أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزومحمد عبد القادر ناجي - عدم الاستقرار السياسي في القرن الإفريقي (الجزء الثاني )















المزيد.....


عدم الاستقرار السياسي في القرن الإفريقي (الجزء الثاني )


عزومحمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2379 - 2008 / 8 / 20 - 04:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تطورات الصراع في القرن الأفريقي
أولا: الأوضاع ما بعد انتهاء الحرب الباردة:
كان القرن الأفريقي في فترة الحرب الباردة واحداً من أشد مناطق العالم التهاباً واشتعالاً؛ حيث حط الروس رحالهم في الصومال في عهد (زياد بري)، ثم بعد سقوط العرش الإمبراطوري في 12/9/ 1974م ومجيء العسكر بقيادة الجنرال (أمان عندوم) ثم (منجست وهيلي ماريم) ترك السوفييت مقديشو، ورحلوا عنها إلى (أديس أبابا) ليحلوا محل الأمريكان (حلفاء الإمبراطور المعزول هيلي سلاسي)، وليدعموا النظام الماركسي بكل ما لديهم من عتاد عسكري، وخبرة أمنية حتى يتمكن من إخماد التمرد في كل من (أوجادين وإرتريا) الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى هزيمة الصومال في حرب (أوجادين) (1977م ـ 1978م)، وانهيارنظامه السياسي تماماً عقب الانقلاب الذي أطاح (بسياد بري) عام 1989م مدعوماً من قادة إثيوبيا الماركسيين لتتفرغ القوات الإثيوبية بعد ذلك للجبهة الإرترية التي استعصت على الهزيمة والانكسار على الرغم من قساوة وشدة الحملات العسكرية المتلاحقة إلى أن انهار (نظام منجستو) الاشتراكي عام 1991م بانهيار المنظومة الاشتراكية كلها عقب ظهور (البيرسترويكا على يد ميخائيل جورباتشوف)، وهكذا وصل تحالف فصائل الثوار المناوئين (لنظام منجستو) وبقيادة (ملس زناوي) رئيس وزراء إثيوبيا الحالي، (وإسياس أفورقي) رئيس إرتريا إلى كل من أديس أبابا، وأسمرا بمباركة أمريكا ورعايتها.

ثانيا: تطورات الأوضاع في الصومال:
أدى سقوط النظام السياسي في الصومال وتلاشي مؤسسات الدولة، وما صاحب ذلك من فوضى وتدهور الأوضاع المعيشية، إلى موت الآلاف من الصوماليين وتحول مئات الآلاف منهم إلى لاجئين. ومع تحول النضال الوطني من أجل إقامة نظام ديمقراطي إلى صراع قبليّ عشائريّ من أجل الوصول إلى السلطة، وفي ظل إخفاق أي من الأطراف المتصارعة في فرض نفسه، برزت على الساحة مبادرات سياسية داخلية وإقليمية ودولية لإعادة الأمن والاستقرار، قُدِّرَ لها أن تتصادم في توجهاتها ومصالحها، الأمر الذي حال دون الوصول إلى تسوية مستقرة للمعضلة الصومالية.
وكان من أبرز ملامح الصدام ما يخص مبادرة الولايات المتحدة المعروفة باسم "إعادة الأمل"، ومبادرة الأمم المتحدة "يونيصوم" اللتين اصطدمتا مع القوى الوطنية الداخلية، على اختلاف توجهاتها ومشاربها، مخلِّفة عبر ذلك الصدام أعدادًا من القتلى والجرحى على الجانبين ومواريث
عداء متبادل،لا سيما بين الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير من القوى الوطنية الصومالية، وفي مقدمتها القوى الإسلامية التي حمَّلَتْها الإدارة الأمريكية المسئولية عن مقتل جنودها على أرض الصومال إبان الحملة الأمريكية (لإعادة الاستقرار في الصومال)، متهمة إياها بالتعاون مع قوى إسلامية خارجية "متطرفة"، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" .
