حقوق الإنسان الذي أنشئ مؤخرا، فسلطاته استشارية فقط، ومهمته استكمال الديكور الديمقراطي لتجميل صورة النظام. المفارقة أن يجد هذا المجلس الوهمي تأييدا من يساريين (أو يساريين سابقين) باعتباره خطوة للأمام، دون أن يسأل هؤلاء أنفسهم: خطوة للأمام في أي اتجاه؟ وكأن هذا المجلس جاء ليعوض كل هذا الجبل من القمع والفساد. 

وربما سوف أجد مفارقات أخرى مستقبلا تدعوني للاندهاش، المهم أنني اكتشفت أنني مازلت مثل بقية الناس – أحيانا أندهش. 



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تكون الديمقراطية من مصلحة الأمريكيين في العراق؟
- محكمة بلا ذراعين، وقادة بلا أنصار!
- طريق التغيير لا يمر عبر -مرآة أليس
- الطريق إلى الحرية – معادلة لم تجد لها حلا بعد!


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رمضان متولي - أحيانا أندهش!