ومنذ ذلك الحين، تزايدت أهمية العامل الإسلامي في تحليل الصراع الداخلي والخارجي للصومال، واتخاذ وجود بعض التنظيمات الإسلامية في الصومال ذريعة لضربها، لإعادة ترتيب الأوضاع في الصومال نفسها، وفي محيطها الإقليمي، على نحو خدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
القوى الإسلامية الصومالية:
لم تعرف الصومال ظاهرة الحركات والجماعات الإسلامية المؤسسية بشكل بارز وفاعل إلا مع سقوط نظام حكم سياد بري واندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 1991م، ويرجع ذلك إلى العوامل التالية:
1. الطبيعة الخاصة التي اتسم بها الشعب الصومالي من وحدة الدين، حيث يدين 99% من السكان جميعهم بالإسلام، ويتبعون المذهب الشافعي، ووحدة العرق الصومالي، علاوة على وحدة اللغة، الأمر الذي جعلها مضرب المثل في الوحدة القومية.
2. يضاف إلى ذلك إلى الخطاب السياسي الصومالي الذي ركَّز طويلاً منذ استقلال البلاد ووحدتها عام 1961م وحتى أواخر الثمانينيات على ضرورة استعادة وحدة البلاد في إطار الصومال الكبير -بما يعنيه ذلك من استرداد أراضٍ خاضعة لأثيوبيا وكينيا، علاوة على جيبوتي- قد أدى إلى الحيلولة دون بروز تيارات دينية فاعلة على الصعيد السياسي.
3. قوة الروابط العشائرية والقبلية في البلاد، والتدين الفطري للشعب الصومالي؛ لذا اقتصرت الجماعات والتنظيمات الدينية في البلاد على مجرد أفرع وامتدادات لجماعات خارجية تهدف إلى نشر المبادئ والتعاليم الإسلامية.
إلا أنه مع اندلاع الصراعات الداخلية وتناميها حدثت تحولات في طبيعة تلك التنظيمات من حيث تكوينها وأهدافها.
يتسم موقف الحركات والتنظيمات الصومالية الإسلامية بعدة سمات عامة يمكن إجمالها في العناصر التالية:
1/ إن الحركات الإسلامية -على العكس من الفصائل الصومالية- لم تظهر نفسها في هيئة قبلية أو إقليمية بعينها بقدر ما طرحت نفسها كقوى وطنية تسعى لإحلال السلام وتطبيق الشريعة في عموم الصومال، وتمثل تلك السمة الجامع المشترك بين مختلف التنظيمات الإسلامية الصومالية.
3/ إن الخطاب الإسلامي لهذه الحركات وما حققه من نجاح على الأصعدة سالفة البيان قد أدى
إلى سعي القادة القبليين من أمراء الحرب إلى استقطاب تلك الحركات والتنظيمات إلى جانبها، الأمر الذي أدى إلى بعض المثالب التي شابت ممارسات بعض تلك التنظيمات التي خلط أنصارها بين المصالح القبلية والعشائرية، وبين المقاصد العامة للشريعة التي يستهدفها التنظيم أساسًا.
4/ إن معظم التنظيمات الإسلامية -وإن لم تتورط في الحروب القبلية التي شهدتها البلاد- رفضت التدخل الأجنبي في الشأن الصومالي، وبخاصة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي توجَّست تلك التنظيمات منها خيفة بفعل انحيازها التاريخي لأثيوبيا، وبفعل ارتباطات بعض تلك التنظيمات بقوى وتنظيمات خارجية مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى تعاون غير مقصود بين التنظيمات الإسلامية -وفي مقدمتها الاتحاد الإسلامي- والتحالف الوطني الصومالي بقيادة "محمد فارح عيديد" في حربه ضد القوات الدولية والأمريكية تحديدًا، التي تكبَّدت الولايات المتحدة فيها خسائر بشرية ومادية، كان لها تأثيرها في قرار الإدارة الأمريكية سحب قوتها من الصومال عام 1994م.
5/ إن موقف معظم التنظيمات الإسلامية من المصالحة الصومالية وجد له ترجمة عملية، تمثلت في إعلان الكثير من التنظيمات الإسلامية تأييدها للحكومة الانتقالية التي أسفر عنها مؤتمر "عرتة" بجيبوتي عام 2000م، وقيامها بتسريح ميليشياتها العسكرية أو إعادة تأهيلها وتدريبها لتوزيعها على أجهزة الدولة المرتقبة المختلفة، لا سيما الجيش والشرطة، كما أقدم تنظيم "الاتحاد الإسلامي" على إغلاق عدد كبير من المحاكم الإسلامية التابعة له؛ لتمهيد الطريق أمام قيام السلطة القضائية للدولة لبسط ولايتها على البلاد في إطار المؤسسة القضائية الرسمية.

ثالثا: موقف إثيوبيا والولايات المتحدة من الوضع الصومالي:
يُعتبر الموقف الإثيوبي والموقف الأمريكي من الوضع في الصومال، وطبيعة تكييف كل منهما للعلاقة بين الحكومة الصومالية والحركات الإسلامية، من العوامل الهامة في تحديد مستقبل الصومال، وسلامته الإقليمية، واستقراره السياسي.
أ - الموقف الأثيوبي:
حدَّدت أثيوبيا موقفها من الوضع في الصومال ومقررات مؤتمر عرته في عدة عناصر طرحتها في كلمتها أمام مجلس الأمن في 19 أكتوبر 2001م على النحو التالي:
1. إن الحكومة الانتقالية الصومالية تُعَدُّ فصيلاً ضمن فصائل صومالية أخرى وإنها غير موحدة، بل تتآلف من ثلاث جماعات أو تنظيمات هي: الاتحاد الإسلامي، وحركة الإصلاح، والإخوان المسلمون. وترى أثيوبيا أن الجماعة الأولى متطرفة، وأن الثانية معتدلة وتسعى وترغب في الوفاق، وأن الثالثة تتأرجح بين التطرف والاعتدال.
2. إن دعم أثيوبيا لمجلس الوفاق -وهو المجلس الذي تم تأسيسه في مارس 2001م في مدينة "أوسا" (بأثيوبيا)- من جانب الفصائل الصومالية المناوئة للحكومة الصومالية الانتقالية، لا يعني دعم أمراء الحرب، وإنما يهدف إلى تسهيل الحوار بين الحكومة (باعتبارها فيصلاً)
2. والفصائل المعارضة لها.
3. إن أثيوبيا ترى أنه لا توجد في الصومال في الوقت الراهن أية سلطة شرعية، لا سيما وأن أثيوبيا -بتعبير متحدثها في مجلس الأمن- لديها دلائل دامغة على وجود مجموعات إرهابية دولية تابعة لتنظيم القاعدة في الصومال.
ب - الموقف الأمريكي:
منذ خروج قواتها من الصومال في عام 1994م اتسم موقف الإدارة الأمريكية من المشكلة الصومالية بالعمومية وعدم التحديد، على نحو يسمح بالاحتفاظ بحرية الحركة على مختلف المستويات واستخدام كافة الخيارات والأدوات، حيث دأبت التصريحات الأمريكية بشأن المشكلة على تأكيد استعداد الولايات المتحدة للعمل مع جميع الصوماليين في إعادة بناء بلادهم.ومع نجاح مؤتمر عرتة في الوصول إلى تشكيل حكومة انتقالية للبلاد رحَّبت الولايات المتحدة بنتائج هذا الموضوع، إلا أن تصريحات مسئوليها ظلَّت تحمل طابع العمومية.
وبعد عام من قيام الحكومة الانتقالية الصومالية في أكتوبر عام 2000م، قامت الإدارة الأمريكية بوضع الصومال على قائمة الدول الإرهابية واعتبارها من الدول المرشحة لفرار أعضاء تنظيم القاعدة إليها، بل ووضع خرائط تفصيلية للأماكن المتوقعة لذلك الفرار وفي مقدمتها مقديشيو، فإن ذلك يلقى بظلال كثيفة من الشك في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة الانتقالية ويجعله أقرب للعداء منه للدعم والترحيب. يدلِّل على ذلك:
1. اقتراب الموقف الأمريكي من الموقف الأثيوبي في اعتبار الحكومة الانتقالية مجرد فصيل من الفصائل، وليست معبِّرة عن إرادة الشعب، الأمر الذي يعود بالقضية إلى المربع الأول للأزمة، ويشير إلى توقع حلقة مفرغة جديدة من مفاوضات ومؤتمرات المصالحة.
2. إقدام الولايات المتحدة على تجميد أصول شركات صومالية عاملة في مجالات الاتصالات والبنوك والخدمات البريدية، بدعوى علاقتها بتنظيم القاعدة، الأمر الذي يزيد من سوء الأوضاع الداخلية في ظل حرمان العديد من الأسر الصومالية من التحويلات الخارجية التي كانت تصلهم عبر تلك الشركات، الأمر الذي يعني المزيد من العودة إلى الروابط والولاءات الأولية بحثًا عن الحماية والبقاء.
تجاهل الولايات المتحدة دعوة "حسن أبشر فرح" الرئيس الجديد للحكومة الصومالية المؤقتة، وموافقته على نشر قوات أمريكية في الصومال لمراقبة وتعقب الأنشطة الإرهابية المزعومة، بل وتسريب بعض المعلومات بأن أعضاء في الحكومة الصومالية المؤقتة نفسها مستهدفون لارتباطهم بتنظيمات إرهابية داخل أو خارج الصومال.
خلاصة وتقييم
3. وانطلاقًا من قراءة صحيفة العلاقات الأمريكية الصومالية في العقد الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وكذا للواقع الإقليمي والداخلي من زاوية الموقف الأثيوبي من المشكلة الصومالية والتنظيمات الإسلامية، أن المستقبل القريب سيشهد جولة جديدة من مساعي إعادة صياغة وتشكيل القرن الإفريقي بصفة عامة، والصومال بصفة خاصة، وفْق رؤى أمريكا وبأدواتها؛ على أن ذلك لا يعني بالضرورة تحقق المصالح والأهداف المبتغاة من
تلك التحركات ولصالحها، انطلاقًا من الواقع الملغَّم لهذه المنطقة وامتداداتها الذي يمكن أن يسفر عن انفجارات يصعب احتواؤها، ولعل أحد أبرز التصورات المحتملة هو إقرار واقع التقسيم والانفصال القائم في الصومال حاليًا على نحو يحقق مصالح أطراف إقليمية في مقدمتها أثيوبيا، وإن يكن ذلك في الأمد القصير، ذلك أن تداعيات الانفصال يمكن أن تطول أثيوبيا ذاتها التي تعاني انقسامًا قوميًّا داخليًّا كامنًا لا يقل حدة عن وضع الصومال.

ثالثا: قيام تجمع صنعاء ودول القرن الأفريقي:

ان (تجمع صنعاء): هو مظهر من مظاهر التحالفات السياسية في القرن الأفريقي، وهو عبارة عن تحالف إقليمي بين ثلاث دول هي: إثيوبيا، والسودان، واليمن، وتم انشاؤه في اكتوبر/ تشرين الأول عام 2002م في قمة جمعت زعماء الدول الثلاث في العاصمة اليمنية صنعاء.
ولا يمكن النظر إليه بمعزل عن المؤثرات السياسية في منطقة القرن الأفريقي، وهي كثيرة: منها ما هو موضوعي كالوجود الأمريكي في المنطقة، ومنها ما هو ذاتي كالصراعات الناشبة بين الأنظمة الثلاثة من جهة وإرتريا من جهة أخرى.
ووفقاً للبيان الختامي الصادر يوم تأسيسه عن اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث المشار إليها: أن الغاية من إنشائه تكمن في إقامة علاقة تعاون بناء بين دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتعزيز الأمن والسلام في المنطقة. وفي قمـة (أديس أبابا) تاريخ 29 /12/2003 م أكـد رؤسـاء الـدول الثــلاث بـأن بـاب العضـويــة فـي التجمـع مفتـوحة لكـل مـن يـؤمن بأهدافه ومبادئه من دول المنطقة، لكن مع ذلك يلاحظ المتابع غيـاب إرتـريا؛ فمـاذا إذن وراء هـذا الغيـاب؟.
ويرى الإرتريون من طرفهم أن هذا التنظيم الاقليمى يستهدف نظامهم، ويعمق عزلتهم، وهو جزء من الصراع الذي تقوده إثيوبيا ضدهم في المنطقة سعياً إلى إسقاط الحكومة الاريترية.
ومهما كانت قراءة الإرتريين لأهداف التجمع ونظرتهم إلى آثاره النفسية والسياسية عليهم، وبالمقابل مهما تباينت وجهات نظر المحللين في تحليل (حلف صنعاء) وتلمس أهدافه فإن الحلف بلا شك عزل إرتريا سياسياً واقتصادياً ، وأربك السياسة الإرترية كل الإرباك، وبروز حالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشها إرتريا مع إثيوبيا .
رابعا: السياسة الأمريكية فى القرن الأفريقي بعد أحداث 11 سبتمبر:
منذ أحداث 11 سبتمبر، وما أعقبها من إعلان أمريكا ما أسمته الحملة العالمية على الإرهاب، احتلت منطقة القرن الإفريقي مكانة متقدمة في أولويات السياسة الأمريكية بشأن المناطق المطلوب السيطرة عليها كمواقع ومراكز حشد ومراقبة، في إطار خطة تطويق العالم الإسلامي.. والذي يمثل وفقا لـ"هانتنجتون" العدو في القرن الواحد والعشرين، تلك الخطة التي اتخذت أشكالا متعددة.. إعلامية وسياسية واقتصادية.. قبل أن تتخذ شكلها العسكري بدءا بالحملة
العسكرية التي قادتها على أفغانستان، أو لحصار المناطق المتصور وجود قواعد وأنصار لتنظيم
القاعدة بها، والتي أشارت كثير من التصريحات والتحليلات الغربية إلى تركزها فى دول شرق أفريقيا.
وقد وجدت أمريكا فى الاتفاقات الثنائية الموقعة سابقاً مع كل من كينيا وأثيوبيا وأوغندا بشأن التعاون الأمني والعسكري، المدخل لتكثيف الوجود الأمريكي في تلك البلدان، علاوة على اختيار جيبوتى لتكون مركز دائرة تغطي جانبي البحر الأحمر الإفريقى منه والآسيوى، وقد أعلن الأسبوع الماضي (19/2/2007 تحديداً) رئيس وزراء جيبوتي ديليتا محمد ديليتا استعداد بلاده لاستضافة مقر القيادة العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا والتي كان البنتاجون قد كشف عن إنشائها في وقت سابق.
وكانت وزارة الحرب الأمريكية قد أعلنت قبل أقل من شهر إنشاء قيادة إقليمية خاصة بإفريقيا على غرار القيادة الوسطى الخاصة في الشرق الأوسط وقيادة المحيط الهادئ وقيادة أوروبا، وقال: إنه يجري مشاورات لاختيار مكان إقامتها.واختيار جيبوتي لإقامة هذه القاعدة يمثل تغيرا استراتيجيا فى الأمن القومى العربى ( أمن البحر الأحمر ) ، بعد تغير أكثر خطرا حدث فى أمن الخليج العربى، وكلاهما يأتى فى إطار خطة حصار العالم الإسلامى حيث يشكل تقويضا للخصوصية العربية والإسلامية لهذا البحر وذلك الخليج.
كما يمثل إقامة هذه القاعدة فى جيبوتى.. التى توجد فيها أكبر قاعدة فرنسية في الخارج.. مؤشرا جديدا على مدى الاتفاق الأمريكى الأوروبى فى لعبة تقسيم الأوراق فى مواجهة العالم الإسلامى، ودليلا على التراجع الشديد فى الدور الأوروبى، حتى فى مناطق نفوذه التقليدية، وخاصة بعد تراجع السياسة الخارجية الفرنسية والألمانية عن مناوأة التوجهات الأمريكية للسيطرة على القرار فى الشؤن العالمية والانفراد به.
وبالمقابل فقد منحت أمريكا للحليف الأصغر "أوروبا" أدوارا فى مناطق أخرى ـ فى إطار خطة التطويق، حيث منحت ألمانيا القيادة العامة لقوات التحالف المسئولة عن مراقبة الأوضاع فى تلك المنطقة، وأقامت ألمانيا قاعدة عسكرية لها فى جيبوتى إلى جوار القاعدة الفرنسية القائمة هناك منذ "استقلال" جيبوتى. وكذلك انضمت قوات أسبانية إلى القوات الألمانية فى جهود المراقبة فى تلك المنطقة التى تتبع تقليدياً النفوذ الفرنسى، ولم تبد فرنسا اعتراضاً على ذلك باعتبارها شريكا "فى الحملة العالمية ضد الإرهاب"، وقد تلا ذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال قواتها إلى جيبوتى لتكون مقراً لرئاسة أركان التحالف الدولى فى المنطقة والتى يقع عليها مسئولية مراقبة دول جانبى البحر الأحمر، حيث بلغت القوات الأمريكية مع مطلع عام 2003 فى جيبوتى نحو تسعة آلاف فرد، بالإضافة إلى ألف فرد من (المارينز) وذلك قبل الحرب ضد العراق، فى حين لم يزد عدد القوات الفرنسية عن ألفى فرد والألمانية عن ألف فرد، علاوة على بعض القوات البريطانية والأسبانية بأعداد ضئيلة، وتعتبر تلك القوات الدولية على أرض جيبوتى الأكبر من نوعها التى شهدتها دولة أفريقية منذ "الاستقلال". وتجدر الإشارة إلى أن تعاون جيبوتى لم يتوقف عند حد استقبال القوات الأمريكية والدولية حيث وافقت على افتتاح محطة إرسال إذاعة صوت أمريكا فى أراضيها، كما تدفقت عليها أنظمة تسليحية متقدمة.
ومن جانبها، حددت الولايات المتحدة الأمريكية أن هدف قواتها الموجودة بالمنطقة إجراء مسح منتظم للسواحل لضمان عدم تسلل أى من العناصر "الإرهابية" والحيلولة دون حصولهم على ملاذ آمن.
أما إريتريا فقد شهدت فى عام 2002 سلسلة من الزيارات العسكرية الأمريكية، كان أبرزها زيارة تومى فرانكس قائد القيادة المركزية وقتها فى مارس، وزيارة وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد فى ديسمبر، والتى التقى خلالها بالرئيس الإريترى أفورقى، وبحثا خلالها السماح للقوات الأمريكية باستخدام المنشآت العسكرية والموانئ والمطارات الإريترية، وتبادل المعلومات "فى مجال مكافحة الإرهاب"، وجاءت تلك الزيارة فى إطار الجولات التى قامت بها الوفود الأمريكية لدول المنطقة المختلفة التى شملت كينيا وأوغندا وإثيوبيا، تحت عنوان تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب فى شرق أفريقيا. وقد اجتمع الرئيس جورج بوش بكل من الرئيس الكينى دانييل أراب موى ورئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى أثناء زيارتهما لواشنطن فى ديسمبر 2002 فى لقاء ثلاثى تناول سبل تدعيم التعاون ، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية أنها سوف تقوم بتغطية التكاليف المادية والمالية اللازمة لمكافحة الإرهاب لهاتين الدولتين باعتبارهما لا تملكان الموارد اللازمة لهذا الغرض. وقد شهدنا تطبيقا عمليا لهذه التفاهمات فى الهجوم الأثيوبى الأخير على الصومال لمساندة سلطة أمراء الحرب، جنبا إلى جنب مع القوات والطائرات الأمريكية.
ان التكوين الشائه للدولة القومية في منطقة القرن الإفريقى، هو تكوين جاهز دائما للتوظيف من الخارج، ففى الوقت الذى تمت فيه زيارة الرئيس الكينى والأثيوبى لواشنطن، كانت مناورات مشتركة أمريكية ـ كينية فى البر والبحر فى شرق أفريقيا تجرى على قدم وساق، بينما كانت أمريكا تضغت على أراب موى، بإعلان رفضها تغيير نص الدستور الكينى الخاص بتحديد رئاسة الدولة مرتين متتاليتين فقط، بما يعنى عدم السماح لـ موى بالترشيح للرئاسة مجددا، بينما ضغط الكينى من جانبه بإعلان السلطات الكينية أنها لم تعثر على إية صلة لـ"القاعدة" أو الجماعات الصومالية فى تفجيرات مومباسا، ردا على التصريحات الصهيونية والأمريكية باتهامهما، ومع ذلك فقد استثمر الحادث فى القيام باعتقالات واسعة لم تطل غير المسلمين فى كينيا.
وفى السودان، ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها كاملا خلف دول (الإيجاد)، لمحاصرة الدور العربى والإسلامى الذى تمثل فى المبادرة المصرية الليبية. وشهد عام 2002 توقيع اتفاق وقف إطلاق النار فى جبال النوبة بين الحكومة السودانية والجيش الشعبى لتحرير السودان، والذي كان قد تم التوقيع عليه في يناير بسويسرا لمدة ستة أشهر، تم تمديدها لمدة أخرى في ظل عمل اللجنة الدولية المشرفة على التنفيذ. وشهد العام كذلك ولأول مرة لقاء عمر البشير وجون قرنق ، وهو اللقاء الذي استضافته العاصمة "الأوغندية كمبالا" في يوليو، وذلك في إطار مباحثات بين الحكومة والحركة استضافتها "كينيا". وقد مارست أمريكا كل أنواع الضغوط والتهديد على الحكومة السودانية أثناء تلك المفاوضات، والتي أسفرت عن اتفاق مبادئ عرف باسم "اتفاق ماشاكوس"، حيث شهد شهر أكتوبر توقيع الرئيس الأمريكي القانون الذي أقره الكونجرس بفرض عقوبات على السودان إذا ثبت أنها غير جادة فى مفاوضاتها مع حركة التمرد، كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تجميد الأرصدة المالية لاثنتي عشرة شركة سودانية دون إبداء أى تفسير لقرارها، ولم يكن هناك من هدف لهذه الضغوط سوى إخضاع الحكومة السودانية لشرط التصويت على الانفصال بعد مدة زمنية، وهو ما يمثل هدفا استراتيجيا، وحكم
ذاتي شبه مستقل يسمح للجنوب بالاحتفاظ بكل مظاهر الدولة بعيدا عن حكومة الخرطوم تدعيما للنزوع الانفصالى.
ومرة أخرى، وللتأكيد على مفهوم صلاحية التكوينات التى نتجت من التقسيم الاستعمارى للدول القومية، للاستخدام من القوى الخارجية .. فقد دعت أمريكا وفدا من تجمع المعارضة السودانية للقيام بزيارة "رسمية" خلال شهر نوفمبر 2002 لبحث أمر الجولة التالية من مفاوضات ماشاكوس بين الحكومة السودانية والمعارضة والتى عقدت فى يناير 2003. وذلك قبل أن تعقد اجتماعا لممثلى الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان فى ديسمبر 2002 للتمهيد لاستئناف مفاوضات السلام.



#عزومحمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزومحمد عبد القادر ناجي - عدم الاستقرار السياسي في القرن الإفريقي (الجزء الثاني )